fbpx

فك حصار تعز بعد 9 سنوات…بين الحذر وانعدام الثقة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فتح طريق الحوبان هو نتاج نقاشات واتفاقيات ومحادثات طويلة، بدأت في وقت مبكر من الحرب، بعد أن تم عزل محافظة تعز عن بقية اليمن، وذلك بعد أن أدت المعارك في عام 2015 إلى سيطرة “الحوثيين” على مناطقها الشمالية ذات الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية وتطويق المدينة، التي ظل مركزها تحت سيطرة القوات المتحالفة مع الحكومة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نزحنا من صنعاء في بداية الحرب إلى تعز؛ منطقة التربة، ولكني قررت بعد فترة، العودة إلى صنعاء لتقديم امتحاناتي الجامعية، وفي بداية الطريق المؤدي إليها، اندلعت اشتباكات عنيفة بين “الحوثيين” والقوات الشرعية، فتوقفت حافلتنا وسط المعركة، ووجدنا أنفسنا عالقين وسط المعركة، وتحت وابل الرصاص الذي كان ينزل علينا كالمطر، لا نستطيع التقدم خطوة واحدة، حينها، خفتُ على أخي الصغير، وتمنّيت لو لم أصرّ على العودة، وشعرت بالذنب أنه عاش هذا كله بسببي. 

وبينما كان السائق يصرخ علينا للنزول تحت المقاعد، كان يُرجع السيارة بحذر إلى الخلف، لمسافة تصبح فيها الاشتباكات أقل خطورة، ليتمكن من الالتفاف والعودة بنا من حيث أتينا.

سحر. م  مثل كثيرين من أبناء تعز، الذين كانت حياتهم منقسمة ما بين مدينتهم والعاصمة صنعاء، وكانوا مضطرين يومياً إلى السفر بين المدينتين لأسباب كثيرة، منها العمل والدراسة والعلاج، أو زيارة الأهل.

وككثير من المسافرين على الطرقات، هناك من أهل تعز من كان يملك القدرة على تحمل مشقة السفر لمسافات طويلة، وآخرون لا يملكونها، خاصة بعد أن أُقفلت الطريق السهلة التي كان تجاوزها يحتاج إلى ربع ساعة من الوقت فقط، واستُبدلت بأخرى جبلية وعرة ومخيفة وصعبة ومحفوفة بالمخاطر، وذات مسار واحد ومنعطفات حادة، وتكثر فيها حوادث السير، وملأى بنقاط التفتيش التابعة للجماعات المسلحة، وتحتاج من 7 إلى 8 ساعات من الوقت لتجاوزها، استحدثها المدنيون كأسلوب تكيف مع الوضع المفروض عليهم، لكن كثيرين منهم لم يتكيفوا وفضلوا قطع رحلاتهم اليومية. 

الحصار كإستراتيجية حرب

منذ بداية الحرب في اليمن، تم استهداف الطرقات والجسور بشكل ممنهج من قبل طرفي النزاع، كاستراتيجية حرب، وفي انتهاك واضح للقانون الإنساني الدولي.

استهدفت الغارات الجوية جسوراً، إلى جانب العديد من شبكات الطرق الرئيسية، منها: الطريق الرئيسي N1 الذي يربط بين جنوب اليمن وشماله، وطريق N3 الرئيسي الذي يربط بين مدينة تعز الجنوبية وميناء الحديدة الغربي، ويربط أيضاً بين ميناء الحديدة والعاصمة صنعاء، ووثقت منظمات 17 هجمة مباشرة ومتعمدة، على الأقل، على جسور تعز وطرقاتها.

أسفر هذا كله، عن حصار مستمر منذ 9 سنوات، وأدى إلى منع التواصل مع المجتمعات المجاورة والوصول إليها، وحال دون الحصول على الرعاية الصحية، كما أعاق إيصال المساعدات الغذائية والإنسانية إلى محتاجيها، بالإضافة إلى حصول الكثير من الارتكابات والانتهاكات في مجال حقوق الإنسان.

في 7 يونيو/ حزيران 2024 أعلن الحوثيون على لسان القائم بأعمال محافظ تعز التابع لهم أحمد المساوي، ومعه اللجنة العسكرية، فتح طريقين إلى مدينة تعز، من جهتها أعلنت اللجنة الحكومية للتفاوض لفتح الطرقات، جاهزيتها لبدء الإجراءات التنفيذية لتنقل المواطنين من تعز وإليها، وقالت إن طريق الستين – الحوجلة – سوق عصيفرة مفتوحة من الجانب الحكومي، آملة أن يسمح الطرف الآخر بمرور الشاحنات والمعدات الثقيلة عبر هذه الطريق، وتداول ناشطون صوراً لفريق نزع الألغام، وهو يقوم بمسح المنطقة من الجهتين.

وبعد تأجيل فتح الطريق للمرة الرابعة، لأسباب أمنية، حيث يتم ترتيب النقاط الأمنية بين الطرفين؛ حرصاً على سلامة المدنيين، بحسب زعمهما، تم فتح طريق جولة القصرـ الحوبان اليوم، وسط احتفالات المدنيين الذين انتظروا هذه اللحظة بفارغ الصبر، وعاشوا مخاوف وقلقاً من تعطيل الأمر، بسبب عدم ثقتهم بطرفي النزاع. 

الأمر مهم بالنسبة لهم، لأن الرحلة من الحوبان الخاضعة لسيطرة “الحوثيين” وهي المركز الصناعي لمحافظة تعز، حيث يعمل العديد من السكان، إلى وسط مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة، كانت تستغرق في السابق ما بين 5 إلى 15 دقيقة بالسيارة، وصارت تستغرق اليوم من 5 إلى 6 ساعات، على طريق ذات مسرب واحد وسيئ الصيانة.

يستغرق نقل السلع الأساسية مثل الطعام والوقود بالشاحنات بين المدينتين المتحالفتين اسمياً، من 14 ساعة إلى عدة أيام، وقد أدى ارتفاع تكاليف النقل ورسوم نقاط التفتيش، إلى جانب تكاليف العمل الأخرى في اقتصاد الحرب، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود داخل المدينة، مما جعلها واحدة من أغلى أماكن العيش في اليمن. 

حتى صباح اليوم، ما زال العمل على نزع الألغام لم يكتمل من جانب “الحوثيين”، حيث انفجر لغم راح ضحيته شخصان، إلا أن هذا لم يمنع تدفق المواطنين بشكل كبير من وإلى الطرف الآخر، وكان أول شخص يعبر الطريق من جهة “الحوثيين” إلى مناطق سيطرة الحكومة الممثل المشهور صلاح الوافي، معلناً أن الطريق صارت مفتوحة عملياً.

تقول المحامية هدى الصراري، التي شاركت في محادثات وحملات ضغط متعلقة بملف فك الحصار عن تعز:  “بسبب هذا الحصار، نشأ اقتصاد الحرب، الذي فرضته الجماعات المسلحة من قبل طرفي النزاع، على البضائع والمشتقات النفطية والمواد الغذائية، لدرجة اتخذ أبناء المدينة طرقاً جبلية وعرة، يصعب فيها السير، للتخفيف من حدة الحصار والانتهاكات التي كانت تحدث، مثل القنص والاعتقالات والخطف والجرائم التي تصل حد مصادرة الحق في الحياة والسلامة الجسدية، ومن القصص المؤسفة التي نشأت خلال سنوات الحصار، نقل إسطوانات الأوكسجين للمرضى والجرحى والحالات المرضية التي تحتاج إلى إسعافات طارئة، كالولادات المتعسرة عند الحوامل والمرضى ذوي الأمراض المزمنة”.

يؤكد ذلك مدنيون من أبناء تعز، قمنا بأخذ شهاداتهم، ورغم اختلاف قصصهم، إلا أنهم يتفقون بأن الأمر مضن ومتعب ويكلف الكثير معنوياً ومادياً.

يقول علاء؛ مدني من أبناء تعز: “بعد الحصار أصبحت الطريق من صنعاء إلى حدود تعز فقط، تستغرق 7 ساعات، ومن الحدود حتى نصل إلى المنطقة التي نعيش فيها 7 ساعات أخرى، ليصبح المجموع 14 – 15 ساعة، هذا عن طريق الأقروض التي لا تتحمل مرور باصات كبيرة، فكنا نصل حتى مشارف تعز بباص، ومن ثم ينتقل الركاب كلهم ليحشروا أنفسهم داخل سيارة صغيرة، لا تكاد تتسع لأربعة أشخاص، كانت هذه الطريق هي طريق الموت أو الجحيم، بالنسبة لشاب في مقتبل العمر وبصحة نفسية وجسدية جيدة، فهل بالإمكان تخيل معاناة المرضى أو الكبار بالعمر؟”.

علاء يضيف: “الرحلات غير منتظمة وليس لها جداول زمنية، عدا ذلك كانت الرحلة الواحدة تمتد ليومين أحياناً، يوم لعبور طريق صنعاءـ تعز المكتظ بنقاط التفتيش التعسفية، التي تجبر بعض المسافرين على العودة بلا سبب أحياناً، وتمنعهم من الدخول إلى تعز، ويوم آخر مخصص للمضي من مشارف تعز حتى الأقروض”.

مبادرات فاشلة

فتح طريق الحوبان هو نتاج نقاشات واتفاقيات ومحادثات طويلة، بدأت في وقت مبكر من الحرب، بعد أن تم عزل محافظة تعز عن بقية اليمن، وذلك بعد أن أدت المعارك في عام 2015 إلى سيطرة “الحوثيين” على مناطقها الشمالية ذات الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية وتطويق المدينة، التي ظل مركزها تحت سيطرة القوات المتحالفة مع الحكومة. 

منذ ذلك الوقت، فشلت سلسلة من المبادرات المحلية والدولية في تحسين الوصول إلى المدينة، وتمت مناقشة قضية تعز في العديد من محادثات السلام، التي كانت تجري بإشراف أممي، كان أولها في اتفاقية وقف إطلاق النار في تعز في 21 يوليو/ تموز عام 2015، التي تم التوقيع عليها من قبل السلطة المحلية والمقاومة الشعبية و”الحوثيين”، وتضمنت فتح معابر رئيسية في المدينة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وتشكيل لجنة مشتركة لمراقبة تنفيذ الاتفاقية.

بعدها أُبرمت اتفاقية الرياض عام 2017 بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، التي نصت على فتح جميع المعابر في اليمن، بما في ذلك معابر تعز، ثم بعد ذلك اتفاق ستوكهولم عام 2018، الذي انعقد بإشراف أممي بين الحكومة اليمنية الشرعية و”الحوثيين”، وتضمن وقف إطلاق النار في محافظة الحديدة، وتبادل الأسرى، وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي، ثم محادثات جنيف عام 2018، برعاية الأمم المتحدة، حيث تم الاتفاق على إنشاء ممر آمن لوصول المساعدات الإنسانية إلى تعز وإزالة الألغام من الطرق المؤدية إليها.

 في  2 نيسان/ أبريل 2022 بدأت الهدنة الأممية في اليمن، التي تم تمديدها أكثر من مرة بموازاة مفاوضات سياسية.

أبرز بنود الهدنة، وقف إطلاق النار وفتح ميناء الحديدة، إضافة إلى إعادة تشغيل الرحلات التجارية عبر مطار صنعاء، وفتح الطرق في مدينة تعز، كجزء من اتفاق الهدنة، التزم “الحوثيون” والحكومة بتشكيل لجنة تفاوض مشتركة لمعالجة قضية طرق تعز، وتزامن ذلك مع تصاعد حملات ضغط على أطراف الصراع، وخاصة “الحوثيين” لفتح طريق تعز، شملت مظاهرات واعتصامات داخل اليمن وخارجه، وحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، ومناشدات من قبل المنظمات الإنسانية والحقوقية، وضغوطاً دبلوماسية من قبل الدول الفاعلة في الملف اليمني، أسفرت عن فتح طريق تعز بشكل موقت ولفترات محددة، ودخول بعض المساعدات الإنسانية إلى المدينة. 

لم يتم تنفيذ أي من هذه الاتفاقيات، مما أدى إلى استمرار معاناة المدنيين وحصار تعز حتى اليوم.

مأساة الحصار

تؤكد المحامية الصراري أن: “قضية فك الحصار عن تعز وكل المدن اليمنية المحاصرة، هي على رأس الملفات ذات الاهتمام على طاولة المبعوث الأممي والمجتمع الدولي، وأثيرت بشأنها مناقشات ولقاءات للمجتمع المدني والسياسيين والشخصيات الاقتصادية والعسكرية والأمنية ومدافعي حقوق الإنسان، في عواصم عربية وأجنبية عدة، وقد شاركت في أحد هذه اللقاءات، وناقشنا عبر مجموعات العمل، مختلف المسارات، ومنها فتح الطرق وفك الحصار عن تعز، واستعرضنا المشاكل والحلول”.

وتقول: “لا يختلف اثنان حول أهمية فك الحصار عن كل المدن اليمنية، وخاصة تعز، بسبب كثافتها السكانية، ويمكن الاعتبار أن تعز من أكثر المدن التي عانت من ويلات الحرب والدمار، بالإضافة إلى تعرض سكانها لجرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان، خاصة فئة الأطفال والنساء، لذا نشجع أي مسعى من شأنه التخفيف عن السكان في المدن، ورفع الحصار، وتسهيل التنقل بين المحافظات، وخفض التصعيد العسكري والمواجهات المسلحة، وإبداء حسن النية في التوصل إلى حلول جذرية، والتفاوض بشأن العملية السياسية في اليمن وإنهاء الحرب”.

عملياً، طريق الحوبان هو شريان تعز، وصلة وصلها بكل المدن والقرى من حولها وبالعكس، والسكان على الطرفين يواجهون صعوبة في التواصل والتنقل، فلا يستطيع أبناء تعز زيارة أقاربهم في قرى تعز الموجودة في ماوية والحوبان والعكس صحيح، وهذه واحدة من أكثر حالات الحصار انتهاكاً للروح الإنسانية.

فداء زياد - كاتبة فلسطينية من غزة | 14.06.2024

عن تخمة الشعور واختبارات النجاة في غزة

ليلة اقتحام رفح، كانت حيلتي أن أستعير أقدام الطبيبة أميرة العسولي، المرأة الطبيبة التي جازفت بحياتها لتنقذ حياة مصاب، فترة حصار الجيش الإسرائيلي مستشفى ناصر في خانيونس، كي أحاول إنقاذ أخي وعائلته وأختي وأبنائها المقيمين في الجهة المقابلة لنا، لأنهم كانوا أكثر قرباً من الخطر.
14.06.2024
زمن القراءة: 7 minutes

فتح طريق الحوبان هو نتاج نقاشات واتفاقيات ومحادثات طويلة، بدأت في وقت مبكر من الحرب، بعد أن تم عزل محافظة تعز عن بقية اليمن، وذلك بعد أن أدت المعارك في عام 2015 إلى سيطرة “الحوثيين” على مناطقها الشمالية ذات الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية وتطويق المدينة، التي ظل مركزها تحت سيطرة القوات المتحالفة مع الحكومة.

نزحنا من صنعاء في بداية الحرب إلى تعز؛ منطقة التربة، ولكني قررت بعد فترة، العودة إلى صنعاء لتقديم امتحاناتي الجامعية، وفي بداية الطريق المؤدي إليها، اندلعت اشتباكات عنيفة بين “الحوثيين” والقوات الشرعية، فتوقفت حافلتنا وسط المعركة، ووجدنا أنفسنا عالقين وسط المعركة، وتحت وابل الرصاص الذي كان ينزل علينا كالمطر، لا نستطيع التقدم خطوة واحدة، حينها، خفتُ على أخي الصغير، وتمنّيت لو لم أصرّ على العودة، وشعرت بالذنب أنه عاش هذا كله بسببي. 

وبينما كان السائق يصرخ علينا للنزول تحت المقاعد، كان يُرجع السيارة بحذر إلى الخلف، لمسافة تصبح فيها الاشتباكات أقل خطورة، ليتمكن من الالتفاف والعودة بنا من حيث أتينا.

سحر. م  مثل كثيرين من أبناء تعز، الذين كانت حياتهم منقسمة ما بين مدينتهم والعاصمة صنعاء، وكانوا مضطرين يومياً إلى السفر بين المدينتين لأسباب كثيرة، منها العمل والدراسة والعلاج، أو زيارة الأهل.

وككثير من المسافرين على الطرقات، هناك من أهل تعز من كان يملك القدرة على تحمل مشقة السفر لمسافات طويلة، وآخرون لا يملكونها، خاصة بعد أن أُقفلت الطريق السهلة التي كان تجاوزها يحتاج إلى ربع ساعة من الوقت فقط، واستُبدلت بأخرى جبلية وعرة ومخيفة وصعبة ومحفوفة بالمخاطر، وذات مسار واحد ومنعطفات حادة، وتكثر فيها حوادث السير، وملأى بنقاط التفتيش التابعة للجماعات المسلحة، وتحتاج من 7 إلى 8 ساعات من الوقت لتجاوزها، استحدثها المدنيون كأسلوب تكيف مع الوضع المفروض عليهم، لكن كثيرين منهم لم يتكيفوا وفضلوا قطع رحلاتهم اليومية. 

الحصار كإستراتيجية حرب

منذ بداية الحرب في اليمن، تم استهداف الطرقات والجسور بشكل ممنهج من قبل طرفي النزاع، كاستراتيجية حرب، وفي انتهاك واضح للقانون الإنساني الدولي.

استهدفت الغارات الجوية جسوراً، إلى جانب العديد من شبكات الطرق الرئيسية، منها: الطريق الرئيسي N1 الذي يربط بين جنوب اليمن وشماله، وطريق N3 الرئيسي الذي يربط بين مدينة تعز الجنوبية وميناء الحديدة الغربي، ويربط أيضاً بين ميناء الحديدة والعاصمة صنعاء، ووثقت منظمات 17 هجمة مباشرة ومتعمدة، على الأقل، على جسور تعز وطرقاتها.

أسفر هذا كله، عن حصار مستمر منذ 9 سنوات، وأدى إلى منع التواصل مع المجتمعات المجاورة والوصول إليها، وحال دون الحصول على الرعاية الصحية، كما أعاق إيصال المساعدات الغذائية والإنسانية إلى محتاجيها، بالإضافة إلى حصول الكثير من الارتكابات والانتهاكات في مجال حقوق الإنسان.

في 7 يونيو/ حزيران 2024 أعلن الحوثيون على لسان القائم بأعمال محافظ تعز التابع لهم أحمد المساوي، ومعه اللجنة العسكرية، فتح طريقين إلى مدينة تعز، من جهتها أعلنت اللجنة الحكومية للتفاوض لفتح الطرقات، جاهزيتها لبدء الإجراءات التنفيذية لتنقل المواطنين من تعز وإليها، وقالت إن طريق الستين – الحوجلة – سوق عصيفرة مفتوحة من الجانب الحكومي، آملة أن يسمح الطرف الآخر بمرور الشاحنات والمعدات الثقيلة عبر هذه الطريق، وتداول ناشطون صوراً لفريق نزع الألغام، وهو يقوم بمسح المنطقة من الجهتين.

وبعد تأجيل فتح الطريق للمرة الرابعة، لأسباب أمنية، حيث يتم ترتيب النقاط الأمنية بين الطرفين؛ حرصاً على سلامة المدنيين، بحسب زعمهما، تم فتح طريق جولة القصرـ الحوبان اليوم، وسط احتفالات المدنيين الذين انتظروا هذه اللحظة بفارغ الصبر، وعاشوا مخاوف وقلقاً من تعطيل الأمر، بسبب عدم ثقتهم بطرفي النزاع. 

الأمر مهم بالنسبة لهم، لأن الرحلة من الحوبان الخاضعة لسيطرة “الحوثيين” وهي المركز الصناعي لمحافظة تعز، حيث يعمل العديد من السكان، إلى وسط مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة، كانت تستغرق في السابق ما بين 5 إلى 15 دقيقة بالسيارة، وصارت تستغرق اليوم من 5 إلى 6 ساعات، على طريق ذات مسرب واحد وسيئ الصيانة.

يستغرق نقل السلع الأساسية مثل الطعام والوقود بالشاحنات بين المدينتين المتحالفتين اسمياً، من 14 ساعة إلى عدة أيام، وقد أدى ارتفاع تكاليف النقل ورسوم نقاط التفتيش، إلى جانب تكاليف العمل الأخرى في اقتصاد الحرب، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود داخل المدينة، مما جعلها واحدة من أغلى أماكن العيش في اليمن. 

حتى صباح اليوم، ما زال العمل على نزع الألغام لم يكتمل من جانب “الحوثيين”، حيث انفجر لغم راح ضحيته شخصان، إلا أن هذا لم يمنع تدفق المواطنين بشكل كبير من وإلى الطرف الآخر، وكان أول شخص يعبر الطريق من جهة “الحوثيين” إلى مناطق سيطرة الحكومة الممثل المشهور صلاح الوافي، معلناً أن الطريق صارت مفتوحة عملياً.

تقول المحامية هدى الصراري، التي شاركت في محادثات وحملات ضغط متعلقة بملف فك الحصار عن تعز:  “بسبب هذا الحصار، نشأ اقتصاد الحرب، الذي فرضته الجماعات المسلحة من قبل طرفي النزاع، على البضائع والمشتقات النفطية والمواد الغذائية، لدرجة اتخذ أبناء المدينة طرقاً جبلية وعرة، يصعب فيها السير، للتخفيف من حدة الحصار والانتهاكات التي كانت تحدث، مثل القنص والاعتقالات والخطف والجرائم التي تصل حد مصادرة الحق في الحياة والسلامة الجسدية، ومن القصص المؤسفة التي نشأت خلال سنوات الحصار، نقل إسطوانات الأوكسجين للمرضى والجرحى والحالات المرضية التي تحتاج إلى إسعافات طارئة، كالولادات المتعسرة عند الحوامل والمرضى ذوي الأمراض المزمنة”.

يؤكد ذلك مدنيون من أبناء تعز، قمنا بأخذ شهاداتهم، ورغم اختلاف قصصهم، إلا أنهم يتفقون بأن الأمر مضن ومتعب ويكلف الكثير معنوياً ومادياً.

يقول علاء؛ مدني من أبناء تعز: “بعد الحصار أصبحت الطريق من صنعاء إلى حدود تعز فقط، تستغرق 7 ساعات، ومن الحدود حتى نصل إلى المنطقة التي نعيش فيها 7 ساعات أخرى، ليصبح المجموع 14 – 15 ساعة، هذا عن طريق الأقروض التي لا تتحمل مرور باصات كبيرة، فكنا نصل حتى مشارف تعز بباص، ومن ثم ينتقل الركاب كلهم ليحشروا أنفسهم داخل سيارة صغيرة، لا تكاد تتسع لأربعة أشخاص، كانت هذه الطريق هي طريق الموت أو الجحيم، بالنسبة لشاب في مقتبل العمر وبصحة نفسية وجسدية جيدة، فهل بالإمكان تخيل معاناة المرضى أو الكبار بالعمر؟”.

علاء يضيف: “الرحلات غير منتظمة وليس لها جداول زمنية، عدا ذلك كانت الرحلة الواحدة تمتد ليومين أحياناً، يوم لعبور طريق صنعاءـ تعز المكتظ بنقاط التفتيش التعسفية، التي تجبر بعض المسافرين على العودة بلا سبب أحياناً، وتمنعهم من الدخول إلى تعز، ويوم آخر مخصص للمضي من مشارف تعز حتى الأقروض”.

مبادرات فاشلة

فتح طريق الحوبان هو نتاج نقاشات واتفاقيات ومحادثات طويلة، بدأت في وقت مبكر من الحرب، بعد أن تم عزل محافظة تعز عن بقية اليمن، وذلك بعد أن أدت المعارك في عام 2015 إلى سيطرة “الحوثيين” على مناطقها الشمالية ذات الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية وتطويق المدينة، التي ظل مركزها تحت سيطرة القوات المتحالفة مع الحكومة. 

منذ ذلك الوقت، فشلت سلسلة من المبادرات المحلية والدولية في تحسين الوصول إلى المدينة، وتمت مناقشة قضية تعز في العديد من محادثات السلام، التي كانت تجري بإشراف أممي، كان أولها في اتفاقية وقف إطلاق النار في تعز في 21 يوليو/ تموز عام 2015، التي تم التوقيع عليها من قبل السلطة المحلية والمقاومة الشعبية و”الحوثيين”، وتضمنت فتح معابر رئيسية في المدينة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وتشكيل لجنة مشتركة لمراقبة تنفيذ الاتفاقية.

بعدها أُبرمت اتفاقية الرياض عام 2017 بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، التي نصت على فتح جميع المعابر في اليمن، بما في ذلك معابر تعز، ثم بعد ذلك اتفاق ستوكهولم عام 2018، الذي انعقد بإشراف أممي بين الحكومة اليمنية الشرعية و”الحوثيين”، وتضمن وقف إطلاق النار في محافظة الحديدة، وتبادل الأسرى، وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي، ثم محادثات جنيف عام 2018، برعاية الأمم المتحدة، حيث تم الاتفاق على إنشاء ممر آمن لوصول المساعدات الإنسانية إلى تعز وإزالة الألغام من الطرق المؤدية إليها.

 في  2 نيسان/ أبريل 2022 بدأت الهدنة الأممية في اليمن، التي تم تمديدها أكثر من مرة بموازاة مفاوضات سياسية.

أبرز بنود الهدنة، وقف إطلاق النار وفتح ميناء الحديدة، إضافة إلى إعادة تشغيل الرحلات التجارية عبر مطار صنعاء، وفتح الطرق في مدينة تعز، كجزء من اتفاق الهدنة، التزم “الحوثيون” والحكومة بتشكيل لجنة تفاوض مشتركة لمعالجة قضية طرق تعز، وتزامن ذلك مع تصاعد حملات ضغط على أطراف الصراع، وخاصة “الحوثيين” لفتح طريق تعز، شملت مظاهرات واعتصامات داخل اليمن وخارجه، وحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، ومناشدات من قبل المنظمات الإنسانية والحقوقية، وضغوطاً دبلوماسية من قبل الدول الفاعلة في الملف اليمني، أسفرت عن فتح طريق تعز بشكل موقت ولفترات محددة، ودخول بعض المساعدات الإنسانية إلى المدينة. 

لم يتم تنفيذ أي من هذه الاتفاقيات، مما أدى إلى استمرار معاناة المدنيين وحصار تعز حتى اليوم.

مأساة الحصار

تؤكد المحامية الصراري أن: “قضية فك الحصار عن تعز وكل المدن اليمنية المحاصرة، هي على رأس الملفات ذات الاهتمام على طاولة المبعوث الأممي والمجتمع الدولي، وأثيرت بشأنها مناقشات ولقاءات للمجتمع المدني والسياسيين والشخصيات الاقتصادية والعسكرية والأمنية ومدافعي حقوق الإنسان، في عواصم عربية وأجنبية عدة، وقد شاركت في أحد هذه اللقاءات، وناقشنا عبر مجموعات العمل، مختلف المسارات، ومنها فتح الطرق وفك الحصار عن تعز، واستعرضنا المشاكل والحلول”.

وتقول: “لا يختلف اثنان حول أهمية فك الحصار عن كل المدن اليمنية، وخاصة تعز، بسبب كثافتها السكانية، ويمكن الاعتبار أن تعز من أكثر المدن التي عانت من ويلات الحرب والدمار، بالإضافة إلى تعرض سكانها لجرائم حرب وانتهاكات حقوق الإنسان، خاصة فئة الأطفال والنساء، لذا نشجع أي مسعى من شأنه التخفيف عن السكان في المدن، ورفع الحصار، وتسهيل التنقل بين المحافظات، وخفض التصعيد العسكري والمواجهات المسلحة، وإبداء حسن النية في التوصل إلى حلول جذرية، والتفاوض بشأن العملية السياسية في اليمن وإنهاء الحرب”.

عملياً، طريق الحوبان هو شريان تعز، وصلة وصلها بكل المدن والقرى من حولها وبالعكس، والسكان على الطرفين يواجهون صعوبة في التواصل والتنقل، فلا يستطيع أبناء تعز زيارة أقاربهم في قرى تعز الموجودة في ماوية والحوبان والعكس صحيح، وهذه واحدة من أكثر حالات الحصار انتهاكاً للروح الإنسانية.

14.06.2024
زمن القراءة: 7 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية