fbpx

قانون تأجير المستشفيات: هل تتخلى مصر عن مرضاها الفقراء؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وافق البرلمان المصري على ما سمي قانون “تأجير المستشفيات” الذي تقدمت به الحكومة، والذي يجيز للمستثمرين المصريين والأجانب إدارة المستشفيات وتشغيلها. وبصمت وهدوء لا يتناسبان مع المخاطر التي ينطوي عليها، أصبح القانون واقعاً، ولا ينقصه غير تصديق رئيس الجمهورية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

المترددون على مستشفيات القطاع العام في مصر، يعرفون جيداً مشاهد تزاحم المرضى في الساحات الخارجية، والتكدس في الممرات الداخلية، أثناء انتظار أدوارهم في الكشف والعلاج، بمظاهر تعكس الفقر والبؤس والشقاء.

وبالرغم من تراجع مستوى الخدمة المقدمة وضعف الإمكانات، والمعاملة غير الآدمية التي يتلقونها داخل المنشآت الحكومية، لكن ليس لديهم أي خيار آخر، ولا يملكون الأموال الكافية لتحمل تكاليف المشافي الخاصة، وبالطبع ليس لدى معظمهم تأمين صحي، مما جعل القطاع الطبي الحكومي في مصر، هو الملاذ الأول والأخير لعشرات الملايين من المواطنين، حتى مع تردي الخدمة وتراجعها، نتيجة ضعف الإنفاق الحكومي على الصحة وانخفاضه خلال السنوات الأخيرة.

من الصعب تخيل مصير معظم المصريين من محدودي الدخل، إذا واصلت الحكومة سعيها لمنح القطاع الخاص؛ الهادف للربح، حق السيطرة على المستشفيات الحكومية، وذلك بعد أن وافق البرلمان على قانون “تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية” الذي تقدمت به الحكومة، والذي يجيز للمستثمرين المصريين والأجانب إدارة المستشفيات وتشغيلها.

وبصمت وهدوء لا يتناسبان مع المخاطر التي ينطوي عليها، أصبح القانون واقعاً، ولا ينقصه غير تصديق رئيس الجمهورية.

ما هو قانون تأجير المستشفيات؟

  ينص القانون الجديد المعروف بـ “تأجير المستشفيات” أو “إدارة القطاع الخاص للمستشفيات العامة” على منح حق إدارة منشآت القطاع العام وتشغيلها وتطويرها وصيانتها، على ألا تقل مدة الالتزام عن ثلاثة أعوام ولا تزيد على خمسة عشر عاماً، وبنهاية مدة الالتزام، تعود المنشآت الصحية والأجهزة الطبية كلها إلى الدولة، من دون مقابل، وبحالة جيدة.

حتى قبل إقرار القانون، بدأت الحكومة بالفعل بطرح فرصة إدارة ستة مستشفيات حكومية على المستثمرين، عبر موقع الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وهي: مستشفى أبو تيج في أسيوط، وحميات البحر الأحمر، وكوم حمادة في البحيرة، والعجوزة التخصصي في الجيزة، وهليوبوليس والقاهرة الجديدة.

ولإغراء المستثمرين، أبرزت الهيئة مجموعة من المزايا التي تتمتع بها هذه المنشآت، إذ تتميز ببنى تحتية جيدة وتملك خدمات طبية متكاملة ومجهزة بأحدث الأجهزة، وتتكون من غرف عناية مركزة، ومراكز رعاية أطفال مبتسرين (خُدّج) ومسنين، واستقبال وطوارئ وعمليات جراحية متطورة، بعدد أسرة يصل إلى 185 سريراً للمستشفى الواحد.

كما تقول الهيئة إن “المنشآت المطروحة تتمتع بمواقع مميزة، وتخدم مناطق ذات كثافة سكانية عالية، إذ تتراوح الفئة المستهدفة ما بين 240 ألفاً ومليون نسمة للمستشفى الواحد”، وتوضح أنه “يمكن للمستثمر إتاحة الخدمات الطبية في الفترات المسائية، بالإضافة إلى الالتحاق بمنظومة التأمين الصحي الشامل وتقديم الخدمات مقابل أجر”.

رفضت النقابة العامة لأطباء مصر القانون، وناشدت رئيس الجمهورية، عدم التوقيع عليه، وقالت النقابة، إن “القانون الذي وافق عليه مجلس النواب يهدد سلامة المواطن المصري وصحته واستقرار المنظومة الصحية، ولا يحمل أية ضمانات لاستمرار تقديم الخدمة للمواطنين المصريين، خاصة محدودي الدخل، ولالتزام المستثمر بالنسبة المحددة لعلاج مرضى التأمين الصحي ونفقة الدولة، كما أن القانون لا يتضمن أية قواعد لتحديد المستشفيات التي يتم طرحها للإيجار”.

ورحبت النقابة في البيان الذي نشرته يوم 23 مايو 2024، ب”تشجيع القطاع الخاص على المشاركة في تقديم الخدمات الصحية، ومنح المستثمرين حزمة من الحوافز التي تشجعهم على بناء مستشفيات جديدة، وليس بتأجير المستشفيات الحكومية القائمة، التي تقدم خدماتها للمواطن المصري وبالأخص محدود الدخل”، وأشارت إلى أن “قانون الحكومة يُهدد بضياع حقوق 75% من العاملين في المنشآت الصحية، التي تنوي الحكومة تأجيرها، حيث إن القانون يتيح للمستثمر الاستغناء عنهم”.

كما واجه القانون اعتراض كبير، لعدم تضمنه أية آليات تُلزم قيام القطاع الخاص بتقديم خدمات صحية بجودة أفضل وبدون رفع التكلفة، لأنه من الطبيعي أن يبحث المستثمر عن الأرباح. 

في حين تدافع الحكومة عن القانون، وترى أنه يشجع الاستثمار في قطاع الصحة، ويوفر خدمة صحية عالية الجودة، بدون أن يدفع المواطن أي شيء، بحسب تصريحات وزير الصحة؛ ولا نجد ما يثبت صحة ذلك، فكيف سيقدم المستثمر خدمة أفضل بدون رفع التكلفة؟ وإذا كان هناك إمكانية لفعل الأمر فلماذا تتجه الحكومة للتخلي عن تقديم الخدمة العامة المنصوص عليها دستورياً؟

ونرى أن نص القانون يقول العكس تماماً، إذ يحق للمستثمرين تحديد أسعار الخدمات التي تقع تحت إدارتهم، ولهم أيضاً، حق إخراج أسّرة المستشفيات وخدماتها من منظومة التأمين الصحي، وعدم إخضاعها لأسعار الخدمة المرتبطة بالمنظومة، إذ اكتفت الحكومة فقط بإلزامهم بتخصيص نسبة من الخدمات للمنتفعين بالتأمين الصحي، بأسعار تحددها الدولة، وهو ما دفع نقيب الأطباء الدكتور أسامة عبد الحي إلى الاعتراض على القانون، إذ قال “إن الهدف الرئيسي للمستثمر هو الربح، الذي فكت الحكومة قيوده في مشروع القانون، ليقدم الخدمة الصحية للمواطن، بدون حد أقصى لسعرها”.

وبعد انتقال المستشفيات الحكومية إلى إدارة المستثمرين، سيُعتمد تسعير الخدمة المقدمة على اتفاق بين الحكومة والمستثمرين، من خلال قرار لرئيس الوزراء، وبناء على اقتراح من وزير الصحة، ولن يعرض الأمر على البرلمان، ولن يكون للشعب الذي يملك هذه الأصول، أي حق في الاعتراض، أو حتى معرفة الأسس التي تم بناء عليها تسعير الخدمات.

مخاطر خصخصة قطاع الرعاية الصحية

كما رأينا فإن المستشفيات التي بدأت الحكومة في طرحها أمام المستثمرين، عدد منها متميز، ويأتي على رأسها مستشفى العجوزة التخصصي، ونلاحظ أن قانون تأجير المستشفيات الذي ينتظر موافقة رئيس الجمهورية، لا يضع حداً أقصى لعدد أو لنسبة المنشآت التي سيتم منحها للقطاع الخاص، وذلك في وقت يعتمد فيه المواطنين على القطاع الطبي العام بشكل أساسي، ووفقاً للنشرة السنوية لإحصاء الخدمات الصحية في 2021، فقد تردد 48 مليون مواطن على العيادات التابعة للمستشفيات الحكومية في 2021، مقابل 4.7 مليون ترددوا على مستشفيات القطاع الخاص. 

وبحسب النشرة الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن قرابة 80% من المنشآت الطبية التابعة لوزارة الصحة، تقدم خدماتها مجاناً أو بأسعار رمزية، مما يعني أن إسناد هذه المنشآت للقطاع الخاص، سيكون تخلياً واضحاً من الحكومة عن تأدية دورها في تقديم الخدمات العامة للمواطنين، التي يأتي على رأسها الصحة.

وفي حديث ل “درج” مع طبيب أطفال فضل عدم ذكر اسمه، قال: “في غالبية محافظات الصعيد، تجد أن مركزاً كاملاً به عدد سكان قد يصل إلى نصف مليون نسمة، ليس لديه سوى مستشفى حكومي واحد يقدم الخدمات الطبية، وعدد من الوحدات الصحية المتهالكة داخل القرى، التي لا يعمل معظمها، ولا يحوي أية تجهيزات طبية لاستقبال المرضى، وبالتالي فإن اعتماد السكان الأساسي يكون على هذا المستشفى، بالإضافة إلى المستشفى العام والجامعي في المحافظة، وهي تخدم بدورها جميع سكان المحافظة، الذين قد يصل عددهم إلى 6 مليون نسمة، كما هو الحال في محافظة المنيا على سبيل المثال”. 

هذا يعني أنه في حال نقل إدارة المستشفى العام التابع للمركز أو المحافظة، سيكون هناك عدد ضخم من السكان بلا خدمات طبية عامة، ويقول الطبيب الشاب ( 28 عاماً) الذي يعمل في محافظة المنيا “إن معظم سكان المحافظة من الفقراء، ولا يملكون تأميناً صحياً، ويقطعون مسافات طويلة من القرى للوصول إلى المستشفيات، وهم لا يستطيعون تحمل تكلفة إجراء العمليات الجراحية والتحليلات والفحوصات في المشافي الخاصة”، ووفقاً لوزير الصحة فإن “الإنفاق الشخصي يُمثل نحو 62% من إجمالي الإنفاق على الصحة”.

وتستحوذ المستشفيات الحكومية على النسبة الأكبر من الأسرة العلاجية في مصر، بواقع 83 ألف سرير، في حين لا يملك القطاع الخاص سوى 34.5 ألف سرير، ويُعاني القطاع الطبي من فجوة كبيرة بين عدد الأسرة المتاحة في المستشفيات وحجم الطلب، وتملك مصر متوسط 1.1 سرير لكل ألف مواطن، وهي نسبة منخفضة مقارنة بالمتوسط العالمي، الذي يقدر بنحو 2.7 سرير لكل ألف مواطن.

ومن المعروف أن القطاع الصحي من القطاعات الاستراتيجية في أي دولة، وقد ظهرت أهميته خلال جائحة “كورونا”، وأدركت معظم دول العالم ضرورة زيادة حجم قطاع الرعاية الصحية، من خلال زيادة الإنفاق العام.

 وقد ظهرت الأزمة جلية في مصر خلال ذروة الجائحة، واستغلت المستشفيات الخاصة الأزمة وارتفاع الطلب على غرف العزل، وقامت بزيادة الأسعار بأكثر من 300%، ورفضت التسعيرة التي حددتها وزارة الصحة، ولم تلتزم بها، وطرحت أسعاراً مضاعفة للسعر الذي حددته الدولة، حتى أن سعر العزل بالقسم الداخلي وصل إلى 18 ألف جنيه، و25 ألف جنيه في الرعاية لليوم الواحد، وبالإضافة إلى الاستغلال والتربح من الأزمة، فقد أظهرت الجائحة انخفاض كفاءة القطاع الخاص الطبي وضعف قدرته على التعامل مع الأزمات، مما يجعل فكرة منحه إدارة المستشفيات العامة مغامرة محفوفة بالمخاطر.

التهرب من التزامات قطاع الصحة 

خلال السنوات الأخيرة سعت الحكومة للتهرب من مسؤوليتها، عبر خفض الإنفاق العام على الخدمات المقدمة للمواطنين والتخلي عن دورها، وهو ما نلاحظه عند النظر إلى نسبة الإنفاق على الصحة، وبحسب بيانات وزارة المالية، تبلغ مخصصات قطاع الصحة في مشروع موازنة العام المالي المقبل 2024/ 2025 نحو 200 مليار جنيه فقط، ما يُمثل 1.17% من الناتج المحلي البالغ 17.1 تريليون جنيه، وهو ما يتعارض مع النسبة المحددة دستورياً، حيث يُلزم الدستور المصري الحكومة بتخصيص 3% من إجمالي الناتج القومي للإنفاق على الصحة، في المادة 18، على أن تتصاعد هذه النسبة تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية.

وقد أجرت الحكومة المصرية تعديلاً قانونياً، يسمح لها بتوسيع معنى الإنفاق على الصحة والتلاعب به، لإظهار التزامها بالاستحقاق الدستوري للصحة، بدون الالتزام به فعلياً، وذلك من خلال تضخيم مخصصات الصحة وزيادتها ورقياً فقط، وإضافة بنود إنفاق بشكل مباشر أو غير مباشر، تضم إنفاق العديد من المؤسسات التي تقدم خدمة رعاية صحية، مثل مستشفيات الشرطة والدفاع والأزهر والتأمين الصحي الشامل، بالرغم من أن هذه الجهات لديها موازنتها الخاصة، وليست ضمن الموازنة العامة للدولة، كما تُحمل الحكومة القطاع الطبي جزءاً من فوائد الديون الحكومية، وتضع الإنفاق على مياه الشرب والصرف الصحي ضمن الإنفاق على الصحة.

انعكس انخفاض الإنفاق العام على القطاع الطبي بشكل واضح، وتكشف البيانات الحكومية، أن عدد الأسرة في المستشفيات الحكومية، انخفض من 98 ألف سرير في عام 2014 إلى 83 ألف سرير في 2021، وذلك بدلاً من رفع عدد الأسرة ليجاري الزيادة المزمنة في عدد السكان، حيث ارتفع عدد السكان بنحو 12 مليون نسمة خلال الفترة نفسها، والجدير بالذكر أن عدد الأسرة في مستشفيات القطاع الخاص، ارتفع من 26 ألف سرير في 2014 إلى 34.5 سرير في عام 2021.

وبدلاً من السعي لتصفية القطاع العام والانسحاب من تقديم الخدمات، يجب على الحكومة الالتزام بالنسب المقررة دستورياً، من خلال رفع مخصصات الصحة في الميزانية العامة، ورفع كفاءة خدمة الرعاية الصحية التي يعتمد عليها أغلبية المواطنين، مع إنشاء مستشفيات جديدة، وزيادة عدد الأسّرة في المستشفيات العامة، حتى تصل إلى النسب العالمية، وحتى إذا كانت ستتجه لنقل إدارة المنشآت العامة إلى المستثمرين، فينبغي أن تكون العملية شفافة ومُعلنة، مع وضع آليات تسعير واضحة، تضمن عدم إضافة المزيد من الأعباء على المواطنين من منخفضي الدخل، والأهم تعزيز الدور الرقابي لضمان حماية حق المواطن في الصحة.

10.06.2024
زمن القراءة: 8 minutes

وافق البرلمان المصري على ما سمي قانون “تأجير المستشفيات” الذي تقدمت به الحكومة، والذي يجيز للمستثمرين المصريين والأجانب إدارة المستشفيات وتشغيلها. وبصمت وهدوء لا يتناسبان مع المخاطر التي ينطوي عليها، أصبح القانون واقعاً، ولا ينقصه غير تصديق رئيس الجمهورية.

المترددون على مستشفيات القطاع العام في مصر، يعرفون جيداً مشاهد تزاحم المرضى في الساحات الخارجية، والتكدس في الممرات الداخلية، أثناء انتظار أدوارهم في الكشف والعلاج، بمظاهر تعكس الفقر والبؤس والشقاء.

وبالرغم من تراجع مستوى الخدمة المقدمة وضعف الإمكانات، والمعاملة غير الآدمية التي يتلقونها داخل المنشآت الحكومية، لكن ليس لديهم أي خيار آخر، ولا يملكون الأموال الكافية لتحمل تكاليف المشافي الخاصة، وبالطبع ليس لدى معظمهم تأمين صحي، مما جعل القطاع الطبي الحكومي في مصر، هو الملاذ الأول والأخير لعشرات الملايين من المواطنين، حتى مع تردي الخدمة وتراجعها، نتيجة ضعف الإنفاق الحكومي على الصحة وانخفاضه خلال السنوات الأخيرة.

من الصعب تخيل مصير معظم المصريين من محدودي الدخل، إذا واصلت الحكومة سعيها لمنح القطاع الخاص؛ الهادف للربح، حق السيطرة على المستشفيات الحكومية، وذلك بعد أن وافق البرلمان على قانون “تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية” الذي تقدمت به الحكومة، والذي يجيز للمستثمرين المصريين والأجانب إدارة المستشفيات وتشغيلها.

وبصمت وهدوء لا يتناسبان مع المخاطر التي ينطوي عليها، أصبح القانون واقعاً، ولا ينقصه غير تصديق رئيس الجمهورية.

ما هو قانون تأجير المستشفيات؟

  ينص القانون الجديد المعروف بـ “تأجير المستشفيات” أو “إدارة القطاع الخاص للمستشفيات العامة” على منح حق إدارة منشآت القطاع العام وتشغيلها وتطويرها وصيانتها، على ألا تقل مدة الالتزام عن ثلاثة أعوام ولا تزيد على خمسة عشر عاماً، وبنهاية مدة الالتزام، تعود المنشآت الصحية والأجهزة الطبية كلها إلى الدولة، من دون مقابل، وبحالة جيدة.

حتى قبل إقرار القانون، بدأت الحكومة بالفعل بطرح فرصة إدارة ستة مستشفيات حكومية على المستثمرين، عبر موقع الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وهي: مستشفى أبو تيج في أسيوط، وحميات البحر الأحمر، وكوم حمادة في البحيرة، والعجوزة التخصصي في الجيزة، وهليوبوليس والقاهرة الجديدة.

ولإغراء المستثمرين، أبرزت الهيئة مجموعة من المزايا التي تتمتع بها هذه المنشآت، إذ تتميز ببنى تحتية جيدة وتملك خدمات طبية متكاملة ومجهزة بأحدث الأجهزة، وتتكون من غرف عناية مركزة، ومراكز رعاية أطفال مبتسرين (خُدّج) ومسنين، واستقبال وطوارئ وعمليات جراحية متطورة، بعدد أسرة يصل إلى 185 سريراً للمستشفى الواحد.

كما تقول الهيئة إن “المنشآت المطروحة تتمتع بمواقع مميزة، وتخدم مناطق ذات كثافة سكانية عالية، إذ تتراوح الفئة المستهدفة ما بين 240 ألفاً ومليون نسمة للمستشفى الواحد”، وتوضح أنه “يمكن للمستثمر إتاحة الخدمات الطبية في الفترات المسائية، بالإضافة إلى الالتحاق بمنظومة التأمين الصحي الشامل وتقديم الخدمات مقابل أجر”.

رفضت النقابة العامة لأطباء مصر القانون، وناشدت رئيس الجمهورية، عدم التوقيع عليه، وقالت النقابة، إن “القانون الذي وافق عليه مجلس النواب يهدد سلامة المواطن المصري وصحته واستقرار المنظومة الصحية، ولا يحمل أية ضمانات لاستمرار تقديم الخدمة للمواطنين المصريين، خاصة محدودي الدخل، ولالتزام المستثمر بالنسبة المحددة لعلاج مرضى التأمين الصحي ونفقة الدولة، كما أن القانون لا يتضمن أية قواعد لتحديد المستشفيات التي يتم طرحها للإيجار”.

ورحبت النقابة في البيان الذي نشرته يوم 23 مايو 2024، ب”تشجيع القطاع الخاص على المشاركة في تقديم الخدمات الصحية، ومنح المستثمرين حزمة من الحوافز التي تشجعهم على بناء مستشفيات جديدة، وليس بتأجير المستشفيات الحكومية القائمة، التي تقدم خدماتها للمواطن المصري وبالأخص محدود الدخل”، وأشارت إلى أن “قانون الحكومة يُهدد بضياع حقوق 75% من العاملين في المنشآت الصحية، التي تنوي الحكومة تأجيرها، حيث إن القانون يتيح للمستثمر الاستغناء عنهم”.

كما واجه القانون اعتراض كبير، لعدم تضمنه أية آليات تُلزم قيام القطاع الخاص بتقديم خدمات صحية بجودة أفضل وبدون رفع التكلفة، لأنه من الطبيعي أن يبحث المستثمر عن الأرباح. 

في حين تدافع الحكومة عن القانون، وترى أنه يشجع الاستثمار في قطاع الصحة، ويوفر خدمة صحية عالية الجودة، بدون أن يدفع المواطن أي شيء، بحسب تصريحات وزير الصحة؛ ولا نجد ما يثبت صحة ذلك، فكيف سيقدم المستثمر خدمة أفضل بدون رفع التكلفة؟ وإذا كان هناك إمكانية لفعل الأمر فلماذا تتجه الحكومة للتخلي عن تقديم الخدمة العامة المنصوص عليها دستورياً؟

ونرى أن نص القانون يقول العكس تماماً، إذ يحق للمستثمرين تحديد أسعار الخدمات التي تقع تحت إدارتهم، ولهم أيضاً، حق إخراج أسّرة المستشفيات وخدماتها من منظومة التأمين الصحي، وعدم إخضاعها لأسعار الخدمة المرتبطة بالمنظومة، إذ اكتفت الحكومة فقط بإلزامهم بتخصيص نسبة من الخدمات للمنتفعين بالتأمين الصحي، بأسعار تحددها الدولة، وهو ما دفع نقيب الأطباء الدكتور أسامة عبد الحي إلى الاعتراض على القانون، إذ قال “إن الهدف الرئيسي للمستثمر هو الربح، الذي فكت الحكومة قيوده في مشروع القانون، ليقدم الخدمة الصحية للمواطن، بدون حد أقصى لسعرها”.

وبعد انتقال المستشفيات الحكومية إلى إدارة المستثمرين، سيُعتمد تسعير الخدمة المقدمة على اتفاق بين الحكومة والمستثمرين، من خلال قرار لرئيس الوزراء، وبناء على اقتراح من وزير الصحة، ولن يعرض الأمر على البرلمان، ولن يكون للشعب الذي يملك هذه الأصول، أي حق في الاعتراض، أو حتى معرفة الأسس التي تم بناء عليها تسعير الخدمات.

مخاطر خصخصة قطاع الرعاية الصحية

كما رأينا فإن المستشفيات التي بدأت الحكومة في طرحها أمام المستثمرين، عدد منها متميز، ويأتي على رأسها مستشفى العجوزة التخصصي، ونلاحظ أن قانون تأجير المستشفيات الذي ينتظر موافقة رئيس الجمهورية، لا يضع حداً أقصى لعدد أو لنسبة المنشآت التي سيتم منحها للقطاع الخاص، وذلك في وقت يعتمد فيه المواطنين على القطاع الطبي العام بشكل أساسي، ووفقاً للنشرة السنوية لإحصاء الخدمات الصحية في 2021، فقد تردد 48 مليون مواطن على العيادات التابعة للمستشفيات الحكومية في 2021، مقابل 4.7 مليون ترددوا على مستشفيات القطاع الخاص. 

وبحسب النشرة الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن قرابة 80% من المنشآت الطبية التابعة لوزارة الصحة، تقدم خدماتها مجاناً أو بأسعار رمزية، مما يعني أن إسناد هذه المنشآت للقطاع الخاص، سيكون تخلياً واضحاً من الحكومة عن تأدية دورها في تقديم الخدمات العامة للمواطنين، التي يأتي على رأسها الصحة.

وفي حديث ل “درج” مع طبيب أطفال فضل عدم ذكر اسمه، قال: “في غالبية محافظات الصعيد، تجد أن مركزاً كاملاً به عدد سكان قد يصل إلى نصف مليون نسمة، ليس لديه سوى مستشفى حكومي واحد يقدم الخدمات الطبية، وعدد من الوحدات الصحية المتهالكة داخل القرى، التي لا يعمل معظمها، ولا يحوي أية تجهيزات طبية لاستقبال المرضى، وبالتالي فإن اعتماد السكان الأساسي يكون على هذا المستشفى، بالإضافة إلى المستشفى العام والجامعي في المحافظة، وهي تخدم بدورها جميع سكان المحافظة، الذين قد يصل عددهم إلى 6 مليون نسمة، كما هو الحال في محافظة المنيا على سبيل المثال”. 

هذا يعني أنه في حال نقل إدارة المستشفى العام التابع للمركز أو المحافظة، سيكون هناك عدد ضخم من السكان بلا خدمات طبية عامة، ويقول الطبيب الشاب ( 28 عاماً) الذي يعمل في محافظة المنيا “إن معظم سكان المحافظة من الفقراء، ولا يملكون تأميناً صحياً، ويقطعون مسافات طويلة من القرى للوصول إلى المستشفيات، وهم لا يستطيعون تحمل تكلفة إجراء العمليات الجراحية والتحليلات والفحوصات في المشافي الخاصة”، ووفقاً لوزير الصحة فإن “الإنفاق الشخصي يُمثل نحو 62% من إجمالي الإنفاق على الصحة”.

وتستحوذ المستشفيات الحكومية على النسبة الأكبر من الأسرة العلاجية في مصر، بواقع 83 ألف سرير، في حين لا يملك القطاع الخاص سوى 34.5 ألف سرير، ويُعاني القطاع الطبي من فجوة كبيرة بين عدد الأسرة المتاحة في المستشفيات وحجم الطلب، وتملك مصر متوسط 1.1 سرير لكل ألف مواطن، وهي نسبة منخفضة مقارنة بالمتوسط العالمي، الذي يقدر بنحو 2.7 سرير لكل ألف مواطن.

ومن المعروف أن القطاع الصحي من القطاعات الاستراتيجية في أي دولة، وقد ظهرت أهميته خلال جائحة “كورونا”، وأدركت معظم دول العالم ضرورة زيادة حجم قطاع الرعاية الصحية، من خلال زيادة الإنفاق العام.

 وقد ظهرت الأزمة جلية في مصر خلال ذروة الجائحة، واستغلت المستشفيات الخاصة الأزمة وارتفاع الطلب على غرف العزل، وقامت بزيادة الأسعار بأكثر من 300%، ورفضت التسعيرة التي حددتها وزارة الصحة، ولم تلتزم بها، وطرحت أسعاراً مضاعفة للسعر الذي حددته الدولة، حتى أن سعر العزل بالقسم الداخلي وصل إلى 18 ألف جنيه، و25 ألف جنيه في الرعاية لليوم الواحد، وبالإضافة إلى الاستغلال والتربح من الأزمة، فقد أظهرت الجائحة انخفاض كفاءة القطاع الخاص الطبي وضعف قدرته على التعامل مع الأزمات، مما يجعل فكرة منحه إدارة المستشفيات العامة مغامرة محفوفة بالمخاطر.

التهرب من التزامات قطاع الصحة 

خلال السنوات الأخيرة سعت الحكومة للتهرب من مسؤوليتها، عبر خفض الإنفاق العام على الخدمات المقدمة للمواطنين والتخلي عن دورها، وهو ما نلاحظه عند النظر إلى نسبة الإنفاق على الصحة، وبحسب بيانات وزارة المالية، تبلغ مخصصات قطاع الصحة في مشروع موازنة العام المالي المقبل 2024/ 2025 نحو 200 مليار جنيه فقط، ما يُمثل 1.17% من الناتج المحلي البالغ 17.1 تريليون جنيه، وهو ما يتعارض مع النسبة المحددة دستورياً، حيث يُلزم الدستور المصري الحكومة بتخصيص 3% من إجمالي الناتج القومي للإنفاق على الصحة، في المادة 18، على أن تتصاعد هذه النسبة تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية.

وقد أجرت الحكومة المصرية تعديلاً قانونياً، يسمح لها بتوسيع معنى الإنفاق على الصحة والتلاعب به، لإظهار التزامها بالاستحقاق الدستوري للصحة، بدون الالتزام به فعلياً، وذلك من خلال تضخيم مخصصات الصحة وزيادتها ورقياً فقط، وإضافة بنود إنفاق بشكل مباشر أو غير مباشر، تضم إنفاق العديد من المؤسسات التي تقدم خدمة رعاية صحية، مثل مستشفيات الشرطة والدفاع والأزهر والتأمين الصحي الشامل، بالرغم من أن هذه الجهات لديها موازنتها الخاصة، وليست ضمن الموازنة العامة للدولة، كما تُحمل الحكومة القطاع الطبي جزءاً من فوائد الديون الحكومية، وتضع الإنفاق على مياه الشرب والصرف الصحي ضمن الإنفاق على الصحة.

انعكس انخفاض الإنفاق العام على القطاع الطبي بشكل واضح، وتكشف البيانات الحكومية، أن عدد الأسرة في المستشفيات الحكومية، انخفض من 98 ألف سرير في عام 2014 إلى 83 ألف سرير في 2021، وذلك بدلاً من رفع عدد الأسرة ليجاري الزيادة المزمنة في عدد السكان، حيث ارتفع عدد السكان بنحو 12 مليون نسمة خلال الفترة نفسها، والجدير بالذكر أن عدد الأسرة في مستشفيات القطاع الخاص، ارتفع من 26 ألف سرير في 2014 إلى 34.5 سرير في عام 2021.

وبدلاً من السعي لتصفية القطاع العام والانسحاب من تقديم الخدمات، يجب على الحكومة الالتزام بالنسب المقررة دستورياً، من خلال رفع مخصصات الصحة في الميزانية العامة، ورفع كفاءة خدمة الرعاية الصحية التي يعتمد عليها أغلبية المواطنين، مع إنشاء مستشفيات جديدة، وزيادة عدد الأسّرة في المستشفيات العامة، حتى تصل إلى النسب العالمية، وحتى إذا كانت ستتجه لنقل إدارة المنشآت العامة إلى المستثمرين، فينبغي أن تكون العملية شفافة ومُعلنة، مع وضع آليات تسعير واضحة، تضمن عدم إضافة المزيد من الأعباء على المواطنين من منخفضي الدخل، والأهم تعزيز الدور الرقابي لضمان حماية حق المواطن في الصحة.

10.06.2024
زمن القراءة: 8 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية