fbpx

دونالد ترامب المدان والولايات المتحدة المهددة بالتقسيم  (1 من 2)

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، يُدان رئيس سابق أو حالي، قضائياً، لا يعني ذلك أن من شغل المنصب قبل دونالد ترامب كانوا من أصحاب الفضيلة (هل نذكر بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي؟) لكنه يؤشر، على رعونة ترامب في ما يقول ويفعل، ويطرح، من جهة أخرى، أسئلةً عن مستقبل الجمهورية التي ترأسها ترامب، والتي قد يعودُ لرئاستها مجدداً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

طيّرت وكالات الأنباء الخبر، ما إن أُدين الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحالي للرئاسة دونالد ترامب، آخر شهر أيار/مايو المُنصرم، بالتلاعب في سجلات مالية، للتغطية على ما دفعه من مالٍ للممثلة الإباحية المعروفة باسم “ستورمي دانيلز”، مقابل صمتها عن “تاريخ قصير” بينهما، خشية أن يؤثر “تصريح” منها على حملته الانتخابية عام 2016؛ تفاصيل القضية متاحة (بوفرة) على الإنترنت لمن أراد. 

من غير المرجح أن يحكم القاضي بسجن ترامب، برغم أن هيئة المُحَلفين قد دانته، فهذه أول مخالفة للقانون تثبت عليه (لو كانت له سابقة لاختلف الأمر) لكن يبقى الاحتمالُ وارداً، الجديد أن هذه أول مرة في تاريخ هذه الجمهورية؛ الولايات المتحدة، يُدان فيها رئيس سابق أو حالي، قضائياً، لا يعني ذلك أن من شغل المنصب قبل ترامب كانوا من أصحاب الفضيلة (هل نذكر بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي؟) لكنه يؤشر، من جهة، على رعونته (أي ترامب) في ما يقول ويفعل، ويطرح، من جهة أخرى، أسئلةً، وهذا أهم بكثير، عن مستقبل هذه الجمهورية التي ترأسها ترامب، والتي قد يعودُ لرئاستها مجدداً.

ربما أبعدت الإدانة قلةً عن التصويت له، مما قد يحدث فارقاً لصالح جوزيف بايدن في الانتخابات في شهر نوفمبر/تشرين ثاني المقبل، لكن يبدو أن كتلةً كبيرة من مؤيدي الحزب الجمهوري؛ إن لم تكن أغلبيتهم، لم تر َفي الحكم إلا دليلاً آخر أن رجلهم دونالد ترامب، ضحية مؤامرة شيطانية من الليبراليين واليساريين، الذين من وجهة نظر هؤلاء الجمهوريين، قادوا الولايات المتحدة إلى ما هي عليه اليوم من تردٍ سياسي وأخلاقي. 

فبعد الإدانة مباشرة، خلال أقل من أربعة أيام، حصدت حملة ترامب الانتخابية ثلاثة وخمسين مليون دولار، بل إن شدة التدافع لتمويل سعيه للرئاسة (مرةً ثانية) عطلت موقع جمع التبرعات قرابة الساعة.

ترامب يدين المحكمة سياسياً

 قناة سي إن إن الليبرالية المحسوبة على خصوم ترامب في الحزب الديمقراطي، بعد يومٍ من الإدانة، كتبت على شاشتها أن استطلاعاً يقول إن خمسين في المئة من الأميركيين، يرون أن ترامب يستحق الإدانة، وصمتت عن النصف الآخر الذي شمله الاستفتاء؛ بديهي أن هؤلاء إما يرفضون الإدانة كليةً وإما يشككون فيها. 

 أول ما صرح به ترامب بعد جلسة المحاكمة الأخيرة، كان هجوماً شرساً على القاضي الذي أدار المحاكمة، والذي سيصُدر الحكم عليه، علماً أن الإدانة أتت من هيئة المحلفين لا القاضي.

عند خسارته الانتخابات عام 2020 ادعى ترامب أن النتائج زُورت ضده، وبعدها دَعم، ضمنياً على الأقل، محاولةً للاستيلاء على الكونجرس بالقوة، ورفض أن يسلم السلطة للرئيس الفائز، كما تقضي تقاليد الديمقراطية الأميركية، بل إنه صب جام غضبه على نائبه مايك بينس، الذي رفض محاولة السيطرة على برلمان البلاد عنوةً، وأشرف  (أي بينس) على مراسم تسليم السلطة لجوزيف بايدن، برغم كل هذا العداء للدولة الأميركية ومؤسساتها الأهم (القضاء والعملية الانتخابية)  يبقى ترامب مسيطراً على الحزب الجمهوري، بل ويخاطر أي جمهوري يعارضه بمستقبله السياسي، فللرجل قاعدة موالية صلبة. 

من يجلس أمام شاشة التلفزيون ليتنقل بين قناتي الأخبار الأميركيتين الرئيستين:  فوكس المحافظة المعروفة بميلها إلى الجمهوريين، وسي إن إن الأقرب للديمقراطيين واليسار الليبرالي، لن يلاحظ فقط اختلاف الأفكار والرؤى، بل تباينهما المطلق، فلا أرضية مشتركة هنا، ولا مساحة للتفاهم أو الحلول الوسط. الديمقراطيون يسعون لدولة رفاه توفر الخدماتٍ للجميع، وعلى رأس هذه الخدمات الرعاية الطبية، الجمهوريون وصفوا مشروع الرعاية الصحية الحكومي، الذي سعى باراك أوباما بقوة لتنفيذه (ولم ينجح في مسعاه  إلا جزئياً) بأنه مفهوم “شيوعي” يليق ب”الاشتراكيين” (لاحظ استدعاء العداء للاتحاد السوفيتي السابق).

زيادة عمق الهوة بين الديمقراطيين والجمهوريين

 الجمهوريون، خاصة منذ عهد رونالد ريجان يقدسون حرية الاقتصاد، يلتزمون الفكر النيو-ليبرالي، ويسعون عادةً لخفض الضرائب، بينما الديمقراطيون معنيون باستثمار حكومي أكبر في البنية التحتية والتعليم وغير ذلك، من ثم لا ينزعون عادة نحو خفض الضرائب.

 الجمهوريون يصرون على الحفاظ على حق الأفراد في حمل السلاح، الديمقراطيون يسعون لتقييد هذا الحق.

 الحزب الجمهوري، خاصة بعد رئاسة بوش الأب، فيه حضور قوي لليمين المسيحي ويمثل قيماً محافظة، الحزب الديمقراطي يعلو فيه صوت اليسار الليبرالي المشغول بالحريات وحقوق الأقليات الجنسية من المثليين وعابري الهوية الجنسية. 

الجمهوريون دوماً ضد حق الإجهاض، والديمقراطيون عادة معه، وبينما يكاد يخلو الحزب الجمهوري من غير البيض، يقترب الحزب الديمقراطي عادةً لغير البيض وللأقليات المختلفة عموماً. 

هذه الاختلافات قد تبدو مشابهةً لما قد تتباين حوله، مثلاً، مواقف حزبي المحافظين والعمال في بريطانيا، لكن الخلافات هنا أكثر حدة، وزاد الأمر استفحالا ًدخول  اليمين المسيحي (البروتستانتي ) لاعباً أساساً في  توجهات الحزب الجمهوري، ثم أتى دور وسائط الإعلام الحديثة على الإنترنت، التي ب”لوغاريتماتها” تُقرن المستخدم بمن يماثله رأياً وتوجهاً، بدلاً من دفعه للحوار مع  من يختلف معه . 

ميزة “البعد” عن السياسة

صعود ترامب إلى قمة الهرم، كمرشح للحزب الجمهوري، ثم إلى سدة الرئاسة، تعبيرٌعن هذا الاستقطاب الحاد، ترامب لم يدخل السياسة إلا متأخراً، بل هو بلا خبرة سياسية قبل ترشحه للرئاسة، كان معروفاً كرجل أعمال له حضور تلفزيوني لا كسياسي.

 من سبقوه من الجمهوريين  أو الديمقراطيين، كانوا عادة ممن خدموا في مناصب منتخبة، وخبروا النظام السياسي الأميركي من داخله، مثلاً جورج بوش الابن (في الرئاسة 2001-2009)  كان حاكماً لولاية تكساس قبل الرئاسة، بوش الأب (في الرئاسة  1989- 1993) خدم في مناصب دبلوماسية عديدة، كان عضواً في الكونجرس، وعمل كرئيس للمخابرات قبل توليه منصب نائب رئيس الجمهورية مع رونالد ريجان، ثم الرئاسة، أما ريجان (تولى الرئاسة  1981-1989) فكان حاكماً لولاية كاليفورنيا، وعضواً بارزاً في الحزب الجمهوري قبل الوصول إلى الرئاسة، والأمر نفسه ينطبق على الديمقراطي جوزيف بايدن، الذي عمل بالسياسية طيلة حياته، وصولاً إلى نيابة رئيس الجمهورية في عهد باراك أوباما، الذي بدوره كان عضواً منتخباً في الكونجرس قبل الرئاسة. 

عِوضاً عن نقص الخبرة، سوّق ترامب بُعده عن السياسة كميزة، من ثَم حديثه المتكرر عن “تجفيف المستنقع”، قاصداً بذلك مدينة واشنطن العاصمة وسياسييها (عند بنائها قُبيل نهاية القرن الثامن عشر كانت المساحة التي أُنشئت فيها العاصمة الأميركية منطقةً منخفضة من المستنقعات والأحراش، من ثم الاستخدام المتكرر لهذا التشبيه، إذ استخدمه ريجان أيضاً وآخرون) أقلية داخل الحزب الجمهوري أخذت سعي ترامب للرئاسة عام 2015 على محمل الجد، لكن واضح أن نخبة الحزب الجمهوري لم تقرأ ميول ناشطي الحزب وقاعدته جيداً. 

أداء ترامب الفجّ

أتى ترامب بدعم من جمهور أعضاء الحزب وناشطيه، لا من نخبته، مثل لهم (أي للقاعدة الحزبية العريضة)  قفزةً  أبعد إلى اليمين بعد رئاسة أوباما النصف-أفريقي (أو كرد فعلٍ عليها؟) صفوة الحزب الجمهوري من سياسيين متمرسين لم تستطع الوقوف أمام ترامب، بل إنه هو اليوم الآمر الناهي في الحزب، وذلك استناداً إلى ولاء القاعدة الحزبية العريضة، والمحافظة الأعرض، التي استمالها أداؤه (أي ترامب) الذي لا يمكن وصفه إلا بالفجاجة. 

ذو دلالة أن أحد أبرز ضحايا ترامب، الذين تم تهميشهم بشكل شبه كامل ليز تشيني، عضوة الكونجرس عن الحزب الجمهوري، التي كانت حتى سنواتٍ قليلة أحد نجومه الصاعدين، وابنة نائب الرئيس الأقوى في تاريخ الولايات المتحدة، ديك تشيني (مع جورج بوش الابن 2001 – 2009) لكن تشيني تحدثت علناً ضد ادعاء ترامب، أن انتخابات عام 2020 زُورت ضده، بل انضمت إلى لجنة التحقيق في ما جرى في يناير/كانون ثاني 2021، من محاولة  للاستيلاء على الكونجرس بالقوة، لإلغاء نتيجة الانتخابات، فكان ما لاقته من عقاب. 

إنها بلاد يعرّف مشهدها السياسي ترامب وأتباعه الآن، لكن أية مخاوفٍ يثيرها هذا الواقع عن المستقبل؟ 

فداء زياد - كاتبة فلسطينية من غزة | 14.06.2024

عن تخمة الشعور واختبارات النجاة في غزة

ليلة اقتحام رفح، كانت حيلتي أن أستعير أقدام الطبيبة أميرة العسولي، المرأة الطبيبة التي جازفت بحياتها لتنقذ حياة مصاب، فترة حصار الجيش الإسرائيلي مستشفى ناصر في خانيونس، كي أحاول إنقاذ أخي وعائلته وأختي وأبنائها المقيمين في الجهة المقابلة لنا، لأنهم كانوا أكثر قرباً من الخطر.
12.06.2024
زمن القراءة: 5 minutes

لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، يُدان رئيس سابق أو حالي، قضائياً، لا يعني ذلك أن من شغل المنصب قبل دونالد ترامب كانوا من أصحاب الفضيلة (هل نذكر بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي؟) لكنه يؤشر، على رعونة ترامب في ما يقول ويفعل، ويطرح، من جهة أخرى، أسئلةً عن مستقبل الجمهورية التي ترأسها ترامب، والتي قد يعودُ لرئاستها مجدداً.

طيّرت وكالات الأنباء الخبر، ما إن أُدين الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحالي للرئاسة دونالد ترامب، آخر شهر أيار/مايو المُنصرم، بالتلاعب في سجلات مالية، للتغطية على ما دفعه من مالٍ للممثلة الإباحية المعروفة باسم “ستورمي دانيلز”، مقابل صمتها عن “تاريخ قصير” بينهما، خشية أن يؤثر “تصريح” منها على حملته الانتخابية عام 2016؛ تفاصيل القضية متاحة (بوفرة) على الإنترنت لمن أراد. 

من غير المرجح أن يحكم القاضي بسجن ترامب، برغم أن هيئة المُحَلفين قد دانته، فهذه أول مخالفة للقانون تثبت عليه (لو كانت له سابقة لاختلف الأمر) لكن يبقى الاحتمالُ وارداً، الجديد أن هذه أول مرة في تاريخ هذه الجمهورية؛ الولايات المتحدة، يُدان فيها رئيس سابق أو حالي، قضائياً، لا يعني ذلك أن من شغل المنصب قبل ترامب كانوا من أصحاب الفضيلة (هل نذكر بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي؟) لكنه يؤشر، من جهة، على رعونته (أي ترامب) في ما يقول ويفعل، ويطرح، من جهة أخرى، أسئلةً، وهذا أهم بكثير، عن مستقبل هذه الجمهورية التي ترأسها ترامب، والتي قد يعودُ لرئاستها مجدداً.

ربما أبعدت الإدانة قلةً عن التصويت له، مما قد يحدث فارقاً لصالح جوزيف بايدن في الانتخابات في شهر نوفمبر/تشرين ثاني المقبل، لكن يبدو أن كتلةً كبيرة من مؤيدي الحزب الجمهوري؛ إن لم تكن أغلبيتهم، لم تر َفي الحكم إلا دليلاً آخر أن رجلهم دونالد ترامب، ضحية مؤامرة شيطانية من الليبراليين واليساريين، الذين من وجهة نظر هؤلاء الجمهوريين، قادوا الولايات المتحدة إلى ما هي عليه اليوم من تردٍ سياسي وأخلاقي. 

فبعد الإدانة مباشرة، خلال أقل من أربعة أيام، حصدت حملة ترامب الانتخابية ثلاثة وخمسين مليون دولار، بل إن شدة التدافع لتمويل سعيه للرئاسة (مرةً ثانية) عطلت موقع جمع التبرعات قرابة الساعة.

ترامب يدين المحكمة سياسياً

 قناة سي إن إن الليبرالية المحسوبة على خصوم ترامب في الحزب الديمقراطي، بعد يومٍ من الإدانة، كتبت على شاشتها أن استطلاعاً يقول إن خمسين في المئة من الأميركيين، يرون أن ترامب يستحق الإدانة، وصمتت عن النصف الآخر الذي شمله الاستفتاء؛ بديهي أن هؤلاء إما يرفضون الإدانة كليةً وإما يشككون فيها. 

 أول ما صرح به ترامب بعد جلسة المحاكمة الأخيرة، كان هجوماً شرساً على القاضي الذي أدار المحاكمة، والذي سيصُدر الحكم عليه، علماً أن الإدانة أتت من هيئة المحلفين لا القاضي.

عند خسارته الانتخابات عام 2020 ادعى ترامب أن النتائج زُورت ضده، وبعدها دَعم، ضمنياً على الأقل، محاولةً للاستيلاء على الكونجرس بالقوة، ورفض أن يسلم السلطة للرئيس الفائز، كما تقضي تقاليد الديمقراطية الأميركية، بل إنه صب جام غضبه على نائبه مايك بينس، الذي رفض محاولة السيطرة على برلمان البلاد عنوةً، وأشرف  (أي بينس) على مراسم تسليم السلطة لجوزيف بايدن، برغم كل هذا العداء للدولة الأميركية ومؤسساتها الأهم (القضاء والعملية الانتخابية)  يبقى ترامب مسيطراً على الحزب الجمهوري، بل ويخاطر أي جمهوري يعارضه بمستقبله السياسي، فللرجل قاعدة موالية صلبة. 

من يجلس أمام شاشة التلفزيون ليتنقل بين قناتي الأخبار الأميركيتين الرئيستين:  فوكس المحافظة المعروفة بميلها إلى الجمهوريين، وسي إن إن الأقرب للديمقراطيين واليسار الليبرالي، لن يلاحظ فقط اختلاف الأفكار والرؤى، بل تباينهما المطلق، فلا أرضية مشتركة هنا، ولا مساحة للتفاهم أو الحلول الوسط. الديمقراطيون يسعون لدولة رفاه توفر الخدماتٍ للجميع، وعلى رأس هذه الخدمات الرعاية الطبية، الجمهوريون وصفوا مشروع الرعاية الصحية الحكومي، الذي سعى باراك أوباما بقوة لتنفيذه (ولم ينجح في مسعاه  إلا جزئياً) بأنه مفهوم “شيوعي” يليق ب”الاشتراكيين” (لاحظ استدعاء العداء للاتحاد السوفيتي السابق).

زيادة عمق الهوة بين الديمقراطيين والجمهوريين

 الجمهوريون، خاصة منذ عهد رونالد ريجان يقدسون حرية الاقتصاد، يلتزمون الفكر النيو-ليبرالي، ويسعون عادةً لخفض الضرائب، بينما الديمقراطيون معنيون باستثمار حكومي أكبر في البنية التحتية والتعليم وغير ذلك، من ثم لا ينزعون عادة نحو خفض الضرائب.

 الجمهوريون يصرون على الحفاظ على حق الأفراد في حمل السلاح، الديمقراطيون يسعون لتقييد هذا الحق.

 الحزب الجمهوري، خاصة بعد رئاسة بوش الأب، فيه حضور قوي لليمين المسيحي ويمثل قيماً محافظة، الحزب الديمقراطي يعلو فيه صوت اليسار الليبرالي المشغول بالحريات وحقوق الأقليات الجنسية من المثليين وعابري الهوية الجنسية. 

الجمهوريون دوماً ضد حق الإجهاض، والديمقراطيون عادة معه، وبينما يكاد يخلو الحزب الجمهوري من غير البيض، يقترب الحزب الديمقراطي عادةً لغير البيض وللأقليات المختلفة عموماً. 

هذه الاختلافات قد تبدو مشابهةً لما قد تتباين حوله، مثلاً، مواقف حزبي المحافظين والعمال في بريطانيا، لكن الخلافات هنا أكثر حدة، وزاد الأمر استفحالا ًدخول  اليمين المسيحي (البروتستانتي ) لاعباً أساساً في  توجهات الحزب الجمهوري، ثم أتى دور وسائط الإعلام الحديثة على الإنترنت، التي ب”لوغاريتماتها” تُقرن المستخدم بمن يماثله رأياً وتوجهاً، بدلاً من دفعه للحوار مع  من يختلف معه . 

ميزة “البعد” عن السياسة

صعود ترامب إلى قمة الهرم، كمرشح للحزب الجمهوري، ثم إلى سدة الرئاسة، تعبيرٌعن هذا الاستقطاب الحاد، ترامب لم يدخل السياسة إلا متأخراً، بل هو بلا خبرة سياسية قبل ترشحه للرئاسة، كان معروفاً كرجل أعمال له حضور تلفزيوني لا كسياسي.

 من سبقوه من الجمهوريين  أو الديمقراطيين، كانوا عادة ممن خدموا في مناصب منتخبة، وخبروا النظام السياسي الأميركي من داخله، مثلاً جورج بوش الابن (في الرئاسة 2001-2009)  كان حاكماً لولاية تكساس قبل الرئاسة، بوش الأب (في الرئاسة  1989- 1993) خدم في مناصب دبلوماسية عديدة، كان عضواً في الكونجرس، وعمل كرئيس للمخابرات قبل توليه منصب نائب رئيس الجمهورية مع رونالد ريجان، ثم الرئاسة، أما ريجان (تولى الرئاسة  1981-1989) فكان حاكماً لولاية كاليفورنيا، وعضواً بارزاً في الحزب الجمهوري قبل الوصول إلى الرئاسة، والأمر نفسه ينطبق على الديمقراطي جوزيف بايدن، الذي عمل بالسياسية طيلة حياته، وصولاً إلى نيابة رئيس الجمهورية في عهد باراك أوباما، الذي بدوره كان عضواً منتخباً في الكونجرس قبل الرئاسة. 

عِوضاً عن نقص الخبرة، سوّق ترامب بُعده عن السياسة كميزة، من ثَم حديثه المتكرر عن “تجفيف المستنقع”، قاصداً بذلك مدينة واشنطن العاصمة وسياسييها (عند بنائها قُبيل نهاية القرن الثامن عشر كانت المساحة التي أُنشئت فيها العاصمة الأميركية منطقةً منخفضة من المستنقعات والأحراش، من ثم الاستخدام المتكرر لهذا التشبيه، إذ استخدمه ريجان أيضاً وآخرون) أقلية داخل الحزب الجمهوري أخذت سعي ترامب للرئاسة عام 2015 على محمل الجد، لكن واضح أن نخبة الحزب الجمهوري لم تقرأ ميول ناشطي الحزب وقاعدته جيداً. 

أداء ترامب الفجّ

أتى ترامب بدعم من جمهور أعضاء الحزب وناشطيه، لا من نخبته، مثل لهم (أي للقاعدة الحزبية العريضة)  قفزةً  أبعد إلى اليمين بعد رئاسة أوباما النصف-أفريقي (أو كرد فعلٍ عليها؟) صفوة الحزب الجمهوري من سياسيين متمرسين لم تستطع الوقوف أمام ترامب، بل إنه هو اليوم الآمر الناهي في الحزب، وذلك استناداً إلى ولاء القاعدة الحزبية العريضة، والمحافظة الأعرض، التي استمالها أداؤه (أي ترامب) الذي لا يمكن وصفه إلا بالفجاجة. 

ذو دلالة أن أحد أبرز ضحايا ترامب، الذين تم تهميشهم بشكل شبه كامل ليز تشيني، عضوة الكونجرس عن الحزب الجمهوري، التي كانت حتى سنواتٍ قليلة أحد نجومه الصاعدين، وابنة نائب الرئيس الأقوى في تاريخ الولايات المتحدة، ديك تشيني (مع جورج بوش الابن 2001 – 2009) لكن تشيني تحدثت علناً ضد ادعاء ترامب، أن انتخابات عام 2020 زُورت ضده، بل انضمت إلى لجنة التحقيق في ما جرى في يناير/كانون ثاني 2021، من محاولة  للاستيلاء على الكونجرس بالقوة، لإلغاء نتيجة الانتخابات، فكان ما لاقته من عقاب. 

إنها بلاد يعرّف مشهدها السياسي ترامب وأتباعه الآن، لكن أية مخاوفٍ يثيرها هذا الواقع عن المستقبل؟ 

12.06.2024
زمن القراءة: 5 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية