fbpx

تجربتي مع اكتئاب ما بعد الولادة: أين كان “زورانولون” حينها؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أصابني الإحباط مجبولاً بالشعور الثقيل بالذنب، وحلّت الكآبة. أنا أسمّيها الآن كآبة. وكنت أسميها آنذاك كآبة، لكن معظم الذين حولي لم يبدوا مقتنعين بأنها كآبة حقاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تعاني النساء عادةً، من أعراض  اكتئاب مع بعد الولادة بعد نحو أسبوع إلى ثلاثة أسابيع من الولادة ولمدة تزيد عن العام، وتزداد شدّة مع الوقت. في حالتي، حلّ الاكتئاب مع ولادة طفلي الثاني في المستشفى مباشرةً، بعدما بدأت ممرضة في قسم الولادة ممارسة ضغوط عليّ لإرضاع الطفل، لأن سياسة المستشفى تعتمد على تشجيع الأمهات على الرضاعة الطبيعية. 

لم تفهم الممرضة أن رفضي الإرضاع كان لأسباب طبية بحت، ترتبط باضطراري إلى تناول دواء مباشرة بعد الولادة بسبب مرضي المزمن. كانت ليلة واحدة في المستشفى مع هذه الممرضة الجاهلة، كفيلة بتحويل مناسبة إنجاب طفلي إلى جحيم. ولم تكفّ الممرضة “شرّها” عني إلا بعدما تدخلت أمي غاضبة وحصلت لي على بعض السكينة لكي أنام، فيما أجبرت الممرضات على أخذ طفلي وإعطائه الحليب الاصطناعي لكي ينام بدوره. 

لكثرة ما مارست الممرضات ومعهن المجتمع، بعد خروجي من المستشفى، ضغوطاً تضع اللوم عليّ لعدم إرضاع طفلي وما قد يترتب على ذلك من حرمانه في المستقبل مناعة مثالية يوصي بها الأطباء في الحالات الطبيعية. وما من حالة حمل تشبه الأخرى، وما من حالة بهذا المعنى “طبيعية” بالكامل. أصابني الإحباط مجبولاً بالشعور الثقيل بالذنب، وحلّت الكآبة. أنا أسمّيها الآن كآبة. وكنت أسميها آنذاك كآبة، لكن معظم الذين حولي لم يبدوا مقتنعين بأنها كآبة حقاً، بل إن هذا الأمر “طبيعي” (أيضاً؟!)، وأن فترة الأربعين يوماً الأولى بعد الولادة تُسمى “نفاس” باللغة الشعبية، ولا بدّ أن تمرّ في النهاية. 

هل مرّت؟ لا أستطيع الجزم، وربما تكون قد مرّت مرحلة الكآبة كما تقول معظم التقارير الطبية بعد فترة من دون تدخل دوائي. لكني مع قراءة خبر موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول دواء خاص بعلاج اكتئاب ما بعد الولادة يحمل اسم “زورانولون”، شعرت بشيء من الراحة، لأن كثيرات غيري سيُتاح لهن الحصول على علاج لهذا الاكتئاب الذي تعاني منه واحدة من سبع نساء أميركيات، بحسب دراسة أنجزها باحثون في جامعتين أميركيتين. وهذا الدواء يجنّب النساء استخدام أدوية الاكتئاب الشائعة، خصوصاً أن الأعراض متشابهة، بحسب منظمة الـ”يونيسف” التابعة للأمم المتحدة.

وهذه الأعراض تشمل: الشعور بالحزن وهبوط الهمّة وعدم القدرة على التمتّع بالأشياء المبهجة، التعب ونقص الطاقة، ضعف التركيز أو مدة الانتباه، وانخفاض مستوى احترام الذات والثقة بالنفس، تغيّر الشهية، والنوم المتقطّع حتى عندما يكون الطفل نائماً، والذي عانيت منه أشهراً بعد الولادة، ولا تتمناه الواحدة منا لعدوّها. 

حلّ الاكتئاب مع ولادة طفلي الثاني في المستشفى مباشرةً، بعدما بدأت ممرضة في قسم الولادة ممارسة ضغوط عليّ لإرضاع الطفل، لأن سياسة المستشفى تعتمد على تشجيع الأمهات على الرضاعة الطبيعية. 

رئيسة قسم الطب النفسي في إدارة الغذاء والدواء الأميركية، تيفاني فارشيون، تصف اكتئاب ما بعد الولادة بأنه “حالة خطيرة وربما تهدّد الحياة”. وتتابع فارشيون: “تعاني النساء من الحزن والشعور بالذنب وعدم القيمة… وفي الحالات الشديدة، تصل إلى التفكير في إيذاء أنفسهن أو أطفالهن”. نعم يحدث ذلك مع كثيرات، وكثيرات أيضاً يشعرن بالنفور من أطفالهن بعد الولادة، ويعامَلن على ذلك معاملة مشيطنة. لأن على الأم بحسب مجتمعاتنا المتشدّدة أبوياً، أن تكون كاملة و”تحدّث بنعمة ربها”. 

وإذا كان في دستور مجتمعاتنا الذكورية ممنوعاً على الأم أن تشعر باكتئاب ما بعد الولادة، فماذا يقولون إذا علموا أن الآباء أيضاً معرّضون للإصابة بهذا النوع من الاكتئاب. ريتشارد فريدمان، طبيب نفسي كتب لصحيفة “نيويورك تايمز” في العام 2009 مقالاً بعنوان “اكتئاب ما بعد الولادة يضرب الرجال أيضاً”، وفيه يتحدث عن تفاجئه بحضور أحد الآباء إليه، بمرافقة زوجته التي أقنعته بالذهاب معها إلى الطبيب، لأنها خافت من أفكاره الانتحارية. تدهورت حالته النفسية بعد ولادة الطفل، مع أن الزوجة كانت تقوم بالاهتمام بالطفل بنفسها والسهر عليه لإطعامه وتغيير الحفاضات وغيرها من أعمال الروتين اليومي للعناية بالأطفال حديثي الولادة. ومع ذلك، يؤكد فريدمان أن الحالة تصيب الرجال أيضاً، وقد تكون خطيرة ليس عليهم فقط بل أيضاً على الطفل والأم. 

والخطر في هذا الجانب، أن كثراً من الرجال لا يعترفون بإصابتهم بهذا النوع من الكآبة، ويعبّرون عن ذلك من خلال نوبات غضب وعدوانية وتصرفات عنيفة قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى عنف أسري وسلوكيات إدمانية إما على الكحول أو على الأدوية المخدّرة وألعاب الفيديو.

يحمل خبر الموافقة على “زورانولون” آمالاً لكثيرات من الأمهات اللواتي يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة، بتجاوز الحالة في مدة لا تزيد عن أسبوعين، هي مدة تناول الدواء حبة واحدة يومياً، في حين كان العلاج الوحيد المعتمد لاكتئاب ما بعد الولادة هو الحقن في الوريد. وسيسمح الدواء الجديد للواتي قررن الإرضاع، بألا ينقطعن عنه إلا لفترة قصيرة للعلاج. عساه أن يكون أيضاً مفيداً لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة للرجال، وأن تجد إدارة الدواء والغذاء الأميركية، أو سواها، دواءً لأمراض الأبوية المتفشّية في بلادنا.

15.08.2023
زمن القراءة: 4 minutes

أصابني الإحباط مجبولاً بالشعور الثقيل بالذنب، وحلّت الكآبة. أنا أسمّيها الآن كآبة. وكنت أسميها آنذاك كآبة، لكن معظم الذين حولي لم يبدوا مقتنعين بأنها كآبة حقاً.

تعاني النساء عادةً، من أعراض  اكتئاب مع بعد الولادة بعد نحو أسبوع إلى ثلاثة أسابيع من الولادة ولمدة تزيد عن العام، وتزداد شدّة مع الوقت. في حالتي، حلّ الاكتئاب مع ولادة طفلي الثاني في المستشفى مباشرةً، بعدما بدأت ممرضة في قسم الولادة ممارسة ضغوط عليّ لإرضاع الطفل، لأن سياسة المستشفى تعتمد على تشجيع الأمهات على الرضاعة الطبيعية. 

لم تفهم الممرضة أن رفضي الإرضاع كان لأسباب طبية بحت، ترتبط باضطراري إلى تناول دواء مباشرة بعد الولادة بسبب مرضي المزمن. كانت ليلة واحدة في المستشفى مع هذه الممرضة الجاهلة، كفيلة بتحويل مناسبة إنجاب طفلي إلى جحيم. ولم تكفّ الممرضة “شرّها” عني إلا بعدما تدخلت أمي غاضبة وحصلت لي على بعض السكينة لكي أنام، فيما أجبرت الممرضات على أخذ طفلي وإعطائه الحليب الاصطناعي لكي ينام بدوره. 

لكثرة ما مارست الممرضات ومعهن المجتمع، بعد خروجي من المستشفى، ضغوطاً تضع اللوم عليّ لعدم إرضاع طفلي وما قد يترتب على ذلك من حرمانه في المستقبل مناعة مثالية يوصي بها الأطباء في الحالات الطبيعية. وما من حالة حمل تشبه الأخرى، وما من حالة بهذا المعنى “طبيعية” بالكامل. أصابني الإحباط مجبولاً بالشعور الثقيل بالذنب، وحلّت الكآبة. أنا أسمّيها الآن كآبة. وكنت أسميها آنذاك كآبة، لكن معظم الذين حولي لم يبدوا مقتنعين بأنها كآبة حقاً، بل إن هذا الأمر “طبيعي” (أيضاً؟!)، وأن فترة الأربعين يوماً الأولى بعد الولادة تُسمى “نفاس” باللغة الشعبية، ولا بدّ أن تمرّ في النهاية. 

هل مرّت؟ لا أستطيع الجزم، وربما تكون قد مرّت مرحلة الكآبة كما تقول معظم التقارير الطبية بعد فترة من دون تدخل دوائي. لكني مع قراءة خبر موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول دواء خاص بعلاج اكتئاب ما بعد الولادة يحمل اسم “زورانولون”، شعرت بشيء من الراحة، لأن كثيرات غيري سيُتاح لهن الحصول على علاج لهذا الاكتئاب الذي تعاني منه واحدة من سبع نساء أميركيات، بحسب دراسة أنجزها باحثون في جامعتين أميركيتين. وهذا الدواء يجنّب النساء استخدام أدوية الاكتئاب الشائعة، خصوصاً أن الأعراض متشابهة، بحسب منظمة الـ”يونيسف” التابعة للأمم المتحدة.

وهذه الأعراض تشمل: الشعور بالحزن وهبوط الهمّة وعدم القدرة على التمتّع بالأشياء المبهجة، التعب ونقص الطاقة، ضعف التركيز أو مدة الانتباه، وانخفاض مستوى احترام الذات والثقة بالنفس، تغيّر الشهية، والنوم المتقطّع حتى عندما يكون الطفل نائماً، والذي عانيت منه أشهراً بعد الولادة، ولا تتمناه الواحدة منا لعدوّها. 

حلّ الاكتئاب مع ولادة طفلي الثاني في المستشفى مباشرةً، بعدما بدأت ممرضة في قسم الولادة ممارسة ضغوط عليّ لإرضاع الطفل، لأن سياسة المستشفى تعتمد على تشجيع الأمهات على الرضاعة الطبيعية. 

رئيسة قسم الطب النفسي في إدارة الغذاء والدواء الأميركية، تيفاني فارشيون، تصف اكتئاب ما بعد الولادة بأنه “حالة خطيرة وربما تهدّد الحياة”. وتتابع فارشيون: “تعاني النساء من الحزن والشعور بالذنب وعدم القيمة… وفي الحالات الشديدة، تصل إلى التفكير في إيذاء أنفسهن أو أطفالهن”. نعم يحدث ذلك مع كثيرات، وكثيرات أيضاً يشعرن بالنفور من أطفالهن بعد الولادة، ويعامَلن على ذلك معاملة مشيطنة. لأن على الأم بحسب مجتمعاتنا المتشدّدة أبوياً، أن تكون كاملة و”تحدّث بنعمة ربها”. 

وإذا كان في دستور مجتمعاتنا الذكورية ممنوعاً على الأم أن تشعر باكتئاب ما بعد الولادة، فماذا يقولون إذا علموا أن الآباء أيضاً معرّضون للإصابة بهذا النوع من الاكتئاب. ريتشارد فريدمان، طبيب نفسي كتب لصحيفة “نيويورك تايمز” في العام 2009 مقالاً بعنوان “اكتئاب ما بعد الولادة يضرب الرجال أيضاً”، وفيه يتحدث عن تفاجئه بحضور أحد الآباء إليه، بمرافقة زوجته التي أقنعته بالذهاب معها إلى الطبيب، لأنها خافت من أفكاره الانتحارية. تدهورت حالته النفسية بعد ولادة الطفل، مع أن الزوجة كانت تقوم بالاهتمام بالطفل بنفسها والسهر عليه لإطعامه وتغيير الحفاضات وغيرها من أعمال الروتين اليومي للعناية بالأطفال حديثي الولادة. ومع ذلك، يؤكد فريدمان أن الحالة تصيب الرجال أيضاً، وقد تكون خطيرة ليس عليهم فقط بل أيضاً على الطفل والأم. 

والخطر في هذا الجانب، أن كثراً من الرجال لا يعترفون بإصابتهم بهذا النوع من الكآبة، ويعبّرون عن ذلك من خلال نوبات غضب وعدوانية وتصرفات عنيفة قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى عنف أسري وسلوكيات إدمانية إما على الكحول أو على الأدوية المخدّرة وألعاب الفيديو.

يحمل خبر الموافقة على “زورانولون” آمالاً لكثيرات من الأمهات اللواتي يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة، بتجاوز الحالة في مدة لا تزيد عن أسبوعين، هي مدة تناول الدواء حبة واحدة يومياً، في حين كان العلاج الوحيد المعتمد لاكتئاب ما بعد الولادة هو الحقن في الوريد. وسيسمح الدواء الجديد للواتي قررن الإرضاع، بألا ينقطعن عنه إلا لفترة قصيرة للعلاج. عساه أن يكون أيضاً مفيداً لعلاج اكتئاب ما بعد الولادة للرجال، وأن تجد إدارة الدواء والغذاء الأميركية، أو سواها، دواءً لأمراض الأبوية المتفشّية في بلادنا.

15.08.2023
زمن القراءة: 4 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية