fbpx

جنوب لبنان: كثافة الحياة بجوار حرب “مملة”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

   بقاء شقرا خارج الحرب، وتحييدها كما تروج أوساط “حزب الله”، أو اكتظاظها الموسمي المعتاد، منح للحياة فيها كثافة موصوفة، حياة لم يشطب وجهها إلا غارة إسرائيلية وحيدة على منزل في أطرافها، وعايشها كاتب هذه السطور كناجٍ منها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مشهدان متناقضان يتقاطعان عند وقائع الحرب الدائرة جنوباً بين “حزب الله” وإسرائيل.

 مع بلوغ الحرب شهرها التاسع، لا تزال القرى اللبنانية المتاخمة للحدود الإسرائيلية، تتنكب وقائع تلك الحرب، فيما بدا تقادم الأخيرة، ينسحب كنوع من اللامبالاة في القرى، التي تقع غالباً خارج جغرافيتها.

   نحن أمام شيء من ملل غير مفتعل، يتبدى كتوصيف قاسِ، أو في أسوأ الأحوال كاعتلال إنساني، تجاه مأساة تلك القرى التي تخضع للحرب.

  لكن التوصيف أيضاً تتنازعه وجهتا نظر، الأولى أن اللامبالاة، التي يمكن رصدها في مشهد الحياة الطبيعية خارج “شريط” الحرب، تخدم وجهة نظر “حزب الله” عن نزع أحد سياقات تلك الحرب من معناها، اللامبالاة هنا هي تبرُّؤ يومي يمارسه المواطنون من الخوف، الذي يندرج إسرائيلياً، كنتيجة من نتائج حربها على الجنوب.

  لكن وجهة نظر “حزب الله” ينتهكها تأويل آخر، لا يقل جاذبية عنها، فعدم الخوف من سياقات الحرب، يُباشر من مسلمة “أهلية” تتأتى من قناعة مفترضة، بأن الحرب الراهنة محكومة بجغرافيا محدودة، وأن من هو خارجها، يتعاطى معها من خارج أوزارها، والأهم بمخيلة تشي غالباً بفكرة تحييدها .

   قرية شقرا الجنوبية، هي مؤشر وازن على وجهتي النظر أعلاه، إنها نموذج يصح فيه تسييل  فكرة الحزب، ويصح فيه أيضاً الفكرة، التي تبتعد عن الاستثمار السياسي والعسكري في الحرب. 

   تحاذي قرية شقرا قرى حولا وميس الجبل وبليدا، التي تنكبت مع قرية عيتا الشعب معظم المشهد الدموي والتدميري، الذي أوجدته الحرب، ويفصل بين شقرا والقرى المذكورة، شريان جغرافي هو وادي السلوقي وامتداده، الذي يشكل فاصلاً بين مشهدي الموت والحياة.

  لا شيء في قرية  شقرا يوحي بالحرب، ولا بارتداداتها التي طالت قرى متاخمة لها، هذا حال قريتي برعشيت ومجدل سلم اللتين تتقاسمان معها “شريط” المحاذاة المذكور.

   نحن أمام شيء من ملل غير مفتعل، يتبدى كتوصيف قاسِ، أو في أسوأ الأحوال كاعتلال إنساني، تجاه مأساة تلك القرى التي تخضع للحرب.

  يقيم في قرية شقرا راهناً، الجزء الأكبر من نازحي حولا وميس الجبل وبليدا بدرجة أقل، وتكفلت العلاقات الأسرية، كالمصاهرة والقرابة والعلاقات العامة، في رتق أحد الآثار البائسة للحرب، أي النزوح، فيما ظل تماس هذه القرى معها دافعاً راجحاً للأخير.

  أكثر من مئتين وخمسين عائلة نازحة تقيم راهناً في شقرا، والأهم أنها تكثف وجهتي النظر أعلاه. 

  يكفي مثلاً أن يقصد المرء قرية شقرا نهاراً أو ليلاً، ليخونه حدسه عن أحوال أهلها كما النازحين إليها على إيقاع الحرب، سيكون والحال، أمام حياة طبيعية كما لو أن الحرب المتاخمة لها تخاض بعيداً عنها، وأن صيرورتها الراهنة كمطل جغرافي على “أخواتها” المنكوبات، لا يشي إلا بتلك اللامبالاة التي يتقاسمها تأويلان، واحد سياسي والآخر من مفارقات البشر.

  والمشهد هنا ينطوي أيضاً، على ما هو أشد من التأويلين المذكورين، إنه، وبشيء من المجازفة، يظهر في انسحاب المَلل من الحرب على النازحين، وكما لو أن استدامتها تندرج كمؤشر على لا مبالاة ثالثة، يؤشر مجرد مقاربتها بالجرعة الأشد قساوة للحرب، ثقيلة والحال لا مبالاة النازحين إذا ما قدر للحرب أن تفضي إليها.

   راهناً، تندرج ثقافتي “الموت”و”الحياة”  كأكثر الصادرات المذهبية تصادماً وتنابذاً  بين “حزب الله” ومعارضي حربه، وكلام النائب محمد رعد الأخير، معطوفاً من موقع الضد على كلام “مسيحي” تحديداً، يفضي إلى هذا الطباق الثقافي.

    مقاهٍ متصل نهارها بليلها، محال تجارية وغذائية تتبدى كمؤشر على ترف معيشي، شوارع مكتظة بأهلها وبالنازحين، وتكاد “تختنق ” بهم، مقصد للقرى المجاورة ونازحيها أيضاً، هذه أحوال قرية شقرا التي يستطيع “حزب الله” مثلاً أن يسوَّقها كنازع لثقافة الموت عن الجنوبيين، ويستطيع مشاهد آخر ككاتب هذه السطور، أن يبدد جزئية ليست عابرة عن كثافة “الحياة” في شقرا.

   بقاء شقرا خارج الحرب، وتحييدها كما تروج أوساط “حزب الله”، أو اكتظاظها الموسمي المعتاد، منح للحياة فيها كثافة موصوفة، حياة لم يشطب وجهها إلا غارة إسرائيلية وحيدة على منزل في أطرافها، وعايشها كاتب هذه السطور كناجٍ منها.

01.07.2024
زمن القراءة: 3 minutes

   بقاء شقرا خارج الحرب، وتحييدها كما تروج أوساط “حزب الله”، أو اكتظاظها الموسمي المعتاد، منح للحياة فيها كثافة موصوفة، حياة لم يشطب وجهها إلا غارة إسرائيلية وحيدة على منزل في أطرافها، وعايشها كاتب هذه السطور كناجٍ منها.

مشهدان متناقضان يتقاطعان عند وقائع الحرب الدائرة جنوباً بين “حزب الله” وإسرائيل.

 مع بلوغ الحرب شهرها التاسع، لا تزال القرى اللبنانية المتاخمة للحدود الإسرائيلية، تتنكب وقائع تلك الحرب، فيما بدا تقادم الأخيرة، ينسحب كنوع من اللامبالاة في القرى، التي تقع غالباً خارج جغرافيتها.

   نحن أمام شيء من ملل غير مفتعل، يتبدى كتوصيف قاسِ، أو في أسوأ الأحوال كاعتلال إنساني، تجاه مأساة تلك القرى التي تخضع للحرب.

  لكن التوصيف أيضاً تتنازعه وجهتا نظر، الأولى أن اللامبالاة، التي يمكن رصدها في مشهد الحياة الطبيعية خارج “شريط” الحرب، تخدم وجهة نظر “حزب الله” عن نزع أحد سياقات تلك الحرب من معناها، اللامبالاة هنا هي تبرُّؤ يومي يمارسه المواطنون من الخوف، الذي يندرج إسرائيلياً، كنتيجة من نتائج حربها على الجنوب.

  لكن وجهة نظر “حزب الله” ينتهكها تأويل آخر، لا يقل جاذبية عنها، فعدم الخوف من سياقات الحرب، يُباشر من مسلمة “أهلية” تتأتى من قناعة مفترضة، بأن الحرب الراهنة محكومة بجغرافيا محدودة، وأن من هو خارجها، يتعاطى معها من خارج أوزارها، والأهم بمخيلة تشي غالباً بفكرة تحييدها .

   قرية شقرا الجنوبية، هي مؤشر وازن على وجهتي النظر أعلاه، إنها نموذج يصح فيه تسييل  فكرة الحزب، ويصح فيه أيضاً الفكرة، التي تبتعد عن الاستثمار السياسي والعسكري في الحرب. 

   تحاذي قرية شقرا قرى حولا وميس الجبل وبليدا، التي تنكبت مع قرية عيتا الشعب معظم المشهد الدموي والتدميري، الذي أوجدته الحرب، ويفصل بين شقرا والقرى المذكورة، شريان جغرافي هو وادي السلوقي وامتداده، الذي يشكل فاصلاً بين مشهدي الموت والحياة.

  لا شيء في قرية  شقرا يوحي بالحرب، ولا بارتداداتها التي طالت قرى متاخمة لها، هذا حال قريتي برعشيت ومجدل سلم اللتين تتقاسمان معها “شريط” المحاذاة المذكور.

   نحن أمام شيء من ملل غير مفتعل، يتبدى كتوصيف قاسِ، أو في أسوأ الأحوال كاعتلال إنساني، تجاه مأساة تلك القرى التي تخضع للحرب.

  يقيم في قرية شقرا راهناً، الجزء الأكبر من نازحي حولا وميس الجبل وبليدا بدرجة أقل، وتكفلت العلاقات الأسرية، كالمصاهرة والقرابة والعلاقات العامة، في رتق أحد الآثار البائسة للحرب، أي النزوح، فيما ظل تماس هذه القرى معها دافعاً راجحاً للأخير.

  أكثر من مئتين وخمسين عائلة نازحة تقيم راهناً في شقرا، والأهم أنها تكثف وجهتي النظر أعلاه. 

  يكفي مثلاً أن يقصد المرء قرية شقرا نهاراً أو ليلاً، ليخونه حدسه عن أحوال أهلها كما النازحين إليها على إيقاع الحرب، سيكون والحال، أمام حياة طبيعية كما لو أن الحرب المتاخمة لها تخاض بعيداً عنها، وأن صيرورتها الراهنة كمطل جغرافي على “أخواتها” المنكوبات، لا يشي إلا بتلك اللامبالاة التي يتقاسمها تأويلان، واحد سياسي والآخر من مفارقات البشر.

  والمشهد هنا ينطوي أيضاً، على ما هو أشد من التأويلين المذكورين، إنه، وبشيء من المجازفة، يظهر في انسحاب المَلل من الحرب على النازحين، وكما لو أن استدامتها تندرج كمؤشر على لا مبالاة ثالثة، يؤشر مجرد مقاربتها بالجرعة الأشد قساوة للحرب، ثقيلة والحال لا مبالاة النازحين إذا ما قدر للحرب أن تفضي إليها.

   راهناً، تندرج ثقافتي “الموت”و”الحياة”  كأكثر الصادرات المذهبية تصادماً وتنابذاً  بين “حزب الله” ومعارضي حربه، وكلام النائب محمد رعد الأخير، معطوفاً من موقع الضد على كلام “مسيحي” تحديداً، يفضي إلى هذا الطباق الثقافي.

    مقاهٍ متصل نهارها بليلها، محال تجارية وغذائية تتبدى كمؤشر على ترف معيشي، شوارع مكتظة بأهلها وبالنازحين، وتكاد “تختنق ” بهم، مقصد للقرى المجاورة ونازحيها أيضاً، هذه أحوال قرية شقرا التي يستطيع “حزب الله” مثلاً أن يسوَّقها كنازع لثقافة الموت عن الجنوبيين، ويستطيع مشاهد آخر ككاتب هذه السطور، أن يبدد جزئية ليست عابرة عن كثافة “الحياة” في شقرا.

   بقاء شقرا خارج الحرب، وتحييدها كما تروج أوساط “حزب الله”، أو اكتظاظها الموسمي المعتاد، منح للحياة فيها كثافة موصوفة، حياة لم يشطب وجهها إلا غارة إسرائيلية وحيدة على منزل في أطرافها، وعايشها كاتب هذه السطور كناجٍ منها.

01.07.2024
زمن القراءة: 3 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية