fbpx

“حزب البعث” يقتنص أراضي السوريين المُهجّرين… مرة أخرى!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لقتل أمل السوريين بالعودة إلى أراضيهم، أقر مجلس الشعب التابع لنظام الأسد قانون إدارة الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم واستثمارها. باتت وزارة المالية تتولى إدارة الأموال المنقولة وغير المنقولة المذكورة واستثمارها ما يعني خسارة آلاف السوريين لأملاكهم. فكيف حصل ذلك؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مثل كل عام، يصطحب أنس الطاهر أولاده من مكان إقامتهم في مخيمات النزوح على الحدود السورية التركية، لمشاهدة أرضهم المزروعة بمحصول القمح من بعيد، في منطقة سهل الغاب غرب حماة.

يقول أنس: “منذ أربع سنوات، والألم يتجدد مع موسم حصاد القمح، ولا حيلة لنا سوى مشاهدة أرضنا، التي هجرنا النظام منها قسراً، ومنحها لقيادات ميليشياته كي يتنعموا بخيراتها، أما نحن فنتذوق الجوع والقهر في مخيمات النزوح، وها هي أرضنا أمامنا تتمايل فيها سنابل القمح قبل الحصاد، وليس لنا منها سوى المشاهدة والحسرة”.

حسرة أنس وخسارته أرضه نتيجة العملية العسكرية التي نفذتها قوات النظام وروسيا وإيران في العام 2019، وسيطرت بعدها على مناطق سهل الغاب وكفرزيتا واللطامنة وكفرنبودة شمال حماة وخان شيخون ومعرة النعمان وسراقب جنوبي إدلب، ورافقها إجبار السكان على ترك منازلهم وأراضيهم، تحت وطأة الغارات الجوية والقصف المدفعي.

للعام الخامس على التوالي، أعلن نظام الأسد من خلال ما يُعرف بـ”لجنة الاستثمار الزراعي” في 24 نيسان/ أبريل 2024، طرح أراضي السوريين المهجرين قسرياً من محافظة حماة، للاستثمار عن طريق المزادات العامة، بهدف تأجيرها لموسم واحد لمن يدفع أكثر.

في حين يقبع أصحاب الأراضي الحقيقيون في مخيمات النزوح على الحدود السورية – التركية، وسط تدهور حالتهم المعيشية، وانقطاع برامج المساعدة الأممية، وفي مقدمها برنامج الغذاء العالمي wfp.

ما هي لجنة الاستثمار الزراعي؟

يقول المحامي عبد الناصر حوشان في حديثه لـ”درج”، إن “لجنة الاستثمار الزراعي مكونة من المحافظ محمود زنبوعة، وقائد شرطة محافظة حماة اللواء حسين جمعة، وعضو قيادة فرع الحزب خالد حديد”.

ويضيف: “هذه اللجنة هي امتداد للجنة الأمنية التي أشرفت في العام 2020، على تقاسم ممتلكات النازحين من محافظة حماة، وكان يرأسها أكبر رتبة عسكرية في المحافظة ونائبه المحافظ، وعضوية كل من قائد فرع المخابرات الجوية، وقائد فرع المخابرات العسكرية، وقائد فرع الشرطة العسكرية، وقائد فرع المخابرات السياسية، وقائد فرع المخابرات الجوية، وتتبع لمكتب الأمن القومي برئاسة بشار الأسد، الذي يعتبر رئيس اللجان الأمنية في سوريا، بصفته قائد الجيش والقوات المسلحة”.

 عمد نظام الأسد إلى نقل عمل اللجنة الأمنية من الشكل العسكري إلى الحكومة، بهدف صبغ عملية الاستثمار (تأجير أراضي المزارعين) بصبغة مدنية إدارية، بعد إدانات عدة طاولته، من اللجنة الدولية المستقلة الخاصة بالجمهورية العربية السورية، ومنظمات دولية عدة، منها “هيومان رايتس ووتش”، التي وصفت ما يحصل بالسياسة المعتمدة للسيطرة على الممتلكات الخاصة وأراضي السكان النازحين بسبب الحرب، وصنفت العمل “جريمة حرب”.

وكتبت “هيومان رايتس ووتش” في تقريرها المنشور في نيسان/ أبريل 2021، أن “السلطات السورية تصادر بشكل غير قانوني منازل السوريين وأراضيهم، بعد فرارهم من الهجمات العسكرية السورية- الروسية في محافظتَي إدلب وحماة، إذ شاركت ميليشيا موالية للحكومة و”الاتحاد العام للفلاحين” الذي تسيطر عليه الحكومة، في الاستيلاء على هذه الأراضي وبيعها بالمزاد العلني لمؤيدي الحكومة”.

وأكدت اللجنة الدولية المستقلة الخاصة بالجمهورية العربية السورية، في تقريرها الصادر في آذار/ مارس 2022، أن “حكومة النظام السوري مستمرة بمصادرة أراضي السكان وممتلكاتهم، التي سيطرت عليها منذ العام 2019 في محافظات دير الزور وحماة وإدلب، عن طريق المزادات التي اتخذت طابعاً رسمياً، ما يدل على سياسة حكومية ناشئة بهذا الصدد”.

وأشارت إلى أن “المحافظين يوقّعون على المزادات، وعمل اللجان الخاصة المحلية، وذلك الاستيلاء كله يأتي تحت تهمة “غير موجود أو خارج البلد أو إرهابي أو منشق عن الجيش” كون غالبية المالكين المتضررين يقيمون خارج المناطق التي تسيطر عليها حكومة النظام”. 

وأوضحت أن “عدداً من المالكين المشمولين بقوائم الاستيلاء على أراضيهم، لا يجرأون على العودة إلى بلداتهم، خوفاً من إلقاء القبض عليهم”.  

استند نظام الأسد إلى القانون 51 في شرعنة السيطرة والاستيلاء على أراضي النازحين، بهدف إضفاء صبغة قانونية على الاستيلاء، في حين أن القانون المذكور بحسب المحامي حوشان “يخص الأملاك العامة للدولة فقط، ويسمى قانون العقود العامة، الذي يخص عقود ملكية عائدة للحكومة أو الدولة، وهذا العقد لا يشمل الأملاك الخاصة ولا يطبق عليها”.  

الشوق إلى السنابل

“أكثر من 500 كيلوغرام من القمح، ينتج الدونم المزروع في منطقة سهل الغاب، لا سيما الأراضي القريبة من مجرى العاصي”، بحسب المزارع زاهر الثلجي.

زراعة القمح في منطقة سهل الغاب، من الزراعات الاستراتيجية التي لا تحتاج إلى ري، واعتماد المزارعين يكون كله على الأمطار، ودائماً ما يكون موسم القمح ذا منفعة مادية وفيرة لجيب المزارع وللحيوانات التي يملكها، بخاصة أن كثيراً من أهالي سهل الغاب، ينتجون الأعلاف لقطعان الأبقار والأغنام من مزروعاتهم.

يقول زاهر من داخل خيمته الممزقة بفعل الرياح في مخيمات دير حسان على الحدود السورية – التركية: “كانت أيام الحصاد ترسم على وجوهنا الفرحة، وكنت طوال شهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو، أبقى أنا وأخوتي في أرضنا، نحصد مواسم البرسيم والقمح والشعير، وما أعظمها من لحظة، حين تنزل الحصادة في الأرض، كنا نرافقها إما سيراً وإما راكبين إلى جنب السائق، فيما ينتظر الباقون عند الجرار الزراعي لمشاهدة القمح وهو يتساقط من الحصادة”.

ويضيف: “لا ينتهي يوم الحصاد إلا بغداء، يعقبه توزيع الحلويات، هناك وسط الأراضي الزراعية، ويحضره المزارعون القريبون من الأرض، الذين بدورهم يفعلون مثلنا في أيام حصادهم، وذلك كله تحت أشعة الشمس الحارقة، التي نشعر كأنها نسيم عليل، لفرحنا بجني المحصول”.

لم يعد زاهر يصدق أنه سيعود يوماً إلى أرضه، وسترى عيناه سنابل القمح، بخاصة بعد إمعان النظام في السيطرة على الأراضي الزراعية، ومنحها لقيادات ميليشياته ليتنعموا بخيراتها جزاء ارتكابهم المجازر بحق السوريين”، منوهاً إلى أن “ذلك كله يحدث تحت نظر المجتمع الدولي، الذي بدأ يعوّم نظام الأسد من جديد، ولم يعد يتحدث أحد عن عودة المهجرين إلى أراضيهم”.

 يصف زاهر حاله في الخيمة: “بعدما كان يصل ثمن محصول القمح في أرضنا إلى نحو 17 ألف دولار سنوياً، ويوفر لنا الحياة الكريمة، بتنا اليوم نعمل بالمياومة بواقع أجر دولارين في اليوم، إذا توافر عمل أصلاً، فأنا مثلاً، ليست لدي قدرة مالية على شراء دراجة نارية، بعدما كنا كل عام نشتري سيارة، أو نبني منزلاً لأحد أخوتي”.

يختم آسفاً: “أبي المسكين توفي العام الماضي، وجلّ ما كان يتمناه هو الجلوس وسط سنابل القمح في أرضه، لكنه مات كمداً وحزناً على حاله وحال أبنائه، فبعدما أمضى دهراً في منزله في منطقة سهل الغاب، انتقل للعيش في خيمة بالية يدخلها الغبار من كل اتجاه”.

الخوف من العودة

يتخوف الكثير من السوريين من العودة إلى مناطق سيطرة النظام، بعد صدور أحكام قضائية غيابية طاولت آلافاً منهم، ومع إصرار النظام على إجراء العائدين إلى بلداتهم مصالحة مع مخابراته وأجهزته الأمنية، يُبدي السوريون تخوفاً بالغاً من وجود مذكرات اعتقال تطاولهم، لأن مجرد وجود أسمائهم في جداول المصالحات، يعني أنهم متهمون من النظام، فقط لأنهم يسكنون في مناطق شمال غربي سوريا.

وبسبب ضنك العيش في المخيمات، عاد عدد من المزارعين إلى بلداتهم خلال العام 2023 ، لزراعة أراضيهم وللحؤول دون استملاكها أو استثمارها من ميليشيات النظام والمتعاونين معها.

واحد من “العائدين” هو ( س.م) الذي لم تكن عودته وعائلته إلى منطقة السقيلبية غرب حماة محمودةً، ويقول أحد أقربائه لـ”درج” إنه “عاد في ربيع العام 2021 إلى المنطقة، وعند أول حاجز لقوات النظام في محافظة حلب على طريق العودة، دفع (س.م) مبلغ 150 دولاراً للضابط الموجود على الحاجز، الذي يتبع للفرقة الرابعة، ومع تسلسل الحواجز على الطريق، وصولاً إلى بلدته، كان مجموع ما دفعه 730 دولاراً، إلى أن وجد منزله مهدماً جزئياً جراء القصف، الذي طاول بلدته في العام 2019 من قوات النظام وروسيا”.

 يخبرنا قريب (س.م) كيف شرع الأخير مع عائلته بتنظيف المنزل والسكن فيه من دون كهرباء، أما الماء فوفرتها لهم البئر الموجودة في فناء المنزل. وبعد مضي 10 أيام، ذهب (س.م) إلى مركز الجمعية الفلاحية، لاسترداد أرضه من أحد المتعاملين مع ميليشيا الدفاع الوطني، وهو لؤي المحمد قريب قائد الميليشيا في منطقة سهل الغاب باسم المحمد، فتفاجأ بالرد بأن لؤي مستثمر للأرض لمدة عام، ولا يحق لـ (س.م) استرجاعها حتى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام ذاته.

بعد محاولات عدة لاسترجاع الأرض ودفعه رشاوى لمتنفذين في المنطقة، في حزب “البعث”، كانت النتيجة اعتقال (س.م) في شهر أيلول/ سبتمبر من العام الفائت، من الأمن العسكري، ولليوم لا تعلم عائلته مصيره ولا مكان اعتقاله، أما الأرض وبحكم أن صاحبها غير موجود، ذهبت من جديد الى المزاد وآلت مجدداً إلى الشخص الذي كان مسيطراً عليها.

لقتل أمل السوريين بالعودة إلى أراضيهم، أقر مجلس الشعب التابع لنظام الأسد في 30 تشرين الثاني 2023 بالأكثرية، مشروع القانون المتعلق بإدارة الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم واستثمارها، وأصبح قانوناً، وتتولى وزارة المالية بموجبه، إدارة الأموال المنقولة وغير المنقولة المذكورة واستثمارها، عدا الأراضي الواقعة خارج المخططات التنظيمية، التي تكون إدارتها واستثمارها من اختصاص وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي. 

لماذا حزب البعث؟

تتولى الجمعيات الفلاحية والفرق والشعب المنبثقة من حزب “البعث” في سوريا، تنظيم  جداول ورقية وتسمية الأشخاص الواجب السيطرة على أراضيهم وممتلكاتهم، ورفعها إلى فرع الحزب في المحافظة، الذي يمررها بدوره إلى باقي الفروع الأمنية المخابراتية، وبالتالي يصادق عليها المحافظ بقصد الاستيلاء على أراضي الأشخاص الواردة أسماؤهم في جداول المصالحة وممتلكاتهم.

يضاف إلى ذلك، إشراك عضو قيادة فرع الحزب خالد حديد، بما يسمى لجنة الاستثمار الزراعي، التي تؤكد أن “حزب البعث هو صاحب القرار الأول في سوريا، على الرغم من إلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري الصادرة عام 1973 بأن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع”.

تنقسم تراتبية حزب “البعث” من القاعدة إلى الهرم،، من الشُعب الحزبية التي تكون مقراتها في البلدات والقرى، ثم الفرق الحزبية التي تكون مقراتها في مراكز المناطق، ثم الفرع (فرع حزب البعث) الذي يكون مقره في مركز المحافظة، ومن ثم القيادة المركزية، التي يكون مقرها في العاصمة والأمانة العامة بقيادة بشار الأسد.


فداء زياد - كاتبة فلسطينية من غزة | 14.06.2024

عن تخمة الشعور واختبارات النجاة في غزة

ليلة اقتحام رفح، كانت حيلتي أن أستعير أقدام الطبيبة أميرة العسولي، المرأة الطبيبة التي جازفت بحياتها لتنقذ حياة مصاب، فترة حصار الجيش الإسرائيلي مستشفى ناصر في خانيونس، كي أحاول إنقاذ أخي وعائلته وأختي وأبنائها المقيمين في الجهة المقابلة لنا، لأنهم كانوا أكثر قرباً من الخطر.
13.06.2024
زمن القراءة: 7 minutes

لقتل أمل السوريين بالعودة إلى أراضيهم، أقر مجلس الشعب التابع لنظام الأسد قانون إدارة الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم واستثمارها. باتت وزارة المالية تتولى إدارة الأموال المنقولة وغير المنقولة المذكورة واستثمارها ما يعني خسارة آلاف السوريين لأملاكهم. فكيف حصل ذلك؟


مثل كل عام، يصطحب أنس الطاهر أولاده من مكان إقامتهم في مخيمات النزوح على الحدود السورية التركية، لمشاهدة أرضهم المزروعة بمحصول القمح من بعيد، في منطقة سهل الغاب غرب حماة.

يقول أنس: “منذ أربع سنوات، والألم يتجدد مع موسم حصاد القمح، ولا حيلة لنا سوى مشاهدة أرضنا، التي هجرنا النظام منها قسراً، ومنحها لقيادات ميليشياته كي يتنعموا بخيراتها، أما نحن فنتذوق الجوع والقهر في مخيمات النزوح، وها هي أرضنا أمامنا تتمايل فيها سنابل القمح قبل الحصاد، وليس لنا منها سوى المشاهدة والحسرة”.

حسرة أنس وخسارته أرضه نتيجة العملية العسكرية التي نفذتها قوات النظام وروسيا وإيران في العام 2019، وسيطرت بعدها على مناطق سهل الغاب وكفرزيتا واللطامنة وكفرنبودة شمال حماة وخان شيخون ومعرة النعمان وسراقب جنوبي إدلب، ورافقها إجبار السكان على ترك منازلهم وأراضيهم، تحت وطأة الغارات الجوية والقصف المدفعي.

للعام الخامس على التوالي، أعلن نظام الأسد من خلال ما يُعرف بـ”لجنة الاستثمار الزراعي” في 24 نيسان/ أبريل 2024، طرح أراضي السوريين المهجرين قسرياً من محافظة حماة، للاستثمار عن طريق المزادات العامة، بهدف تأجيرها لموسم واحد لمن يدفع أكثر.

في حين يقبع أصحاب الأراضي الحقيقيون في مخيمات النزوح على الحدود السورية – التركية، وسط تدهور حالتهم المعيشية، وانقطاع برامج المساعدة الأممية، وفي مقدمها برنامج الغذاء العالمي wfp.

ما هي لجنة الاستثمار الزراعي؟

يقول المحامي عبد الناصر حوشان في حديثه لـ”درج”، إن “لجنة الاستثمار الزراعي مكونة من المحافظ محمود زنبوعة، وقائد شرطة محافظة حماة اللواء حسين جمعة، وعضو قيادة فرع الحزب خالد حديد”.

ويضيف: “هذه اللجنة هي امتداد للجنة الأمنية التي أشرفت في العام 2020، على تقاسم ممتلكات النازحين من محافظة حماة، وكان يرأسها أكبر رتبة عسكرية في المحافظة ونائبه المحافظ، وعضوية كل من قائد فرع المخابرات الجوية، وقائد فرع المخابرات العسكرية، وقائد فرع الشرطة العسكرية، وقائد فرع المخابرات السياسية، وقائد فرع المخابرات الجوية، وتتبع لمكتب الأمن القومي برئاسة بشار الأسد، الذي يعتبر رئيس اللجان الأمنية في سوريا، بصفته قائد الجيش والقوات المسلحة”.

 عمد نظام الأسد إلى نقل عمل اللجنة الأمنية من الشكل العسكري إلى الحكومة، بهدف صبغ عملية الاستثمار (تأجير أراضي المزارعين) بصبغة مدنية إدارية، بعد إدانات عدة طاولته، من اللجنة الدولية المستقلة الخاصة بالجمهورية العربية السورية، ومنظمات دولية عدة، منها “هيومان رايتس ووتش”، التي وصفت ما يحصل بالسياسة المعتمدة للسيطرة على الممتلكات الخاصة وأراضي السكان النازحين بسبب الحرب، وصنفت العمل “جريمة حرب”.

وكتبت “هيومان رايتس ووتش” في تقريرها المنشور في نيسان/ أبريل 2021، أن “السلطات السورية تصادر بشكل غير قانوني منازل السوريين وأراضيهم، بعد فرارهم من الهجمات العسكرية السورية- الروسية في محافظتَي إدلب وحماة، إذ شاركت ميليشيا موالية للحكومة و”الاتحاد العام للفلاحين” الذي تسيطر عليه الحكومة، في الاستيلاء على هذه الأراضي وبيعها بالمزاد العلني لمؤيدي الحكومة”.

وأكدت اللجنة الدولية المستقلة الخاصة بالجمهورية العربية السورية، في تقريرها الصادر في آذار/ مارس 2022، أن “حكومة النظام السوري مستمرة بمصادرة أراضي السكان وممتلكاتهم، التي سيطرت عليها منذ العام 2019 في محافظات دير الزور وحماة وإدلب، عن طريق المزادات التي اتخذت طابعاً رسمياً، ما يدل على سياسة حكومية ناشئة بهذا الصدد”.

وأشارت إلى أن “المحافظين يوقّعون على المزادات، وعمل اللجان الخاصة المحلية، وذلك الاستيلاء كله يأتي تحت تهمة “غير موجود أو خارج البلد أو إرهابي أو منشق عن الجيش” كون غالبية المالكين المتضررين يقيمون خارج المناطق التي تسيطر عليها حكومة النظام”. 

وأوضحت أن “عدداً من المالكين المشمولين بقوائم الاستيلاء على أراضيهم، لا يجرأون على العودة إلى بلداتهم، خوفاً من إلقاء القبض عليهم”.  

استند نظام الأسد إلى القانون 51 في شرعنة السيطرة والاستيلاء على أراضي النازحين، بهدف إضفاء صبغة قانونية على الاستيلاء، في حين أن القانون المذكور بحسب المحامي حوشان “يخص الأملاك العامة للدولة فقط، ويسمى قانون العقود العامة، الذي يخص عقود ملكية عائدة للحكومة أو الدولة، وهذا العقد لا يشمل الأملاك الخاصة ولا يطبق عليها”.  

الشوق إلى السنابل

“أكثر من 500 كيلوغرام من القمح، ينتج الدونم المزروع في منطقة سهل الغاب، لا سيما الأراضي القريبة من مجرى العاصي”، بحسب المزارع زاهر الثلجي.

زراعة القمح في منطقة سهل الغاب، من الزراعات الاستراتيجية التي لا تحتاج إلى ري، واعتماد المزارعين يكون كله على الأمطار، ودائماً ما يكون موسم القمح ذا منفعة مادية وفيرة لجيب المزارع وللحيوانات التي يملكها، بخاصة أن كثيراً من أهالي سهل الغاب، ينتجون الأعلاف لقطعان الأبقار والأغنام من مزروعاتهم.

يقول زاهر من داخل خيمته الممزقة بفعل الرياح في مخيمات دير حسان على الحدود السورية – التركية: “كانت أيام الحصاد ترسم على وجوهنا الفرحة، وكنت طوال شهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو، أبقى أنا وأخوتي في أرضنا، نحصد مواسم البرسيم والقمح والشعير، وما أعظمها من لحظة، حين تنزل الحصادة في الأرض، كنا نرافقها إما سيراً وإما راكبين إلى جنب السائق، فيما ينتظر الباقون عند الجرار الزراعي لمشاهدة القمح وهو يتساقط من الحصادة”.

ويضيف: “لا ينتهي يوم الحصاد إلا بغداء، يعقبه توزيع الحلويات، هناك وسط الأراضي الزراعية، ويحضره المزارعون القريبون من الأرض، الذين بدورهم يفعلون مثلنا في أيام حصادهم، وذلك كله تحت أشعة الشمس الحارقة، التي نشعر كأنها نسيم عليل، لفرحنا بجني المحصول”.

لم يعد زاهر يصدق أنه سيعود يوماً إلى أرضه، وسترى عيناه سنابل القمح، بخاصة بعد إمعان النظام في السيطرة على الأراضي الزراعية، ومنحها لقيادات ميليشياته ليتنعموا بخيراتها جزاء ارتكابهم المجازر بحق السوريين”، منوهاً إلى أن “ذلك كله يحدث تحت نظر المجتمع الدولي، الذي بدأ يعوّم نظام الأسد من جديد، ولم يعد يتحدث أحد عن عودة المهجرين إلى أراضيهم”.

 يصف زاهر حاله في الخيمة: “بعدما كان يصل ثمن محصول القمح في أرضنا إلى نحو 17 ألف دولار سنوياً، ويوفر لنا الحياة الكريمة، بتنا اليوم نعمل بالمياومة بواقع أجر دولارين في اليوم، إذا توافر عمل أصلاً، فأنا مثلاً، ليست لدي قدرة مالية على شراء دراجة نارية، بعدما كنا كل عام نشتري سيارة، أو نبني منزلاً لأحد أخوتي”.

يختم آسفاً: “أبي المسكين توفي العام الماضي، وجلّ ما كان يتمناه هو الجلوس وسط سنابل القمح في أرضه، لكنه مات كمداً وحزناً على حاله وحال أبنائه، فبعدما أمضى دهراً في منزله في منطقة سهل الغاب، انتقل للعيش في خيمة بالية يدخلها الغبار من كل اتجاه”.

الخوف من العودة

يتخوف الكثير من السوريين من العودة إلى مناطق سيطرة النظام، بعد صدور أحكام قضائية غيابية طاولت آلافاً منهم، ومع إصرار النظام على إجراء العائدين إلى بلداتهم مصالحة مع مخابراته وأجهزته الأمنية، يُبدي السوريون تخوفاً بالغاً من وجود مذكرات اعتقال تطاولهم، لأن مجرد وجود أسمائهم في جداول المصالحات، يعني أنهم متهمون من النظام، فقط لأنهم يسكنون في مناطق شمال غربي سوريا.

وبسبب ضنك العيش في المخيمات، عاد عدد من المزارعين إلى بلداتهم خلال العام 2023 ، لزراعة أراضيهم وللحؤول دون استملاكها أو استثمارها من ميليشيات النظام والمتعاونين معها.

واحد من “العائدين” هو ( س.م) الذي لم تكن عودته وعائلته إلى منطقة السقيلبية غرب حماة محمودةً، ويقول أحد أقربائه لـ”درج” إنه “عاد في ربيع العام 2021 إلى المنطقة، وعند أول حاجز لقوات النظام في محافظة حلب على طريق العودة، دفع (س.م) مبلغ 150 دولاراً للضابط الموجود على الحاجز، الذي يتبع للفرقة الرابعة، ومع تسلسل الحواجز على الطريق، وصولاً إلى بلدته، كان مجموع ما دفعه 730 دولاراً، إلى أن وجد منزله مهدماً جزئياً جراء القصف، الذي طاول بلدته في العام 2019 من قوات النظام وروسيا”.

 يخبرنا قريب (س.م) كيف شرع الأخير مع عائلته بتنظيف المنزل والسكن فيه من دون كهرباء، أما الماء فوفرتها لهم البئر الموجودة في فناء المنزل. وبعد مضي 10 أيام، ذهب (س.م) إلى مركز الجمعية الفلاحية، لاسترداد أرضه من أحد المتعاملين مع ميليشيا الدفاع الوطني، وهو لؤي المحمد قريب قائد الميليشيا في منطقة سهل الغاب باسم المحمد، فتفاجأ بالرد بأن لؤي مستثمر للأرض لمدة عام، ولا يحق لـ (س.م) استرجاعها حتى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام ذاته.

بعد محاولات عدة لاسترجاع الأرض ودفعه رشاوى لمتنفذين في المنطقة، في حزب “البعث”، كانت النتيجة اعتقال (س.م) في شهر أيلول/ سبتمبر من العام الفائت، من الأمن العسكري، ولليوم لا تعلم عائلته مصيره ولا مكان اعتقاله، أما الأرض وبحكم أن صاحبها غير موجود، ذهبت من جديد الى المزاد وآلت مجدداً إلى الشخص الذي كان مسيطراً عليها.

لقتل أمل السوريين بالعودة إلى أراضيهم، أقر مجلس الشعب التابع لنظام الأسد في 30 تشرين الثاني 2023 بالأكثرية، مشروع القانون المتعلق بإدارة الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم واستثمارها، وأصبح قانوناً، وتتولى وزارة المالية بموجبه، إدارة الأموال المنقولة وغير المنقولة المذكورة واستثمارها، عدا الأراضي الواقعة خارج المخططات التنظيمية، التي تكون إدارتها واستثمارها من اختصاص وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي. 

لماذا حزب البعث؟

تتولى الجمعيات الفلاحية والفرق والشعب المنبثقة من حزب “البعث” في سوريا، تنظيم  جداول ورقية وتسمية الأشخاص الواجب السيطرة على أراضيهم وممتلكاتهم، ورفعها إلى فرع الحزب في المحافظة، الذي يمررها بدوره إلى باقي الفروع الأمنية المخابراتية، وبالتالي يصادق عليها المحافظ بقصد الاستيلاء على أراضي الأشخاص الواردة أسماؤهم في جداول المصالحة وممتلكاتهم.

يضاف إلى ذلك، إشراك عضو قيادة فرع الحزب خالد حديد، بما يسمى لجنة الاستثمار الزراعي، التي تؤكد أن “حزب البعث هو صاحب القرار الأول في سوريا، على الرغم من إلغاء المادة الثامنة من الدستور السوري الصادرة عام 1973 بأن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع”.

تنقسم تراتبية حزب “البعث” من القاعدة إلى الهرم،، من الشُعب الحزبية التي تكون مقراتها في البلدات والقرى، ثم الفرق الحزبية التي تكون مقراتها في مراكز المناطق، ثم الفرع (فرع حزب البعث) الذي يكون مقره في مركز المحافظة، ومن ثم القيادة المركزية، التي يكون مقرها في العاصمة والأمانة العامة بقيادة بشار الأسد.


13.06.2024
زمن القراءة: 7 minutes
|
آخر القصص
عن تخمة الشعور واختبارات النجاة في غزة
فداء زياد - كاتبة فلسطينية من غزة | 14.06.2024
فك حصار تعز بعد 9 سنوات…بين الحذر وانعدام الثقة
عبير محسن – صحافية يمنية | 14.06.2024
“دولة” سجن رومية اللبنانيّة… مخدّرات وحرائق وجوع!
باسكال صوما - صحافية لبنانية | 13.06.2024

اشترك بنشرتنا البريدية