fbpx

“تؤبرني ابن عمي”: عراقيون يشترون طاعة السوريات وخنوعهن

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تفترض إعلانات زواج العراقيين من سوريات، أن السوريات يمتلكن موهبة فطرية في الطبخ، ولدن وهن يتقنّ لف “اليبرق”، وضبط ملح “الباشا وعساكره”!.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“تزوج شامية وعيش عيشة هنية” أو “تتزوج بنص مليون عراقي، وتشبع تؤبرني وتبولة وفتوش ومكدوس”، “ما بتناديلك إلا ابن عمي وتطلع ع قبري”.

العبارات المبتذلة السابقة التي روجت لها ما يسمى “مسلسلات البيئة الشامية السورية”، تستخدم للتسويق لزواج عراقيين من سوريات، في إعلانات على صفحات “فيسبوك”، بهدف الحصول على الزوجة السورية “المثالية” أو على شخصية “لطفية” في مسلسل باب الحارة. 

تركز طلبات “الشراء والبيع” هذه، على السعر المنخفض والجودة العالية، وتتضمن “الجودة” بحسب هذه المنشورات: الجمال والثقافة والطبخ الجيد والطاعة، فإن لم تحرص العروس على مناداة زوجها بـ “ابن عمي” و”تؤبرني” مع الحرص على صنع الفتوش والتبولة، لن تكون زوجة صالحة أو مثقفة.

لا إحصائيات أو أرقام دقيقة حول أعداد زيجات العراقيين من نساء سوريات، لكن عدد المنشورات ومحتواها يشير إلى وجود ظاهرة بالفعل.

السفير السوري لدى العراق، كشف عن تسجيل قرابة 5000 عقد زواج، لسوريات من أزواج عراقيين في عام 2023.

لماذا زواج السوريات؟

الأزمات والحروب والانهيار الاقتصادي، عوامل تزيد من احتمال لجوء الشبان والفتيات إلى هذه الأنواع من الزيجات، بوصفها شكلاً من أشكال الخلاص، وعبره  يجد كلٌّ ضالته، فالشاب العراقي يريد الزواج من دون دفع تكاليف باهظة، والفتاة السورية التي تعاني الأمرين اقتصادياً تود منقذاً، مع وضع الكثير من علامات الاستفهام حول معنى “المنقذ” في هذه الحالة.

 لكن، وفي عمق هذه الممارسات التي ترتكز في ظاهرها على الأزمات الاقتصادية وحاجة الشباب للزواج، يمكن تلمس أرضية ذكورية تعزز هذه الظواهر، وتشكلها بما يوافق المجتمعات الأبوية.

تكشف الأزمات عادةً عيوب المجتمع وفئاته الأضعف، التي عادة ما تكون النساء والفتيات، اللاتي يخضعن للسلطة الأشدّ، وفي الحالة السورية – العراقية هناك نقطة يتم تجاهلها، فالرجل يضع الفتاة العراقية جانباً ويختار السورية، وهنا تمارس الذكورية على كلا الطرفين، على السورية والعراقية بالقدر ذاته، الأولى عن طريق امتلاكها بسعر قليل واستغلال حاجتها، والثانية عبر الاستعاضة عنها ببديل، لا بل تفضيله عليها، بناء على مواصفات نمطية كالجمال والمعرفة والمهارة في الطبخ.

وفي الحقيقة يتمكن النظام البطريركي من خلال هذه المفاضلات غير الواقعية، من خلق تنافس بين النساء العراقيات والسوريات، تنافس بهدف النجاة من سوء الحال الاقتصاديّة، وعادة ما يكون التنميط هو معيار “النجاح”، لكن المنافسة الأشد، ومعيار صلاح الزوجة، هو الطبخ.

تفترض إعلانات زواج العراقيين من سوريات، أن السوريات يمتلكن موهبة فطرية في الطبخ، ولدن وهن يتقنّ لف “اليبرق”، وضبط ملح “الباشا وعساكره”!.

لا شك أن طبيعة المجتمع السوري وميله إلى الحفاظ على الرباط العائلي وثقافة الطعام، أسباب لتوارث الوصفات ومهارات الطبخ من الجدات إلى الأمهات فالحفيدات، لكنها نتيجة التعلم والتجربة، بمعنى أنها ليست موهبة فطرية، ولا ينبغي أن تصبح سمة لفتيات منطقة، أو صفة ترفع شأنهن عن فتيات منطقة أو بلد آخر.

تُعبّر نكتة “بدي سورية تقلي ابن عمي وتؤبرني”، عن رغبة ذكورية في السيطرة، وفي العودة إلى تجسيد صورة ” السيد” أو السلطان.

ساهمت المسلسلات البيئة الشامية القديمة، في ترسيخ صورة عن النساء السوريات، بوصفهن النعجات المستكينات المطيعات، اللواتي يبحثن فقط عن رضى الزوج، ومستعدات لفعل أي شيء لإسعاده.

حوّلت عبارة “ابن عمي” السوريات إلى فانتازم لدى الكثيرين، بالإضافة إلى الصورة التي قدمتها المسلسلات والجالية السورية، عن مهارتهن بالطبخ، ليصبحن النساء المرغوبات، فما حاجة الرجل؛ بالمفهوم البطرياركي، سوى لامرأة مطيعة تعدُّ له أطباقاً شهية!

تجارة “المهر”

لا يتوقف الأمر على الزواج، فقد تسببت الحالة العراقية – السورية، في خلق صور نمطية عن السوريات، وساهمت المهور القليلة في نشر فكرة عنهن، مفادها أنه “يسهل الوصول إليهن”، لذلك باتت النساء السوريات يتعرضن لضغوطات كبيرة في العراق، لمجرد أنهن سوريات، ويلاحقهن سؤال “قديش بتسوى البنت؟”.

سؤال “الثمن” يمكن أن يُطرح على أية فتاة سورية مقيمة في العراق، تقول ريم (اسم مستعار) وقفت سيارة قرب صديقها وصديقتها وسألت من فيها الشاب “قديش بتسوى البنت؟” ريم غادرت العراق لأن حياتها فيه كامرأة لم تعد تطاق، ولأنها امرأة سورية بالتحديد، مما يحتم عليها أن تثبت في كل حين، أنها ليست متاحة للبيع.

تسبب عيش ريم بمفردها في العراق، بضغطٍ هائل عليها، تقول: “أشعر أني مراقبة ومتهمة، يجب أن أقدم أدلة أني لست الشخص الذي يفكرون به…شايفين البنت السورية ممكن تقدم أي تنازل، فكرة إنك رح تتنازلي في النهاية”.

ريم ليست حالة خاصة، فوجود فتاة عزباء بمفردها، ليس أفضل ما قد تختبره سورية في العراق. 

حين قصدت صديقتي دائرة حكومية لإنجاز بعض المعاملات، رحب الموظفون بها، لكنهم لمّحوا  بشكل صريح إلى المواضيع إياها، كما عبّرت موظفة عن امتعاضها من السوريات اللواتي يتزوجن رجالهن بأبخس الأثمان.

 لكن وبمجرد أن علموا أن صديقتي متزوجة من سوري ويقيمان معاً في العراق، تغيرت نبرة حديثهم معها وأسلوبه، وكأن عدم زواج السورية من عراقي، دليل على أنها تستحق الاحترام.

تعميم “الخيال الشهوانيّ”

ما يحصل مع السوريات في العراق حالة عامة، إذ ينمّطن تبعاً للخيال الشهواني لدى الرجل، للسيطرة على النساء، هذا الخيال يأتي بشكل أساسي من التربية الذكورية والسلطة التي يمنحها المجتمع للذكر، ومن الصورة النمطية التي تكرسها الإنتاجات الثقافيّة، قد يبدو الخيال الجنسي أمراً طبيعياً في سياق علاقات متكافئة، لكنه في حالة الإعلانات عن الزواج، وما يرتبط بها من صور نمطيّة، هو انعكاس لاستغلال السلطة الذكورية ضعف النساء، لبسط هيمنة خيالهم على أرض الواقع.

سعي الرجل لامتلاك امرأة تدرك أنه “أفضل منها”، وتعامله على هذا الأساس، هو نتيجة التربية بدون شك، إذ يثبت من جهة، سلطته وتحكمه بالطرف الآخر، كوسيلة يعزز فيها مكانته وقوته الشخصية، وهو ما قد يكون انعكاساً لحاجة داخلية للشعور بالسلطة والأهمية، ناتجة عن التربية كما أسلفنا، ومن جهة أخرى تمنح المرأة المطيعة، شعوراً بالأمان والاستقرار، لرجال غير واثقين تماماً من طريقة بناء علاقة صحية مع شريكاتهم.

الزواج بامرأة مقابل “مهر” قليل، دون أن تمتلك فرصة للمساومة على ذلك، يعني أنها لا تمتلك سلطة، حتى على ما تعتقد أنه حقها كـ”المهر”.

المهر الذي يشكل في عمقه شكلاً من أشكال بيع النساء، والقبول بسعر معين، والمفاصلة ما هي إلا إثبات أن الفتاة “بضاعة” تُشترى في المفهوم الديني للزواج.

في النهاية، ما نشهده اليوم ليس نتيجة الحرب والانهيار الاقتصادي فقط، إنما امتداد لأشكال السيطرة الذكورية، التي وجدت لها متنفساً ومساحة بفضل هذه الظروف.

29.06.2024
زمن القراءة: 5 minutes

تفترض إعلانات زواج العراقيين من سوريات، أن السوريات يمتلكن موهبة فطرية في الطبخ، ولدن وهن يتقنّ لف “اليبرق”، وضبط ملح “الباشا وعساكره”!.

“تزوج شامية وعيش عيشة هنية” أو “تتزوج بنص مليون عراقي، وتشبع تؤبرني وتبولة وفتوش ومكدوس”، “ما بتناديلك إلا ابن عمي وتطلع ع قبري”.

العبارات المبتذلة السابقة التي روجت لها ما يسمى “مسلسلات البيئة الشامية السورية”، تستخدم للتسويق لزواج عراقيين من سوريات، في إعلانات على صفحات “فيسبوك”، بهدف الحصول على الزوجة السورية “المثالية” أو على شخصية “لطفية” في مسلسل باب الحارة. 

تركز طلبات “الشراء والبيع” هذه، على السعر المنخفض والجودة العالية، وتتضمن “الجودة” بحسب هذه المنشورات: الجمال والثقافة والطبخ الجيد والطاعة، فإن لم تحرص العروس على مناداة زوجها بـ “ابن عمي” و”تؤبرني” مع الحرص على صنع الفتوش والتبولة، لن تكون زوجة صالحة أو مثقفة.

لا إحصائيات أو أرقام دقيقة حول أعداد زيجات العراقيين من نساء سوريات، لكن عدد المنشورات ومحتواها يشير إلى وجود ظاهرة بالفعل.

السفير السوري لدى العراق، كشف عن تسجيل قرابة 5000 عقد زواج، لسوريات من أزواج عراقيين في عام 2023.

لماذا زواج السوريات؟

الأزمات والحروب والانهيار الاقتصادي، عوامل تزيد من احتمال لجوء الشبان والفتيات إلى هذه الأنواع من الزيجات، بوصفها شكلاً من أشكال الخلاص، وعبره  يجد كلٌّ ضالته، فالشاب العراقي يريد الزواج من دون دفع تكاليف باهظة، والفتاة السورية التي تعاني الأمرين اقتصادياً تود منقذاً، مع وضع الكثير من علامات الاستفهام حول معنى “المنقذ” في هذه الحالة.

 لكن، وفي عمق هذه الممارسات التي ترتكز في ظاهرها على الأزمات الاقتصادية وحاجة الشباب للزواج، يمكن تلمس أرضية ذكورية تعزز هذه الظواهر، وتشكلها بما يوافق المجتمعات الأبوية.

تكشف الأزمات عادةً عيوب المجتمع وفئاته الأضعف، التي عادة ما تكون النساء والفتيات، اللاتي يخضعن للسلطة الأشدّ، وفي الحالة السورية – العراقية هناك نقطة يتم تجاهلها، فالرجل يضع الفتاة العراقية جانباً ويختار السورية، وهنا تمارس الذكورية على كلا الطرفين، على السورية والعراقية بالقدر ذاته، الأولى عن طريق امتلاكها بسعر قليل واستغلال حاجتها، والثانية عبر الاستعاضة عنها ببديل، لا بل تفضيله عليها، بناء على مواصفات نمطية كالجمال والمعرفة والمهارة في الطبخ.

وفي الحقيقة يتمكن النظام البطريركي من خلال هذه المفاضلات غير الواقعية، من خلق تنافس بين النساء العراقيات والسوريات، تنافس بهدف النجاة من سوء الحال الاقتصاديّة، وعادة ما يكون التنميط هو معيار “النجاح”، لكن المنافسة الأشد، ومعيار صلاح الزوجة، هو الطبخ.

تفترض إعلانات زواج العراقيين من سوريات، أن السوريات يمتلكن موهبة فطرية في الطبخ، ولدن وهن يتقنّ لف “اليبرق”، وضبط ملح “الباشا وعساكره”!.

لا شك أن طبيعة المجتمع السوري وميله إلى الحفاظ على الرباط العائلي وثقافة الطعام، أسباب لتوارث الوصفات ومهارات الطبخ من الجدات إلى الأمهات فالحفيدات، لكنها نتيجة التعلم والتجربة، بمعنى أنها ليست موهبة فطرية، ولا ينبغي أن تصبح سمة لفتيات منطقة، أو صفة ترفع شأنهن عن فتيات منطقة أو بلد آخر.

تُعبّر نكتة “بدي سورية تقلي ابن عمي وتؤبرني”، عن رغبة ذكورية في السيطرة، وفي العودة إلى تجسيد صورة ” السيد” أو السلطان.

ساهمت المسلسلات البيئة الشامية القديمة، في ترسيخ صورة عن النساء السوريات، بوصفهن النعجات المستكينات المطيعات، اللواتي يبحثن فقط عن رضى الزوج، ومستعدات لفعل أي شيء لإسعاده.

حوّلت عبارة “ابن عمي” السوريات إلى فانتازم لدى الكثيرين، بالإضافة إلى الصورة التي قدمتها المسلسلات والجالية السورية، عن مهارتهن بالطبخ، ليصبحن النساء المرغوبات، فما حاجة الرجل؛ بالمفهوم البطرياركي، سوى لامرأة مطيعة تعدُّ له أطباقاً شهية!

تجارة “المهر”

لا يتوقف الأمر على الزواج، فقد تسببت الحالة العراقية – السورية، في خلق صور نمطية عن السوريات، وساهمت المهور القليلة في نشر فكرة عنهن، مفادها أنه “يسهل الوصول إليهن”، لذلك باتت النساء السوريات يتعرضن لضغوطات كبيرة في العراق، لمجرد أنهن سوريات، ويلاحقهن سؤال “قديش بتسوى البنت؟”.

سؤال “الثمن” يمكن أن يُطرح على أية فتاة سورية مقيمة في العراق، تقول ريم (اسم مستعار) وقفت سيارة قرب صديقها وصديقتها وسألت من فيها الشاب “قديش بتسوى البنت؟” ريم غادرت العراق لأن حياتها فيه كامرأة لم تعد تطاق، ولأنها امرأة سورية بالتحديد، مما يحتم عليها أن تثبت في كل حين، أنها ليست متاحة للبيع.

تسبب عيش ريم بمفردها في العراق، بضغطٍ هائل عليها، تقول: “أشعر أني مراقبة ومتهمة، يجب أن أقدم أدلة أني لست الشخص الذي يفكرون به…شايفين البنت السورية ممكن تقدم أي تنازل، فكرة إنك رح تتنازلي في النهاية”.

ريم ليست حالة خاصة، فوجود فتاة عزباء بمفردها، ليس أفضل ما قد تختبره سورية في العراق. 

حين قصدت صديقتي دائرة حكومية لإنجاز بعض المعاملات، رحب الموظفون بها، لكنهم لمّحوا  بشكل صريح إلى المواضيع إياها، كما عبّرت موظفة عن امتعاضها من السوريات اللواتي يتزوجن رجالهن بأبخس الأثمان.

 لكن وبمجرد أن علموا أن صديقتي متزوجة من سوري ويقيمان معاً في العراق، تغيرت نبرة حديثهم معها وأسلوبه، وكأن عدم زواج السورية من عراقي، دليل على أنها تستحق الاحترام.

تعميم “الخيال الشهوانيّ”

ما يحصل مع السوريات في العراق حالة عامة، إذ ينمّطن تبعاً للخيال الشهواني لدى الرجل، للسيطرة على النساء، هذا الخيال يأتي بشكل أساسي من التربية الذكورية والسلطة التي يمنحها المجتمع للذكر، ومن الصورة النمطية التي تكرسها الإنتاجات الثقافيّة، قد يبدو الخيال الجنسي أمراً طبيعياً في سياق علاقات متكافئة، لكنه في حالة الإعلانات عن الزواج، وما يرتبط بها من صور نمطيّة، هو انعكاس لاستغلال السلطة الذكورية ضعف النساء، لبسط هيمنة خيالهم على أرض الواقع.

سعي الرجل لامتلاك امرأة تدرك أنه “أفضل منها”، وتعامله على هذا الأساس، هو نتيجة التربية بدون شك، إذ يثبت من جهة، سلطته وتحكمه بالطرف الآخر، كوسيلة يعزز فيها مكانته وقوته الشخصية، وهو ما قد يكون انعكاساً لحاجة داخلية للشعور بالسلطة والأهمية، ناتجة عن التربية كما أسلفنا، ومن جهة أخرى تمنح المرأة المطيعة، شعوراً بالأمان والاستقرار، لرجال غير واثقين تماماً من طريقة بناء علاقة صحية مع شريكاتهم.

الزواج بامرأة مقابل “مهر” قليل، دون أن تمتلك فرصة للمساومة على ذلك، يعني أنها لا تمتلك سلطة، حتى على ما تعتقد أنه حقها كـ”المهر”.

المهر الذي يشكل في عمقه شكلاً من أشكال بيع النساء، والقبول بسعر معين، والمفاصلة ما هي إلا إثبات أن الفتاة “بضاعة” تُشترى في المفهوم الديني للزواج.

في النهاية، ما نشهده اليوم ليس نتيجة الحرب والانهيار الاقتصادي فقط، إنما امتداد لأشكال السيطرة الذكورية، التي وجدت لها متنفساً ومساحة بفضل هذه الظروف.

29.06.2024
زمن القراءة: 5 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية