fbpx

مصر: لا علاج لغير المتزوجات…صحة النساء تحت الوصاية الذكورية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“عنف طبي ضد النساء” هكذا تصف غدير أحمد الكاتبة النسوية والباحثة المتخصصة فى دراسات النساء والنوع الاجتماعي، رفض أطباء توقيع الفحص على نساء بحجة أنهن غير متزوجات، الذي يعتبر بحسب أحمد، أحد أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في أُغسطس/ آب من العام الماضي، كانت عبير أحمد (اسم مستعار) تنتظر دورها في العيادة الخارجية لمستشفى حكومي للأمراض الجلدية والتناسلية، في منطقة السيدة زينب في محافظة القاهرة؛ لتتمكن أخيراً من الحصول على علاج نهائي لمرض “السنط التناسلي”، الذي شُخصت به، قبل أشهر قليلة من ذلك التاريخ، لكنها بعد ساعات طويلة من الانتظار، فوجئت برفض توقيع الفحص الطبي: “لما دخلت غرفة الكشف، الممرضة سألتني عن سني وحالتي الاجتماعية، ولما قولتلها اني غير متزوجة، قالتلي مش هنقدر ندخلك للكشف غير في وجود والدتك أو والدك” تقول عبير.

لدى عبير (25 عاماً) تجربة سيئة سابقة مع المستشفيات الحكومية، لكنها اضطرت حينها الذهاب إلى ذلك المستشفى؛ نظراً لارتفاع الأسعار في العيادات الخاصة: ” لما رُحت لدكتورة نساء وتوليد، قالتلي اني هحتاج جلسات كي، وحولتني لدكتورة جلدية وتناسلية، وقتها كانت الجلسات هتكون مكلفة جداً بالنسبالي ومش في استطاعتي، خصوصاً اني عرفت اني هحتاج أكتر من جلسة”.

بعد نقاش طويل كانت شاهدة عليه الطبيبة المختصة في المستشفى، والحاضرة في الغرفة نفسها، حاولت عبير إخبار الممرضة أنها ليست بمفردها، بل رفقة ابنة خالتها التي ستكون معها أثناء الفحص، لكن جاء الرد قاطعاً: “مش هنقدر نعملك حاجة، غير لما يكون معاكى حد من أهلك وعارف انك هتعملي جلسة كي”.

عبير ليست الوحيدة

في شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي، كانت مريم محمد، رفقة والدتها في عيادة النساء والتوليد بمستشفى حكومي في حي شبرا في مدينة القاهرة؛ للحصول على تشخيص – فيما يخص بعض الأعراض التي تعاني منها الفتاة – حين أخبرتها الطبيبة المختصة، بأن عليها أن تتزوج أولاً، ثم تعود مرة أخرى، حتى تتمكن من فحصها ووصف العلاج المناسب.

تعاني مريم (23 عاماً) شهرياً آلام مبرحة، تجعلها لا تستطع مغادرة الفراش أياماً متتالية، بالإضافة إلى بعض الأعراض الأخرى، التي لا تجدي المسكنات معها نفعاً، بدأت تلك الأعراض لدى مريم قبل أكثر من عام ونصف العام، لكنها حتى اليوم لا تعرف أسبابها الطبية.

تقول مريم إنها تتذكر جيداً رد طبيبة النساء على شكواها، بـجملة واحدة من دون أن تبرح كرسيها: “قالتلي مافيش في إيدي حاجة اعملهالك، إنتِ بتتكلمي  في شوية أعراض عادي، ممكن تكون تكيس مبايض، بس أنا مش هعرف أعملك حاجة طول ما انت آنسة، روحي اتجوزي وتعالي تاني يوم أعالجك”. 

في نهاية حديثها، نصحتها الطبيبة بتناول أقراص فيتامين “دال”، معللة ذلك، بتشابه الأعراض التي وصفتها، بأعراض نقص هذا الفيتامين، بحسب مريم. 

تنص المادة 18 من الدستور المصري، على أن “لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة، وفقاً لمعايير الجودة، ويُجرّم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان، فى حالات الطوارئ، أو الخطر على الحياة”، كما تنص المادة  20 من لائحة آداب المهنة الصادرة عن النقابة العامة لأطباء مصر، بقرار وزير الصحة والسكان عام 2003 على “الطبيب أن يبذل كل ما في وسعه لعلاج مرضاه، وأن يعمل على تخفيف آلامهم، وأن يحسن معاملتهم، وأن يساوي بينهم في الرعاية من دون تمييز”. 

التمييز الطبي ضد النساء بحسب مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، هو “تمييز تعاني منه النساء في مصر وفي جميع أنحاء العالم، ويعني أن النساء قد يحصلن على خدمة أقل، أو تأخر في التشخيص، نتيجة أنهن نساء”، ويرجع هذا التمييز في المجال الطبي، إلى تنميط النساء من مقدمي الخدمة الصحية، بأنهن يدعين المرض، فتصبح نتيجة هذا التنميط والتمييز، هي التشخيص الخاطئ، وبالتالي زيادة المضاعفات التي كان من الممكن تجنبها، إذا تعامل مقدمو الخدمة مع شكاوى النساء بجدية.

تصف عالمة النفس الاجتماعي “بيلا دي باولو” من خلال كتابها Singled Out، كيف يشترك مقدمو الرعاية الصحية في التحيز الطبي ضد نساء؛ لأنهن غير متزوجات، وكيف يمكن أن تؤثر الحالة الاجتماعية في القرارات الطبية، بطرق قد لا يدركها المرء، ويعرض الكتاب حالات نساء عازبات تعرضن للتمييز طبي.

في عام 1981 صادقت 189 دولة من بينها مصر على “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ـ سيداو” المُوقعة في كوبنهاغن عام 1980، وتنص المادة 12 من الاتفاقية على أن “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة، في ميدان الرعاية الصحية من أجل أن تضمن لها؛ على أساس المساواة بين الرجل والمرأة، الحصول على خدمات الرعاية الصحية، بما في ذلك الخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة”.

عنف طبي

“عنف طبي ضد النساء” هكذا تصف غدير أحمد الكاتبة النسوية والباحثة المتخصصة فى دراسات النساء والنوع الاجتماعي، رفض أطباء توقيع الفحص على نساء بحجة أنهن غير متزوجات، الذي يعتبر بحسب أحمد، أحد أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي.

تُرجع الباحثة النسوية غدير أحمد أسباب هذا العنف الطبي، إلى “المفاهيم الأبوية لدى الطواقم الطبية، التي تعتبر غير المتزوجات ليس لديهن الحقوق نفسها، في الفحص والرعاية الطبية التي تتمتع بها المتزوجات”، وترى أن “تلك المفاهيم تتشاركها الطواقم الطبية مع الأسرة فيما يخص “غشاء البكارة” وما يرمز إليه من شرف العائلة، لذلك يقوم أطباء وطبيبات بتطبيق تلك المفاهيم من خلال سلطتهم المهنية؛ للمحافظة على هذا الرمز وفقاً لاعتقاداتهم، التي قد تعرض حياة الكثير من النساء غير المتزوجات للخطر وتهدد حياتهن”.

نهى السيد الناشطة النسوية والمديرة التنفيذية لمبادرة “صوت” لدعم حقوق المرأة، ترى أن “التمييز الطبي الذي تتعرض له نساء غير متزوجات، هو شكل من أشكال الوصاية المجتمعية الأبوية، وفرض السلطة الأبوية التي يستخدمها بعض الأطباء والطبيبات في إطار عملهم”.

وتعتبر أن “دور الطبيب المختص، يتمثل في الفحص الطبي بما تؤول إليه حالة المريض، وليس أن يضع ثوابت أو تعليمات، تجبر غير المتزوجات بضرورة اصطحاب “وصي” أثناء الفحص، أو الامتناع عن فحصهن”.

أظهرت نتائج دراسة  عام  2018 حول نظرية التحيز الجنسي في الرعاية الصحية، أن المتخصصين في المجال الطبي، كانوا أكثر قابلية لتصنيف المرضى من النساء، باعتبارهن حساسات للغاية، أو هستيريات، أو يهدرن الوقت، في حين تبدأ مراجعة صحيفة نيويورك تايمز لثلاثة من الكتب التي تتعلق بصحة المرأة، بقصتين، إحداهما عن امرأة تتلقى تشخصياً بسرطان الثدي، وتختار استئصاله، ولكن طبيبها يعترض قائلاً: “لكنك لست متزوجة”، ويتم إخبار فتاة تبلغ من العمر أحد عشر عاماً بأن “التهاب بطانة الرحم لديها سوف يختفي عندما تتزوج وتنجب ـ الولادة ستخفف الألم”.

على مدى أشهر ظلت عبير قلقة من المرض وتطوراته، بالإضافة إلى خوفها من مواجهة الرفض في مشفى آخر: “كانت من أصعب الفترات اللي مريت بها في حياتي، لأني أخدت فترة كبيرة مكنتش عارفة ايه طبيعة المرض اللي عندي، ولما عرفت المرض واجهت الرفض في المستشفى”، تقول عبير.

المحامي حسين كامل المدير التنفيذى لجمعية “ثكنات المعادي” لتنمية المجتمع؛ وهي جمعية غير ربحية، يقول: “إن الطبيب الذي يعمل داخل منشأة حكومية (مستشفى عام) عليه واجب القيام بمهنته في هذه المنشأة، وليس له أن يمتنع عن علاج أي من المرضى، الذين ينبغي علاجهم”، بالرغم من ذلك، هناك غياب لـتشريع واضح في قانون العقوبات المصري، يسمح بمعاقبة الطبيب لمخالفته آداب مهنته، أو لامتناعه عن علاج مريض، إلا إذا كان ذلك يمثل جريمة مكتملة الأركان، تستدعي المسؤولية الجنائية، ويتمثل الركن المادي بحسب كامل “في فعل الامتناع عن استقبال المريض، أو الامتناع عن علاجه، بشرط أن يكون المريض في حالة خطر حقيقي، يتطلب تدخلاً مباشراً من الطبيب، في حين يتمثل الركن المعنوي لهذه الجريمة، أن يكون الامتناع عمدياً، أي أن الطبيب يعلم بالخطر ويمتنع بإرادته عن تقديم المساعدة”.

ويضيف كامل: “وبالتالي محاسبة الطبيب عن الامتناع تكون تأدبيبة فقط، حيث يحال إلى محكمة التأديب، بتهم مثل مخالفة آداب المهنة، أو التقصير في أداء عمله، بصفته موظفاً عاماً، وتشمل العقوبات، حسم الراتب أو الإنذار، الذي قد يصل إلى الفصل النهائي”.

بحسب المادة (24) من لائحة آداب المهنة “في الحالات غير العاجلة يجوز للطبيب الاعتذار عن علاج أي مريض، ابتداء أو في أي مرحلة لأسباب شخصية، أو متعلقة بالمهنة، أما في الحالات العاجلة، فلا يجوز للطبيب الاعتذار”، في حين تنص المادة (25) من اللائحة على أنه “لا يجوز للطبيب المتخصص رفض علاج مريض، إذا استدعاه إلى ذلك الطبيب الممارس العام، ولم يتيسر وجود متخصص غيره”.

نيفين رمزي (اسم مستعار) 25 سنة، تقول إنها تعاني نزيفاً شهرياً مصحوباً بآلام شديدة، منذ نحو ست سنوات، لكنها وبعد رحلة طويلة في أكثر من عيادة نساء وتوليد، لم تستطع معرفة التشخيص الطبي لحالتها المرضية، وعليها الانتظار حتى تتزوج لتتمكن معرفة الأسباب الطبية لآلامها المزمنة: “كل دكتورة روحتلها كانت بتقول سبب مختلف لحالتي، وكل الأدوية اللى خدتها ماجبتش نتيجة؛ لأن مافيش تشخيص حقيقي لحالتي، طول الوقت عايشة على مسكنات وأدوية شهرية للتحكم في النزف مؤقتاً”، تقول نيفين.

قبل عامين، أخبرتها إحدى طبيبات النساء أن “حالتها تحتاج إلى إجراء أشعة رباعية الأبعاد، للحصول على التشخيص المناسب، لكنها لا تستطيع إجراءها لها لأنها ما زالت عزباء”، تقول نيفين: “الدكتورة بعد ما رفضت تعملي الأشعة، قالتلي حتى لو حاولتي تعمليها في مستشفى حكومي، هـيتم رفضها لنفس السبب؛ إنى آنسة”.

منذ ذلك الحين، تعايشت نيفين مع حالتها: “خضت رحلة لسنين طويلة مع الدكاترة، انتهت اني خلاص تأقلمت انى كل شهر بيجيلي نزيف شديد، بالإضافة إلى ألم بشع ممكن يستمر لأكتر من 10 أيام، تأقلمت إني ما ينفعش أعرف عندي ايه فقط لإني آنسة”.

وفقًا لمنظة الصحة العالمية يصيب مرض “الانتباذ البطاني الرحمي” 190 مليون، أي ما يقرب من 10 في المئة من النساء والفتيات، ممن هن في سن الإنجاب على مستوى العالم، ويعد الحصول على تشخيص مبكر وفعال لهذا المرض أمراً مهماً، غير أن هذه الإمكانية قد تكون محدودة فى أماكن كثيرة، من بينها البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل”.

و”يتراوح متوسط تأخر تشخيص المرأة بهذا المرض بين 6 و11 عاماً” وفقا لموقع “بيشين سيفتي”.

الدكتورة ماريا أرميا حلمي الاختصاصية في أمراض النساء والتوليد، ترى أنه “من الضروري تغيير الصورة المغلوطة مجتمعياً، عن أن النساء غير المتزوجات ممنوعات من الذهاب لأطباء النساء والتوليد، فبعض الأمراض قد تصيب النساء سواء تزوجت أم لم تتزوج”، وتقول: “ليس صعباً أن تأخذ المريضة معاها شخص من عائلتها، أثناء ذهابها إلى الطبيب أو الطبيبة المختصة، فوجود طرف من عائلة المريضة كوالدتها أو والدها، هو بمثابة حماية لها، وتقدير لخصوصيتها، وليس رفضاً حقيقياً لوضعها الصحي”، وتضيف: “إن الفحص الإكلينيكي هو جزء من عملية التشخيص، ومن غير الصحيح طبياً، تشخيص مريض من خلال وصف الأعراض فقط”.

بمرور الوقت تعافت عبير من دون أن تضطر إلى الذهاب مرة أخرى إلى طبيب، في حين ما زالت مريم ونيفين تعانيان من الأعراض والآلام نفسها حتى الآن.

حاولنا الحصول على تعليق المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة المصرية الدكتور حسام عبد الغفار، في ما يخص حالتي عبير ومريم، لكننا لم نتلق رداً حتى موعد نشر التقرير.

01.07.2024
زمن القراءة: 8 minutes

“عنف طبي ضد النساء” هكذا تصف غدير أحمد الكاتبة النسوية والباحثة المتخصصة فى دراسات النساء والنوع الاجتماعي، رفض أطباء توقيع الفحص على نساء بحجة أنهن غير متزوجات، الذي يعتبر بحسب أحمد، أحد أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي.

في أُغسطس/ آب من العام الماضي، كانت عبير أحمد (اسم مستعار) تنتظر دورها في العيادة الخارجية لمستشفى حكومي للأمراض الجلدية والتناسلية، في منطقة السيدة زينب في محافظة القاهرة؛ لتتمكن أخيراً من الحصول على علاج نهائي لمرض “السنط التناسلي”، الذي شُخصت به، قبل أشهر قليلة من ذلك التاريخ، لكنها بعد ساعات طويلة من الانتظار، فوجئت برفض توقيع الفحص الطبي: “لما دخلت غرفة الكشف، الممرضة سألتني عن سني وحالتي الاجتماعية، ولما قولتلها اني غير متزوجة، قالتلي مش هنقدر ندخلك للكشف غير في وجود والدتك أو والدك” تقول عبير.

لدى عبير (25 عاماً) تجربة سيئة سابقة مع المستشفيات الحكومية، لكنها اضطرت حينها الذهاب إلى ذلك المستشفى؛ نظراً لارتفاع الأسعار في العيادات الخاصة: ” لما رُحت لدكتورة نساء وتوليد، قالتلي اني هحتاج جلسات كي، وحولتني لدكتورة جلدية وتناسلية، وقتها كانت الجلسات هتكون مكلفة جداً بالنسبالي ومش في استطاعتي، خصوصاً اني عرفت اني هحتاج أكتر من جلسة”.

بعد نقاش طويل كانت شاهدة عليه الطبيبة المختصة في المستشفى، والحاضرة في الغرفة نفسها، حاولت عبير إخبار الممرضة أنها ليست بمفردها، بل رفقة ابنة خالتها التي ستكون معها أثناء الفحص، لكن جاء الرد قاطعاً: “مش هنقدر نعملك حاجة، غير لما يكون معاكى حد من أهلك وعارف انك هتعملي جلسة كي”.

عبير ليست الوحيدة

في شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي، كانت مريم محمد، رفقة والدتها في عيادة النساء والتوليد بمستشفى حكومي في حي شبرا في مدينة القاهرة؛ للحصول على تشخيص – فيما يخص بعض الأعراض التي تعاني منها الفتاة – حين أخبرتها الطبيبة المختصة، بأن عليها أن تتزوج أولاً، ثم تعود مرة أخرى، حتى تتمكن من فحصها ووصف العلاج المناسب.

تعاني مريم (23 عاماً) شهرياً آلام مبرحة، تجعلها لا تستطع مغادرة الفراش أياماً متتالية، بالإضافة إلى بعض الأعراض الأخرى، التي لا تجدي المسكنات معها نفعاً، بدأت تلك الأعراض لدى مريم قبل أكثر من عام ونصف العام، لكنها حتى اليوم لا تعرف أسبابها الطبية.

تقول مريم إنها تتذكر جيداً رد طبيبة النساء على شكواها، بـجملة واحدة من دون أن تبرح كرسيها: “قالتلي مافيش في إيدي حاجة اعملهالك، إنتِ بتتكلمي  في شوية أعراض عادي، ممكن تكون تكيس مبايض، بس أنا مش هعرف أعملك حاجة طول ما انت آنسة، روحي اتجوزي وتعالي تاني يوم أعالجك”. 

في نهاية حديثها، نصحتها الطبيبة بتناول أقراص فيتامين “دال”، معللة ذلك، بتشابه الأعراض التي وصفتها، بأعراض نقص هذا الفيتامين، بحسب مريم. 

تنص المادة 18 من الدستور المصري، على أن “لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة، وفقاً لمعايير الجودة، ويُجرّم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان، فى حالات الطوارئ، أو الخطر على الحياة”، كما تنص المادة  20 من لائحة آداب المهنة الصادرة عن النقابة العامة لأطباء مصر، بقرار وزير الصحة والسكان عام 2003 على “الطبيب أن يبذل كل ما في وسعه لعلاج مرضاه، وأن يعمل على تخفيف آلامهم، وأن يحسن معاملتهم، وأن يساوي بينهم في الرعاية من دون تمييز”. 

التمييز الطبي ضد النساء بحسب مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، هو “تمييز تعاني منه النساء في مصر وفي جميع أنحاء العالم، ويعني أن النساء قد يحصلن على خدمة أقل، أو تأخر في التشخيص، نتيجة أنهن نساء”، ويرجع هذا التمييز في المجال الطبي، إلى تنميط النساء من مقدمي الخدمة الصحية، بأنهن يدعين المرض، فتصبح نتيجة هذا التنميط والتمييز، هي التشخيص الخاطئ، وبالتالي زيادة المضاعفات التي كان من الممكن تجنبها، إذا تعامل مقدمو الخدمة مع شكاوى النساء بجدية.

تصف عالمة النفس الاجتماعي “بيلا دي باولو” من خلال كتابها Singled Out، كيف يشترك مقدمو الرعاية الصحية في التحيز الطبي ضد نساء؛ لأنهن غير متزوجات، وكيف يمكن أن تؤثر الحالة الاجتماعية في القرارات الطبية، بطرق قد لا يدركها المرء، ويعرض الكتاب حالات نساء عازبات تعرضن للتمييز طبي.

في عام 1981 صادقت 189 دولة من بينها مصر على “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ـ سيداو” المُوقعة في كوبنهاغن عام 1980، وتنص المادة 12 من الاتفاقية على أن “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة، في ميدان الرعاية الصحية من أجل أن تضمن لها؛ على أساس المساواة بين الرجل والمرأة، الحصول على خدمات الرعاية الصحية، بما في ذلك الخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة”.

عنف طبي

“عنف طبي ضد النساء” هكذا تصف غدير أحمد الكاتبة النسوية والباحثة المتخصصة فى دراسات النساء والنوع الاجتماعي، رفض أطباء توقيع الفحص على نساء بحجة أنهن غير متزوجات، الذي يعتبر بحسب أحمد، أحد أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي.

تُرجع الباحثة النسوية غدير أحمد أسباب هذا العنف الطبي، إلى “المفاهيم الأبوية لدى الطواقم الطبية، التي تعتبر غير المتزوجات ليس لديهن الحقوق نفسها، في الفحص والرعاية الطبية التي تتمتع بها المتزوجات”، وترى أن “تلك المفاهيم تتشاركها الطواقم الطبية مع الأسرة فيما يخص “غشاء البكارة” وما يرمز إليه من شرف العائلة، لذلك يقوم أطباء وطبيبات بتطبيق تلك المفاهيم من خلال سلطتهم المهنية؛ للمحافظة على هذا الرمز وفقاً لاعتقاداتهم، التي قد تعرض حياة الكثير من النساء غير المتزوجات للخطر وتهدد حياتهن”.

نهى السيد الناشطة النسوية والمديرة التنفيذية لمبادرة “صوت” لدعم حقوق المرأة، ترى أن “التمييز الطبي الذي تتعرض له نساء غير متزوجات، هو شكل من أشكال الوصاية المجتمعية الأبوية، وفرض السلطة الأبوية التي يستخدمها بعض الأطباء والطبيبات في إطار عملهم”.

وتعتبر أن “دور الطبيب المختص، يتمثل في الفحص الطبي بما تؤول إليه حالة المريض، وليس أن يضع ثوابت أو تعليمات، تجبر غير المتزوجات بضرورة اصطحاب “وصي” أثناء الفحص، أو الامتناع عن فحصهن”.

أظهرت نتائج دراسة  عام  2018 حول نظرية التحيز الجنسي في الرعاية الصحية، أن المتخصصين في المجال الطبي، كانوا أكثر قابلية لتصنيف المرضى من النساء، باعتبارهن حساسات للغاية، أو هستيريات، أو يهدرن الوقت، في حين تبدأ مراجعة صحيفة نيويورك تايمز لثلاثة من الكتب التي تتعلق بصحة المرأة، بقصتين، إحداهما عن امرأة تتلقى تشخصياً بسرطان الثدي، وتختار استئصاله، ولكن طبيبها يعترض قائلاً: “لكنك لست متزوجة”، ويتم إخبار فتاة تبلغ من العمر أحد عشر عاماً بأن “التهاب بطانة الرحم لديها سوف يختفي عندما تتزوج وتنجب ـ الولادة ستخفف الألم”.

على مدى أشهر ظلت عبير قلقة من المرض وتطوراته، بالإضافة إلى خوفها من مواجهة الرفض في مشفى آخر: “كانت من أصعب الفترات اللي مريت بها في حياتي، لأني أخدت فترة كبيرة مكنتش عارفة ايه طبيعة المرض اللي عندي، ولما عرفت المرض واجهت الرفض في المستشفى”، تقول عبير.

المحامي حسين كامل المدير التنفيذى لجمعية “ثكنات المعادي” لتنمية المجتمع؛ وهي جمعية غير ربحية، يقول: “إن الطبيب الذي يعمل داخل منشأة حكومية (مستشفى عام) عليه واجب القيام بمهنته في هذه المنشأة، وليس له أن يمتنع عن علاج أي من المرضى، الذين ينبغي علاجهم”، بالرغم من ذلك، هناك غياب لـتشريع واضح في قانون العقوبات المصري، يسمح بمعاقبة الطبيب لمخالفته آداب مهنته، أو لامتناعه عن علاج مريض، إلا إذا كان ذلك يمثل جريمة مكتملة الأركان، تستدعي المسؤولية الجنائية، ويتمثل الركن المادي بحسب كامل “في فعل الامتناع عن استقبال المريض، أو الامتناع عن علاجه، بشرط أن يكون المريض في حالة خطر حقيقي، يتطلب تدخلاً مباشراً من الطبيب، في حين يتمثل الركن المعنوي لهذه الجريمة، أن يكون الامتناع عمدياً، أي أن الطبيب يعلم بالخطر ويمتنع بإرادته عن تقديم المساعدة”.

ويضيف كامل: “وبالتالي محاسبة الطبيب عن الامتناع تكون تأدبيبة فقط، حيث يحال إلى محكمة التأديب، بتهم مثل مخالفة آداب المهنة، أو التقصير في أداء عمله، بصفته موظفاً عاماً، وتشمل العقوبات، حسم الراتب أو الإنذار، الذي قد يصل إلى الفصل النهائي”.

بحسب المادة (24) من لائحة آداب المهنة “في الحالات غير العاجلة يجوز للطبيب الاعتذار عن علاج أي مريض، ابتداء أو في أي مرحلة لأسباب شخصية، أو متعلقة بالمهنة، أما في الحالات العاجلة، فلا يجوز للطبيب الاعتذار”، في حين تنص المادة (25) من اللائحة على أنه “لا يجوز للطبيب المتخصص رفض علاج مريض، إذا استدعاه إلى ذلك الطبيب الممارس العام، ولم يتيسر وجود متخصص غيره”.

نيفين رمزي (اسم مستعار) 25 سنة، تقول إنها تعاني نزيفاً شهرياً مصحوباً بآلام شديدة، منذ نحو ست سنوات، لكنها وبعد رحلة طويلة في أكثر من عيادة نساء وتوليد، لم تستطع معرفة التشخيص الطبي لحالتها المرضية، وعليها الانتظار حتى تتزوج لتتمكن معرفة الأسباب الطبية لآلامها المزمنة: “كل دكتورة روحتلها كانت بتقول سبب مختلف لحالتي، وكل الأدوية اللى خدتها ماجبتش نتيجة؛ لأن مافيش تشخيص حقيقي لحالتي، طول الوقت عايشة على مسكنات وأدوية شهرية للتحكم في النزف مؤقتاً”، تقول نيفين.

قبل عامين، أخبرتها إحدى طبيبات النساء أن “حالتها تحتاج إلى إجراء أشعة رباعية الأبعاد، للحصول على التشخيص المناسب، لكنها لا تستطيع إجراءها لها لأنها ما زالت عزباء”، تقول نيفين: “الدكتورة بعد ما رفضت تعملي الأشعة، قالتلي حتى لو حاولتي تعمليها في مستشفى حكومي، هـيتم رفضها لنفس السبب؛ إنى آنسة”.

منذ ذلك الحين، تعايشت نيفين مع حالتها: “خضت رحلة لسنين طويلة مع الدكاترة، انتهت اني خلاص تأقلمت انى كل شهر بيجيلي نزيف شديد، بالإضافة إلى ألم بشع ممكن يستمر لأكتر من 10 أيام، تأقلمت إني ما ينفعش أعرف عندي ايه فقط لإني آنسة”.

وفقًا لمنظة الصحة العالمية يصيب مرض “الانتباذ البطاني الرحمي” 190 مليون، أي ما يقرب من 10 في المئة من النساء والفتيات، ممن هن في سن الإنجاب على مستوى العالم، ويعد الحصول على تشخيص مبكر وفعال لهذا المرض أمراً مهماً، غير أن هذه الإمكانية قد تكون محدودة فى أماكن كثيرة، من بينها البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل”.

و”يتراوح متوسط تأخر تشخيص المرأة بهذا المرض بين 6 و11 عاماً” وفقا لموقع “بيشين سيفتي”.

الدكتورة ماريا أرميا حلمي الاختصاصية في أمراض النساء والتوليد، ترى أنه “من الضروري تغيير الصورة المغلوطة مجتمعياً، عن أن النساء غير المتزوجات ممنوعات من الذهاب لأطباء النساء والتوليد، فبعض الأمراض قد تصيب النساء سواء تزوجت أم لم تتزوج”، وتقول: “ليس صعباً أن تأخذ المريضة معاها شخص من عائلتها، أثناء ذهابها إلى الطبيب أو الطبيبة المختصة، فوجود طرف من عائلة المريضة كوالدتها أو والدها، هو بمثابة حماية لها، وتقدير لخصوصيتها، وليس رفضاً حقيقياً لوضعها الصحي”، وتضيف: “إن الفحص الإكلينيكي هو جزء من عملية التشخيص، ومن غير الصحيح طبياً، تشخيص مريض من خلال وصف الأعراض فقط”.

بمرور الوقت تعافت عبير من دون أن تضطر إلى الذهاب مرة أخرى إلى طبيب، في حين ما زالت مريم ونيفين تعانيان من الأعراض والآلام نفسها حتى الآن.

حاولنا الحصول على تعليق المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة المصرية الدكتور حسام عبد الغفار، في ما يخص حالتي عبير ومريم، لكننا لم نتلق رداً حتى موعد نشر التقرير.

01.07.2024
زمن القراءة: 8 minutes
|
آخر القصص
نقتل طفلاً ونترك آخر…عن مجازر السودان الغائبة
ريم المدني- صحافية من السودان | 03.07.2024
“العنصريون بيننا” وتركيا مثال حي
ميسا العمودي - كاتبة وصحافية سعودية | 03.07.2024
“المقاومة”: عن مظلومية لا تتسع لغير الانتصارات
سامر القرنشاوي- كاتب وأكاديمي مصري | 02.07.2024
رحلة البحث عن إجهاضٍ غير آمن في لبنان
منى حمدان - صحافية لبنانية | 02.07.2024

اشترك بنشرتنا البريدية