fbpx

جريمة قتل نهى السورية في ألمانيا على يد زوجها : تجاهل أسوأ ما فينا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

جريمة قتل السورية الشابة (نهى) وقطع رقبتها بعد طعنها في الجزء العلوي من جسدها ورأسها عدة مرات على يد زوجها (وحيد) في إحدى المقاطعات الألمانية، ليست جريمة معزولة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فهذه الجريمة ارتكبها الزوج القاتل أمام طفلاته الثلاث ولاحقاً حاول تبرير فعلته بأنه يشك بخيانة زوجته، وهذا السياق المتكرر يجعل العنف هذا وثيق الصلة بما هو ثقافي في سلوك مهاجرين سوريين، وعلاقتهم مع قيمهم وتصلبها ضمن مراحل بينها قمع النظام وعنفه.

والثقافي، الذي قد يتسع للدين والعشيرة والذكورة والتقاليد والخصوصية ونبذ التسويات مع الجديد، سبق أن جرى نقد نقده، عقب الربيع العربي، وصنف كمحاولة من قبل كتاب علمانيين، لقبول الاستبداد وتسويغه. فما هو سيء فينا وجب تأجيله، لأن نقده هو صك براءة للأنظمة تستغله وتستثمر به لاستمرار وجودها.

القاتل على غلاف صحيفة ألمانية

هكذا، جرى رفع فجوة انعدام حساسية نقد المستبد عند نقاد المجتمعات العربية إلى مستوى المبدأ العام الذي يشكك في كل ما كتب عن تأخرنا وتخلفنا وسلوكنا ونظرتنا للمرأة وللأقليات وللدولة وللقانون، ويضعه في إطار تبرير الاستبداد، مع أن الأخير ليس مفصولاً عن البيئة التي ينشأ فيه، ويتلاعب بتناقضاتها ليخلق شروط ديمومته. رفض سردية الاستبداد الكلاسيكية، التي تسوق لعدم نضج الشعوب وجهوزيتها لممارسة الديمقراطية، أخذ في طريقه، نقد المجتمعات، ونقد علاقتها مع الاستبداد ليس بوصفه نظاما ديكتاتوريا فقط، وإنما منظومة متشعبة تمس العلاقات بين الناس، وتقسمهم إلى مراتب.

 تبرئة ما هو الثقافي فينا، سرعان ما تحول إلى مديح واحتفاء، مع احتشاد المتظاهرين وتقديمهم نماذج إيجابية، العصبيات باتت وسيلة للتعاضد، والعشيرة أداة للحشد، والذكورة قدرة على المواجهة والتصدي للعنف، ما يعني إعادة انتاج الثقافي بآلية إيجابية تحيله، إلى ذات ثورية منتفضة، تعرّف نفسها من داخل شروطها، دون أي حساسية لاستدخال روافد جديدة على القيم السابقة، تهتم بإزالة جذر الاستبداد وليس أحد وجوهه.

وعليه، الثقافي، لم يعد محصناً فقط بتجاهل نقده المتراكم على مدار سنوات، وإنما أيضاً بتشكله الإيجابي الجديد الذي جرى بفعل الربيع العربي. وفي سوريا، ونتيجة للعنف الممنهج من جانب النظام، ضد المجتمع، تصلّب الثقافي أكثر، واتخذ وظيفة الصمود، حيال القتل والتشريد والتعذيب والبراميل المتفجرة. فالأنظمة لا تكتفي بجعل الثقافي ذريعة لاستبدادها، بل تستخدم من أدوات العنف ما يستنفره إلى الحدود القصوى ويجعله أداة المقاومة الوحيدة.

الأرجح أن جريمة وحيد قد تستدرج مرحلة جديدة من إغفال الثقافي،

تتعلق بوجود السوريين في بيئات اللجوء.

وبطبيعة الحال، فإن نقد الثقافي ضمن واقع القمع، هو انعدام للحساسية الأخلاقية، فالضحية لا تلام على طريقة تفكيرها، وبما تؤمن به من أفكار، بل الجلاد هو من يلام. هذه البديهية التي لا تحتمل النقاش، ترتب في الوقت عينه، نتيجة تتعلق بمسار الثقافي في حياة السوريين، والتدرج من رفض النقد لأنه يبرر الاستبداد، وإعادة الانتاج بآلية إيجابية، ثم التصلب بسبب قمع النظام وعنفه.

والأرجح أن جريمة وحيد قد تستدرج مرحلة جديدة من إغفال الثقافي، تتعلق بوجود السوريين في بيئات اللجوء، ألمانيا وسواها، وذلك عبر عزل الواقعة عن أي سياق، وردها إلى ما هو فردي وخاص، مع استذكار عشرات الحوادث الإيجابية عن اللاجئين السوريين في الغرب، وألمانيا تحديداً، علما أن الثقافي يجد في بيئات متصادمة معه قيمياً، فرصة للاستنفار، يجعل المرأة موضع شبهة بشكل دائمة، انطلاقاً من نظرة راسخة نحوها، يحيلها إلى الأقل والأضعف، نظرة مستمدة ما كل ما هو ثقافي، من دين وقيم وتقاليد، وبالتالي، هكذا نوعية من الجرائم تستدعي، بدل عزلها، بحث علاقة السوريين بما هو ثقافي، سواء في مواجهتهم للاستبداد أو في عيشهم في بيئات غربية، بحيث لا يتمكن الاستبداد، باستخدام الثقافي ذريعة لتبرير نفسه، ولا يترك كذلك الثقافي لتبرير قتل نهى. الأمران متلازمان، وعدم ربطهما، لا يفيد سوى الاستبداد، ويضاعف أعداد الضحايا، اللواتي يشبهن نهى.

12.11.2020
زمن القراءة: 3 minutes

جريمة قتل السورية الشابة (نهى) وقطع رقبتها بعد طعنها في الجزء العلوي من جسدها ورأسها عدة مرات على يد زوجها (وحيد) في إحدى المقاطعات الألمانية، ليست جريمة معزولة.

فهذه الجريمة ارتكبها الزوج القاتل أمام طفلاته الثلاث ولاحقاً حاول تبرير فعلته بأنه يشك بخيانة زوجته، وهذا السياق المتكرر يجعل العنف هذا وثيق الصلة بما هو ثقافي في سلوك مهاجرين سوريين، وعلاقتهم مع قيمهم وتصلبها ضمن مراحل بينها قمع النظام وعنفه.

والثقافي، الذي قد يتسع للدين والعشيرة والذكورة والتقاليد والخصوصية ونبذ التسويات مع الجديد، سبق أن جرى نقد نقده، عقب الربيع العربي، وصنف كمحاولة من قبل كتاب علمانيين، لقبول الاستبداد وتسويغه. فما هو سيء فينا وجب تأجيله، لأن نقده هو صك براءة للأنظمة تستغله وتستثمر به لاستمرار وجودها.

القاتل على غلاف صحيفة ألمانية

هكذا، جرى رفع فجوة انعدام حساسية نقد المستبد عند نقاد المجتمعات العربية إلى مستوى المبدأ العام الذي يشكك في كل ما كتب عن تأخرنا وتخلفنا وسلوكنا ونظرتنا للمرأة وللأقليات وللدولة وللقانون، ويضعه في إطار تبرير الاستبداد، مع أن الأخير ليس مفصولاً عن البيئة التي ينشأ فيه، ويتلاعب بتناقضاتها ليخلق شروط ديمومته. رفض سردية الاستبداد الكلاسيكية، التي تسوق لعدم نضج الشعوب وجهوزيتها لممارسة الديمقراطية، أخذ في طريقه، نقد المجتمعات، ونقد علاقتها مع الاستبداد ليس بوصفه نظاما ديكتاتوريا فقط، وإنما منظومة متشعبة تمس العلاقات بين الناس، وتقسمهم إلى مراتب.

 تبرئة ما هو الثقافي فينا، سرعان ما تحول إلى مديح واحتفاء، مع احتشاد المتظاهرين وتقديمهم نماذج إيجابية، العصبيات باتت وسيلة للتعاضد، والعشيرة أداة للحشد، والذكورة قدرة على المواجهة والتصدي للعنف، ما يعني إعادة انتاج الثقافي بآلية إيجابية تحيله، إلى ذات ثورية منتفضة، تعرّف نفسها من داخل شروطها، دون أي حساسية لاستدخال روافد جديدة على القيم السابقة، تهتم بإزالة جذر الاستبداد وليس أحد وجوهه.

وعليه، الثقافي، لم يعد محصناً فقط بتجاهل نقده المتراكم على مدار سنوات، وإنما أيضاً بتشكله الإيجابي الجديد الذي جرى بفعل الربيع العربي. وفي سوريا، ونتيجة للعنف الممنهج من جانب النظام، ضد المجتمع، تصلّب الثقافي أكثر، واتخذ وظيفة الصمود، حيال القتل والتشريد والتعذيب والبراميل المتفجرة. فالأنظمة لا تكتفي بجعل الثقافي ذريعة لاستبدادها، بل تستخدم من أدوات العنف ما يستنفره إلى الحدود القصوى ويجعله أداة المقاومة الوحيدة.

الأرجح أن جريمة وحيد قد تستدرج مرحلة جديدة من إغفال الثقافي،

تتعلق بوجود السوريين في بيئات اللجوء.

وبطبيعة الحال، فإن نقد الثقافي ضمن واقع القمع، هو انعدام للحساسية الأخلاقية، فالضحية لا تلام على طريقة تفكيرها، وبما تؤمن به من أفكار، بل الجلاد هو من يلام. هذه البديهية التي لا تحتمل النقاش، ترتب في الوقت عينه، نتيجة تتعلق بمسار الثقافي في حياة السوريين، والتدرج من رفض النقد لأنه يبرر الاستبداد، وإعادة الانتاج بآلية إيجابية، ثم التصلب بسبب قمع النظام وعنفه.

والأرجح أن جريمة وحيد قد تستدرج مرحلة جديدة من إغفال الثقافي، تتعلق بوجود السوريين في بيئات اللجوء، ألمانيا وسواها، وذلك عبر عزل الواقعة عن أي سياق، وردها إلى ما هو فردي وخاص، مع استذكار عشرات الحوادث الإيجابية عن اللاجئين السوريين في الغرب، وألمانيا تحديداً، علما أن الثقافي يجد في بيئات متصادمة معه قيمياً، فرصة للاستنفار، يجعل المرأة موضع شبهة بشكل دائمة، انطلاقاً من نظرة راسخة نحوها، يحيلها إلى الأقل والأضعف، نظرة مستمدة ما كل ما هو ثقافي، من دين وقيم وتقاليد، وبالتالي، هكذا نوعية من الجرائم تستدعي، بدل عزلها، بحث علاقة السوريين بما هو ثقافي، سواء في مواجهتهم للاستبداد أو في عيشهم في بيئات غربية، بحيث لا يتمكن الاستبداد، باستخدام الثقافي ذريعة لتبرير نفسه، ولا يترك كذلك الثقافي لتبرير قتل نهى. الأمران متلازمان، وعدم ربطهما، لا يفيد سوى الاستبداد، ويضاعف أعداد الضحايا، اللواتي يشبهن نهى.

12.11.2020
زمن القراءة: 3 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية