fbpx

“لايدي غزة” أو الحالة الغريبة لريما حسن !

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أثارت ريما حسن المرشحة الفرنسية من أصول فلسطينيّة للانتخابات الأوروبية، موجة جدل عارم داخل فرنسا، سواء ضمن الساحة السياسية الفرنسية، أو بين أوساط اللاجئين؛ خصوصاً السوريين، على الرغم من موقفها النبيل والشجاع من الحرب، التي يشنها الجيش الإسرائيلي على غزّة، اختارت زيارة سوريا في لحظة تشكل تهديداً للاجئين في أوروبا، مع تزايد مخاوفهم من التطبيع مع النظام السوريّ.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تعددت  الألقاب التي أطلقها اليمين الفرنسي على ريما حسن، الفرنسية من أصول فلسطينية، المولودة في مخيم النيرب في سوريا، فهي “لادي غزة-Lady Gaza” و”ملهمة الميلانشونيين”، نسبة إلى جان لوك ميلونشون رئيس حزب “فرنسا الأبيّة”، المعروف بميوله البوتينيّة، وموقفه المريب من نظام الأسد.

ريما حسن، التي سطع نجمها في فرنسا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم تتردد أبداً في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، تقولها بوضوح،  ما يحصل في غزة “إبادة جماعيةّ”، وقادت مظاهرة أمام قناة فرنسا الأولى TF1، حين استقبلت بنيامين نتنياهو مؤخراً، وسبق أن اتهمت بمعاداة السامية، واستدعيت إلى الشرطة للتحقيق معها بتهمة “محاباة الإرهاب”.

ريما حسن، وحزب “فرنسا الأبية” من الأصوات السياسية القليلة، التي وقفت بوضوح إلى جانب الحق الفلسطينيّ في أوروبا، في ظل التأييد التام لإسرائيل في أغلب دول القارة العجوز ، فـألمانيا مثلاً “أمنها من أمن إسرائيل” حسب تعبير المستشار شولتز، لكن ما يهمنا أن ريما حسن ناشطة ومرشحة للبرلمان الأوروبي، وكأي شخصية اختارت أن تكون في العلن، لا شيء مجاني في تصرفاتها وكلامها وحتى لباسها، كل شيء محسوب (نظرياً) وذو معنى ودلالة.

عاشت ريما حسن في سوريا حتى سن العاشرة، ثم غادرت إلى فرنسا، تحمل وثيقة سفر سورية والجنسية الفرنسية، وتقول في مقابلة عام 2022 أنها “توقفت عن الكلام بالعربية بمجرد دخولها المدرسة الفرنسيّة كوسيلة للنجاة”، لكن ذلك لم يمنعها من الظهور على قناة الميادين والتحدث بالفرنسية عن الحرب على غزّة.

نذكر تفصيل اللغة بالذات، لأن أحد أساليب الإطراء على ريما حسن هو “إتقانها الفرنسيّة” وكأن ذلك ليس نتيجة منطقية للحياة في فرنسا! بل نصر من نوع ما، لكن اللافت في هذا “المديح”، أنه يرسخ النظرة المتعالية التي يوظفها الفرنسيون ضد المهاجرين، سواء كانوا يتقنون الفرنسية أو لا.

تتلخص هذه النظرة بعبارة الإطراء اليوميّة: “آه أنت تتحدث الفرنسية بصورة جيدة!”.

موقف ريما حسن  في فرنسا من الحرب على غزة لا غبار عليه، واستفزت الجيش الإسرائيلي إلى حد أنه كتب اسمها على أحد صواريخ، التي تقصف بها غزة، وتعرضت لتهديدات عديدة، نشرتها تباعاً على وسائل التواصل الاجتماعي،  ناهيك بزياراتها السابقة لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان، والأخطر، سوريا، إذ زارت مخيم النيرب في حلب هذا العام، وهذا بالضبط محط السؤال لاحقاً.

شكلت ريما حسن وجبة دسمة لليمين الفرنسي، الذي لم يقصّر في انتقادها والتشكيك بفرنسيتها، كذلك أنصار إسرائيل الذين لم يتهاونوا في تهديدها وشتمها، كما  تحولت إلى صوت الممانعين من جهة ( مقابلة قناة الميادين)،  وصوت اليسار المتطرف ونقصد هنا “فرنسا الأبية”، الذي شكّل نوابه العلم الفلسطيني بثيابهم في إحدى جلسات البرلمان.

في الجلسة ذاتها، رفعت النائبة راشيل كيكة (Rachel Keke) علم فلسطين، ما عرضها للعقوبة، لكن النائبة نفسها شاركت عام 2018، منشوراً شائناً، يدعو صراحة إلى تأييد بشار الأسد ودعمه ضد “المتوحشين، فرنسا، والولايات المتحدة، وإنكلترا”.

أطياف بلاغة المؤامرة

الاتهامات جاهزة في حال حاولنا انتقاد ريما حسن، خصوصاً أننا في عالم قائم على “السكرين شوتس” وصور “الانستغرام” التي تحولت إلى مواقف سياسية، واقتباسات و”ريلات” من هنا وهناك، تظهر في خطاب اليمين المتطرف والمدافعين عن ريما حسن على حد سواء.

ما سبق يعني أن المحاولات البلاغية لانتقاد ريما حسن، كشخصية سياسية علنية، سنتهم إثرها مباشرة بالانتماء إلى اليمين المتطرف، التصهين، التشكيك بالحق الفلسطيني، مفاضلة الضحايا (سوري-فلسطيني) وكل مراوغة للإشارة إلى زيارة ريما حسن لسوريا، ستنتهي بالتخوين والاتهام ومصادرة الحق السوري على حساب الفلسطيني، أو مصادرة الحق الشخصي بزيارة الأهل على حساب المحرومين من هذه الزيارة. 

اتهمت ريما حسن بالغموض حين سؤالها عن النظام السوري، وقال البعض عكس ذلك، إذ لفظت كلمة “ثورة” في المقطع الشهير المقتطع من مقابلة على تلفزيون BFM الفرنسي اليميني الشعبوي.

تظهر ريما في إجابتها متلكئة وترى النظام السوري “إشكالياً” وطبعاً هناك “داعش”، البعبع الذي يخيف أوروبا، و”أنهم (أي فرنسا) لم يفهموا الثورة السوريّة وحيثياتها”، وأن “عمرها حينها كان 20 عاماً!”، و”أن بشار الأسد ظهر كمحارب داعش” وتؤكد أن “هذا خطأ”  (بين 20:06 و21:24).

 المواربة التي تبنتها ريما حسن لم تكن مقنعة، خصوصاً أنها عملت في محكمة اللجوء وتخرجت من السوربون 1 عام 2016، حينها كانت الجامعة ذاتها ترحب بجموع  اللاجئين السوريين، ناهيك بأن المظاهرات لم تهدأ في العاصمة الفرنسية ضد نظام الأسد، وبسن العشرين حينها، كان الطلاب الفرنسيون إلى جانب السوريين، فهل كان عمرهم حينها غير كاف لتكوين موقف!

مظاهرة في باريس مواجهة بلدية باريس عام 2016

ردت ريما حسن في منشور ساخر على من يتهمها بعدم الحديث عن النظام السوري، إذ شاركت منشوراً عن نقاش أدارته حول فيلم “فلسطين الصغيرة -يوميات الحصار”، لكن ليست هكذا المواقف السياسية!.

ريما حسن و”الشرق الأوسط الآمن”

اختارت ريما حسن “النضال” لأجل القضية الفلسطينية في فرنسا وأوروبا، وهو خيار إشكالي وخطر في ظل الحرب الحاليّة، قد يصل حد القضاء كما حصل معها، لكن في الشرق الأوسط، أو الدول المحيطة بإسرائيل، هو الخيار الأشد أماناً.

 لا أحد في المنطقة ضد الحق الفلسطيني  على المستوى الشعبي، لكن الإشكالية تكمن في حكم الميلشيات والديكتاتوريات، التي جميعها عمدت إلى استغلال القضية الفلسطينيّة، بل وقتل الفلسطينيين أنفسهم في مخيماتهم، وبسبب تركيبة المنطقة، من يقفون إلى جانب الحق الفلسطيني وضد الميليشيات، أقليّة، صوتها مهدد دوماً، والأهم، وهنا نؤوّل، لا مصالح سياسية آنية ذات أثر في أوروبا يمكن الاستفادة من استمالتها.

الإشكالية تكمن أن ريما حسن، اختارت زيارة مخيم النيرب في سوريا، في لحظة شديدة الحساسية، وبعد تعرضها لتهديدات في فرنسا، حيث لم تعد تشعر بالأمان، فاختارت “بعد عشرين عاماً من الحنين” زيارة المخيم.

هنا تلخيص سريع عن أخبار مخيم النيرب في الأعوام الماضية، قصف بالبراميل عام 2016، وقصف بـ”الخطأ” عام 2019 من قبل إيران، ناهيك بعمليات الابتزاز الذي يتعرض لها سكان المخيم من قبل النظام السوري منذ عام 2021، ووجود لواء القدس الذي يقاتل إلى جانب النظام السوري، ويحاكم أحد أعضائه في هولندا بتهمة ارتكاب جرائم حرب منذ العام الماضي.

صورة من احتفال لواء القدس في مخيم النيرب بيوم القدس عام 2022- قناة المنار 

كل ما سبق لا علاقة له بالقضية الفلسطينية والحق الفلسطينيّ، الموضوع سياسي يتعلق بالنظام السوري، فسوريا “بلد ليس آمناً لعودة اللاجئين” هذا آخر بيان صدر العام الماضي عن “هيومان راتيش واتش” بعد مقترح أوروبي لإعلان مناطق من سوريا كـ”آمنة”، وهذا بالضبط الإشكالي في زيارة ريما حسن بعد “20 عاماً من المنفى” حسب تعبيرها في منشور “الانستغرام” الذي توثق فيه زيارتها.

هذه الزيارة، لا يمكن إلا أن نقارنها بزيارات الرحالة والمؤثرين إلى سوريا التي يستفيد منها النظام لـ”تطبيع الحياة” في سوريا وتبييض صفحته، خصوصاً أن ريما نشرت صوراً “سياحيّة” على حسابها على “انستغرام”، وإمعاناً في الابتزاز العاطفي للسوريين، (ربما لم تقصد) نشرت صور ياسمين!

 أليست هذه الصورة  سخرية ممن يحملون وثيقة سفر فرنسية، أي لاجئين، ومحرومين من دخول سوريا؟ والأهم، هل يترك نظام الأسد هكذا شخصية مثلها تدخل الأراضي السوريّة بكل ترحاب من دون أي سؤال؟! ومن دون توظيفها ضمن سردية “سوريا الآمنة؟”.

الأهم، لا حرمان لأحد من حقه بزيارة أهله في سوريا، ومن استطاع تفادي كل المخاطر، حقه كإنسان أن يهبط في سوريا الأسد، وينال من العاطفة ما حرم منه في المنفى، لكن، استعراض الزيارة هو الإشكالي، لماذا؟

لأن الملايين عاجزون عن العودة ومهددون بالقتل، ولأن اليمين المتطرف في بعض الدول الأوربية، يستفيد من هذه “الزيارات” من أجل إعلان سوريا منطقة آمنة، ولا بد من إعادة اللاجئين، وهذه بالضبط خطورة زيارة ريما حسن، هي تهدد من هم مثلها أيضاً، لاجئون!

خيار ريما حسن شديد الأمان في ما يخص علاقتها بالشرق الأوسط، لم تقترب من الأسد، وتبنت القضية الفلسطينية في لحظة شديدة الأهمية، بل وبحاجة لوجودها، لكن ألا يعيدنا ذلك إلى ما قبل 2011، ونقصد أن شعوب الشرق الأوسط تحملت الديكتاتورية والقمع  لأجل القضيّة! بعد 2011 لم يتنازل أحد عن القضية (وهنا تعميم)، لكن  أصبح واضحاً، أن المليشيات التي تحكم وتحمل السلاح لأجل “القضيّة”، أصبحت تقتلنا!، وهنا، الغزي والسوري والعراقي واللبناني واليمنيّ سواء.

أن تعيش بأمان وأن تشعر بالأمان

تكرر ريما حسن أنها لاجئة فلسطينيّة، ووصلت إلى فرنسا طفلة ونالت الجنسية الفرنسية، هوية اللجوء لم تنفصل عنها، على رغم “اندماجها” في المجتمع الفرنسي، فالاندماج بالنسبة لها “يجب اختباره ومعايشته لا فرضه”، وربما هذا ما يبرر تراجعها بعمر العاشرة عن استخدام اللغة العربية.

تعرضت ريما للتهديد، إلى حد قولها أنها اضطرت إلى مغادرة فرنسا لفترة، كون عنوان منزلها في فرنسا انتشر للعلن، أي “الأمان” المفترض أن توفره فرنسا لمواطنيها ولاجئيها، لم تعد تشعر ريما بأنها تتمتع به، والحل، زيارة الأردن أو سوريا الأسد، التي نظرياً، هي المكان الأشد أمناً لكل من يتبنى خطاب الممانعة، أو على الأقل لا يمسّ الأسد وميليشات المنطقة.

المفارقة أن ريما حسن تركت فرنسا لأنها “لا تشعر بأمان”، لكن السوريين والفلسطينيين السوريين هربوا من سوريا لأنهم “لا يعيشون بأمان”، الإحساس شأن ثانوي أمام حقيقة ما يحصل في سوريا، المؤثرون الذين يزورون سوريا “يشعرون  بالأمان” حين زيارتها، الأمر ذاته مع براد بيت وأنجلينا جولي عام 2009، لكن سكان مخيم النيرب أنفسهم “لا يعيشون بأمان” تحت حكم الأسد.

يبدو  لريما حسن، أن سوريا ليست واحدة من محطات اللجوء، مخيم النيرب شأن نوستالجي، طفولي، تحنّ إليه،  هويتها كلاجئة في فرنسا تبدأ من حكاية اللجوء الأقدم، النكبة، ثم فرنسا، ثم الحصول على الجنسية الفرنسيّة، تزور سورياً حنيناً، ولـ”تشعر بالأمان”، الشعور  الذي هددت وجوده لدى اللاجئين السوريين المقيمين في فرنسا.

08.06.2024
زمن القراءة: 7 minutes

أثارت ريما حسن المرشحة الفرنسية من أصول فلسطينيّة للانتخابات الأوروبية، موجة جدل عارم داخل فرنسا، سواء ضمن الساحة السياسية الفرنسية، أو بين أوساط اللاجئين؛ خصوصاً السوريين، على الرغم من موقفها النبيل والشجاع من الحرب، التي يشنها الجيش الإسرائيلي على غزّة، اختارت زيارة سوريا في لحظة تشكل تهديداً للاجئين في أوروبا، مع تزايد مخاوفهم من التطبيع مع النظام السوريّ.

تعددت  الألقاب التي أطلقها اليمين الفرنسي على ريما حسن، الفرنسية من أصول فلسطينية، المولودة في مخيم النيرب في سوريا، فهي “لادي غزة-Lady Gaza” و”ملهمة الميلانشونيين”، نسبة إلى جان لوك ميلونشون رئيس حزب “فرنسا الأبيّة”، المعروف بميوله البوتينيّة، وموقفه المريب من نظام الأسد.

ريما حسن، التي سطع نجمها في فرنسا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم تتردد أبداً في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، تقولها بوضوح،  ما يحصل في غزة “إبادة جماعيةّ”، وقادت مظاهرة أمام قناة فرنسا الأولى TF1، حين استقبلت بنيامين نتنياهو مؤخراً، وسبق أن اتهمت بمعاداة السامية، واستدعيت إلى الشرطة للتحقيق معها بتهمة “محاباة الإرهاب”.

ريما حسن، وحزب “فرنسا الأبية” من الأصوات السياسية القليلة، التي وقفت بوضوح إلى جانب الحق الفلسطينيّ في أوروبا، في ظل التأييد التام لإسرائيل في أغلب دول القارة العجوز ، فـألمانيا مثلاً “أمنها من أمن إسرائيل” حسب تعبير المستشار شولتز، لكن ما يهمنا أن ريما حسن ناشطة ومرشحة للبرلمان الأوروبي، وكأي شخصية اختارت أن تكون في العلن، لا شيء مجاني في تصرفاتها وكلامها وحتى لباسها، كل شيء محسوب (نظرياً) وذو معنى ودلالة.

عاشت ريما حسن في سوريا حتى سن العاشرة، ثم غادرت إلى فرنسا، تحمل وثيقة سفر سورية والجنسية الفرنسية، وتقول في مقابلة عام 2022 أنها “توقفت عن الكلام بالعربية بمجرد دخولها المدرسة الفرنسيّة كوسيلة للنجاة”، لكن ذلك لم يمنعها من الظهور على قناة الميادين والتحدث بالفرنسية عن الحرب على غزّة.

نذكر تفصيل اللغة بالذات، لأن أحد أساليب الإطراء على ريما حسن هو “إتقانها الفرنسيّة” وكأن ذلك ليس نتيجة منطقية للحياة في فرنسا! بل نصر من نوع ما، لكن اللافت في هذا “المديح”، أنه يرسخ النظرة المتعالية التي يوظفها الفرنسيون ضد المهاجرين، سواء كانوا يتقنون الفرنسية أو لا.

تتلخص هذه النظرة بعبارة الإطراء اليوميّة: “آه أنت تتحدث الفرنسية بصورة جيدة!”.

موقف ريما حسن  في فرنسا من الحرب على غزة لا غبار عليه، واستفزت الجيش الإسرائيلي إلى حد أنه كتب اسمها على أحد صواريخ، التي تقصف بها غزة، وتعرضت لتهديدات عديدة، نشرتها تباعاً على وسائل التواصل الاجتماعي،  ناهيك بزياراتها السابقة لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان، والأخطر، سوريا، إذ زارت مخيم النيرب في حلب هذا العام، وهذا بالضبط محط السؤال لاحقاً.

شكلت ريما حسن وجبة دسمة لليمين الفرنسي، الذي لم يقصّر في انتقادها والتشكيك بفرنسيتها، كذلك أنصار إسرائيل الذين لم يتهاونوا في تهديدها وشتمها، كما  تحولت إلى صوت الممانعين من جهة ( مقابلة قناة الميادين)،  وصوت اليسار المتطرف ونقصد هنا “فرنسا الأبية”، الذي شكّل نوابه العلم الفلسطيني بثيابهم في إحدى جلسات البرلمان.

في الجلسة ذاتها، رفعت النائبة راشيل كيكة (Rachel Keke) علم فلسطين، ما عرضها للعقوبة، لكن النائبة نفسها شاركت عام 2018، منشوراً شائناً، يدعو صراحة إلى تأييد بشار الأسد ودعمه ضد “المتوحشين، فرنسا، والولايات المتحدة، وإنكلترا”.

أطياف بلاغة المؤامرة

الاتهامات جاهزة في حال حاولنا انتقاد ريما حسن، خصوصاً أننا في عالم قائم على “السكرين شوتس” وصور “الانستغرام” التي تحولت إلى مواقف سياسية، واقتباسات و”ريلات” من هنا وهناك، تظهر في خطاب اليمين المتطرف والمدافعين عن ريما حسن على حد سواء.

ما سبق يعني أن المحاولات البلاغية لانتقاد ريما حسن، كشخصية سياسية علنية، سنتهم إثرها مباشرة بالانتماء إلى اليمين المتطرف، التصهين، التشكيك بالحق الفلسطيني، مفاضلة الضحايا (سوري-فلسطيني) وكل مراوغة للإشارة إلى زيارة ريما حسن لسوريا، ستنتهي بالتخوين والاتهام ومصادرة الحق السوري على حساب الفلسطيني، أو مصادرة الحق الشخصي بزيارة الأهل على حساب المحرومين من هذه الزيارة. 

اتهمت ريما حسن بالغموض حين سؤالها عن النظام السوري، وقال البعض عكس ذلك، إذ لفظت كلمة “ثورة” في المقطع الشهير المقتطع من مقابلة على تلفزيون BFM الفرنسي اليميني الشعبوي.

تظهر ريما في إجابتها متلكئة وترى النظام السوري “إشكالياً” وطبعاً هناك “داعش”، البعبع الذي يخيف أوروبا، و”أنهم (أي فرنسا) لم يفهموا الثورة السوريّة وحيثياتها”، وأن “عمرها حينها كان 20 عاماً!”، و”أن بشار الأسد ظهر كمحارب داعش” وتؤكد أن “هذا خطأ”  (بين 20:06 و21:24).

 المواربة التي تبنتها ريما حسن لم تكن مقنعة، خصوصاً أنها عملت في محكمة اللجوء وتخرجت من السوربون 1 عام 2016، حينها كانت الجامعة ذاتها ترحب بجموع  اللاجئين السوريين، ناهيك بأن المظاهرات لم تهدأ في العاصمة الفرنسية ضد نظام الأسد، وبسن العشرين حينها، كان الطلاب الفرنسيون إلى جانب السوريين، فهل كان عمرهم حينها غير كاف لتكوين موقف!

مظاهرة في باريس مواجهة بلدية باريس عام 2016

ردت ريما حسن في منشور ساخر على من يتهمها بعدم الحديث عن النظام السوري، إذ شاركت منشوراً عن نقاش أدارته حول فيلم “فلسطين الصغيرة -يوميات الحصار”، لكن ليست هكذا المواقف السياسية!.

ريما حسن و”الشرق الأوسط الآمن”

اختارت ريما حسن “النضال” لأجل القضية الفلسطينية في فرنسا وأوروبا، وهو خيار إشكالي وخطر في ظل الحرب الحاليّة، قد يصل حد القضاء كما حصل معها، لكن في الشرق الأوسط، أو الدول المحيطة بإسرائيل، هو الخيار الأشد أماناً.

 لا أحد في المنطقة ضد الحق الفلسطيني  على المستوى الشعبي، لكن الإشكالية تكمن في حكم الميلشيات والديكتاتوريات، التي جميعها عمدت إلى استغلال القضية الفلسطينيّة، بل وقتل الفلسطينيين أنفسهم في مخيماتهم، وبسبب تركيبة المنطقة، من يقفون إلى جانب الحق الفلسطيني وضد الميليشيات، أقليّة، صوتها مهدد دوماً، والأهم، وهنا نؤوّل، لا مصالح سياسية آنية ذات أثر في أوروبا يمكن الاستفادة من استمالتها.

الإشكالية تكمن أن ريما حسن، اختارت زيارة مخيم النيرب في سوريا، في لحظة شديدة الحساسية، وبعد تعرضها لتهديدات في فرنسا، حيث لم تعد تشعر بالأمان، فاختارت “بعد عشرين عاماً من الحنين” زيارة المخيم.

هنا تلخيص سريع عن أخبار مخيم النيرب في الأعوام الماضية، قصف بالبراميل عام 2016، وقصف بـ”الخطأ” عام 2019 من قبل إيران، ناهيك بعمليات الابتزاز الذي يتعرض لها سكان المخيم من قبل النظام السوري منذ عام 2021، ووجود لواء القدس الذي يقاتل إلى جانب النظام السوري، ويحاكم أحد أعضائه في هولندا بتهمة ارتكاب جرائم حرب منذ العام الماضي.

صورة من احتفال لواء القدس في مخيم النيرب بيوم القدس عام 2022- قناة المنار 

كل ما سبق لا علاقة له بالقضية الفلسطينية والحق الفلسطينيّ، الموضوع سياسي يتعلق بالنظام السوري، فسوريا “بلد ليس آمناً لعودة اللاجئين” هذا آخر بيان صدر العام الماضي عن “هيومان راتيش واتش” بعد مقترح أوروبي لإعلان مناطق من سوريا كـ”آمنة”، وهذا بالضبط الإشكالي في زيارة ريما حسن بعد “20 عاماً من المنفى” حسب تعبيرها في منشور “الانستغرام” الذي توثق فيه زيارتها.

هذه الزيارة، لا يمكن إلا أن نقارنها بزيارات الرحالة والمؤثرين إلى سوريا التي يستفيد منها النظام لـ”تطبيع الحياة” في سوريا وتبييض صفحته، خصوصاً أن ريما نشرت صوراً “سياحيّة” على حسابها على “انستغرام”، وإمعاناً في الابتزاز العاطفي للسوريين، (ربما لم تقصد) نشرت صور ياسمين!

 أليست هذه الصورة  سخرية ممن يحملون وثيقة سفر فرنسية، أي لاجئين، ومحرومين من دخول سوريا؟ والأهم، هل يترك نظام الأسد هكذا شخصية مثلها تدخل الأراضي السوريّة بكل ترحاب من دون أي سؤال؟! ومن دون توظيفها ضمن سردية “سوريا الآمنة؟”.

الأهم، لا حرمان لأحد من حقه بزيارة أهله في سوريا، ومن استطاع تفادي كل المخاطر، حقه كإنسان أن يهبط في سوريا الأسد، وينال من العاطفة ما حرم منه في المنفى، لكن، استعراض الزيارة هو الإشكالي، لماذا؟

لأن الملايين عاجزون عن العودة ومهددون بالقتل، ولأن اليمين المتطرف في بعض الدول الأوربية، يستفيد من هذه “الزيارات” من أجل إعلان سوريا منطقة آمنة، ولا بد من إعادة اللاجئين، وهذه بالضبط خطورة زيارة ريما حسن، هي تهدد من هم مثلها أيضاً، لاجئون!

خيار ريما حسن شديد الأمان في ما يخص علاقتها بالشرق الأوسط، لم تقترب من الأسد، وتبنت القضية الفلسطينية في لحظة شديدة الأهمية، بل وبحاجة لوجودها، لكن ألا يعيدنا ذلك إلى ما قبل 2011، ونقصد أن شعوب الشرق الأوسط تحملت الديكتاتورية والقمع  لأجل القضيّة! بعد 2011 لم يتنازل أحد عن القضية (وهنا تعميم)، لكن  أصبح واضحاً، أن المليشيات التي تحكم وتحمل السلاح لأجل “القضيّة”، أصبحت تقتلنا!، وهنا، الغزي والسوري والعراقي واللبناني واليمنيّ سواء.

أن تعيش بأمان وأن تشعر بالأمان

تكرر ريما حسن أنها لاجئة فلسطينيّة، ووصلت إلى فرنسا طفلة ونالت الجنسية الفرنسية، هوية اللجوء لم تنفصل عنها، على رغم “اندماجها” في المجتمع الفرنسي، فالاندماج بالنسبة لها “يجب اختباره ومعايشته لا فرضه”، وربما هذا ما يبرر تراجعها بعمر العاشرة عن استخدام اللغة العربية.

تعرضت ريما للتهديد، إلى حد قولها أنها اضطرت إلى مغادرة فرنسا لفترة، كون عنوان منزلها في فرنسا انتشر للعلن، أي “الأمان” المفترض أن توفره فرنسا لمواطنيها ولاجئيها، لم تعد تشعر ريما بأنها تتمتع به، والحل، زيارة الأردن أو سوريا الأسد، التي نظرياً، هي المكان الأشد أمناً لكل من يتبنى خطاب الممانعة، أو على الأقل لا يمسّ الأسد وميليشات المنطقة.

المفارقة أن ريما حسن تركت فرنسا لأنها “لا تشعر بأمان”، لكن السوريين والفلسطينيين السوريين هربوا من سوريا لأنهم “لا يعيشون بأمان”، الإحساس شأن ثانوي أمام حقيقة ما يحصل في سوريا، المؤثرون الذين يزورون سوريا “يشعرون  بالأمان” حين زيارتها، الأمر ذاته مع براد بيت وأنجلينا جولي عام 2009، لكن سكان مخيم النيرب أنفسهم “لا يعيشون بأمان” تحت حكم الأسد.

يبدو  لريما حسن، أن سوريا ليست واحدة من محطات اللجوء، مخيم النيرب شأن نوستالجي، طفولي، تحنّ إليه،  هويتها كلاجئة في فرنسا تبدأ من حكاية اللجوء الأقدم، النكبة، ثم فرنسا، ثم الحصول على الجنسية الفرنسيّة، تزور سورياً حنيناً، ولـ”تشعر بالأمان”، الشعور  الذي هددت وجوده لدى اللاجئين السوريين المقيمين في فرنسا.

08.06.2024
زمن القراءة: 7 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية