fbpx

بين التغيّر المناخي والطائرات المسيرة… السوريون بدون قمح!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“بذلت الغالي والنفيس، حتى أنني استدنت من أقربائي لأمضي في زراعة القمح لهذا العام الذي كانت أمطاره وفيرة وكثيرة، لكن لم يكن في الحسبان أن الحصاد سيكون سيئاً إلى درجة كبيرة ولم يؤتِ رأسماله”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

استفاق المزارع محمود الأخرس والفرح على وجهه، مع حلول موعد حصاد محصوله من القمح في سهل الغاب غرب حماة مطلع حزيران/ يونيو 2024. توجّه الأخرس مع شروق الشمس بصحبة أبنائه إلى حقلهم وأكياس الحصاد الفارغة محمّلة على دراجتهم النارية.

انتهت عملية الحصاد سريعاً، وعاد الأخرس مع أبنائه بعدما اكتشفوا أن 70 في المئة من الأكياس التي راحوا بها فارغة، ليخيّم حزن على جميع أفراد العائلة بسبب تدهور نتاج المحصول بسبب التغيرات المناخية وتصعيد قوات النظام وروسيا. 

يقول الأخرس: “بذلت الغالي والنفيس، حتى أنني استدنت من أقربائي لأمضي في زراعة القمح لهذا العام الذي كانت أمطاره وفيرة وكثيرة، لكن لم يكن في الحسبان أن الحصاد سيكون سيئاً إلى درجة كبيرة ولم يؤتِ رأسماله، ولا أعلم كيف سأتمكن من تسديد ديوني وشراء الغذاء لأبنائي في العام المقبل”.

“سنبقى بدون جدران”

حال محمود الأخرس تشابه حال مئات المزارعين الذين تفاجأوا بنتاج محصول القمح المتدني لهذا العام، والذي تراجع من 500كغ إلى 100كغ، في حين شهد محصول الشعير النقص ذاته، لا سيما في مناطق سهل الغاب غرب حماة وسهل الروج غرب إدلب ومنطقة الأتارب غرب حلب، فيما شهد العام ذاته تصاعداً واضحاً لهجمات النظام وروسيا على المزارعين.

هطلت الأمطار بغزارة خلال عام 2024 وعلى مدى أشهر السنة، والتي كانت مبشّرة للكثير من المزارعين بـ”نتاج محصول ممتاز”، حسب المزارع أيمن الحسن. “إذ استمرت الأمطار من لحظة البذار حتى رش الأسمدة وصولاً لنهاية الربيع”، ما دعا المزارعين الىى التفاؤل بمحصول يعود بالربح على العائلات التي تسكن على خطوط الحرب الأولى، وتحلم بإعمار منازلها التي دمرتها الحرب، بيد أن توقعات نتاج الحصاد المبشرة، لم تكن على سوية واحدة بل وتثير القلق.

يقول الحسن: “هذا العام والذي من المفروض أن يحمل الخير، انتهى بحصاد سيئ، إذ كانت أرضي تعطي مردوداً وسطياً يبلغ 450 كغ في سنوات الخير، وبناء على سقوط الأمطار ونضوج النبات اشتريت بعض مواد البناء قبل الحصاد لبناء جدران المنزل المتصدعة من الحرب وترميم المنزل بشكل عام”.

يتابع الحسن:”بعد تدهور إنتاج الموسم الحالي، واقتصار المردود على تغطية بعض من التكاليف الزراعية وتراجع إنتاج الدونم إلى 130 كغ، لم أستطع استكمال شراء باقي مواد البناء أو رفع الجدران، واليوم عملت وعائلتي على تغطية تلك المواد بغطاء بلاستيكي على أمل أن يكون محصول القمح للعام المقبل أفضل وأتمكن من النوم وعائلتي في منزلنا والحصول على الدفء بين جدرانه”.

من جهتها، استأجرت أم ياسر أرض قريبها في منطقة الأتارب بقصد الحصول على محصول جيد، يؤمن لها ولأطفالها معيشة العام المقبل، بعدما قُتل زوجها بقصف قوات النظام منذ 5 سنوات.

تعمل أم ياسر كل عام على استئجار أراضٍ وزراعتها والحصول على القمح، لتبيع قسماً وتدخر قسماً آخر لصناعة الخبز والبرغل، وبتكلفة وصلت إلى 70 دولاراً للدنم الواحد، توزع بين ثمن بذار وأدوية زراعية وسماد وحصاد وإيجار، لكن لم يعط الدونم  سوى 40 دولاراً أميركي.

تقول أم ياسر: “كنت أملك إسوارة وخاتمَي ذهب، بعتها كلها لاستئجار أرض وزراعتها علّها تجيء بمردود مالي مربح يمكنني من شراء حاجيات المدارس لأبنائي الذين أصبحوا أيتاماً بعد وفاة والدهم. ومع حلول موعد الحصاد وشروعي في حصاد حقلي، انتظرت كثيراً الحصادة لتفرغ نتاج القمح في الشاحنة، ولكن لم تتم تلك العملية إلا مع انتهاء الحصاد بالكامل، وبالكاد أفرغت الحصادة 4 أطنان من حقل يُفترض أن يعطي 15 طناً بأقل تقدير”.

“هذا العام والذي من المفروض أن يحمل الخير، انتهى بحصاد سيئ”.

الأمطار لم تحمل الخير!

لم يكن تدهور إنتاج القمح وليد المصادفة في شمال غربي سوريا، بل أثرت فيه عوامل عدة بحسب المهندس الزراعي علاء الشيرازي، إذ كانت التغيرات المناخية في مقدمة الأسباب المؤثرة في إنتاج القمح خلال موسم 2024، كما أدى الشتاء الدافئ إلى توفير حرارة مناسبة للحشرات في النباتات وتكاثرها وانتشارها.

يضيف الشيرازي قائلاً: “نتج من الرطوبة المرتفعة وكميات الأمطار المتساقطة بغزارة، بخاصة في نهاية الموسم، انتشار أمراض الصدأ وإفراغ السنابل من الحبوب، وعدم اكتمال أطوار النضج”.

يتابع الشيرازي: “الكثير من السنابل لم تمتلئ جيوبها بالتزامن مع فشل عملية اللقاح، كما أدت الأمطار المتساقطة في نهاية أيام الموسم في النصف الثاني من  شهر أيار/ مايو إلى رقاد النبات وتعفنها ونومها على الأرض، وإصابتها بأمراض عدة وسقوط حبات القمح منها”.

ارتفعت معدلات هطول الأمطار خلال العام 2024 في سوريا عن معدلاتها السنوية، لا سيما في فصل الربيع، وسجلت المديرية العامة للأرصاد الجوية في نهاية شهر أيار/ مايو منهذا العام في محافظة إدلب، ارتفاعاً ملحوظاً وصل إلى 778مم في منطقة جسر الشغور المتضمنة منطقة سهل الروج مقارنةً بـ 690مم كمعدل سنوي.

في حين سجلت منطقة الغاب غرب حماة في نقطة شطحة 1860مم مقارنة بـ 1460مم كمعدل سنوي، ونسبة أمطار يومية 52 مم تم تسجيلها في 20 مايو 2024، والذي يصادف الأيام الأخيرة من عمر نبات القمح الذي يكون بها في أول أيام الحصاد.

شهد موسم العام 2024 انتشاراً متزايداً للقوارض، ومنها فأر الحقل في حقول القمح في المنطقة الوسطى والشمالية من سوريا بحسب المهندس  الزراعي علاء الشيرازي، إذ كانت درجات الحرارة خلال شهري شباط/ فبراير وكانون ثاني/ يناير مناسبة لتكاثر الفئران في الحقول الزراعية، حيث تحتاج الأخيرة إلى درجات حرارة منخفضة  تصل إلى 5 درجات مئوية على مدى 15 يوماً للقضاء على فأر الحقل، لكن درجات الحرارة كانت سجلت خلال تلك الأشهر بين الــ 17- 14 مئوية في محافظات إدلب وحماة. 

تحليل المهندس الشيرازي يتطابق مع شهادة المزارع خالد الموسى في منطقة جسر الشغور، والذي أكد في حديثه لـ”درج”، أنه ترك 10 دونمات مزروعة بالقمح من دون حصاد بسبب غزوها من الفئران وارتفاع تكلفة الحصاد مقارنة بنتاج الحقل.

 أدى انتشار الفئران في منطقة حسب خالد الموسى، إلى تدهور إنتاج القمح الى مستويات منخفضة وصفها بـ”المخيفة”، بالتزامن مع عمل المزارعين هناك بالسبل كافة للقضاء على فأر الحقل لكن من دون جدوى تذكر.

يعزو الموسى سبب انتشار الفئران الى عدم تساقط الثلوج والصقيع من جهة، وعدم حصولهم على أدوية مناسبة للقضاء على القوارض من جهة أخرى، سواء من المنظمات المعنية بدعم الزراعة أو الجهات الحكومية الموجودة بالمناطق المختلفة.

العسكرة دمرت المحصول أيضاً!

 ترافق تأثير التغير المناخي على محصول القمح في شمال غربي سوريا مع التصعيد العسكري المفتعل من قوات النظام وروسيا وميليشيات إيران خلال موسم العام 2024، ما أدى الى هجرة عدد من المزارعين حقولهم، لا سيما القريبة من خطوط التماس بين مناطق سيطرة فصائل المعارضة من جهة وسيطرة قوات النظام من جهة أخرى في مناطق سهل الغاب غرب حماة والأتارب غرب حلب.

وثّقنا في “درج” خلال تقارير سابقة لجوء نظام الأسد وحلفائه إلى تطوير وتجريب الطائرات المسيرة الانتحارية على المزارعين، ما أجبر العشرات على إهمال أراضيهم بسبب خوفهم من الوصول إليها، بعد تصاعد الهجمات ضدهم ومقتل عدد منهم بينهم أطفال، ما أفضى إلى تدهور إنتاج المحاصيل بسبب عدم قدرة المزارعين على تسميدها ورشها بالمبيدات والمخصبات الزراعية.

في دائرة الجوع

ترافق تراجع إنتاج القمح في ظل التغيرات المناخية والتصعيد العسكري في شمال غربي سوريا مع تراجع الدعم المقدم من الأمم المتحدة للسوريين خلال الأشهر الأخيرة الماضية، إذ قال برنامج الأغذية العالمي (WFP) إن الحد الأدنى للأجور في سوريا يغطي الآن أقل من خمس احتياجات الغذاء للأسر، في ظل تضاعف تكلفة سلة النفقات الأدنى مقارنة بالعام الماضي.

وقال البرنامج في تقرير أسعار، إن الغذاء شهد ارتفاعاً حاداً بلغت نسبته 83 في المئة خلال الفترة نفسها، ما يؤكد حدة الأزمة الاقتصادية والغذائية التي تواجهها البلاد. وأظهر هذا التطور الفجوة المتزايدة بين تكاليف المعيشة والدخول، إذ كان الحد الأدنى للأجور يغطي ثلاثة أضعاف تكلفة سلة الغذاء الأساسية للأسرة في عام 2019، بينما اليوم لا يكفي سوى لأقل من خُمس هذه الاحتياجات. 

يُعد القمح المادة الأساسية للغذاء في سوريا ويعتمد عليه السكان في صناعة الخبز ومصدر غذاء مهم على المائدة، لا سيما البرغل والطحين والفريكة بحسب تاجر الحبوب سامر العنان، إذ تباع ربطة الخبز في محافظة إدلب بحوالي 0.3 دولار بوزن 550 غراماً، ويتخوف العنان من رفع سعر ربطة الخبز بسبب تدهور إنتاج القمح، ما سيؤثر على الغذاء ويرفع نسبة الجوع بسبب تصاعد نسبة البطالة بين السكان، والذي وصل إلى 88.4 في المئة بشكل وسطي (مع اعتبار أن عمال المياومة ضمن الفئات المذكورة) بحسب فريق منسقي استجابة سوريا.

25.06.2024
زمن القراءة: 6 minutes

“بذلت الغالي والنفيس، حتى أنني استدنت من أقربائي لأمضي في زراعة القمح لهذا العام الذي كانت أمطاره وفيرة وكثيرة، لكن لم يكن في الحسبان أن الحصاد سيكون سيئاً إلى درجة كبيرة ولم يؤتِ رأسماله”.

استفاق المزارع محمود الأخرس والفرح على وجهه، مع حلول موعد حصاد محصوله من القمح في سهل الغاب غرب حماة مطلع حزيران/ يونيو 2024. توجّه الأخرس مع شروق الشمس بصحبة أبنائه إلى حقلهم وأكياس الحصاد الفارغة محمّلة على دراجتهم النارية.

انتهت عملية الحصاد سريعاً، وعاد الأخرس مع أبنائه بعدما اكتشفوا أن 70 في المئة من الأكياس التي راحوا بها فارغة، ليخيّم حزن على جميع أفراد العائلة بسبب تدهور نتاج المحصول بسبب التغيرات المناخية وتصعيد قوات النظام وروسيا. 

يقول الأخرس: “بذلت الغالي والنفيس، حتى أنني استدنت من أقربائي لأمضي في زراعة القمح لهذا العام الذي كانت أمطاره وفيرة وكثيرة، لكن لم يكن في الحسبان أن الحصاد سيكون سيئاً إلى درجة كبيرة ولم يؤتِ رأسماله، ولا أعلم كيف سأتمكن من تسديد ديوني وشراء الغذاء لأبنائي في العام المقبل”.

“سنبقى بدون جدران”

حال محمود الأخرس تشابه حال مئات المزارعين الذين تفاجأوا بنتاج محصول القمح المتدني لهذا العام، والذي تراجع من 500كغ إلى 100كغ، في حين شهد محصول الشعير النقص ذاته، لا سيما في مناطق سهل الغاب غرب حماة وسهل الروج غرب إدلب ومنطقة الأتارب غرب حلب، فيما شهد العام ذاته تصاعداً واضحاً لهجمات النظام وروسيا على المزارعين.

هطلت الأمطار بغزارة خلال عام 2024 وعلى مدى أشهر السنة، والتي كانت مبشّرة للكثير من المزارعين بـ”نتاج محصول ممتاز”، حسب المزارع أيمن الحسن. “إذ استمرت الأمطار من لحظة البذار حتى رش الأسمدة وصولاً لنهاية الربيع”، ما دعا المزارعين الىى التفاؤل بمحصول يعود بالربح على العائلات التي تسكن على خطوط الحرب الأولى، وتحلم بإعمار منازلها التي دمرتها الحرب، بيد أن توقعات نتاج الحصاد المبشرة، لم تكن على سوية واحدة بل وتثير القلق.

يقول الحسن: “هذا العام والذي من المفروض أن يحمل الخير، انتهى بحصاد سيئ، إذ كانت أرضي تعطي مردوداً وسطياً يبلغ 450 كغ في سنوات الخير، وبناء على سقوط الأمطار ونضوج النبات اشتريت بعض مواد البناء قبل الحصاد لبناء جدران المنزل المتصدعة من الحرب وترميم المنزل بشكل عام”.

يتابع الحسن:”بعد تدهور إنتاج الموسم الحالي، واقتصار المردود على تغطية بعض من التكاليف الزراعية وتراجع إنتاج الدونم إلى 130 كغ، لم أستطع استكمال شراء باقي مواد البناء أو رفع الجدران، واليوم عملت وعائلتي على تغطية تلك المواد بغطاء بلاستيكي على أمل أن يكون محصول القمح للعام المقبل أفضل وأتمكن من النوم وعائلتي في منزلنا والحصول على الدفء بين جدرانه”.

من جهتها، استأجرت أم ياسر أرض قريبها في منطقة الأتارب بقصد الحصول على محصول جيد، يؤمن لها ولأطفالها معيشة العام المقبل، بعدما قُتل زوجها بقصف قوات النظام منذ 5 سنوات.

تعمل أم ياسر كل عام على استئجار أراضٍ وزراعتها والحصول على القمح، لتبيع قسماً وتدخر قسماً آخر لصناعة الخبز والبرغل، وبتكلفة وصلت إلى 70 دولاراً للدنم الواحد، توزع بين ثمن بذار وأدوية زراعية وسماد وحصاد وإيجار، لكن لم يعط الدونم  سوى 40 دولاراً أميركي.

تقول أم ياسر: “كنت أملك إسوارة وخاتمَي ذهب، بعتها كلها لاستئجار أرض وزراعتها علّها تجيء بمردود مالي مربح يمكنني من شراء حاجيات المدارس لأبنائي الذين أصبحوا أيتاماً بعد وفاة والدهم. ومع حلول موعد الحصاد وشروعي في حصاد حقلي، انتظرت كثيراً الحصادة لتفرغ نتاج القمح في الشاحنة، ولكن لم تتم تلك العملية إلا مع انتهاء الحصاد بالكامل، وبالكاد أفرغت الحصادة 4 أطنان من حقل يُفترض أن يعطي 15 طناً بأقل تقدير”.

“هذا العام والذي من المفروض أن يحمل الخير، انتهى بحصاد سيئ”.

الأمطار لم تحمل الخير!

لم يكن تدهور إنتاج القمح وليد المصادفة في شمال غربي سوريا، بل أثرت فيه عوامل عدة بحسب المهندس الزراعي علاء الشيرازي، إذ كانت التغيرات المناخية في مقدمة الأسباب المؤثرة في إنتاج القمح خلال موسم 2024، كما أدى الشتاء الدافئ إلى توفير حرارة مناسبة للحشرات في النباتات وتكاثرها وانتشارها.

يضيف الشيرازي قائلاً: “نتج من الرطوبة المرتفعة وكميات الأمطار المتساقطة بغزارة، بخاصة في نهاية الموسم، انتشار أمراض الصدأ وإفراغ السنابل من الحبوب، وعدم اكتمال أطوار النضج”.

يتابع الشيرازي: “الكثير من السنابل لم تمتلئ جيوبها بالتزامن مع فشل عملية اللقاح، كما أدت الأمطار المتساقطة في نهاية أيام الموسم في النصف الثاني من  شهر أيار/ مايو إلى رقاد النبات وتعفنها ونومها على الأرض، وإصابتها بأمراض عدة وسقوط حبات القمح منها”.

ارتفعت معدلات هطول الأمطار خلال العام 2024 في سوريا عن معدلاتها السنوية، لا سيما في فصل الربيع، وسجلت المديرية العامة للأرصاد الجوية في نهاية شهر أيار/ مايو منهذا العام في محافظة إدلب، ارتفاعاً ملحوظاً وصل إلى 778مم في منطقة جسر الشغور المتضمنة منطقة سهل الروج مقارنةً بـ 690مم كمعدل سنوي.

في حين سجلت منطقة الغاب غرب حماة في نقطة شطحة 1860مم مقارنة بـ 1460مم كمعدل سنوي، ونسبة أمطار يومية 52 مم تم تسجيلها في 20 مايو 2024، والذي يصادف الأيام الأخيرة من عمر نبات القمح الذي يكون بها في أول أيام الحصاد.

شهد موسم العام 2024 انتشاراً متزايداً للقوارض، ومنها فأر الحقل في حقول القمح في المنطقة الوسطى والشمالية من سوريا بحسب المهندس  الزراعي علاء الشيرازي، إذ كانت درجات الحرارة خلال شهري شباط/ فبراير وكانون ثاني/ يناير مناسبة لتكاثر الفئران في الحقول الزراعية، حيث تحتاج الأخيرة إلى درجات حرارة منخفضة  تصل إلى 5 درجات مئوية على مدى 15 يوماً للقضاء على فأر الحقل، لكن درجات الحرارة كانت سجلت خلال تلك الأشهر بين الــ 17- 14 مئوية في محافظات إدلب وحماة. 

تحليل المهندس الشيرازي يتطابق مع شهادة المزارع خالد الموسى في منطقة جسر الشغور، والذي أكد في حديثه لـ”درج”، أنه ترك 10 دونمات مزروعة بالقمح من دون حصاد بسبب غزوها من الفئران وارتفاع تكلفة الحصاد مقارنة بنتاج الحقل.

 أدى انتشار الفئران في منطقة حسب خالد الموسى، إلى تدهور إنتاج القمح الى مستويات منخفضة وصفها بـ”المخيفة”، بالتزامن مع عمل المزارعين هناك بالسبل كافة للقضاء على فأر الحقل لكن من دون جدوى تذكر.

يعزو الموسى سبب انتشار الفئران الى عدم تساقط الثلوج والصقيع من جهة، وعدم حصولهم على أدوية مناسبة للقضاء على القوارض من جهة أخرى، سواء من المنظمات المعنية بدعم الزراعة أو الجهات الحكومية الموجودة بالمناطق المختلفة.

العسكرة دمرت المحصول أيضاً!

 ترافق تأثير التغير المناخي على محصول القمح في شمال غربي سوريا مع التصعيد العسكري المفتعل من قوات النظام وروسيا وميليشيات إيران خلال موسم العام 2024، ما أدى الى هجرة عدد من المزارعين حقولهم، لا سيما القريبة من خطوط التماس بين مناطق سيطرة فصائل المعارضة من جهة وسيطرة قوات النظام من جهة أخرى في مناطق سهل الغاب غرب حماة والأتارب غرب حلب.

وثّقنا في “درج” خلال تقارير سابقة لجوء نظام الأسد وحلفائه إلى تطوير وتجريب الطائرات المسيرة الانتحارية على المزارعين، ما أجبر العشرات على إهمال أراضيهم بسبب خوفهم من الوصول إليها، بعد تصاعد الهجمات ضدهم ومقتل عدد منهم بينهم أطفال، ما أفضى إلى تدهور إنتاج المحاصيل بسبب عدم قدرة المزارعين على تسميدها ورشها بالمبيدات والمخصبات الزراعية.

في دائرة الجوع

ترافق تراجع إنتاج القمح في ظل التغيرات المناخية والتصعيد العسكري في شمال غربي سوريا مع تراجع الدعم المقدم من الأمم المتحدة للسوريين خلال الأشهر الأخيرة الماضية، إذ قال برنامج الأغذية العالمي (WFP) إن الحد الأدنى للأجور في سوريا يغطي الآن أقل من خمس احتياجات الغذاء للأسر، في ظل تضاعف تكلفة سلة النفقات الأدنى مقارنة بالعام الماضي.

وقال البرنامج في تقرير أسعار، إن الغذاء شهد ارتفاعاً حاداً بلغت نسبته 83 في المئة خلال الفترة نفسها، ما يؤكد حدة الأزمة الاقتصادية والغذائية التي تواجهها البلاد. وأظهر هذا التطور الفجوة المتزايدة بين تكاليف المعيشة والدخول، إذ كان الحد الأدنى للأجور يغطي ثلاثة أضعاف تكلفة سلة الغذاء الأساسية للأسرة في عام 2019، بينما اليوم لا يكفي سوى لأقل من خُمس هذه الاحتياجات. 

يُعد القمح المادة الأساسية للغذاء في سوريا ويعتمد عليه السكان في صناعة الخبز ومصدر غذاء مهم على المائدة، لا سيما البرغل والطحين والفريكة بحسب تاجر الحبوب سامر العنان، إذ تباع ربطة الخبز في محافظة إدلب بحوالي 0.3 دولار بوزن 550 غراماً، ويتخوف العنان من رفع سعر ربطة الخبز بسبب تدهور إنتاج القمح، ما سيؤثر على الغذاء ويرفع نسبة الجوع بسبب تصاعد نسبة البطالة بين السكان، والذي وصل إلى 88.4 في المئة بشكل وسطي (مع اعتبار أن عمال المياومة ضمن الفئات المذكورة) بحسب فريق منسقي استجابة سوريا.

25.06.2024
زمن القراءة: 6 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية