fbpx

بين محمد صلاح وأبو تريكة:
المواقف السياسية تحكم مستقبل نجوم كرة القدم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قوة محمد صلاح العالمية، وانتماؤه إلى صفوف نادي “ليفربول الإنكليزي”، يشكلان حصانة قوية، ضد الاستمرار في محاولة استغلاله سياسياً، أو محاولة إجباره على اتخاذ مواقف إيديولوجية لا يرضى عنها…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أيدت محكمة النقض المصرية قرار استمرار إدراج نجم منتخب مصر السابق محمد أبو تريكة على قائمة الإرهاب. 

يترتب على هذا القرار استمرار تجميد أمواله هو و1527 شخصاً، بينهم قياديون في جماعة “الإخوان المسلمين” واستمرار إدراجهم على قوائم الإرهاب لمدة خمس سنوات. يعاني أبو تريكه من تداعيات وضعه على قائمة الإرهاب منذ نيسان/ أبريل 2018 بعد اتهامه بتمويل جماعة الإخوان المسلمين.

 يبدو أبو تريكة اليوم نموذجاً لضريبة انخراط شخصية عامة بارزة في السياسة وهو ما يفتح مجال للسؤال، هل المعارضة محظورة على الرياضيين؟وهل يستحق امتلاك موقف سياسي معلن هذه الضريبة المفجعة كلها؟ 

بين أبوتريكة و”مو”

هل أدرك النجم المصري العالمي محمد صلاح فخ الانخراط في السياسة في مصر فتحاشى الظهور السياسي؟ 

من يتابع نجم “ليفربول الإنكليزي” المعروف بـ”مو”، سيلاحظ أنه يتحاشى أن يكون له أي موقف سياسي واضح من الشأن المصري العام، وفي المقابل هو يستغل أي مناسبة عامة لإظهار تقديره لأبو تريكة، فأثناء تكريمه بجائزة أفضل لاعب أفريقي لعام 2018، أكد أنه يعتبر “أبو تريكة” الأسطورة ونجم كل العصور.

بعدما عبّر محمد صلاح لاعب نادي “ليفربول الإنكليزي” عن غبطته لتحقيق حلم طفولته بالتتويج بدوري أبطال أوروبا لعام 2019، وإحرازه أسرع هدف، ليصبح ثالث لاعب عربي يسجل في المباراة النهائية للبطولة الأوروبية القيّمة، تلفت ليسأل مراسل قناة “بي إن سبورت” الرياضية عن اللاعب المصري محمد أبو تريكة، الذي انضم بعد اعتزاله، إلى طاقم محللي القناة، لينشر صوراً فوتوغرافية خلال الاحتفالات. 

الأمر نفسه يفعله أبو تريكة الذي وعبر ظهوره كمحلل رياضي لمباريات الدوري الإنكليزي على شاشة قنوات “بي إن سبورت”، دافع عن نجومية مواطنه صلاح من مشجعي جمهور النادي الإنكليزي، إثر تعبير “مو” عن إحباطه لعدم حصوله على شارة القيادة في مباراة فريقه ضد نادي “ميتدلاند” الدنماركي. انتقد أبو تريكة يورغن كلوب المدير الفني للفريق لعدم تقديره لمواطنه، وصّرح قائلاً:”محمد صلاح نجم غصب عن أي حد، عن ليفربول وعن الجميع، ومن حقه الحصول على شارة القيادة”، وسأل: “لماذا لا يبرز ليفربول محمد صلاح ويعامله كنجم للفريق؟”. 

الجمهور والدولة

في السنوات الأخيرة، ومع إمساك الرئيس عبد الفتاح السيسي بقبضة الحكم والتضييق وملاحقة جماعة الاخوان المسلمين وحظرها وسجن قياداتها، بات أي شخص يعبر عن تعاطفه مع الجماعة خصوصاً إن كان شخصية سياسية أو عامة، يتعرض للتخوين، ولوحق نشطاء ومعارضون وتزخر السجون بآلاف المعتقلين من بينهم مجموعات واسعة من الإخوان المسلمين. 

هذا الأمر جعل الظهور السياسي العلني أمراً محفوفاً بالمخاطر، خصوصاً الاعتقال والتضييق. وما تعرض له أبو تريكة بات درساً اتعظ منه على ما يبدو لاعبون كثر. 

فمثلا وعلى رغم تبادل الحفاوة والاحتفاء العلني بين النجمين صلاح وأبو تريكة، إلا أنهما يسلكان نهجين متناقضين، لكل منهما أيديولوجية سياسية مختلفة، يجنيان تبعاتها، ويتحملان مسؤوليتها، وهو ما يفسر غياب مساندة “مو” قدوته أبو تريكة، على الأقل إعلامياً. 

اعتاد محمد أبو تريكة، التعبير عن مواقفه السياسية، في كل المناسبات، من دون التفكير في عواقبها، وهو ما أكسبه شعبية طاغية، ووثقت علاقته بجمهور واسع،حتى بعد اعتزاله كرة القدم، فأثناء مشاركة أبو تريكة في كأس الأمم الأفريقية عام 2008، ضد المنتخب السوداني، ارتدى قميصاً كُتب عليه “تعاطفاً مع غزة”، أظهره أثناء احتفاله بإحرازه هدفاً في المباراة، تعبيراً عن مشاعره تجاه القضية الفلسطينية. 

تبدت مواقف محمد أبوتريكة، لاعب الأهلي المصري السابق، السياسية بوضوح، إثر رفضه مصافحة المشير محمد حسين طنطاوي- أثناء استقبال الفريق- اعتراضاً على تقاعس الدولة في الكشف عن جناة مجزرة بورسعيد، في شباط/ فبراير 2012، وأكد في حواره مع “اليوم السابع”، 4 شباط 2012، عن عدم رضاه عن إدارة المجلس العسكري للبلاد، قائلاً: “المجلس العسكري يدير البلاد بأيدي مرتعشة”. 

و بعدما أعلن محمد مرسي، رئيس مصر الأسبق، عن ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2012، عن “حزب الحرية والعدالة”، لجماعة الإخوان المسلمين، ظهر أبو تريكة في مقطع فيديو، يؤكد فيه تأييده الانتخابي للجماعة، كون “مصر تحتاج لهم، لانتشارهم الكثيف في أنحاء الجمهورية، وإخلاصهم في خدمة الشعب”. كانت تلك المرة الأولى التي يعلن فيها انتماؤه السياسي بشكل علني في الوسائل الإعلامية. 

أبو تريكة في قفص الاتهام والعقاب

كان عام 2015، بداية التأكيدات من جانب الحكومة المصرية، وأجهزتها الإعلامية، بانتماء محمد أبوتريكة لجماعة الإخوان المسلمين، ووجود أدلة تثبت شراكته لبعض أعضاء الجماعة في شركة سياحية باسم ” أصحاب تورز للسياحة” تُستخدم أموالها في دعم أنشطتهم، وأصدر القضاء المصري  حكماً قضائياً عام 2015، بالتحفظ على أمواله وشركته السياحية، وعزله من مجلس إدارتها تنفيذا لحكم التحفظ على الشركة. 

الأحكام القضائية، أعقبها، نفي من “أبو تريكة”، في تصريحاته الصحافية،  بعدم انتمائه للإخوان المسلمين، ومشاركته في اعتصام رابعة، أو تمويله الاعتصام في الميدان بمولدات كهربائية، إضافة إلى عدم وجود أعمال تجارية بينه وبين أعضاء الجماعة، بخاصة بعد انسحاب عضو الجماعة أنس القاضي، من شركة “نايل لاند للسياحة” عام 2013، التي تم تغييرها إلى “أصحاب تورز للسياحة”. 

على رغم إدانة لاعب الأهلي السابق، واتهامه من خلال الأحكام القضائية بإدراجه كعنصر إرهابي، إلا أن حضوره الشعبي تضاعف. فبعد الحكم القضائي الأخير، من نيابة النقض المصرية، بتأييد قرار محكمة الجنايات بإدراجه لمدة خمس سنوات على قوائم الإرهاب، شاركت أعداد واسعة من محبي أبو تريكة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، هاشتاغ  “أبو تريكة مش إرهابي”. 

لاعبو الكرة… والدين
يلجأ كثر من لاعبي كرة القدم المصرية إلى الظهور بمظهر الملتزمين دينياً، فيلجأ البعض إلى ذبح القرابين، والسفر للحج والعمرة، وبذل الصدقات. منهم من يرى أن تلك الأعمال قد تغيّر حالة الإخفاق التي يتعرضون لها في الملاعب، إضافة إلى تكرر مشاهد سفر المنتخب المصري إلى السعودية في رحلات العمرة.

لا تقتصر مشهدية اللاعب “المؤمن” على الظهور داخل مصر، فمحمد صلاح اشتهر في تكرار سجوده في الملاعب الاوروبية بعد تحقيقه هدف ما، وهو ما يثير التكهن حول ميله لتأييد جماعة الإخوان المسلمين، بخاصة بعد وجود مقطع فيديو للقاء تلفزيوني قديم لـ”مو”، يقول فيه: “ومين قال إني مش إخوان”، بعدما سُئل عن شعوره، حول تجاهل”مرسي” –في فترة وجوده رئيساً-  لتهنئته بحصوله على جائزة أفضل لاعب في الدوري السويسري، فيما هنأ “أبو تريكة” على جائزة أفضل لاعب أفريقي محلي عام 2012. 

سواء كان تأييد “مو” مرسي وجماعته، مؤكداً من عدمه، إلا أن احترافه في الدوري الإنكليزي، وتوهجه العالمي، شكّل قوة ناعمة ضخمة، حاول الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، استغلالها والاستفادة منها، بخلق صورة ود وحفاوة بينهما، ففي حوار لاعب ليفربول الإنكليزي، مع الإعلامية لميس الحديدي، كانون الثاني/ يناير 2017، حكى، عن إبلاغه من مدير المنتخب المصري إيهاب لهيطة، بالاستعداد لاجتماع خاص مع الرئيس السيسي، وبعد وصوله، وجد نفسه مشاركاً في تكريم الشباب، باعتباره قدوة ونموذجاً يحتذون به. 

مشاعر أبوية 

منذ طرح رؤيته السياسية، أكد عبد الفتاح السيسي، أن الرياضة وفقاً لرؤيته أمن قومي، يوليها اهتماماً كبيراً، وهو ما يحرص وزير الرياضة الحالي أشرف صبحي على تكراره في معظم لقاءاته وتصريحاته الإعلامية، ليسير على خطى “مبارك” الذي كان يستخدم اتحاد كرة القدم كأداة سياسية لتبريد مشاعر المواطنين، من خلال تصدره مشاهد تكريم المنتخب المصري في البطولات الجماهيرية، أمم أفريقيا، وحرصه على استقبالهم بعد التتويج بالبطولات في مطار القاهرة، إضافة إلى تصدير شغفه برياضة “الإسكواش”، التي أوليت اهتماماً كبيراً في عهده، مثلما انتعشت رياضة “الدراجات” في عهد “السيسي”، وظهوره الإعلامي الدائم أثناء حثه على ممارستها، واستخدامها من قبل المواطنين، كوسيلة موفرة ومريحة للتنقل. 

وبلهجة أبوية، نشرت رئاسة الجمهورية المصرية، بياناً عام 2018، لتهنئة محمد صلاح، لحصوله على جائزة أفضل لاعب في قارة إفريقيا، “نهنئ ابني البار بفوزه المستحق بجائزة أفضل لاعب في القارة”، وبعدها مباشرة بأربعة أشهر، في إبريل 2018،  نُشر على الحساب الرسمي للرئيس عبد الفتاح على “إنستغرام” تهنئة لحصول “مو” على جائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي، وكونه يرفع اسم عالياً، وبعدها مباشرة بشهرين، أجرى الرئيس المصري اتصالاً هاتفياً للاطمئنان على الحالة الصحية لـ”صلاح”، بعد إصابته بجزع في أربطة الكتف خلال مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا، حزيران/ يونيو 2018، أعقبت الاتصال، تدوينة على الحساب الرسمي للسيسي على “فايسبوك”، مؤكداً فيها مشاعر الأبوية، قائلاً “أدعو له دعاء الأب لابنه، بأن يحفظه الله ويُشفى”، كما أكد تسخير إمكانات الدولة الطبية كافة لدعمه.   

ثمة لاعبون، لا يحظون بأي حصانة، مهما كانت الأندية التي يلعبون لمصلحتها.

في السياق ذاته، ظهر صلاح غالي، والد مو، كبديل عن الابن، في تدعيم صورة الرئيس المصري لدى الشعب، بداية من عام 2018، بإعلانه تحرير توكيل في مدينة 15 أيار لتأييد عبد الفتاح السيسي للترشح في الانتخابات الرئاسية، بعدما شارك في الحملة الرسمية في مركز بسيون في الغربية عام 2014، في الفترة الرئاسية الأولى. 

على رغم أن مواقف النجم العالمي، لا تترك تأويلاً حول عدم تأييده النظام السياسي المصري الحالي منذ البداية، لكنه لم يظهر في أي مقاطع فيديو، أو حملات إعلامية، أو ينشر تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليعلن دعمه الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل واضح، في الوقت الذي يتكفل والده بهذه المهمة، مع عدم القطع باليقين بموافقة محمد صلاح على هذه المواقف. 

بعد انتشار دعوات التظاهرات ضد السيسي، أيلول 2019، ظهر والد صلاح في مقطع فيديو، يؤكد فيه دعمه وأسرة محمد صلاح، ضد هذه التظاهرات، والإشادة بإنجازاته الكبيرة، قال: “هذه رسالة موجهة مني إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، من أسرة الكابتن محمد صلاح ومني شخصياً، نحن لا نشكك في قدرات سيادتك ونؤيدك، لأن إنجازاتك شرف لكل المصريين”. 

بعد انتشار مقطع الفيديو، شاعت الأقاويل على مواقع التواصل الاجتماعي، وقتها، بالشكوك حول إجبار والد اللاعب العالمي على قراءة البيان، وإعلان تأييده، بخاصة أن ابنه، في حالة استنكار وغضب شديدة، بعد عدم تصويت اتحاد كرة القدم المصري على جائزة “الأفضل” التي ينظمها “الاتحاد الدولي لكرة القدم”. 

إقصاء أو استغلال 

قوة محمد صلاح العالمية، وانتماؤه إلى صفوف نادي “ليفربول الإنكليزي”، يشكلان حصانة قوية، ضد الاستمرار في محاولة استغلاله سياسياً، أو محاولة إجباره على اتخاذ مواقف إيديولوجية لا يرضى عنها، وهو ما اتضح جلياً أثناء أزمته مع اتحاد كرة القدم المصري، الذي حاول استخدامه في الترويج لشركة اتصالات “we”، التابعة للدولة، من دون الحصول على ترخيص من الوكلاء القانونيين والممثلين للنجم العالمي، واضطروا في النهاية، بعد مساندة الجمهور له، لإنهاء الأزمة وإزالة صوره من على متن الطائرة الخاصة بالمنتخب المصري التي استقلها للسفر وقتها لمباريات كأس العالم في روسيا 2018. 

وعلى رغم الدعم الجماهيري الضخم، الذي يتمتع به محمد أبو تريكة، بشكل دائم، إذ تخصص له دقائق في المباريات، للهتافات والدعم من قبل الجماهير العربية بمختلف انتماءاتهم للأندية، إلا أنه لا يحظى بالدعم العالمي نفسه، والقوة التي ترفع يد الدولة المصرية عنه، بخاصة أنه يقيم في دولة قطر، ذات العلاقة الديبلوماسية والسياسية المتوترة بينها وبين مصر. 

إنما ثمة لاعبون، لا يحظون بأي حصانة، مهما كانت الأندية التي يلعبون لمصلحتها، فقد أطيح بأحمد عبد الظاهر، لاعب النادي الأهلي الجماهيري، الذي يوصف بأنه “نادي الدولة”، إثر رفعه إشارة “رابعة”، المعروفة إعلامياً لتأييد ضحايا اعتصام رابعة، أثناء مباراة الفريق في مباراة نهائي بطولة أفريقيا عام 2014، وعاقب النادي المصري اللاعب، بحرمانه مكافأة البطولة التي شارك في إنجازها، إضافة إلى عرضه للبيع. 

وتدخل وزير الرياضة المصري، آنذاك، طاهر أبوزيد وهدد بمعاقبة اللاعب، ووصف تصرفه بعدم الوطنية، مستشهداً بمعاقبة لاعب الكونغ فو، بوقفه تمهيداً لشطبه، بعدما تم ترحيله إلى القاهرة، وحرمانه السفر إلى بطولة العالم في كوالالمبور، محمد يوسف الذي رفع الإشارة ذاتها، أثناء تتويجه بالميدالية الذهبية في دورة الألعاب القتالية الدولية في مدينة سان بطرسبرغ الروسية. 

ربما، كان يوسف،  وعبد الظاهر، في مأمن بقدر شعبيتهما، إضافة إلى إنجازاتهما أو وجود الثاني في نادٍ جماهيري، تدعمه الدولة، إلا أن اللاعب حمادة السيد، قد اختفى من منزله عام 2017، وقت انضمامه إلى صفوف نادي أسوان، الذي لا يكاد يكون مجرداً من أي دعم، وأفرج عنه بعد اتهامه بالانضمام لجماعة إرهابية محظورة، ويُحكم له بالبراءة، بعدها بثلاث سنوات، من جنايات القاهرة عام 2020. 

إقرأوا أيضاً:

26.03.2021
زمن القراءة: 8 minutes

قوة محمد صلاح العالمية، وانتماؤه إلى صفوف نادي “ليفربول الإنكليزي”، يشكلان حصانة قوية، ضد الاستمرار في محاولة استغلاله سياسياً، أو محاولة إجباره على اتخاذ مواقف إيديولوجية لا يرضى عنها…

أيدت محكمة النقض المصرية قرار استمرار إدراج نجم منتخب مصر السابق محمد أبو تريكة على قائمة الإرهاب. 

يترتب على هذا القرار استمرار تجميد أمواله هو و1527 شخصاً، بينهم قياديون في جماعة “الإخوان المسلمين” واستمرار إدراجهم على قوائم الإرهاب لمدة خمس سنوات. يعاني أبو تريكه من تداعيات وضعه على قائمة الإرهاب منذ نيسان/ أبريل 2018 بعد اتهامه بتمويل جماعة الإخوان المسلمين.

 يبدو أبو تريكة اليوم نموذجاً لضريبة انخراط شخصية عامة بارزة في السياسة وهو ما يفتح مجال للسؤال، هل المعارضة محظورة على الرياضيين؟وهل يستحق امتلاك موقف سياسي معلن هذه الضريبة المفجعة كلها؟ 

بين أبوتريكة و”مو”

هل أدرك النجم المصري العالمي محمد صلاح فخ الانخراط في السياسة في مصر فتحاشى الظهور السياسي؟ 

من يتابع نجم “ليفربول الإنكليزي” المعروف بـ”مو”، سيلاحظ أنه يتحاشى أن يكون له أي موقف سياسي واضح من الشأن المصري العام، وفي المقابل هو يستغل أي مناسبة عامة لإظهار تقديره لأبو تريكة، فأثناء تكريمه بجائزة أفضل لاعب أفريقي لعام 2018، أكد أنه يعتبر “أبو تريكة” الأسطورة ونجم كل العصور.

بعدما عبّر محمد صلاح لاعب نادي “ليفربول الإنكليزي” عن غبطته لتحقيق حلم طفولته بالتتويج بدوري أبطال أوروبا لعام 2019، وإحرازه أسرع هدف، ليصبح ثالث لاعب عربي يسجل في المباراة النهائية للبطولة الأوروبية القيّمة، تلفت ليسأل مراسل قناة “بي إن سبورت” الرياضية عن اللاعب المصري محمد أبو تريكة، الذي انضم بعد اعتزاله، إلى طاقم محللي القناة، لينشر صوراً فوتوغرافية خلال الاحتفالات. 

الأمر نفسه يفعله أبو تريكة الذي وعبر ظهوره كمحلل رياضي لمباريات الدوري الإنكليزي على شاشة قنوات “بي إن سبورت”، دافع عن نجومية مواطنه صلاح من مشجعي جمهور النادي الإنكليزي، إثر تعبير “مو” عن إحباطه لعدم حصوله على شارة القيادة في مباراة فريقه ضد نادي “ميتدلاند” الدنماركي. انتقد أبو تريكة يورغن كلوب المدير الفني للفريق لعدم تقديره لمواطنه، وصّرح قائلاً:”محمد صلاح نجم غصب عن أي حد، عن ليفربول وعن الجميع، ومن حقه الحصول على شارة القيادة”، وسأل: “لماذا لا يبرز ليفربول محمد صلاح ويعامله كنجم للفريق؟”. 

الجمهور والدولة

في السنوات الأخيرة، ومع إمساك الرئيس عبد الفتاح السيسي بقبضة الحكم والتضييق وملاحقة جماعة الاخوان المسلمين وحظرها وسجن قياداتها، بات أي شخص يعبر عن تعاطفه مع الجماعة خصوصاً إن كان شخصية سياسية أو عامة، يتعرض للتخوين، ولوحق نشطاء ومعارضون وتزخر السجون بآلاف المعتقلين من بينهم مجموعات واسعة من الإخوان المسلمين. 

هذا الأمر جعل الظهور السياسي العلني أمراً محفوفاً بالمخاطر، خصوصاً الاعتقال والتضييق. وما تعرض له أبو تريكة بات درساً اتعظ منه على ما يبدو لاعبون كثر. 

فمثلا وعلى رغم تبادل الحفاوة والاحتفاء العلني بين النجمين صلاح وأبو تريكة، إلا أنهما يسلكان نهجين متناقضين، لكل منهما أيديولوجية سياسية مختلفة، يجنيان تبعاتها، ويتحملان مسؤوليتها، وهو ما يفسر غياب مساندة “مو” قدوته أبو تريكة، على الأقل إعلامياً. 

اعتاد محمد أبو تريكة، التعبير عن مواقفه السياسية، في كل المناسبات، من دون التفكير في عواقبها، وهو ما أكسبه شعبية طاغية، ووثقت علاقته بجمهور واسع،حتى بعد اعتزاله كرة القدم، فأثناء مشاركة أبو تريكة في كأس الأمم الأفريقية عام 2008، ضد المنتخب السوداني، ارتدى قميصاً كُتب عليه “تعاطفاً مع غزة”، أظهره أثناء احتفاله بإحرازه هدفاً في المباراة، تعبيراً عن مشاعره تجاه القضية الفلسطينية. 

تبدت مواقف محمد أبوتريكة، لاعب الأهلي المصري السابق، السياسية بوضوح، إثر رفضه مصافحة المشير محمد حسين طنطاوي- أثناء استقبال الفريق- اعتراضاً على تقاعس الدولة في الكشف عن جناة مجزرة بورسعيد، في شباط/ فبراير 2012، وأكد في حواره مع “اليوم السابع”، 4 شباط 2012، عن عدم رضاه عن إدارة المجلس العسكري للبلاد، قائلاً: “المجلس العسكري يدير البلاد بأيدي مرتعشة”. 

و بعدما أعلن محمد مرسي، رئيس مصر الأسبق، عن ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2012، عن “حزب الحرية والعدالة”، لجماعة الإخوان المسلمين، ظهر أبو تريكة في مقطع فيديو، يؤكد فيه تأييده الانتخابي للجماعة، كون “مصر تحتاج لهم، لانتشارهم الكثيف في أنحاء الجمهورية، وإخلاصهم في خدمة الشعب”. كانت تلك المرة الأولى التي يعلن فيها انتماؤه السياسي بشكل علني في الوسائل الإعلامية. 

أبو تريكة في قفص الاتهام والعقاب

كان عام 2015، بداية التأكيدات من جانب الحكومة المصرية، وأجهزتها الإعلامية، بانتماء محمد أبوتريكة لجماعة الإخوان المسلمين، ووجود أدلة تثبت شراكته لبعض أعضاء الجماعة في شركة سياحية باسم ” أصحاب تورز للسياحة” تُستخدم أموالها في دعم أنشطتهم، وأصدر القضاء المصري  حكماً قضائياً عام 2015، بالتحفظ على أمواله وشركته السياحية، وعزله من مجلس إدارتها تنفيذا لحكم التحفظ على الشركة. 

الأحكام القضائية، أعقبها، نفي من “أبو تريكة”، في تصريحاته الصحافية،  بعدم انتمائه للإخوان المسلمين، ومشاركته في اعتصام رابعة، أو تمويله الاعتصام في الميدان بمولدات كهربائية، إضافة إلى عدم وجود أعمال تجارية بينه وبين أعضاء الجماعة، بخاصة بعد انسحاب عضو الجماعة أنس القاضي، من شركة “نايل لاند للسياحة” عام 2013، التي تم تغييرها إلى “أصحاب تورز للسياحة”. 

على رغم إدانة لاعب الأهلي السابق، واتهامه من خلال الأحكام القضائية بإدراجه كعنصر إرهابي، إلا أن حضوره الشعبي تضاعف. فبعد الحكم القضائي الأخير، من نيابة النقض المصرية، بتأييد قرار محكمة الجنايات بإدراجه لمدة خمس سنوات على قوائم الإرهاب، شاركت أعداد واسعة من محبي أبو تريكة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، هاشتاغ  “أبو تريكة مش إرهابي”. 

لاعبو الكرة… والدين
يلجأ كثر من لاعبي كرة القدم المصرية إلى الظهور بمظهر الملتزمين دينياً، فيلجأ البعض إلى ذبح القرابين، والسفر للحج والعمرة، وبذل الصدقات. منهم من يرى أن تلك الأعمال قد تغيّر حالة الإخفاق التي يتعرضون لها في الملاعب، إضافة إلى تكرر مشاهد سفر المنتخب المصري إلى السعودية في رحلات العمرة.

لا تقتصر مشهدية اللاعب “المؤمن” على الظهور داخل مصر، فمحمد صلاح اشتهر في تكرار سجوده في الملاعب الاوروبية بعد تحقيقه هدف ما، وهو ما يثير التكهن حول ميله لتأييد جماعة الإخوان المسلمين، بخاصة بعد وجود مقطع فيديو للقاء تلفزيوني قديم لـ”مو”، يقول فيه: “ومين قال إني مش إخوان”، بعدما سُئل عن شعوره، حول تجاهل”مرسي” –في فترة وجوده رئيساً-  لتهنئته بحصوله على جائزة أفضل لاعب في الدوري السويسري، فيما هنأ “أبو تريكة” على جائزة أفضل لاعب أفريقي محلي عام 2012. 

سواء كان تأييد “مو” مرسي وجماعته، مؤكداً من عدمه، إلا أن احترافه في الدوري الإنكليزي، وتوهجه العالمي، شكّل قوة ناعمة ضخمة، حاول الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، استغلالها والاستفادة منها، بخلق صورة ود وحفاوة بينهما، ففي حوار لاعب ليفربول الإنكليزي، مع الإعلامية لميس الحديدي، كانون الثاني/ يناير 2017، حكى، عن إبلاغه من مدير المنتخب المصري إيهاب لهيطة، بالاستعداد لاجتماع خاص مع الرئيس السيسي، وبعد وصوله، وجد نفسه مشاركاً في تكريم الشباب، باعتباره قدوة ونموذجاً يحتذون به. 

مشاعر أبوية 

منذ طرح رؤيته السياسية، أكد عبد الفتاح السيسي، أن الرياضة وفقاً لرؤيته أمن قومي، يوليها اهتماماً كبيراً، وهو ما يحرص وزير الرياضة الحالي أشرف صبحي على تكراره في معظم لقاءاته وتصريحاته الإعلامية، ليسير على خطى “مبارك” الذي كان يستخدم اتحاد كرة القدم كأداة سياسية لتبريد مشاعر المواطنين، من خلال تصدره مشاهد تكريم المنتخب المصري في البطولات الجماهيرية، أمم أفريقيا، وحرصه على استقبالهم بعد التتويج بالبطولات في مطار القاهرة، إضافة إلى تصدير شغفه برياضة “الإسكواش”، التي أوليت اهتماماً كبيراً في عهده، مثلما انتعشت رياضة “الدراجات” في عهد “السيسي”، وظهوره الإعلامي الدائم أثناء حثه على ممارستها، واستخدامها من قبل المواطنين، كوسيلة موفرة ومريحة للتنقل. 

وبلهجة أبوية، نشرت رئاسة الجمهورية المصرية، بياناً عام 2018، لتهنئة محمد صلاح، لحصوله على جائزة أفضل لاعب في قارة إفريقيا، “نهنئ ابني البار بفوزه المستحق بجائزة أفضل لاعب في القارة”، وبعدها مباشرة بأربعة أشهر، في إبريل 2018،  نُشر على الحساب الرسمي للرئيس عبد الفتاح على “إنستغرام” تهنئة لحصول “مو” على جائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي، وكونه يرفع اسم عالياً، وبعدها مباشرة بشهرين، أجرى الرئيس المصري اتصالاً هاتفياً للاطمئنان على الحالة الصحية لـ”صلاح”، بعد إصابته بجزع في أربطة الكتف خلال مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا، حزيران/ يونيو 2018، أعقبت الاتصال، تدوينة على الحساب الرسمي للسيسي على “فايسبوك”، مؤكداً فيها مشاعر الأبوية، قائلاً “أدعو له دعاء الأب لابنه، بأن يحفظه الله ويُشفى”، كما أكد تسخير إمكانات الدولة الطبية كافة لدعمه.   

ثمة لاعبون، لا يحظون بأي حصانة، مهما كانت الأندية التي يلعبون لمصلحتها.

في السياق ذاته، ظهر صلاح غالي، والد مو، كبديل عن الابن، في تدعيم صورة الرئيس المصري لدى الشعب، بداية من عام 2018، بإعلانه تحرير توكيل في مدينة 15 أيار لتأييد عبد الفتاح السيسي للترشح في الانتخابات الرئاسية، بعدما شارك في الحملة الرسمية في مركز بسيون في الغربية عام 2014، في الفترة الرئاسية الأولى. 

على رغم أن مواقف النجم العالمي، لا تترك تأويلاً حول عدم تأييده النظام السياسي المصري الحالي منذ البداية، لكنه لم يظهر في أي مقاطع فيديو، أو حملات إعلامية، أو ينشر تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليعلن دعمه الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل واضح، في الوقت الذي يتكفل والده بهذه المهمة، مع عدم القطع باليقين بموافقة محمد صلاح على هذه المواقف. 

بعد انتشار دعوات التظاهرات ضد السيسي، أيلول 2019، ظهر والد صلاح في مقطع فيديو، يؤكد فيه دعمه وأسرة محمد صلاح، ضد هذه التظاهرات، والإشادة بإنجازاته الكبيرة، قال: “هذه رسالة موجهة مني إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، من أسرة الكابتن محمد صلاح ومني شخصياً، نحن لا نشكك في قدرات سيادتك ونؤيدك، لأن إنجازاتك شرف لكل المصريين”. 

بعد انتشار مقطع الفيديو، شاعت الأقاويل على مواقع التواصل الاجتماعي، وقتها، بالشكوك حول إجبار والد اللاعب العالمي على قراءة البيان، وإعلان تأييده، بخاصة أن ابنه، في حالة استنكار وغضب شديدة، بعد عدم تصويت اتحاد كرة القدم المصري على جائزة “الأفضل” التي ينظمها “الاتحاد الدولي لكرة القدم”. 

إقصاء أو استغلال 

قوة محمد صلاح العالمية، وانتماؤه إلى صفوف نادي “ليفربول الإنكليزي”، يشكلان حصانة قوية، ضد الاستمرار في محاولة استغلاله سياسياً، أو محاولة إجباره على اتخاذ مواقف إيديولوجية لا يرضى عنها، وهو ما اتضح جلياً أثناء أزمته مع اتحاد كرة القدم المصري، الذي حاول استخدامه في الترويج لشركة اتصالات “we”، التابعة للدولة، من دون الحصول على ترخيص من الوكلاء القانونيين والممثلين للنجم العالمي، واضطروا في النهاية، بعد مساندة الجمهور له، لإنهاء الأزمة وإزالة صوره من على متن الطائرة الخاصة بالمنتخب المصري التي استقلها للسفر وقتها لمباريات كأس العالم في روسيا 2018. 

وعلى رغم الدعم الجماهيري الضخم، الذي يتمتع به محمد أبو تريكة، بشكل دائم، إذ تخصص له دقائق في المباريات، للهتافات والدعم من قبل الجماهير العربية بمختلف انتماءاتهم للأندية، إلا أنه لا يحظى بالدعم العالمي نفسه، والقوة التي ترفع يد الدولة المصرية عنه، بخاصة أنه يقيم في دولة قطر، ذات العلاقة الديبلوماسية والسياسية المتوترة بينها وبين مصر. 

إنما ثمة لاعبون، لا يحظون بأي حصانة، مهما كانت الأندية التي يلعبون لمصلحتها، فقد أطيح بأحمد عبد الظاهر، لاعب النادي الأهلي الجماهيري، الذي يوصف بأنه “نادي الدولة”، إثر رفعه إشارة “رابعة”، المعروفة إعلامياً لتأييد ضحايا اعتصام رابعة، أثناء مباراة الفريق في مباراة نهائي بطولة أفريقيا عام 2014، وعاقب النادي المصري اللاعب، بحرمانه مكافأة البطولة التي شارك في إنجازها، إضافة إلى عرضه للبيع. 

وتدخل وزير الرياضة المصري، آنذاك، طاهر أبوزيد وهدد بمعاقبة اللاعب، ووصف تصرفه بعدم الوطنية، مستشهداً بمعاقبة لاعب الكونغ فو، بوقفه تمهيداً لشطبه، بعدما تم ترحيله إلى القاهرة، وحرمانه السفر إلى بطولة العالم في كوالالمبور، محمد يوسف الذي رفع الإشارة ذاتها، أثناء تتويجه بالميدالية الذهبية في دورة الألعاب القتالية الدولية في مدينة سان بطرسبرغ الروسية. 

ربما، كان يوسف،  وعبد الظاهر، في مأمن بقدر شعبيتهما، إضافة إلى إنجازاتهما أو وجود الثاني في نادٍ جماهيري، تدعمه الدولة، إلا أن اللاعب حمادة السيد، قد اختفى من منزله عام 2017، وقت انضمامه إلى صفوف نادي أسوان، الذي لا يكاد يكون مجرداً من أي دعم، وأفرج عنه بعد اتهامه بالانضمام لجماعة إرهابية محظورة، ويُحكم له بالبراءة، بعدها بثلاث سنوات، من جنايات القاهرة عام 2020. 

إقرأوا أيضاً:

26.03.2021
زمن القراءة: 8 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية