fbpx

غاز الطبخ المفقود أداة أخرى لقتل اليمنيين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما يحدث من سطو على الموارد ونهب للثروات في المحافظات الجنوبية والشرقية، وفرض هيمنة عبثية من أطراف خارجية، سيضر أجيال ما بعد الحرب التي ستدفع ثمنه، ويحدث هذا على المكشوف، وخلال سنوات، ووسط تحكم التحالف بقيادة السعودية والإمارات علانية بالحكومة المعترف بها دولياً في اليمن.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تقف مسك علي، من سكان مدينة تعز جنوب غربي اليمن، على استحياء بالقرب من باب مدرسة قريبة من منزلها، تنتظر خروج الطالبات لتدخل المدرسة بهدف جمع بقايا الأوراق من الساحة والصفوف الدراسية؛ لكي تستخدمها في إشعال موقدها الصغير وإعداد وجبة العشاء لأبنائها. 

تقول مسك لـ”خيوط”، “منذ نحو شهر ونصف الشهر، لم تدخل بيتنا أي دَبّة (قنينة غاز)، وكلما حاولت جمع قيمتها، نحو 12 ألف ريال، تكون المفاجأة أن سعرها ارتفع إلى 20 ألف ريال”.

تحولت قارورة غاز الطهو إلى همٍّ يؤرِّق سكان مختلف المدن والمناطق اليمنية، في ظل توسع الأزمة الإنسانية وتدهور معيشي مريع، يفاقمه صراع كارثي، يتركز جزء كبير منه في الجانب الاقتصادي وأرزاق اليمنيين.

وتشهد الأسواق اليمنية منذ أكثر من عامين أزمة واسعة في غاز الطهو، بالتوازي مع انخفاض المعروض إلى درجة الانعدام، مع تحكم السلطات المعنية بمعظم المحافظات اليمنية الخاضعة لسلطات متعددة في تجارته وتوفيره وتوزيعه، حتى باتت قارورة الغاز من أدوات الحرب والصراع والاستغلال للطبخ.

وتدرجت أسعار غاز الطهو بالصعود منذ عام 2019، بحسب بيانات رسمية صادرة عن قطاع الدراسات الاقتصادية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي، فقد بلغ متوسط سعر الأسطوانة نحو 5033 ريالاً، عبوة 18 كجم في نهاية عام 2019، وسجلت 9 محافظات أعلى من السعر المتوسط، فيما بلغ أعلى سعر في محافظة ذمار بنحو 8666 ريالاً.

في حين زادت الأسعار منذ العام الماضي، وتضاعفت خلال الفترة الماضية من عام 2021، ليتجاوز سعر القارورة 11 ألف ريال في السوق السوداء، فيما يقل سعرها عند ذلك إلى النصف لدى “عقّال الحارات” الذين أوكلت لهم سلطة صنعاء عملية توزيع غاز الطهو بمعدل أسطوانة واحدة كل شهر، ولا يحصل عليها البعض بسبب تعقيدات إجراءات توزيعها، بينما كثيرون من المستهلكين يشكون من أن قارورة واحدة لا تكفيهم.

تعيش اليمن على وقع حرب طاحنة على جميع الأصعدة منذ أكثر من سبع سنوات، تسببت في ارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 70 في المئة.

تقف مسك علي، من سكان مدينة تعز، على استحياء بالقرب من باب مدرسة قريبة من منزلها، تنتظر خروج الطالبات، لتدخل المدرسة لجمع بقايا الأوراق من الساحة والصفوف الدراسية؛ لكي تستخدمها في إشعال موقدها الصغير وإعداد وجبة العشاء لأبنائها.

تشير رغد الكمالي، من سكان صنعاء، إلى معاناة الحصول على غاز الطهو المنزلي، مع اختفائه المتواصل، إذ أصبح الحصول على قارورة بمثابة حلم تعيش أسر كثيرة على انتظاره، وإذا تحقق يكون أشبه بحفلة في المنازل.

من جانب آخر، يقول الناشط الاجتماعي معتز محمد، لـ”خيوط”، إن ذريعة احتجاز التحالف سفن النفط وعرقلة دخول الغاز، أصبحت حججاً واهية لم تعد تقنع الكثير من الناس، فالتوزيع- وفق حديثه- يتم عبر عقال الحارات المرتبطين بالمشرفين التابعين لسلطة أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء، والذين يعيشون في حالة بذخ تجعلهم لا يشعرون بمعاناة المواطنين المعيشية، ومأساة الحصول على الخدمات العامة.

ويلفت إلى توسع السوق السوداء وازدهارها على مرأى ومسمع السلطات المعنية، وتدهور الأوضاع المعيشية وعدم قدرة كثير من المواطنين على تلبية احتياجاتهم من أي سلعة غذائية.

فيما يرى الكاتب الصحافي حامد البخيتي، أن مسارات أزمة الغاز سياسية لها أطراف داخلية وخارجية، فالمتضرر هم الناس الذين تنفذ على حسابهم وتوظف معاناتهم لخدمة الطرف المسيطر، ويرتبط حلها بحل مشكلة البلاد بشكل عام.

وتعيش اليمن على وقع حرب طاحنة على جميع الأصعدة منذ أكثر من سبع سنوات، تسببت في ارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 70 في المئة.

ومع تصاعد أزمة المشتقات النفطية منذ نهاية آب/ أغسطس 2019، تشهد حالة الإمداد اختناقات في توفر الوقود من الديزل والبترول، حيث توفر بنسبة ضئيلة جدًّ في 12 محافظة من بين 18 محافظة، وتوفر إلى حدٍّ ما في 6 محافظات. في المقابل، كان الغاز المنزلي شبه منعدم في 9 محافظات من بين 18 محافظة، وتوفر في 3 محافظات، بينما توفر إلى حدٍّ ما في 6 محافظات، وتستمر أزمة المشتقات النفطية في عدد من المدن اليمنية، حيث ألقت بظلالها على حياة المواطنين ومختلف القطاعات التي أصيبت بشلل شبه كامل بسبب نقص الوقود.

معاناة شاقة للحصول على الغاز

وتعيش محافظة تعز، كغيرها من المحافظات اليمنية، أزمات متكررة ومتواصلة في غاز الطهو المنزلي، مع توفره في السوق السوداء بأسعار تفوق قدرات المواطنين؛ نحو 20 ألف ريال، وهو السعر المتداول في محافظات أخرى، مثل عدن ولحج وأبين الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا والمجلس الانتقالي في جنوب اليمن.

كانت الشركة اليمنية للغاز في صافر بمحافظة مأرب، قد أقرت تسعيرة جديدة للغاز في أيلول/ سبتمبر  الماضي، إذ تم تحديد سعر جديد لقنينة الغاز بنحو 4000 ريال، بدلاً من 3500 ريال.

يؤكد موزع معتمد لمادة الغاز في تعز، لـ”خيوط”، أن كمية الغاز التي تملأ مخزنه مخصصة لمن تم تسجيلهم مسبقاً بحسب كشوفات موقعة ومعتمدة بالحصص من شركة الغاز في تعز، بينما على المواطنين غير المسجلين اللجوء إلى السوق السوداء لتوفيره.

في المقابل، تأكدت “خيوط”، من الممارسات الاستغلالية لهذه المراكز التي تبيع الغاز في السوق السوداء بأسعار مضاعفة غير ما تدعيه من التزام بطريقة وسعر التوزيع الرسمية المعتمدة.

ويوضح المحامي والمستشار القانوني ناصر أحمد، لـ”خيوط”، أن الامتناع عن بيع سلعة أو احتكارها يعرض الشخص للمساءلة القانونية، وقد يكلفه غرامة مالية والسجن أيضاً من سنة إلى ثلاث سنوات. 

35434 لتراً كمية الغاز المتبقي في خزانات محطة الفرشة المركزية في طور الباحة- لحج، بما يعادل 3047 أسطوانة، ظلت لـ33 يوماً، بينما كان سكان مدينة تعز يعيشون أسوأ أزمة انقطاع للغاز المنزلي.

وكانت شركة الغاز في تعز، نفذت في الفترة الأخيرة آلية جديدة للتوزيع، وأصدرت تعميماً يلزم الوكلاء بكشف أسماء سكان الحي المستفيدين، تتم طباعته ووضعه مكان التوزيع، وهذا ما أثار حفيظة الوكلاء ولم ينفذوا أمر التعميم، وهو ما أدّى إلى توسع الأزمة وتفاقمها بشكل كبير.

ويرى ماهر العبسي، وهو ناشط حقوقي في حديث لـ”خيوط”، أنه بسبب هذه الآلية تمت معاقبة سكان تعز من قبل شركة الغاز في صافر، وافتعال أزمات وعراقيل لحصة تعز من هذه المادة المنزلية المهمة بدعم من هوامير الغاز القدامى.

ويعمل بموجب إجراءات الشركة اليمنية للغاز في صافر نحو 11 متعهداً تجاريّاً جديداً لتوزيع 2680 أسطوانة غاز بشكل أسبوعي، إلى جانب مراقبين للمحطات، حتى لا يتم بيع الحصص المخصصة للمنازل لأصحاب الحافلات والمطاعم. 

إقرأوا أيضاً:

مشكلات النقل والتوزيع

يتم توزيع 38175 قارورة غاز بشكل أسبوعي في مدينة تعز، بحسب محطة الفرشة المركزية في طور الباحة في محافظة لحج جنوب اليمن. 

محطة الفرشة تستقبل من الشركة اليمنية للغاز في صافر الكميات المخصصة لمحافظة تعز من غاز الطهو، ويحفظ هناك في خزانات المحطة، ويصل إلى وكلاء الغاز عبر كشف محدد من قبل المحطة. 

حصلت “خيوط” على نسخة من هذا الكشف، تبين من خلال الوثائق وصول كميات من الغاز في تاريخ 16 أيلول الماضي، من صافر في مأرب إلى محطة طور الباحة بمحافظة لحج، إذ ظلت هذه الكمية الواصلة من الغاز المخصصة لمحافظة تعز في المحطة حتى تاريخ 19 تشرين الأول/ أكتوبر، أي 33  يوماً.

حُملت منها 1750 أسطوانة، وتبقى نحو 35434 في خزانات المحطة بما يعادل 3047 أسطوانة؛ بينما كانت مدينة تعز خلال هذه الفترة تعيش أسوأ أزمة بما خص الغاز المنزلي، فيما تقبع كميات كبيرة في خزانات محطة الفرشة في طور الباحة.

وفي هذه المدة، عقدت السلطة المحلية في تعز اجتماعاً طارئاً، بتاريخ7  أكتوبر/ تشرين الأول، لمناقشة أزمة الغاز في المحافظة، إذ أرجع مدير مكتب شركة الغاز في تعز سبب الأزمة إلى احتجاز وفرض إتاوات مالية غير قانونية على قاطرات النقل في عدد من النقاط على طول الخط بين لحج وتعز.

ويخضع الخط الرئيسي الوحيد الرابط بين تعز ولحج لقوات محور تعز وقوات محور طور الباحة من جهة لحج، وكلاهما يتبعان الحكومة المعترف بها دوليًّا. 

صلاح الرحال، سائق، يقول لـ”خيوط”، إنه تعرض للابتزاز في منطقة طور الباحة، حيث قامت قوات تابعة للسلطات هناك باحتجاز شاحنته ورفض السماح له بالمرور، إلا بعد دفع10  ريالات لكل لتر غاز، وقالوا له: “هذا حقنا، كل لتر ينزل تعز عليه10  ريال لنا”. 

وطالب سائقو القاطرات التي تنقل الغاز من المحطات المركزية التابعة لشركة الغاز اليمنية في صافر إلى تعز، برفع أجور النقل من مليون وثلاثِ مئة ألف ريال إلى 2.5 مليون ريال، بحجة انهيار العملة وانخفاض سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، وارتفاع أسعار الوقود والجبايات المدفوعة لعشرات النقاط المنتشرة على طول الطريق من مأرب (شرقي اليمن)، حتى الوصول إلى تعز جنوب غربي البلاد، بعد توقفهم في محافظة لحج جنوباً. علماً بأن شركة النفط اليمنية في مأرب تمنح ناقلي الغاز 400 لتر ديزل لكل قاطرة بسعر 3500 ريال. 

يتم توزيع 38175 قارورة غاز بشكل أسبوعي في مدينة تعز، بحسب محطة الفرشة المركزية في طور الباحة في محافظة لحج جنوب اليمن. 

اختلال الإنتاج

في هذا الخصوص، أعلنت الشركة اليمنية للغاز “صافر” مطلع الشهر الحالي، عن قيامها بعملية صيانة للمصافي التابعة للشركة، وهو ما أثر على عملية الإمداد للمحافظات، فمحافظة لحج تستقبل 21 مقطورة أسبوعيّاً بواقع 84 مقطورة شهريّاً، إلا أنه منذ مطلع تشرين الأول/ أكتوبر، لم تصل سوى 28 مقطورة فقط. 

ويؤكد صالح العنهمي، مندوب الشركة اليمنية للغاز في محافظة مأرب شرقي اليمن، لـ”خيوط”، أن التوزيع للكميات يتم بحسب المحطات المركزية المصرحة، والتي تملك حصصاً في صافر، وليس بحسب الكثافة السكانية واحتياج السكان، وهذه من ضمن أسباب فشل الإدارة العامة للشركة اليمنية للغاز.

ويرجع لبيب ياسين، نائب مدير الشركة في تعز، لـ”خيوط”، سبب الأزمة إلى عملية الصيانة المعلنة في صافر بمأرب، وتخفيض الإنتاج، إضافة إلى تهالك وتقادم المعامل، والتي تحتاج لمبالغ طائلة لصيانتها.

ويوضح مصدر مسؤول في شركة الغاز اليمنية في مأرب، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ”خيوط”، أن الشركة أعلنت إجراء عملية صيانة استمرت لنحو 10 أيام، شهدت فيها مأرب ومحافظات يمنية أخرى أزمة خانقة متفاقمة في الوقود، خصوصاً والغاز.

يقول: “لو كانت المخازن متهالكة بالفعل، يفترض توفير حلول وكميات غاز كافية لسد حاجات الناس”، مؤكداً أنه في فترات الصيانة وتوقف إرسال الغاز للمحافظات يتم صرف كميات مهولة من لترات الغاز مجاناً، للمدراء والنواب، وكل هذه الكميات يتم بيعها بسوق سوداء لصنعاء بسبب فوارق الصرف بين مدينة مأرب وصنعاء”. 

ويستطرد المصدر: “معظم إيرادات الشركة تذهب عملة صعبة للمسؤولين في الخارج؛ بينما يتكبد المواطن الويل في الداخل، فالفساد في ملف الغاز في اليمن مركب، ويمتد من الشركة، إلى المحطات المركزية، وعلى طول طرق النقل للمحافظات، وتنتهي بالوكلاء ومسؤولي الشركات في المحافظات، حيث وصل الحال لامتداح أسعار السوق السوداء، والتحدث عن تخفيضات هائلة، والمبالغة في تبرير الفساد واللصوصية”، وينهي المصدر قائلاً: “والله لن ننسى ما عشناه بسبب هؤلاء”. 

ما يحدث من سطو على الموارد ونهب للثروات في المحافظات الجنوبية والشرقية، وفرض هيمنة عبثية من أطراف خارجية، سيضر أجيال ما بعد الحرب التي ستدفع ثمنه، ويحدث هذا على المكشوف، وخلال سنوات، ووسط تحكم التحالف بقيادة السعودية والإمارات علانية بالحكومة المعترف بها دولياً في اليمن.

إقرأوا أيضاً:

18.11.2021
زمن القراءة: 8 minutes

ما يحدث من سطو على الموارد ونهب للثروات في المحافظات الجنوبية والشرقية، وفرض هيمنة عبثية من أطراف خارجية، سيضر أجيال ما بعد الحرب التي ستدفع ثمنه، ويحدث هذا على المكشوف، وخلال سنوات، ووسط تحكم التحالف بقيادة السعودية والإمارات علانية بالحكومة المعترف بها دولياً في اليمن.

تقف مسك علي، من سكان مدينة تعز جنوب غربي اليمن، على استحياء بالقرب من باب مدرسة قريبة من منزلها، تنتظر خروج الطالبات لتدخل المدرسة بهدف جمع بقايا الأوراق من الساحة والصفوف الدراسية؛ لكي تستخدمها في إشعال موقدها الصغير وإعداد وجبة العشاء لأبنائها. 

تقول مسك لـ”خيوط”، “منذ نحو شهر ونصف الشهر، لم تدخل بيتنا أي دَبّة (قنينة غاز)، وكلما حاولت جمع قيمتها، نحو 12 ألف ريال، تكون المفاجأة أن سعرها ارتفع إلى 20 ألف ريال”.

تحولت قارورة غاز الطهو إلى همٍّ يؤرِّق سكان مختلف المدن والمناطق اليمنية، في ظل توسع الأزمة الإنسانية وتدهور معيشي مريع، يفاقمه صراع كارثي، يتركز جزء كبير منه في الجانب الاقتصادي وأرزاق اليمنيين.

وتشهد الأسواق اليمنية منذ أكثر من عامين أزمة واسعة في غاز الطهو، بالتوازي مع انخفاض المعروض إلى درجة الانعدام، مع تحكم السلطات المعنية بمعظم المحافظات اليمنية الخاضعة لسلطات متعددة في تجارته وتوفيره وتوزيعه، حتى باتت قارورة الغاز من أدوات الحرب والصراع والاستغلال للطبخ.

وتدرجت أسعار غاز الطهو بالصعود منذ عام 2019، بحسب بيانات رسمية صادرة عن قطاع الدراسات الاقتصادية بوزارة التخطيط والتعاون الدولي، فقد بلغ متوسط سعر الأسطوانة نحو 5033 ريالاً، عبوة 18 كجم في نهاية عام 2019، وسجلت 9 محافظات أعلى من السعر المتوسط، فيما بلغ أعلى سعر في محافظة ذمار بنحو 8666 ريالاً.

في حين زادت الأسعار منذ العام الماضي، وتضاعفت خلال الفترة الماضية من عام 2021، ليتجاوز سعر القارورة 11 ألف ريال في السوق السوداء، فيما يقل سعرها عند ذلك إلى النصف لدى “عقّال الحارات” الذين أوكلت لهم سلطة صنعاء عملية توزيع غاز الطهو بمعدل أسطوانة واحدة كل شهر، ولا يحصل عليها البعض بسبب تعقيدات إجراءات توزيعها، بينما كثيرون من المستهلكين يشكون من أن قارورة واحدة لا تكفيهم.

تعيش اليمن على وقع حرب طاحنة على جميع الأصعدة منذ أكثر من سبع سنوات، تسببت في ارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 70 في المئة.

تقف مسك علي، من سكان مدينة تعز، على استحياء بالقرب من باب مدرسة قريبة من منزلها، تنتظر خروج الطالبات، لتدخل المدرسة لجمع بقايا الأوراق من الساحة والصفوف الدراسية؛ لكي تستخدمها في إشعال موقدها الصغير وإعداد وجبة العشاء لأبنائها.

تشير رغد الكمالي، من سكان صنعاء، إلى معاناة الحصول على غاز الطهو المنزلي، مع اختفائه المتواصل، إذ أصبح الحصول على قارورة بمثابة حلم تعيش أسر كثيرة على انتظاره، وإذا تحقق يكون أشبه بحفلة في المنازل.

من جانب آخر، يقول الناشط الاجتماعي معتز محمد، لـ”خيوط”، إن ذريعة احتجاز التحالف سفن النفط وعرقلة دخول الغاز، أصبحت حججاً واهية لم تعد تقنع الكثير من الناس، فالتوزيع- وفق حديثه- يتم عبر عقال الحارات المرتبطين بالمشرفين التابعين لسلطة أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء، والذين يعيشون في حالة بذخ تجعلهم لا يشعرون بمعاناة المواطنين المعيشية، ومأساة الحصول على الخدمات العامة.

ويلفت إلى توسع السوق السوداء وازدهارها على مرأى ومسمع السلطات المعنية، وتدهور الأوضاع المعيشية وعدم قدرة كثير من المواطنين على تلبية احتياجاتهم من أي سلعة غذائية.

فيما يرى الكاتب الصحافي حامد البخيتي، أن مسارات أزمة الغاز سياسية لها أطراف داخلية وخارجية، فالمتضرر هم الناس الذين تنفذ على حسابهم وتوظف معاناتهم لخدمة الطرف المسيطر، ويرتبط حلها بحل مشكلة البلاد بشكل عام.

وتعيش اليمن على وقع حرب طاحنة على جميع الأصعدة منذ أكثر من سبع سنوات، تسببت في ارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 70 في المئة.

ومع تصاعد أزمة المشتقات النفطية منذ نهاية آب/ أغسطس 2019، تشهد حالة الإمداد اختناقات في توفر الوقود من الديزل والبترول، حيث توفر بنسبة ضئيلة جدًّ في 12 محافظة من بين 18 محافظة، وتوفر إلى حدٍّ ما في 6 محافظات. في المقابل، كان الغاز المنزلي شبه منعدم في 9 محافظات من بين 18 محافظة، وتوفر في 3 محافظات، بينما توفر إلى حدٍّ ما في 6 محافظات، وتستمر أزمة المشتقات النفطية في عدد من المدن اليمنية، حيث ألقت بظلالها على حياة المواطنين ومختلف القطاعات التي أصيبت بشلل شبه كامل بسبب نقص الوقود.

معاناة شاقة للحصول على الغاز

وتعيش محافظة تعز، كغيرها من المحافظات اليمنية، أزمات متكررة ومتواصلة في غاز الطهو المنزلي، مع توفره في السوق السوداء بأسعار تفوق قدرات المواطنين؛ نحو 20 ألف ريال، وهو السعر المتداول في محافظات أخرى، مثل عدن ولحج وأبين الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا والمجلس الانتقالي في جنوب اليمن.

كانت الشركة اليمنية للغاز في صافر بمحافظة مأرب، قد أقرت تسعيرة جديدة للغاز في أيلول/ سبتمبر  الماضي، إذ تم تحديد سعر جديد لقنينة الغاز بنحو 4000 ريال، بدلاً من 3500 ريال.

يؤكد موزع معتمد لمادة الغاز في تعز، لـ”خيوط”، أن كمية الغاز التي تملأ مخزنه مخصصة لمن تم تسجيلهم مسبقاً بحسب كشوفات موقعة ومعتمدة بالحصص من شركة الغاز في تعز، بينما على المواطنين غير المسجلين اللجوء إلى السوق السوداء لتوفيره.

في المقابل، تأكدت “خيوط”، من الممارسات الاستغلالية لهذه المراكز التي تبيع الغاز في السوق السوداء بأسعار مضاعفة غير ما تدعيه من التزام بطريقة وسعر التوزيع الرسمية المعتمدة.

ويوضح المحامي والمستشار القانوني ناصر أحمد، لـ”خيوط”، أن الامتناع عن بيع سلعة أو احتكارها يعرض الشخص للمساءلة القانونية، وقد يكلفه غرامة مالية والسجن أيضاً من سنة إلى ثلاث سنوات. 

35434 لتراً كمية الغاز المتبقي في خزانات محطة الفرشة المركزية في طور الباحة- لحج، بما يعادل 3047 أسطوانة، ظلت لـ33 يوماً، بينما كان سكان مدينة تعز يعيشون أسوأ أزمة انقطاع للغاز المنزلي.

وكانت شركة الغاز في تعز، نفذت في الفترة الأخيرة آلية جديدة للتوزيع، وأصدرت تعميماً يلزم الوكلاء بكشف أسماء سكان الحي المستفيدين، تتم طباعته ووضعه مكان التوزيع، وهذا ما أثار حفيظة الوكلاء ولم ينفذوا أمر التعميم، وهو ما أدّى إلى توسع الأزمة وتفاقمها بشكل كبير.

ويرى ماهر العبسي، وهو ناشط حقوقي في حديث لـ”خيوط”، أنه بسبب هذه الآلية تمت معاقبة سكان تعز من قبل شركة الغاز في صافر، وافتعال أزمات وعراقيل لحصة تعز من هذه المادة المنزلية المهمة بدعم من هوامير الغاز القدامى.

ويعمل بموجب إجراءات الشركة اليمنية للغاز في صافر نحو 11 متعهداً تجاريّاً جديداً لتوزيع 2680 أسطوانة غاز بشكل أسبوعي، إلى جانب مراقبين للمحطات، حتى لا يتم بيع الحصص المخصصة للمنازل لأصحاب الحافلات والمطاعم. 

إقرأوا أيضاً:

مشكلات النقل والتوزيع

يتم توزيع 38175 قارورة غاز بشكل أسبوعي في مدينة تعز، بحسب محطة الفرشة المركزية في طور الباحة في محافظة لحج جنوب اليمن. 

محطة الفرشة تستقبل من الشركة اليمنية للغاز في صافر الكميات المخصصة لمحافظة تعز من غاز الطهو، ويحفظ هناك في خزانات المحطة، ويصل إلى وكلاء الغاز عبر كشف محدد من قبل المحطة. 

حصلت “خيوط” على نسخة من هذا الكشف، تبين من خلال الوثائق وصول كميات من الغاز في تاريخ 16 أيلول الماضي، من صافر في مأرب إلى محطة طور الباحة بمحافظة لحج، إذ ظلت هذه الكمية الواصلة من الغاز المخصصة لمحافظة تعز في المحطة حتى تاريخ 19 تشرين الأول/ أكتوبر، أي 33  يوماً.

حُملت منها 1750 أسطوانة، وتبقى نحو 35434 في خزانات المحطة بما يعادل 3047 أسطوانة؛ بينما كانت مدينة تعز خلال هذه الفترة تعيش أسوأ أزمة بما خص الغاز المنزلي، فيما تقبع كميات كبيرة في خزانات محطة الفرشة في طور الباحة.

وفي هذه المدة، عقدت السلطة المحلية في تعز اجتماعاً طارئاً، بتاريخ7  أكتوبر/ تشرين الأول، لمناقشة أزمة الغاز في المحافظة، إذ أرجع مدير مكتب شركة الغاز في تعز سبب الأزمة إلى احتجاز وفرض إتاوات مالية غير قانونية على قاطرات النقل في عدد من النقاط على طول الخط بين لحج وتعز.

ويخضع الخط الرئيسي الوحيد الرابط بين تعز ولحج لقوات محور تعز وقوات محور طور الباحة من جهة لحج، وكلاهما يتبعان الحكومة المعترف بها دوليًّا. 

صلاح الرحال، سائق، يقول لـ”خيوط”، إنه تعرض للابتزاز في منطقة طور الباحة، حيث قامت قوات تابعة للسلطات هناك باحتجاز شاحنته ورفض السماح له بالمرور، إلا بعد دفع10  ريالات لكل لتر غاز، وقالوا له: “هذا حقنا، كل لتر ينزل تعز عليه10  ريال لنا”. 

وطالب سائقو القاطرات التي تنقل الغاز من المحطات المركزية التابعة لشركة الغاز اليمنية في صافر إلى تعز، برفع أجور النقل من مليون وثلاثِ مئة ألف ريال إلى 2.5 مليون ريال، بحجة انهيار العملة وانخفاض سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، وارتفاع أسعار الوقود والجبايات المدفوعة لعشرات النقاط المنتشرة على طول الطريق من مأرب (شرقي اليمن)، حتى الوصول إلى تعز جنوب غربي البلاد، بعد توقفهم في محافظة لحج جنوباً. علماً بأن شركة النفط اليمنية في مأرب تمنح ناقلي الغاز 400 لتر ديزل لكل قاطرة بسعر 3500 ريال. 

يتم توزيع 38175 قارورة غاز بشكل أسبوعي في مدينة تعز، بحسب محطة الفرشة المركزية في طور الباحة في محافظة لحج جنوب اليمن. 

اختلال الإنتاج

في هذا الخصوص، أعلنت الشركة اليمنية للغاز “صافر” مطلع الشهر الحالي، عن قيامها بعملية صيانة للمصافي التابعة للشركة، وهو ما أثر على عملية الإمداد للمحافظات، فمحافظة لحج تستقبل 21 مقطورة أسبوعيّاً بواقع 84 مقطورة شهريّاً، إلا أنه منذ مطلع تشرين الأول/ أكتوبر، لم تصل سوى 28 مقطورة فقط. 

ويؤكد صالح العنهمي، مندوب الشركة اليمنية للغاز في محافظة مأرب شرقي اليمن، لـ”خيوط”، أن التوزيع للكميات يتم بحسب المحطات المركزية المصرحة، والتي تملك حصصاً في صافر، وليس بحسب الكثافة السكانية واحتياج السكان، وهذه من ضمن أسباب فشل الإدارة العامة للشركة اليمنية للغاز.

ويرجع لبيب ياسين، نائب مدير الشركة في تعز، لـ”خيوط”، سبب الأزمة إلى عملية الصيانة المعلنة في صافر بمأرب، وتخفيض الإنتاج، إضافة إلى تهالك وتقادم المعامل، والتي تحتاج لمبالغ طائلة لصيانتها.

ويوضح مصدر مسؤول في شركة الغاز اليمنية في مأرب، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ”خيوط”، أن الشركة أعلنت إجراء عملية صيانة استمرت لنحو 10 أيام، شهدت فيها مأرب ومحافظات يمنية أخرى أزمة خانقة متفاقمة في الوقود، خصوصاً والغاز.

يقول: “لو كانت المخازن متهالكة بالفعل، يفترض توفير حلول وكميات غاز كافية لسد حاجات الناس”، مؤكداً أنه في فترات الصيانة وتوقف إرسال الغاز للمحافظات يتم صرف كميات مهولة من لترات الغاز مجاناً، للمدراء والنواب، وكل هذه الكميات يتم بيعها بسوق سوداء لصنعاء بسبب فوارق الصرف بين مدينة مأرب وصنعاء”. 

ويستطرد المصدر: “معظم إيرادات الشركة تذهب عملة صعبة للمسؤولين في الخارج؛ بينما يتكبد المواطن الويل في الداخل، فالفساد في ملف الغاز في اليمن مركب، ويمتد من الشركة، إلى المحطات المركزية، وعلى طول طرق النقل للمحافظات، وتنتهي بالوكلاء ومسؤولي الشركات في المحافظات، حيث وصل الحال لامتداح أسعار السوق السوداء، والتحدث عن تخفيضات هائلة، والمبالغة في تبرير الفساد واللصوصية”، وينهي المصدر قائلاً: “والله لن ننسى ما عشناه بسبب هؤلاء”. 

ما يحدث من سطو على الموارد ونهب للثروات في المحافظات الجنوبية والشرقية، وفرض هيمنة عبثية من أطراف خارجية، سيضر أجيال ما بعد الحرب التي ستدفع ثمنه، ويحدث هذا على المكشوف، وخلال سنوات، ووسط تحكم التحالف بقيادة السعودية والإمارات علانية بالحكومة المعترف بها دولياً في اليمن.

إقرأوا أيضاً:

18.11.2021
زمن القراءة: 8 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية