fbpx

شهادات الاعتقال والتعذيب في السجون الإسرائيليّة (6)… “أجبروني على التعرّي مراراً”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يجمع الكاتب مصطفى ابراهيم، النازح في رفح من قطاع غزة، شهادات أشخاص اعتقلهم الجيش الإسرائيلي وقام بإذلالهم، أشباه العراة الذين لم يُعرف عنهم خبر الى حين إطلاق سراحهم،  يصفون ما شهدوه في رحلة الإذلال التي اختبروها منذ اعتقالهم حتى إطلاق سراحهم. هنا حكاية الشابة ر.ر (31 عاماً)، التي اعتُقلت لأكثر من شهر من دون أيّ سبب واضح.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزّة شهرها الخامس، تتعرض النساء للعنف والإذلال بصورة خاصة تضاف إلى ويلات الحرب، إذ أشارت ريم السالم، مقررة الأمم المتحدة المستقلة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات، الى أن التقارير المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، تحوي تمييزاً، “فالضحايا لا يُنظر إليهم على أنهم متساوون عند صدور مثل هذه التقارير. ولا يبدو أن التقارير عن العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي تُعامل على قدم المساواة. هذه طبقة من طبقات عدة من الانتهاكات واسعة الانتشار والصارخة التي تعاني منها النساء والأطفال، والذين يعانون لأنهم فلسطينيون ولأنهم نساء”. 

الشهادة التالية كُتبت كلهّا بضمير المتكلم، كل ما ورد فيها من وصف وتفسيرات وإحالات وأحداث يعود إلى ر.ر. وقد خضعت بعض الفقرات والجمل للتحرير والتدقيق التزاماً بالمعايير الصحافيّة.

اسمي ر.ر، أسكن في غرفة من الصفيح في فناء منزل والديّ المتوّفيين، ولدي 5 أشقاء، وأعيل نفسي من معاش والدي. بداية الحرب على غزة بتاريخ 7/10/2023، بدأ قصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي يستهدف محيط منطقتنا ومنازل جيراننا، ما أثار الخوف والهلع داخلي، لاحقاً ألقت الطائرات منشورات تدعو إلى إخلاء المنطقة، فخرجنا من المنزل أنا وأخي وزوجته في 18/10/2023 الساعة 1 ظهراً، وذهبنا إلى مدرسة الفاخورة في معسكر جباليا، ومكثنا فيها تقريباً حتى منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر .

خلال هذه المدةّ (لا أذكُر التاريخ)، قصفوا المدرسة التي كنا فيها بالدبابات، فانتقلنا إلى مدرسة حفص وسط معسكر جباليا عند بركة أبو راشد، وبتاريخ 1/12/2023 الساعة 7 مساءً، ألقى الجيش الإسرائيلي قنابل دخان أبيض، قُتلت إثرها نادرة الطويل (55 عاماً)، إذ انفصل رأسها عن جسمها بعد إصابتها، حسب ما أبلغتني ابنتها. حضرت سيارة الإسعاف بعد نصف ساعة وأخذتها. كانت قنابل الغاز ذات الدخان الكثيف تدخل الصفوف،  ولم نر شيئاً بسبب انتشار الدخان في المكان، كما أدى القصف إلى احتراق الخيام الموجودة داخل المدرسة. 

نحو الساعة 11:30 صباحاً 2/12/2023، ألقت طائرات الاحتلال الإسرائيلية منشورات تأمر بإخلاء المدرسة والتوجّه إلى حي الدرج والتفاح، فتوجهتُ إلى مدرسة لا أعرف اسمها، وفي ساعات الليل كنت أسمع قصفاً كثيفاً  في محيط المدرسة.

نحو الساعة 8 صباح اليوم التالي، توجّهنا مشياً على الأقدام إلى مفترق الشهداء (حاجز نتساريم) جنوب مدينة غزة عبر ما يسمى الممر الآمن. وعندما وصلنا، أمر جنود الاحتلال الإسرائيليون عبر مكبرات الصوت النازحين الجلوس على الأرض لانتظار البقية.

انتظرنا نصف ساعة، بعدها طلبوا منا أن نتحرك عبر الممر، وأن نرفع بطاقة الهوية بأيدينا الى الأعلى (البطاقة الشخصية) وأن نحافظ على مسافة بين الشخص والآخر. نادى الجنود عليّ، وطلبوا منى الهوية، وكنت أحمل معي أغراضاً (شنطة ملابس توجد في داخلها أسوارة حية وسنسال خفيف وخاتمين وحلق ذهب وجوال نوت 9 وجوال كشاف و2000 شيكل).

 طلب مني أحد الجنود أن ألقي أغراضي وكل شيء على الأرض، وأن أدخل الخيمة التي تقف عندها مجنّدة، وهي خيمة مغلقة ومفتوح منها جزء بسيط مثل باب، ألقيتُ ما في يدي ودخلت الخيمة.

كانت المجندة تكلمني باللغة العبرية، فكان جندي من الخلف في الخارج على جانب باب الخيمة يترجم لي وللمجندة، التي كانت تبعد عني مترين تقريباً. طلبت مني المجندة عبر مكبر الصوت وهي تقف أمام فتحة الخيمة أن أخلع ملابسي، بما فيها الملابس الداخلية، وأن أنفض الملابس وألقي بها على الأرض وأثني الجزمة وأنفضها، وأن أفرد شعري وأنفضه.

صرخت المجندة بعدما خلعت ملابسي جميعها، وأمرتني بارتدائها بسرعة ومن دون حجاب، ثم قيّدت يديّ إلى الأمام بقيود بلاستيكية، وعصبت عينيّ بقطعة قماش وأجلستني على تلة رملية، وبعد دقائق اقتادتني إلى خيمة فيها كرسي ومحقق سألني عن إخوتي وعن عملهم، وادعى أن أخي يعمل مع كتائب القسام.

 قلت له إني لا أعرف شيئاً، فبدأ يصرخ بي ويقول لي: “كذابة… أنتم كذابين”، وضرب بيديه على الطاولة، استمر التحقيق 5 دقائق، قال المحقق بعدها: “إذا أردت الخروج أجيبِي عن كل سؤال وتعاملي معي”،  وأضاف: “خذوها من هنا”.

 ألقوا بي على الأرض تحت الشمس حتى الساعة 6 مساء، وكنت أرى من تحت العصبة، فشاهدت نساء معتقلات، كانت من ضمنهن مرضعة أطلقوا سراحها الساعة 2:30 مساء.

“على مَن سأطلق النار أولاً؟”

كان الجنود والمجندات يشتموننا بكلام قذر جداً، طلبت منهم مياهاً للشرب، وأن أدخل الحمام ولكنهم رفضوا وشتموني، كنت أجلس ورأسي بين ركبتيّ كما أمرتني المجندة، ومساء شعرت بالبرد فطلبت منها غطاء، فأحضرت بطانية ووضعتها عليّ ثم سحبتها إلى أسفل وكأنها لم تكن.

نحو الساعة 7 مساءً، اقتادوني إلى غرفة أرضيّتها من الحصى، مقيّدة اليدين معصوبة العينين، وبعد ساعة اقتادوني إلى سيارة جيب وأخذونا إلى معتقل اسمه زيكيم. هناك أمرتني المجندات بخلع ملابسي كلها وأعطوني بيجاما رمادية اللون، ارتديتها من دون ملابس داخلية ومن دون حجاب. ثم قيدوا يديّ وعصبوا عينيّ وأدخلوني الى غرفة الطبيب الذي فحصي وسألني إن كنت أعاني من أمراض. 

اقتادوني بعدها إلى قفص وأعطوني فرشة رقيقة جداً وصغيرة لا تكفي لجسمي وبطانية. نمت وأنا مقيدة اليدين ومعصوبة العينين، وبعد نصف ساعة أيقظتنا المجندات وكانوا كلما نمنا يقومون بإيقاظنا ويأمروننا بالجلوس على ركبنا، ويقوم الجنود والمجندات بشتمنا بألفاظ نابية ويوجهون السلاح علينا بالليزر ليقول أحدهم: “على مَن سأطلق النار أولاً؟”

في اليوم التالي الساعة 8 صباحاً، أخذوا البنات الى التحقيق، وجاء دوري للتحقيق الساعة 6 مساءً، كنت في كونتينر صغير، يحوي مكتباً تعلوه شاشة كمبيوتر ووراءه جندي يكتب ومجندة كانت تحقّق معي. 

عرضت لي صورة منزلنا من الخارج ومنازل الجيران، وسألت عن وجود كاميرات في المكان وعن الأنفاق. كانت إجابتي: “لا أعرف”، سألتني: هل ذهبت إلى مسيرات العودة؟ وأجبتها مرة واحدة، وسألتني: هل شاهدت مسلّحين؟ قلت: “لا أعرف”، وسألتني عن إخوتي وماذا يعملون، وعن مدرسة الشيماء القريبة من منزلنا وهل يوجد فيها سلاح، وقلت لها: “لا يوجد فيها شيء، هي مدرسة أطفال”، أجابت: “كذابة”، وعرضت صور منازل الجيران المقصوفة، وسألتني لماذا قُصفت؟ قلت لها أنتم قصفتموها، بعدها عرضت عليّ التعامل معهم وقالت لي: اذهبي وفكري جيداً. استمر التحقيق نصف ساعة.

“كانوا يضحكون ويتكلمون العبرية وأنا عارية”

في اليوم التالي نحو الساعة الثامنة صباحاً، اقتادوني إلى التحقيق وسألتني المجندة: هل فكرتي بأن تعملي معنا أحسن لكِ من غزة؟ وقالت لي: “أنت شاطرة وفهمانة وبتشوفي حالك أفضل لك من غزة”. قلت لها: “لا أريد العمل معكم وأريد العودة إلى غزة”. بعدها سألتني عن أزواج شقيقاتي، فقلت إنهم مزارعون، فصرخت عليّ وضربتني بالطاولة واتهمتني بالكذب.

أخذونا بعدها معتقلة معتقلة إلى محقق كبير، يرتدي بنطلون بيج وبلوزة رمادية، وإلى جانبه جندي وراء كمبيوتر. بدأ الضابط بالتحقيق معي حول انتخابنا السنوار، وسألني عن أخوتي وإن كنت عملت في التنظيمات، وهل نشرت على حسابي في فيسبوك عن 7 أكتوبر. 

استغرق التحقيق 5 دقائق، وبعدها أخذتني مجندتان إلى غرفة صغيرة مثل ممر، وأمرتني إحداهما بخلع كل ملابسي، وبدأت تضرب جسمي بكامله. كانوا يضحكون ويتكلمون باللغة العبرية وأنا عارية، وبعدها قالوا لي ارتدي ملابسك. 

أخذوني إلى غرفة طبيب للفحص، وبعدها إلى غرفة توجد فيها 12 معتقلة من غزة، وأعطوني فرشة رقيقة جداً، وبطانية، وأدخلوني في غرفة توجد فيها 5 أسرّة، والباقي على الأرض.

 الحمام داخل الغرفة من دون ماء،  هناك ورقة محارم  واحدة فقط، وصنبور مياه غير صالحة للشرب.  كان الأكل قليل جداً وغير صحي، الفطور قطعة خبز ولبنة، الغداء أرز قديم جداً أو عدس، والعشاء بيضة محروقة وقطعة خبز.

 أثناء نومنا، كانوا يأتون للعدد، وكانت هناك حلقة بلاستيكية في يدي مكتوب عليها رقمي كمعتقلة، لا أذكره لكني أذكر أنهم يقومون بعدّنا 4 مرات في اليوم. كنا نتعرض للتفتيش يوماً بعد يوم،  يخرجوننا أثناء البرد القارس ويفتّشوننا في الساحة المحاطة بالشباك،  وفي “وقت النزهة” كانت من تريد الاستحمام تستحم، لكن كانت هناك كاميرات تلتقط كل خطواتنا.

قبل الإفراج بأربعة أيام، اقتادوني إلى التحقيق وأنا مقيدة بقيود حديدية. حُقّق معي لمدة نص ساعة، بعدها أخذوا بصمات يديّ وكل أصبع من أصابع يديّ ورجليّ، وأدخلوا عود خشب عريضاً في سقف حلقي(أعتقد أنهم أخذوا من لعابي). 

سألت السجينات من أهل الضفة عما حدث، قالوا لي إنه إفراج، حجرونا نحو الساعة 1:00 مساء الخميس 18/1/2024، أدخلونا واحدة واحدة  إلى غرفة صغيرة، وأمرتني المجنّدة بخلع جميع ملابسي وفتّشتني، بعدها أمرتني بارتداء الملابس و اقتادوني إلى غرفة أخرى وبصّموني مرة أخرى. 

قيدوا يديّ وقدميّ وأصعدوني في ميكرو باص عبارة عن صندوق حديد شبك لا أرى أي شي خارجه، هناك فقط  فتحات للتنفّس بقدر إصبع. سار بنا الباص الذي يدخله هواء شديد البرودة نحو 4  ساعات، بعدها أنزلونا في معتقل، ونمت على فرشة رقيقة جداً وحرام خفيف جداً. كنا نرتجف من البرد الشديد، وكانت المسنّة فهيمة الخالدي، إحدى المعتقلات، تصرخ من شدة البرد، فجاء الجنود وأمروها بأن تسكت.

الهرب نحو “الحرية”

نحو الساعة الخامسة من صباح الجمعة 19/1/2024، جاء جنود ومجندات وأيقظونا، وقالوا لنا: جهّزن أنفسكنّ. وبعد نحو نصف ساعة، قيدوا أيدينا للأمام وعصبوا عينيّ واقتادونا إلى باص كبير، يوجد فيه شباب وبنات معتقلون. 

سار بنا الباص أكثر من 3 ساعات، وعندما توقّف الباص عند معبر كرم أبو سالم كما عرفت من الشبان المعتقلين، أنزلونا، وفكوا العصبة والقيود وأعطوني هويتي فقط، ثم أمرونا بالسير.

 بدأنا بالركض مسافة نحو 200 متر، ودخلنا في طريق خطأ، فأطلق جنود الاحتلال النار في الهواء، فعدنا وسرنا مسافة 100 متر في طريق آخر، حيث وجدنا سيارتين لموظّفي وكالة الغوث (أونروا)، الذين أخذونا إلى خيمة على بعد 200 متر غرباً، يوجد فيها موظفون من الصليب الأحمر، الذين قدموا لنا الطعام والشراب كما أعطوني 300 شيكل، ثم أخذونا إلى مركز الإيواء في مدرسة ذكور الطائف الإعدادية في الحي السعودي في رفح.

 أمكث الآن مع 5 نساء كن معتقلات في بيت الدرج، لا توجد إنارة، الأكل عبارة عن معلبات فقط، تكفي وجبة واحدة فقط، جمعنا من بعضنا البعض ما أعطانا أهل الخير واشترينا كيس طحين، لا يوجد حمام  هنا، أذهب إلى حمام الرجال، الوضع سيئ جداً. أتمنى أن تنتهي الحرب بأسرع وقت، وأعود للعيش بسلام وأمان في غرفتي المصنوعة من التوتياء في حوش منزل أهلي.

هاني عضاضة | 29.06.2024

عن الجندي الإسرائيلي ومسار نزع الأنسنة عن الفلسطينيين

ما الذي يقود عدداً متزايداً من الجنود الإسرائيليين، إلى ارتكاب الفظاعات في غزة وتوثيقها بأنفسهم؟ وأية استراتيجيات تتبعها إسرائيل لتشكيل الذات الإنسانية الإسرائيلية وصوغها، لتنتج هذا النموذج للجندي الذي يرتكب أعمالاً مروعة؟
05.03.2024
زمن القراءة: 7 minutes

يجمع الكاتب مصطفى ابراهيم، النازح في رفح من قطاع غزة، شهادات أشخاص اعتقلهم الجيش الإسرائيلي وقام بإذلالهم، أشباه العراة الذين لم يُعرف عنهم خبر الى حين إطلاق سراحهم،  يصفون ما شهدوه في رحلة الإذلال التي اختبروها منذ اعتقالهم حتى إطلاق سراحهم. هنا حكاية الشابة ر.ر (31 عاماً)، التي اعتُقلت لأكثر من شهر من دون أيّ سبب واضح.

مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزّة شهرها الخامس، تتعرض النساء للعنف والإذلال بصورة خاصة تضاف إلى ويلات الحرب، إذ أشارت ريم السالم، مقررة الأمم المتحدة المستقلة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات، الى أن التقارير المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، تحوي تمييزاً، “فالضحايا لا يُنظر إليهم على أنهم متساوون عند صدور مثل هذه التقارير. ولا يبدو أن التقارير عن العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي تُعامل على قدم المساواة. هذه طبقة من طبقات عدة من الانتهاكات واسعة الانتشار والصارخة التي تعاني منها النساء والأطفال، والذين يعانون لأنهم فلسطينيون ولأنهم نساء”. 

الشهادة التالية كُتبت كلهّا بضمير المتكلم، كل ما ورد فيها من وصف وتفسيرات وإحالات وأحداث يعود إلى ر.ر. وقد خضعت بعض الفقرات والجمل للتحرير والتدقيق التزاماً بالمعايير الصحافيّة.

اسمي ر.ر، أسكن في غرفة من الصفيح في فناء منزل والديّ المتوّفيين، ولدي 5 أشقاء، وأعيل نفسي من معاش والدي. بداية الحرب على غزة بتاريخ 7/10/2023، بدأ قصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي يستهدف محيط منطقتنا ومنازل جيراننا، ما أثار الخوف والهلع داخلي، لاحقاً ألقت الطائرات منشورات تدعو إلى إخلاء المنطقة، فخرجنا من المنزل أنا وأخي وزوجته في 18/10/2023 الساعة 1 ظهراً، وذهبنا إلى مدرسة الفاخورة في معسكر جباليا، ومكثنا فيها تقريباً حتى منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر .

خلال هذه المدةّ (لا أذكُر التاريخ)، قصفوا المدرسة التي كنا فيها بالدبابات، فانتقلنا إلى مدرسة حفص وسط معسكر جباليا عند بركة أبو راشد، وبتاريخ 1/12/2023 الساعة 7 مساءً، ألقى الجيش الإسرائيلي قنابل دخان أبيض، قُتلت إثرها نادرة الطويل (55 عاماً)، إذ انفصل رأسها عن جسمها بعد إصابتها، حسب ما أبلغتني ابنتها. حضرت سيارة الإسعاف بعد نصف ساعة وأخذتها. كانت قنابل الغاز ذات الدخان الكثيف تدخل الصفوف،  ولم نر شيئاً بسبب انتشار الدخان في المكان، كما أدى القصف إلى احتراق الخيام الموجودة داخل المدرسة. 

نحو الساعة 11:30 صباحاً 2/12/2023، ألقت طائرات الاحتلال الإسرائيلية منشورات تأمر بإخلاء المدرسة والتوجّه إلى حي الدرج والتفاح، فتوجهتُ إلى مدرسة لا أعرف اسمها، وفي ساعات الليل كنت أسمع قصفاً كثيفاً  في محيط المدرسة.

نحو الساعة 8 صباح اليوم التالي، توجّهنا مشياً على الأقدام إلى مفترق الشهداء (حاجز نتساريم) جنوب مدينة غزة عبر ما يسمى الممر الآمن. وعندما وصلنا، أمر جنود الاحتلال الإسرائيليون عبر مكبرات الصوت النازحين الجلوس على الأرض لانتظار البقية.

انتظرنا نصف ساعة، بعدها طلبوا منا أن نتحرك عبر الممر، وأن نرفع بطاقة الهوية بأيدينا الى الأعلى (البطاقة الشخصية) وأن نحافظ على مسافة بين الشخص والآخر. نادى الجنود عليّ، وطلبوا منى الهوية، وكنت أحمل معي أغراضاً (شنطة ملابس توجد في داخلها أسوارة حية وسنسال خفيف وخاتمين وحلق ذهب وجوال نوت 9 وجوال كشاف و2000 شيكل).

 طلب مني أحد الجنود أن ألقي أغراضي وكل شيء على الأرض، وأن أدخل الخيمة التي تقف عندها مجنّدة، وهي خيمة مغلقة ومفتوح منها جزء بسيط مثل باب، ألقيتُ ما في يدي ودخلت الخيمة.

كانت المجندة تكلمني باللغة العبرية، فكان جندي من الخلف في الخارج على جانب باب الخيمة يترجم لي وللمجندة، التي كانت تبعد عني مترين تقريباً. طلبت مني المجندة عبر مكبر الصوت وهي تقف أمام فتحة الخيمة أن أخلع ملابسي، بما فيها الملابس الداخلية، وأن أنفض الملابس وألقي بها على الأرض وأثني الجزمة وأنفضها، وأن أفرد شعري وأنفضه.

صرخت المجندة بعدما خلعت ملابسي جميعها، وأمرتني بارتدائها بسرعة ومن دون حجاب، ثم قيّدت يديّ إلى الأمام بقيود بلاستيكية، وعصبت عينيّ بقطعة قماش وأجلستني على تلة رملية، وبعد دقائق اقتادتني إلى خيمة فيها كرسي ومحقق سألني عن إخوتي وعن عملهم، وادعى أن أخي يعمل مع كتائب القسام.

 قلت له إني لا أعرف شيئاً، فبدأ يصرخ بي ويقول لي: “كذابة… أنتم كذابين”، وضرب بيديه على الطاولة، استمر التحقيق 5 دقائق، قال المحقق بعدها: “إذا أردت الخروج أجيبِي عن كل سؤال وتعاملي معي”،  وأضاف: “خذوها من هنا”.

 ألقوا بي على الأرض تحت الشمس حتى الساعة 6 مساء، وكنت أرى من تحت العصبة، فشاهدت نساء معتقلات، كانت من ضمنهن مرضعة أطلقوا سراحها الساعة 2:30 مساء.

“على مَن سأطلق النار أولاً؟”

كان الجنود والمجندات يشتموننا بكلام قذر جداً، طلبت منهم مياهاً للشرب، وأن أدخل الحمام ولكنهم رفضوا وشتموني، كنت أجلس ورأسي بين ركبتيّ كما أمرتني المجندة، ومساء شعرت بالبرد فطلبت منها غطاء، فأحضرت بطانية ووضعتها عليّ ثم سحبتها إلى أسفل وكأنها لم تكن.

نحو الساعة 7 مساءً، اقتادوني إلى غرفة أرضيّتها من الحصى، مقيّدة اليدين معصوبة العينين، وبعد ساعة اقتادوني إلى سيارة جيب وأخذونا إلى معتقل اسمه زيكيم. هناك أمرتني المجندات بخلع ملابسي كلها وأعطوني بيجاما رمادية اللون، ارتديتها من دون ملابس داخلية ومن دون حجاب. ثم قيدوا يديّ وعصبوا عينيّ وأدخلوني الى غرفة الطبيب الذي فحصي وسألني إن كنت أعاني من أمراض. 

اقتادوني بعدها إلى قفص وأعطوني فرشة رقيقة جداً وصغيرة لا تكفي لجسمي وبطانية. نمت وأنا مقيدة اليدين ومعصوبة العينين، وبعد نصف ساعة أيقظتنا المجندات وكانوا كلما نمنا يقومون بإيقاظنا ويأمروننا بالجلوس على ركبنا، ويقوم الجنود والمجندات بشتمنا بألفاظ نابية ويوجهون السلاح علينا بالليزر ليقول أحدهم: “على مَن سأطلق النار أولاً؟”

في اليوم التالي الساعة 8 صباحاً، أخذوا البنات الى التحقيق، وجاء دوري للتحقيق الساعة 6 مساءً، كنت في كونتينر صغير، يحوي مكتباً تعلوه شاشة كمبيوتر ووراءه جندي يكتب ومجندة كانت تحقّق معي. 

عرضت لي صورة منزلنا من الخارج ومنازل الجيران، وسألت عن وجود كاميرات في المكان وعن الأنفاق. كانت إجابتي: “لا أعرف”، سألتني: هل ذهبت إلى مسيرات العودة؟ وأجبتها مرة واحدة، وسألتني: هل شاهدت مسلّحين؟ قلت: “لا أعرف”، وسألتني عن إخوتي وماذا يعملون، وعن مدرسة الشيماء القريبة من منزلنا وهل يوجد فيها سلاح، وقلت لها: “لا يوجد فيها شيء، هي مدرسة أطفال”، أجابت: “كذابة”، وعرضت صور منازل الجيران المقصوفة، وسألتني لماذا قُصفت؟ قلت لها أنتم قصفتموها، بعدها عرضت عليّ التعامل معهم وقالت لي: اذهبي وفكري جيداً. استمر التحقيق نصف ساعة.

“كانوا يضحكون ويتكلمون العبرية وأنا عارية”

في اليوم التالي نحو الساعة الثامنة صباحاً، اقتادوني إلى التحقيق وسألتني المجندة: هل فكرتي بأن تعملي معنا أحسن لكِ من غزة؟ وقالت لي: “أنت شاطرة وفهمانة وبتشوفي حالك أفضل لك من غزة”. قلت لها: “لا أريد العمل معكم وأريد العودة إلى غزة”. بعدها سألتني عن أزواج شقيقاتي، فقلت إنهم مزارعون، فصرخت عليّ وضربتني بالطاولة واتهمتني بالكذب.

أخذونا بعدها معتقلة معتقلة إلى محقق كبير، يرتدي بنطلون بيج وبلوزة رمادية، وإلى جانبه جندي وراء كمبيوتر. بدأ الضابط بالتحقيق معي حول انتخابنا السنوار، وسألني عن أخوتي وإن كنت عملت في التنظيمات، وهل نشرت على حسابي في فيسبوك عن 7 أكتوبر. 

استغرق التحقيق 5 دقائق، وبعدها أخذتني مجندتان إلى غرفة صغيرة مثل ممر، وأمرتني إحداهما بخلع كل ملابسي، وبدأت تضرب جسمي بكامله. كانوا يضحكون ويتكلمون باللغة العبرية وأنا عارية، وبعدها قالوا لي ارتدي ملابسك. 

أخذوني إلى غرفة طبيب للفحص، وبعدها إلى غرفة توجد فيها 12 معتقلة من غزة، وأعطوني فرشة رقيقة جداً، وبطانية، وأدخلوني في غرفة توجد فيها 5 أسرّة، والباقي على الأرض.

 الحمام داخل الغرفة من دون ماء،  هناك ورقة محارم  واحدة فقط، وصنبور مياه غير صالحة للشرب.  كان الأكل قليل جداً وغير صحي، الفطور قطعة خبز ولبنة، الغداء أرز قديم جداً أو عدس، والعشاء بيضة محروقة وقطعة خبز.

 أثناء نومنا، كانوا يأتون للعدد، وكانت هناك حلقة بلاستيكية في يدي مكتوب عليها رقمي كمعتقلة، لا أذكره لكني أذكر أنهم يقومون بعدّنا 4 مرات في اليوم. كنا نتعرض للتفتيش يوماً بعد يوم،  يخرجوننا أثناء البرد القارس ويفتّشوننا في الساحة المحاطة بالشباك،  وفي “وقت النزهة” كانت من تريد الاستحمام تستحم، لكن كانت هناك كاميرات تلتقط كل خطواتنا.

قبل الإفراج بأربعة أيام، اقتادوني إلى التحقيق وأنا مقيدة بقيود حديدية. حُقّق معي لمدة نص ساعة، بعدها أخذوا بصمات يديّ وكل أصبع من أصابع يديّ ورجليّ، وأدخلوا عود خشب عريضاً في سقف حلقي(أعتقد أنهم أخذوا من لعابي). 

سألت السجينات من أهل الضفة عما حدث، قالوا لي إنه إفراج، حجرونا نحو الساعة 1:00 مساء الخميس 18/1/2024، أدخلونا واحدة واحدة  إلى غرفة صغيرة، وأمرتني المجنّدة بخلع جميع ملابسي وفتّشتني، بعدها أمرتني بارتداء الملابس و اقتادوني إلى غرفة أخرى وبصّموني مرة أخرى. 

قيدوا يديّ وقدميّ وأصعدوني في ميكرو باص عبارة عن صندوق حديد شبك لا أرى أي شي خارجه، هناك فقط  فتحات للتنفّس بقدر إصبع. سار بنا الباص الذي يدخله هواء شديد البرودة نحو 4  ساعات، بعدها أنزلونا في معتقل، ونمت على فرشة رقيقة جداً وحرام خفيف جداً. كنا نرتجف من البرد الشديد، وكانت المسنّة فهيمة الخالدي، إحدى المعتقلات، تصرخ من شدة البرد، فجاء الجنود وأمروها بأن تسكت.

الهرب نحو “الحرية”

نحو الساعة الخامسة من صباح الجمعة 19/1/2024، جاء جنود ومجندات وأيقظونا، وقالوا لنا: جهّزن أنفسكنّ. وبعد نحو نصف ساعة، قيدوا أيدينا للأمام وعصبوا عينيّ واقتادونا إلى باص كبير، يوجد فيه شباب وبنات معتقلون. 

سار بنا الباص أكثر من 3 ساعات، وعندما توقّف الباص عند معبر كرم أبو سالم كما عرفت من الشبان المعتقلين، أنزلونا، وفكوا العصبة والقيود وأعطوني هويتي فقط، ثم أمرونا بالسير.

 بدأنا بالركض مسافة نحو 200 متر، ودخلنا في طريق خطأ، فأطلق جنود الاحتلال النار في الهواء، فعدنا وسرنا مسافة 100 متر في طريق آخر، حيث وجدنا سيارتين لموظّفي وكالة الغوث (أونروا)، الذين أخذونا إلى خيمة على بعد 200 متر غرباً، يوجد فيها موظفون من الصليب الأحمر، الذين قدموا لنا الطعام والشراب كما أعطوني 300 شيكل، ثم أخذونا إلى مركز الإيواء في مدرسة ذكور الطائف الإعدادية في الحي السعودي في رفح.

 أمكث الآن مع 5 نساء كن معتقلات في بيت الدرج، لا توجد إنارة، الأكل عبارة عن معلبات فقط، تكفي وجبة واحدة فقط، جمعنا من بعضنا البعض ما أعطانا أهل الخير واشترينا كيس طحين، لا يوجد حمام  هنا، أذهب إلى حمام الرجال، الوضع سيئ جداً. أتمنى أن تنتهي الحرب بأسرع وقت، وأعود للعيش بسلام وأمان في غرفتي المصنوعة من التوتياء في حوش منزل أهلي.

05.03.2024
زمن القراءة: 7 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية