fbpx

لماذا يعتقد نتانياهو أن الـ”ترانسفير” ممكنٌ؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نحن أمام حكومة إسرائيلية لا تتوانى عما يفوق ما ترتكبه اليوم في غزة. ما يجري في الضفة الغربية ليس بعيداً عما يجري في غزة، وهنا علينا أن ندقق بـ”الهلع” الأردني حيال ما يجري هناك.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 لم يعد الـ”ترانسفير” أحد احتمالات الحرب التي علينا رصدها في أداء الجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة، فهو الآن خيار واضح لبنيامين نتانياهو. هذا لا يعني طبعاً أن حكومة اليمين المتطرف ستنجح فيه، لكنها باشرت خطوات عملية باتجاهه. من غير الواضح حتى الآن، ما إذا كانت إسرائيل ستدفع بعملية تهجير لكل سكان قطاع غزة أم أنه سيقتصر على أهل شمال القطاع، ولم يتضح بعد أيضاً ما إذا كان “نقلاً” لهؤلاء السكان إلى جنوب غزة أم أنه سيرسلهم إلى سيناء!

هذا أخطر ما تنطوي عليه الحرب على غزة. فقد استيقظ خطاب الـ”ترانسفير” الأول. تذكير الفلسطينيين بـ”النكبة”، والتي وردت على ألسن الكثير من المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، لا يعني إلا أن الـ”ترانسفير” هو جزء من خطة الحرب. 

فـ”النكبة” في الخطاب التاريخي الإسرائيلي هي طرد (نقل، بحسب المصطلح الإسرائيلي) الفلسطينيين من بلادهم، لكن الأخطر هو ما ورد على لسان مسؤول أميركي، إذ قال لرويترز إن “واشنطن لن تقف إلى جانب نقل لسكان القطاع إلى خارجه”، وهنا تحضر الدقة في اللغة الديبلوماسية، فـ”لن تقف إلى جانب الخطوة”، لا تعني أنها ستقاومها. واللافت هنا، هو اعتماد تعبير “نقل” بدل طرد أو تهجير، في التصريح الأميركي!

في الـ”ترانسفير” الأول، كان موقع الانتداب البريطاني مشابهاً تماماً لموقع واشنطن من هذا الارتكاب. لطالما حرص البريطانيون في حينها على القول إنهم مع إقامة دولة إسرائيلية، لكنهم ضد ترحيل السكان المحليين.

وما يدعو إلى مزيد من الريبة أن مراجعات أجراها مؤرخون يساريون مثل بيني موريس، اعترفوا خلالها بـ”السقطة الأخلاقية” المتمثلة بقرار الترانسفير، عادوا وتراجعوا عنها بعد الانتفاضة الثانية، وباشروا خطاب “استحالة التعايش”. فإذا كان هذا شأن يساريين، فما بالك برجل مثل نتانياهو قادم من التقليد الجابوتنسكي، الذي لا يعترف بالفلسطينيين كشعب يستحق دولة. 

على كل حال، نحن نشهد على خطوات ميدانية لا يمكن تفسيرها إلا في سياق هذا المشروع. تسوية مدن وبلدات شمال القطاع بالأرض يهدف، بين ما يهدف، إلى جعل كل مناطق الشمال وصولاً إلى مدينة غزة مناطق غير صالحة للسكن، لا بل غير صالحة للعودة. اللغة الرسمية الإسرائيلية التي تحرص على ألا تميز بين المدنيين وغير المدنيين، تهدف أيضاً إلى تمرير “طرد نهائي للسكان”. والحديث عن مقايضة الديون بالنازحين في مصر عاد أيضاً. 

تذكير الفلسطينيين بـ”النكبة”، والتي وردت على ألسن الكثير من المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، لا يعني إلا أن الـ”ترانسفير” هو جزء من خطة الحرب.

نحن أمام حكومة إسرائيلية لا تتوانى عما يفوق ما ترتكبه اليوم في غزة. ما يجري في الضفة الغربية ليس بعيداً عما يجري في غزة، وهنا علينا أن ندقق بـ”الهلع” الأردني حيال ما يجري هناك. فتغول المستوطنين على سكان القطاع يعني تدفّقهم إلى الأردن، وهنا يلوح سيناريو أكثر خطورة من سيناريو الـ”ترانسفير” في غزة. المملكة تعتبر أن طموحات الـ”ترانسفير” إلى شرق نهر الأردن ستمثّل زلزالاً بالنسبة إليها. وقرار الأردن سحب سفيره من تل أبيب والطلب من الأخيرة عدم ارسال سفيرها إلى عمان، مؤشر إلى مستوى القلق الأردني، وخطاب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي التصعيدي وغير المسبوق في الأمم المتحدة مؤشر أيضاً إلى مستوى القلق. 

أما مصر، فالإسرائيليون يعتقدون أنها الخاصرة الرخوة التي يمكن أن تستجيب إلى حد ما بفعل ما تعانيه من أزمة اقتصادية، ومن مخاوف تتعلق بالصعود الإخواني في ظل تصدّر حماس، فهي لم تبدِ حتى الآن ما يدل على أن التوقعات الإسرائيلية في مكانها، وما زال الخطاب الرسمي فيها رافضاً لما تقترحه تل أبيب عليها.

وأمام سيناريو الـ”ترانسفير”، على المرء ألا يستبعد أن يكون فتح الجبهة الشمالية مصلحة إسرائيلية أيضاً، فيما تجري ضغوط غربية على إيران و”حزب الله” لعدم فتحها! فخطوة هائلة بحجم طرد أكثر من مليوني فلسطيني من غزة إلى مصر قد تحتاج إلى خلط كبير للأوراق، وتشتيت التركيز على ما يجري في القطاع، وربما استدراج “حزب الله” إلى حرب صواريخ يجري في ظلها تخفيف الضغوط الدولية عن جنوب الجبهة.

سيناريو الجبهة الشمالية مع لبنان يبقى في إطار التحليل والتوقع، أما سيناريو الـ”ترانسفير” في الجبهة الجنوبية فقد وُضع على سكة التنفيذ، وهو الآن قيد اختبارات ميدانية وسياسية، تتراوح بين “ترانسفير كبير” وآخر “صغير”، وبين ما إذا من الممكن تنفيذه على شكل تهجير إلى سيناء أم يبقى ضمن القطاع عبر منع سكان شمال القطاع من العودة إلى مناطقهم بعد انتهاء الحرب. 

يشعر نتانياهو أن الوقت مناسب لخطوة كهذه، ويرى أنها تنطوي على “إنجاز تاريخي” له، ولا يعنيه طبعاً البعد المأساوي لها. توظيف 7 تشرين الأول/ أكتوبر، واستحضار خطاب الضحية اليهودية، والاستثمار في “مزاج سياسي عربي” ضعيف الحساسية، لا بل عديمها، حيال الحق الفلسطيني، هذه العناصر كلها تم حشدها لتضلّل عملية اقتلاع جارية لسكان قطاع غزة.

الخطوة سبق أن اختُبرت ومُررت، ونتانياهو سليل خيار إسرائيلي قليل الحساسية حيال ما تخلفه، ويعتبر أن الـ”ترانسفير” الأول قصة نجاح لا بد من تكرارها. 

هذه القناعة هي ما جعلته يرفع خريطة إسرائيل من دون الأردن، وطبعاً من دون إسرائيل، وهي أيضاً ما دفعته الى أن يقول تعقيباً على “التطبيع مع دول الخليج”، إن الفلسطينيين لم يعودوا شرطاً للسلام مع العرب! وهو يعتقد أن استجابة أنظمة الخليج لهذا النوع من التطبيع، ستسهّل عليه تمرير الـ”ترانسفير”.   

02.11.2023
زمن القراءة: 4 minutes

نحن أمام حكومة إسرائيلية لا تتوانى عما يفوق ما ترتكبه اليوم في غزة. ما يجري في الضفة الغربية ليس بعيداً عما يجري في غزة، وهنا علينا أن ندقق بـ”الهلع” الأردني حيال ما يجري هناك.

 لم يعد الـ”ترانسفير” أحد احتمالات الحرب التي علينا رصدها في أداء الجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة، فهو الآن خيار واضح لبنيامين نتانياهو. هذا لا يعني طبعاً أن حكومة اليمين المتطرف ستنجح فيه، لكنها باشرت خطوات عملية باتجاهه. من غير الواضح حتى الآن، ما إذا كانت إسرائيل ستدفع بعملية تهجير لكل سكان قطاع غزة أم أنه سيقتصر على أهل شمال القطاع، ولم يتضح بعد أيضاً ما إذا كان “نقلاً” لهؤلاء السكان إلى جنوب غزة أم أنه سيرسلهم إلى سيناء!

هذا أخطر ما تنطوي عليه الحرب على غزة. فقد استيقظ خطاب الـ”ترانسفير” الأول. تذكير الفلسطينيين بـ”النكبة”، والتي وردت على ألسن الكثير من المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، لا يعني إلا أن الـ”ترانسفير” هو جزء من خطة الحرب. 

فـ”النكبة” في الخطاب التاريخي الإسرائيلي هي طرد (نقل، بحسب المصطلح الإسرائيلي) الفلسطينيين من بلادهم، لكن الأخطر هو ما ورد على لسان مسؤول أميركي، إذ قال لرويترز إن “واشنطن لن تقف إلى جانب نقل لسكان القطاع إلى خارجه”، وهنا تحضر الدقة في اللغة الديبلوماسية، فـ”لن تقف إلى جانب الخطوة”، لا تعني أنها ستقاومها. واللافت هنا، هو اعتماد تعبير “نقل” بدل طرد أو تهجير، في التصريح الأميركي!

في الـ”ترانسفير” الأول، كان موقع الانتداب البريطاني مشابهاً تماماً لموقع واشنطن من هذا الارتكاب. لطالما حرص البريطانيون في حينها على القول إنهم مع إقامة دولة إسرائيلية، لكنهم ضد ترحيل السكان المحليين.

وما يدعو إلى مزيد من الريبة أن مراجعات أجراها مؤرخون يساريون مثل بيني موريس، اعترفوا خلالها بـ”السقطة الأخلاقية” المتمثلة بقرار الترانسفير، عادوا وتراجعوا عنها بعد الانتفاضة الثانية، وباشروا خطاب “استحالة التعايش”. فإذا كان هذا شأن يساريين، فما بالك برجل مثل نتانياهو قادم من التقليد الجابوتنسكي، الذي لا يعترف بالفلسطينيين كشعب يستحق دولة. 

على كل حال، نحن نشهد على خطوات ميدانية لا يمكن تفسيرها إلا في سياق هذا المشروع. تسوية مدن وبلدات شمال القطاع بالأرض يهدف، بين ما يهدف، إلى جعل كل مناطق الشمال وصولاً إلى مدينة غزة مناطق غير صالحة للسكن، لا بل غير صالحة للعودة. اللغة الرسمية الإسرائيلية التي تحرص على ألا تميز بين المدنيين وغير المدنيين، تهدف أيضاً إلى تمرير “طرد نهائي للسكان”. والحديث عن مقايضة الديون بالنازحين في مصر عاد أيضاً. 

تذكير الفلسطينيين بـ”النكبة”، والتي وردت على ألسن الكثير من المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، لا يعني إلا أن الـ”ترانسفير” هو جزء من خطة الحرب.

نحن أمام حكومة إسرائيلية لا تتوانى عما يفوق ما ترتكبه اليوم في غزة. ما يجري في الضفة الغربية ليس بعيداً عما يجري في غزة، وهنا علينا أن ندقق بـ”الهلع” الأردني حيال ما يجري هناك. فتغول المستوطنين على سكان القطاع يعني تدفّقهم إلى الأردن، وهنا يلوح سيناريو أكثر خطورة من سيناريو الـ”ترانسفير” في غزة. المملكة تعتبر أن طموحات الـ”ترانسفير” إلى شرق نهر الأردن ستمثّل زلزالاً بالنسبة إليها. وقرار الأردن سحب سفيره من تل أبيب والطلب من الأخيرة عدم ارسال سفيرها إلى عمان، مؤشر إلى مستوى القلق الأردني، وخطاب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي التصعيدي وغير المسبوق في الأمم المتحدة مؤشر أيضاً إلى مستوى القلق. 

أما مصر، فالإسرائيليون يعتقدون أنها الخاصرة الرخوة التي يمكن أن تستجيب إلى حد ما بفعل ما تعانيه من أزمة اقتصادية، ومن مخاوف تتعلق بالصعود الإخواني في ظل تصدّر حماس، فهي لم تبدِ حتى الآن ما يدل على أن التوقعات الإسرائيلية في مكانها، وما زال الخطاب الرسمي فيها رافضاً لما تقترحه تل أبيب عليها.

وأمام سيناريو الـ”ترانسفير”، على المرء ألا يستبعد أن يكون فتح الجبهة الشمالية مصلحة إسرائيلية أيضاً، فيما تجري ضغوط غربية على إيران و”حزب الله” لعدم فتحها! فخطوة هائلة بحجم طرد أكثر من مليوني فلسطيني من غزة إلى مصر قد تحتاج إلى خلط كبير للأوراق، وتشتيت التركيز على ما يجري في القطاع، وربما استدراج “حزب الله” إلى حرب صواريخ يجري في ظلها تخفيف الضغوط الدولية عن جنوب الجبهة.

سيناريو الجبهة الشمالية مع لبنان يبقى في إطار التحليل والتوقع، أما سيناريو الـ”ترانسفير” في الجبهة الجنوبية فقد وُضع على سكة التنفيذ، وهو الآن قيد اختبارات ميدانية وسياسية، تتراوح بين “ترانسفير كبير” وآخر “صغير”، وبين ما إذا من الممكن تنفيذه على شكل تهجير إلى سيناء أم يبقى ضمن القطاع عبر منع سكان شمال القطاع من العودة إلى مناطقهم بعد انتهاء الحرب. 

يشعر نتانياهو أن الوقت مناسب لخطوة كهذه، ويرى أنها تنطوي على “إنجاز تاريخي” له، ولا يعنيه طبعاً البعد المأساوي لها. توظيف 7 تشرين الأول/ أكتوبر، واستحضار خطاب الضحية اليهودية، والاستثمار في “مزاج سياسي عربي” ضعيف الحساسية، لا بل عديمها، حيال الحق الفلسطيني، هذه العناصر كلها تم حشدها لتضلّل عملية اقتلاع جارية لسكان قطاع غزة.

الخطوة سبق أن اختُبرت ومُررت، ونتانياهو سليل خيار إسرائيلي قليل الحساسية حيال ما تخلفه، ويعتبر أن الـ”ترانسفير” الأول قصة نجاح لا بد من تكرارها. 

هذه القناعة هي ما جعلته يرفع خريطة إسرائيل من دون الأردن، وطبعاً من دون إسرائيل، وهي أيضاً ما دفعته الى أن يقول تعقيباً على “التطبيع مع دول الخليج”، إن الفلسطينيين لم يعودوا شرطاً للسلام مع العرب! وهو يعتقد أن استجابة أنظمة الخليج لهذا النوع من التطبيع، ستسهّل عليه تمرير الـ”ترانسفير”.   

02.11.2023
زمن القراءة: 4 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية