fbpx

“مفاتيح دبي”: كيف تتدفّق الأموال المشبوهة نحو العقارات الفاخرة في “لؤلؤة الخليج”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
OCCRP - E24

استخدم الصحافيون البيانات كنقطة انطلاق لتقصّي مشهد امتلاك الأجانب عقارات في دبي من بينهم مجرمين مدانين وهاربين وشخصيات سياسية متّهمة بالفساد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

من الطابق السابع والثلاثين في أطول ناطحة سحاب في دبي، نشرت زوجة رجل يُزعم أنه عضو في منظمة إجرامية بوسنية، مقاطع فيديو على منصة “تيك توك” لشقتهما الفارهة المؤجرة، وغالباً ما أظهرت في مقاطع الفيديو قطتهما الرمادية.

قدمت الصور أدلَة كافيَة للصحافيين مكّنتهم من تحديد الموقع الدقيق للشقة في ناطحة سحاب برج خليفة الشهيرة في المدينة — وحقيقة أن تلك الشقة كانت ملكاً لهدف آخر للأجهزة الأمنية، وهو: كانديدو إنسوي أوكومو، الرئيس السابق لشركة النفط الوطنية التي تلاحقها الفضائح في غينيا الاستوائية، والذي يخضع للتحقيق بتهمة غسيل الأموال في إسبانيا. أوكومو هو أيضاً صهر رئيس غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانج إنجيما مباسوغو، الذي يتّهمه الادعاء الفرنسي بنهب موارد البلاد التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط.

وليس واضحاً ما إذا كان المستأجر، دينيس كادريتش، ومالك العقار أوكومو على علم بأعمال الفساد والجرائم المزعومة المنسوبة الى كل منهما. لكن اجتماعهما في عقد إيجار واحد هو تجسيد لدبي في العصر الحديث، إذ أدت السرية وسنوات من اتباع السياسات المتساهلة إلى جعل وثائق ملكية العقارات فيها مليئة بالملاك غير المشهود لهم بالنزاهة.

شبَّه جيمس هنري، وهو زميل في برنامج العدالة العالمية بجامعة ييل وخبير في الملاذات الضريبية، دولة الإمارات العربية المتحدة – وهي اتحاد مكون من سبع إمارات بما في ذلك دبي – بمشهد الحانة في فيلم “حرب النجوم”.

يقول هنري، “عندما تدخل، ترى أمامك الزعماء الفاسدين، وإلى اليسار، تجد النخب الحاكمة، وفي الوسط، يوجد المشتغلون بغسل الأموال، وفي الخلف، يجلس تجار السلع الروس المشبوهون الذين يستخدمونها كثغرة للتهرب من العقوبات، وجميعهم تقوم على خدمتهم الممارسات المالية الأساسية السرية نفسها”.

وفي حالة شقة أوكومو الشاهقة، استخدم صحافيون من الشبكة الصربية للإبلاغ عن الجريمة والفساد (KRIK)، بالتعاون مع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، أولاً مقاطع فيديو من “تيك توك” لربط الشقة بالمشتبه بأنه عضو المنظمة الإجرامية البلقانية كادريتش، شرطي سابق اعتُقل في البوسنة في شباط/ فبراير بناءً على الشُبهة بمشاركته في الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات وغسيل الأموال. أُفرج عنه في شهر أيار/ مايو لكنه لا يزال تحت التحقيق. وبعد ذلك، استخدم فريق متخصص في تحديد المواقع من موقع التحقيق “بيلنجكات” للصحافة الاستقصائية، مقاطع الفيديو لتحديد مكان الشقة بدقة. وتم تأكيد ملكية أوكومو للشقة من خلال عقد إيجار يرجع تاريخه إلى عام 2023، وتسجيله في مجموعة من بيانات العقارات المسربة.

لم يكن أوكومو المالك الوحيد المتّهم بارتكاب جرائم الذي وجده الصحافيون في البيانات المسربة: فبعد تحقيق دام ستة أشهر بقيادة مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد ومنصة “E24” الإعلامية النرويجية، اكتشف الصحافيون عشرات من المجرمين المدانين والهاربين والشخصيات السياسية المتّهمة بالفساد أو شركائهم، والأفراد الخاضعين للعقوبات الذين يمتلكون على الأقل عقاراً واحداً في دبي.

على سبيل المثال، توجد شقة لا تبعد من عقار أوكومو في برج خليفة، تقع في فندق برج لايك وتعود ملكيتها إلى شوان محمد الملا، وهو مواطن بريطاني من أصل عراقي وُجهت إليه لائحة اتهام في الولايات المتحدة في عام 2021 بسبب قضية دفع رشوة للحصول على عقود بقيمة ملايين الدولارات لإعادة الإعمار في العراق.

وعلى الساحل في غراندور ريزيدنس، وهو مبنى على شكل نخيل يقع في إحدى الجزر الاصطناعية في دبي، توجد وحدة عقارية تعود ملكيتها إلى جوزيف يوهانس لايدجكرز، الذي يبلغ من العمر 32 عاماً، والمعروف أيضاً باسم “تشابي جوز”، والمدرج على قائمة الاتحاد الأوروبي للأشخاص المطلوبين بتهمة الإتجار بالمخدرات.

وفي برج النخلة المجاور في دبي، تقع شقة تعود ملكيتها إلى دانيلو فونجاو سانتانا غوفيا، وهو رجل أعمال برازيلي يُعرف باسم “دوبيانو”. فبعدما اتُّهم بغسيل الأموال والاحتيال بسبب إدارته ما يُزعم أنه مخطط هرمي ضخم للبيتكوين في بلاده، توجه الى العمل لاحقاً كفنان موسيقي في دبي، وهو ما ذكره بالتفصيل في حسابه على تطبيق “إنستغرام”، بالإضافة إلى عرض صوره وهو يقف أمام مواقع مختلفة في المدينة، بما في ذلك مبنى جميرا برج العرب بتصميمه الشراعي.

كان ينبغي لهؤلاء والكثير من أصحاب العقارات الآخرين الذين تحققت منهم مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد وشركاؤها، أن يثيروا الشبهات على الفور في ظل أي نظام تقييم أساسي للمخاطر. ومع ذلك، يبدو أنه لم يُمنع أي من هؤلاء الأفراد من شراء عقارات بأسمائهم. (لم يستجب كادريتش وأوكومو والمولا وليجديكرز وسانتانا غوفيا لطلبات التعليق).

تم الحصول على البيانات المسربة، التي تعود أساساً إلى عامي 2020 و 2022، في البداية من مركز دراسات الدفاع المتقدمة (C4ADS)، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، تكرس أعمالها في التحليل القائم على البيانات وتقارير الصراع والأمن القائمة على الأدلة في جميع أنحاء العالم. بعد ذلك، تمت مشاركة البيانات مع منصة “E24” الإعلامية النرويجية المتخصصة في الشؤون المالية ومؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد، اللتين تنسقان معاً مشروع “كشف النقاب عن دبي”، وهو مشروع استقصائي عالمي يضم صحافيين من أكثر من 70 منصة إعلامية.

استخدم الصحافيون البيانات كنقطة انطلاق لتقصّي مشهد امتلاك الأجانب العقارات في دبي. وقد أمضوا شهوراً في التحقق من هويات الأشخاص الذين ظهروا في البيانات المسربة، فضلاً عن التأكد من حالة ملكيتهم باستخدام السجلات الرسمية، والبحث في المصادر المفتوحة ومجموعات البيانات المسرّبة الأخرى.

وبدايةً من مهربي الكوكايين الأستراليين إلى أقارب الحكام المستبدين الأفارقة ووصولاً إلى مجموعة من ممولي “حزب الله” الخاضعين للعقوبات، تكشف النتائج كيف فتحت المدينة ذراعيها للشخصيات معدومي الضمير من جميع أنحاء العالم.

قالت ماريا جوديتا بورسيل، وهي مديرة ملف في مركز دراسات الدفاع المتقدمة، “تستغل الجهات الفاعلة الفاسدة والأشخاص المكشوفون سياسياً الذين يتجنبون المساءلة العامة، الولايات القضائية التي تكفل السرية مثل دولة الإمارات، لإخفاء الأصول على مرأى من الجميع”.

لم يرد المسؤولون في الإمارات – بما في ذلك وزارات الداخلية والاقتصاد والعدل – وشرطة دبي على الأسئلة المفصلة، ولكنّ سفارتَي الإمارات في المملكة المتحدة والنروج أرسلتا رداً موجزاً إلى الصحافيين، جاء فيه أن الدولة “تولي دورها في حماية نزاهة النظام المالي العالمي جدية بالغة”.

وأضاف البيان: “في سعيها المستمر لمكافحة المجرمين العابرين للحدود، تعمل الإمارات عن كثب مع الشركاء الدوليين لتعطيل وردع جميع أشكال التمويل غير المشروع”، وأنّ “الإمارات ملتزمة بمواصلة هذه الجهود والإجراءات أكثر من أي وقت مضى اليوم وعلى المدى الطويل”.

لماذا دبي؟

قبل أربعين عاماً، كانت دبي موقعاً غير مميز في الشرق الأوسط، حيث بإمكان عاصفة رملية أن تجتاح المنطقة وتمر من دون عراقيل تُذكر من الصحراء العربية إلى الخليج العربي.

واليوم، أصبحت مركزاً مالياً عالمياً وتتباهى بأنها واحدة من المدن التي تضم أشهر ناطحات السحاب في العالم — إذ إنها تُعد مدينة شديدة الكثافة تضم ناطحات سحاب شاهقة وشوارع مزدحمة ذات تصميم مستقبلي، حيث يُبرم كبار رجال الأعمال صفقات بمليارات الدولارات، ويعرض المؤثرون حياة مفعمة بالرفاهية، ويتسلق النجم العالمي توم كروز أعلى ناطحة سحاب في العالم فيها خلال تصوير سلسلة أفلامه المشهورة.

لم تكن المدينة الخليجية هي المكان الوحيد الذي يُخبئ فيه المجرمون وغيرهم ثرواتهم المشبوهة في العقارات الفاخرة. فمن المعروف أيضاً أن العقارات في مدينتي نيويورك ولندن تجذب الأموال المشبوهة.

بيد أن الخبراء يقولون إن دبي لديها الكثير لتقدمه، وليس فقط في ما يتعلق بمجموعتها الهائلة من الأبراج الشاهقة الفاخرة والفيلات.

إذ يقول الخبراء إن أحد عوامل الجذب التي تتمتع بها دبي تتمثل في استجابات الإمارة المتضاربة للطلبات المقدمة من السلطات الأجنبية للمساعدة في القبض على الهاربين وتسليمهم.

حتى وقت قريب، لم تكن لدى دولة الإمارات معاهدات تسليم المجرمين مع الكثير من الدول، ما ساعد في تحويل دبي إلى منطقة جذب للهاربين من جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن السلطات الإماراتية عززت من التعاون مع سلطات إنفاذ القانون الأجنبية في السنوات الأخيرة، لا تزال الحكومة معروفة باستجاباتها المتضاربة لطلبات التسليم.

ومن أحدث الأمثلة على ذلك النهج الذي تتبعه دولة الإمارات، قضية “الأخوين غوبتا”، وهما شقيقان من أصول هندية، متهمان بنهب الأموال العامة في جنوب أفريقيا من خلال علاقتهما الوثيقة مع الرئيس السابق للبلاد جاكوب زوما.

على الرغم من وجود معاهدة تسليم المجرمين بين البلدين، رفضت الإمارات في العام الماضي بشكل هادئ طلب جنوب أفريقيا تسليم الأخوين أتول وراجيش غوبتا، اللذين يواجهان تهماً بغسيل الأموال والاحتيال. وقد هزت هذه الخطوة جنوب أفريقيا، إذ قالت السلطات إن الإمارات لم تقدم “ردوداً مقنعة” على أسباب الرفض.

لم يرد مسؤول إماراتي على الأسئلة المحددة حول غوبتا، لكنه قال إنه “يعمل عن كثب مع الشركاء الدوليين لتعطيل وردع جميع أشكال التمويل غير المشروع”. ولم يرد غوبتا وزوما على طلبات التعليق.

وبحسب ما قالته رادها ستيرلينغ، وهي محامية وناشطة حقوقية والرئيسة التنفيذية لمنظمة “معتقلون في دبي” المتخصصة في تقديم المساعدات القانونية، فإن السلطات الإماراتية تستغل كبار المتهمين الهاربين المعروفين عالمياً كـ “أوراق مساومة”.

إذ تقول إن “وجود معاهدات تسليم المجرمين بين الدول ليس بالضرورة أمراً أساسياً لتسليم الأشخاص”. وأضافت “الأمر المهم هو ما تريده دبي في المقابل، وما إذا كانت تلك الدولة لديها شيء تريده دبي بالقدر الكافي لكي توافق على المقايضة”.

وأكد سعود عبد العزيز المطوع، رئيس مركز مكافحة الجرائم المالية في شرطة دبي، عندما سُئل عن سجل البلاد في عمليات تسليم المجرمين، أنه تمت زيادة عدد الاعتقالات أخيراً لأولئك الصادرة في حقهم نشرات حمراء. وقال إن طلبات التسليم التي يجب أن تمر عبر المحاكم المحلية، تستغرق وقتاً أطول للبت فيها، وغالباً ما تواجه تحديات من فرق الدفاع التي تملك موارد كبيرة.

وأضاف في مقابلة مع التلفزيون السويدي في آذار/ مارس، “نحن نعمل على زيادة قدرتنا، ونعزز ونطور مواردنا… لتلبية توقعات نظرائنا الأجانب”.

الرفع من “القائمة الرمادية”

شدّدت السلطات الإماراتية إجراءات مكافحة غسيل الأموال في السنوات الأخيرة، لا سيما منذ أن أدرجت مجموعة العمل المالي (FATF)، وهي منظمة حكومية دولية معنية بمكافحة غسيل الأموال، الإمارات في قائمتها “الرمادية” في عام 2022 بسبب إخفاقها في مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة بفعالية. وبعد محاولات من الضغط لرفعها من القائمة، كوفئت السلطات الإماراتية بأنباء سارة في شباط/ فبراير: فقد أشادت مجموعة العمل المالي بجهود الإمارات “والتقدم الكبير” الذي أحرزته، وأُعفيت من إجراءات المراقبة الإضافية.

بيد أن بعض الخبراء حذروا من أن هذه الخطوة كانت سابقة لأوانها، أو مدفوعة بمخاوف جيوسياسية.

وقال كولين باورز، وهو زميل رئيسي ورئيس تحرير برنامج نوريا للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي منظمة بحثية مستقلة غير ربحية، “ربما كانت الإصلاحات الأخيرة التي أدخلت على قانون العقوبات والسلطة القضائية، كافية لرفع دبي من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي هذا الشتاء، لكنها لم تغير بشكل جوهري من طبيعة سوق العقارات”.

وأضاف أن الإصلاحات لا “تغير ما يجعل سوق العقارات جذاباً للغاية لحفظ الثروات”، مشيراً إلى قدرة المشترين على إخفاء ملكيتهم وراء الصناديق الاستئمانية والشركات القابضة والمؤسسات.

تشير استشارة قدمها أحد مسوقي العقارات من شركة داماك الرائدة في مجال التطوير العقاري في دبي في شهر آذار، لصحافي كان يعمل متخفياً، إلى أن بعض الوسطاء على استعداد لغض الطرف عندما يتعلق الأمر بأصول أموال عملائهم.

وأثناء جولة في أحد العقارات التابعة لشركة داماك، قيل للمراسلين من التلفزيون السويدي إنهم يستطيعون شراء الشقة بـ”حقائب من النقود” أو العملات المشفرة، ولن يواجهوا “أي أسئلة” حول مصدر أموالهم.

وقال مسوق العقارات، “في العقارات لن تتعرض لأي أسئلة من أي جهة… بخاصة من المطور العقاري نفسه”. وأضاف، “كل من يريد الشراء يستطيع أن يفعل ذلك”.

ووصف أيضاً كيف أن شراء العقارات نقداً هو وسيلة يتبعها العملاء لتجنب الأسئلة التي تطرحها البنوك حول مصدر أموالهم.

وأردف المسوق العقاري قائلاً، “إذا بعت العقار ثم حولت كل المبلغ إلى الحساب المصرفي، فلن تكون هناك مشكلة، ولن يتم سؤالك من أين حصلت على النقود لشراء العقار ثم بيعه وإيداع النقود في البنك”.

وفي وقت لاحق، قال أحد ممثلي شركة داماك، الذي تم التواصل معه للتعليق، إن الشركة تُجري عمليات التحقق من المعلومات الأساسية لعملائها، وأنه ليس من سياسة الشركة أن توصي العملاء بالشراء نقداً.

وأضاف ممثل شركة داماك، “لو أن الصحافي الذي كان يعمل متخفياً مضى قدماً في عملية البيع إلى أبعد من مجرد اللقاء الأول مع المسوق العقاري، لاطلع على عمليات التدقيق والتدابير المشددة التي نطبقها على المعاملات التي تثير الشبهات”، لافتاً الى أن تصريحات المسوق العقاري سيتم التحقيق فيها.

وعند إخباره عن هذه الواقعة، قال الضابط من مركز مكافحة الجرائم المالية في شرطة دبي، سعود عبد العزيز المطوع، إن الإمارة “لا تتسامح مطلقاً مع عدم الامتثال”، وتتخذ إجراءات ضد أولئك الذين “يغضون الطرف” عن القانون.

وأضاف، “دبي ليست ملاذاً آمناً للأموال غير المشروعة التابعة للجهات غير القانونية. بل على العكس، هي ملاذ آمن للتجارة المشروعة، وللأفراد الملتزمين بالقانون الذين يعملون بجد ويستحقون ما لديهم”.

وأشادت ميليسا سيكويرا، وهي مديرة خدمة العملاء في “تيميس”، شركة مقرها المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة ومتخصصة في مساعدة العملاء على إدارة مخاطر الجرائم المالية، بتشديد دبي في إنفاذ القانون وزيادة عمليات التفتيش على الوسطاء العقاريين في السنوات الأخيرة. بيد أنها أشارت إلى أن التغيير على أرض الواقع ما زال في مرحلة التطور، لا سيما بين الشركات الأصغر حجماً ذات الموارد المحدودة، في قطاع كان قبل بضع سنوات فقط “يمكنك فيه شراء عقار بجواز السفر فقط”.

وقالت سيكويرا إن الهدف هو تغيير “أسلوب كبار المديرين، الذين يركزون أكثر على الربح بدلاً من وقف الآثار المالية السلبية للجريمة على الصعيد العالمي”.

وفي ما يتعلق برفع الإمارات من “القائمة الرمادية” لمجموعة العمل المالي، أشارت جودي فيتوري، الأستاذة في جامعة جورجتاون والمتخصصة في دراسة الفساد والتمويل غير المشروع، إلى أن الحرب الحالية في الشرق الأوسط قد تكون عاملاً من العوامل التي أدت إلى ذلك. إذ تأمل الولايات المتحدة بأن تساعد دولة الإمارات وحلفاؤها الآخرون في الشرق الأوسط في المهمة الشاقة المتمثلة في إعادة إعمار غزة، ويمكن أن يُنظر إلى توجيه التمويل عبر بلد يخضع لمراقبة مجموعة العمل المالي، على أنه غير مقبول.

وقالت فيتوري، “إن تسهيل الإمارات الفساد وغسيل الأموال والجريمة المنظمة، يقوض الجهود الغربية الأوسع نطاقاً لمكافحة كل شيء، بداية من الإتجار بمخدر “الفينتانيل”، ووصولاً إلى الإتجار بالبشر والتدفقات المالية غير المشروعة. 

وأضافت، “لكن سيكون من الصعب على الحكومات الغربية أن تطلب من الإمارات إعادة إعمار غزة وفي الوقت نفسه الضغط على مجموعة العمل المالي لوضع الإمارات مرة أخرى على قائمتها الرمادية لغسيل الأموال أو فرض عقوبات أخرى عليها”.

14.05.2024
زمن القراءة: 10 minutes

استخدم الصحافيون البيانات كنقطة انطلاق لتقصّي مشهد امتلاك الأجانب عقارات في دبي من بينهم مجرمين مدانين وهاربين وشخصيات سياسية متّهمة بالفساد.

من الطابق السابع والثلاثين في أطول ناطحة سحاب في دبي، نشرت زوجة رجل يُزعم أنه عضو في منظمة إجرامية بوسنية، مقاطع فيديو على منصة “تيك توك” لشقتهما الفارهة المؤجرة، وغالباً ما أظهرت في مقاطع الفيديو قطتهما الرمادية.

قدمت الصور أدلَة كافيَة للصحافيين مكّنتهم من تحديد الموقع الدقيق للشقة في ناطحة سحاب برج خليفة الشهيرة في المدينة — وحقيقة أن تلك الشقة كانت ملكاً لهدف آخر للأجهزة الأمنية، وهو: كانديدو إنسوي أوكومو، الرئيس السابق لشركة النفط الوطنية التي تلاحقها الفضائح في غينيا الاستوائية، والذي يخضع للتحقيق بتهمة غسيل الأموال في إسبانيا. أوكومو هو أيضاً صهر رئيس غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانج إنجيما مباسوغو، الذي يتّهمه الادعاء الفرنسي بنهب موارد البلاد التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط.

وليس واضحاً ما إذا كان المستأجر، دينيس كادريتش، ومالك العقار أوكومو على علم بأعمال الفساد والجرائم المزعومة المنسوبة الى كل منهما. لكن اجتماعهما في عقد إيجار واحد هو تجسيد لدبي في العصر الحديث، إذ أدت السرية وسنوات من اتباع السياسات المتساهلة إلى جعل وثائق ملكية العقارات فيها مليئة بالملاك غير المشهود لهم بالنزاهة.

شبَّه جيمس هنري، وهو زميل في برنامج العدالة العالمية بجامعة ييل وخبير في الملاذات الضريبية، دولة الإمارات العربية المتحدة – وهي اتحاد مكون من سبع إمارات بما في ذلك دبي – بمشهد الحانة في فيلم “حرب النجوم”.

يقول هنري، “عندما تدخل، ترى أمامك الزعماء الفاسدين، وإلى اليسار، تجد النخب الحاكمة، وفي الوسط، يوجد المشتغلون بغسل الأموال، وفي الخلف، يجلس تجار السلع الروس المشبوهون الذين يستخدمونها كثغرة للتهرب من العقوبات، وجميعهم تقوم على خدمتهم الممارسات المالية الأساسية السرية نفسها”.

وفي حالة شقة أوكومو الشاهقة، استخدم صحافيون من الشبكة الصربية للإبلاغ عن الجريمة والفساد (KRIK)، بالتعاون مع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، أولاً مقاطع فيديو من “تيك توك” لربط الشقة بالمشتبه بأنه عضو المنظمة الإجرامية البلقانية كادريتش، شرطي سابق اعتُقل في البوسنة في شباط/ فبراير بناءً على الشُبهة بمشاركته في الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات وغسيل الأموال. أُفرج عنه في شهر أيار/ مايو لكنه لا يزال تحت التحقيق. وبعد ذلك، استخدم فريق متخصص في تحديد المواقع من موقع التحقيق “بيلنجكات” للصحافة الاستقصائية، مقاطع الفيديو لتحديد مكان الشقة بدقة. وتم تأكيد ملكية أوكومو للشقة من خلال عقد إيجار يرجع تاريخه إلى عام 2023، وتسجيله في مجموعة من بيانات العقارات المسربة.

لم يكن أوكومو المالك الوحيد المتّهم بارتكاب جرائم الذي وجده الصحافيون في البيانات المسربة: فبعد تحقيق دام ستة أشهر بقيادة مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد ومنصة “E24” الإعلامية النرويجية، اكتشف الصحافيون عشرات من المجرمين المدانين والهاربين والشخصيات السياسية المتّهمة بالفساد أو شركائهم، والأفراد الخاضعين للعقوبات الذين يمتلكون على الأقل عقاراً واحداً في دبي.

على سبيل المثال، توجد شقة لا تبعد من عقار أوكومو في برج خليفة، تقع في فندق برج لايك وتعود ملكيتها إلى شوان محمد الملا، وهو مواطن بريطاني من أصل عراقي وُجهت إليه لائحة اتهام في الولايات المتحدة في عام 2021 بسبب قضية دفع رشوة للحصول على عقود بقيمة ملايين الدولارات لإعادة الإعمار في العراق.

وعلى الساحل في غراندور ريزيدنس، وهو مبنى على شكل نخيل يقع في إحدى الجزر الاصطناعية في دبي، توجد وحدة عقارية تعود ملكيتها إلى جوزيف يوهانس لايدجكرز، الذي يبلغ من العمر 32 عاماً، والمعروف أيضاً باسم “تشابي جوز”، والمدرج على قائمة الاتحاد الأوروبي للأشخاص المطلوبين بتهمة الإتجار بالمخدرات.

وفي برج النخلة المجاور في دبي، تقع شقة تعود ملكيتها إلى دانيلو فونجاو سانتانا غوفيا، وهو رجل أعمال برازيلي يُعرف باسم “دوبيانو”. فبعدما اتُّهم بغسيل الأموال والاحتيال بسبب إدارته ما يُزعم أنه مخطط هرمي ضخم للبيتكوين في بلاده، توجه الى العمل لاحقاً كفنان موسيقي في دبي، وهو ما ذكره بالتفصيل في حسابه على تطبيق “إنستغرام”، بالإضافة إلى عرض صوره وهو يقف أمام مواقع مختلفة في المدينة، بما في ذلك مبنى جميرا برج العرب بتصميمه الشراعي.

كان ينبغي لهؤلاء والكثير من أصحاب العقارات الآخرين الذين تحققت منهم مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد وشركاؤها، أن يثيروا الشبهات على الفور في ظل أي نظام تقييم أساسي للمخاطر. ومع ذلك، يبدو أنه لم يُمنع أي من هؤلاء الأفراد من شراء عقارات بأسمائهم. (لم يستجب كادريتش وأوكومو والمولا وليجديكرز وسانتانا غوفيا لطلبات التعليق).

تم الحصول على البيانات المسربة، التي تعود أساساً إلى عامي 2020 و 2022، في البداية من مركز دراسات الدفاع المتقدمة (C4ADS)، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، تكرس أعمالها في التحليل القائم على البيانات وتقارير الصراع والأمن القائمة على الأدلة في جميع أنحاء العالم. بعد ذلك، تمت مشاركة البيانات مع منصة “E24” الإعلامية النرويجية المتخصصة في الشؤون المالية ومؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد، اللتين تنسقان معاً مشروع “كشف النقاب عن دبي”، وهو مشروع استقصائي عالمي يضم صحافيين من أكثر من 70 منصة إعلامية.

استخدم الصحافيون البيانات كنقطة انطلاق لتقصّي مشهد امتلاك الأجانب العقارات في دبي. وقد أمضوا شهوراً في التحقق من هويات الأشخاص الذين ظهروا في البيانات المسربة، فضلاً عن التأكد من حالة ملكيتهم باستخدام السجلات الرسمية، والبحث في المصادر المفتوحة ومجموعات البيانات المسرّبة الأخرى.

وبدايةً من مهربي الكوكايين الأستراليين إلى أقارب الحكام المستبدين الأفارقة ووصولاً إلى مجموعة من ممولي “حزب الله” الخاضعين للعقوبات، تكشف النتائج كيف فتحت المدينة ذراعيها للشخصيات معدومي الضمير من جميع أنحاء العالم.

قالت ماريا جوديتا بورسيل، وهي مديرة ملف في مركز دراسات الدفاع المتقدمة، “تستغل الجهات الفاعلة الفاسدة والأشخاص المكشوفون سياسياً الذين يتجنبون المساءلة العامة، الولايات القضائية التي تكفل السرية مثل دولة الإمارات، لإخفاء الأصول على مرأى من الجميع”.

لم يرد المسؤولون في الإمارات – بما في ذلك وزارات الداخلية والاقتصاد والعدل – وشرطة دبي على الأسئلة المفصلة، ولكنّ سفارتَي الإمارات في المملكة المتحدة والنروج أرسلتا رداً موجزاً إلى الصحافيين، جاء فيه أن الدولة “تولي دورها في حماية نزاهة النظام المالي العالمي جدية بالغة”.

وأضاف البيان: “في سعيها المستمر لمكافحة المجرمين العابرين للحدود، تعمل الإمارات عن كثب مع الشركاء الدوليين لتعطيل وردع جميع أشكال التمويل غير المشروع”، وأنّ “الإمارات ملتزمة بمواصلة هذه الجهود والإجراءات أكثر من أي وقت مضى اليوم وعلى المدى الطويل”.

لماذا دبي؟

قبل أربعين عاماً، كانت دبي موقعاً غير مميز في الشرق الأوسط، حيث بإمكان عاصفة رملية أن تجتاح المنطقة وتمر من دون عراقيل تُذكر من الصحراء العربية إلى الخليج العربي.

واليوم، أصبحت مركزاً مالياً عالمياً وتتباهى بأنها واحدة من المدن التي تضم أشهر ناطحات السحاب في العالم — إذ إنها تُعد مدينة شديدة الكثافة تضم ناطحات سحاب شاهقة وشوارع مزدحمة ذات تصميم مستقبلي، حيث يُبرم كبار رجال الأعمال صفقات بمليارات الدولارات، ويعرض المؤثرون حياة مفعمة بالرفاهية، ويتسلق النجم العالمي توم كروز أعلى ناطحة سحاب في العالم فيها خلال تصوير سلسلة أفلامه المشهورة.

لم تكن المدينة الخليجية هي المكان الوحيد الذي يُخبئ فيه المجرمون وغيرهم ثرواتهم المشبوهة في العقارات الفاخرة. فمن المعروف أيضاً أن العقارات في مدينتي نيويورك ولندن تجذب الأموال المشبوهة.

بيد أن الخبراء يقولون إن دبي لديها الكثير لتقدمه، وليس فقط في ما يتعلق بمجموعتها الهائلة من الأبراج الشاهقة الفاخرة والفيلات.

إذ يقول الخبراء إن أحد عوامل الجذب التي تتمتع بها دبي تتمثل في استجابات الإمارة المتضاربة للطلبات المقدمة من السلطات الأجنبية للمساعدة في القبض على الهاربين وتسليمهم.

حتى وقت قريب، لم تكن لدى دولة الإمارات معاهدات تسليم المجرمين مع الكثير من الدول، ما ساعد في تحويل دبي إلى منطقة جذب للهاربين من جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن السلطات الإماراتية عززت من التعاون مع سلطات إنفاذ القانون الأجنبية في السنوات الأخيرة، لا تزال الحكومة معروفة باستجاباتها المتضاربة لطلبات التسليم.

ومن أحدث الأمثلة على ذلك النهج الذي تتبعه دولة الإمارات، قضية “الأخوين غوبتا”، وهما شقيقان من أصول هندية، متهمان بنهب الأموال العامة في جنوب أفريقيا من خلال علاقتهما الوثيقة مع الرئيس السابق للبلاد جاكوب زوما.

على الرغم من وجود معاهدة تسليم المجرمين بين البلدين، رفضت الإمارات في العام الماضي بشكل هادئ طلب جنوب أفريقيا تسليم الأخوين أتول وراجيش غوبتا، اللذين يواجهان تهماً بغسيل الأموال والاحتيال. وقد هزت هذه الخطوة جنوب أفريقيا، إذ قالت السلطات إن الإمارات لم تقدم “ردوداً مقنعة” على أسباب الرفض.

لم يرد مسؤول إماراتي على الأسئلة المحددة حول غوبتا، لكنه قال إنه “يعمل عن كثب مع الشركاء الدوليين لتعطيل وردع جميع أشكال التمويل غير المشروع”. ولم يرد غوبتا وزوما على طلبات التعليق.

وبحسب ما قالته رادها ستيرلينغ، وهي محامية وناشطة حقوقية والرئيسة التنفيذية لمنظمة “معتقلون في دبي” المتخصصة في تقديم المساعدات القانونية، فإن السلطات الإماراتية تستغل كبار المتهمين الهاربين المعروفين عالمياً كـ “أوراق مساومة”.

إذ تقول إن “وجود معاهدات تسليم المجرمين بين الدول ليس بالضرورة أمراً أساسياً لتسليم الأشخاص”. وأضافت “الأمر المهم هو ما تريده دبي في المقابل، وما إذا كانت تلك الدولة لديها شيء تريده دبي بالقدر الكافي لكي توافق على المقايضة”.

وأكد سعود عبد العزيز المطوع، رئيس مركز مكافحة الجرائم المالية في شرطة دبي، عندما سُئل عن سجل البلاد في عمليات تسليم المجرمين، أنه تمت زيادة عدد الاعتقالات أخيراً لأولئك الصادرة في حقهم نشرات حمراء. وقال إن طلبات التسليم التي يجب أن تمر عبر المحاكم المحلية، تستغرق وقتاً أطول للبت فيها، وغالباً ما تواجه تحديات من فرق الدفاع التي تملك موارد كبيرة.

وأضاف في مقابلة مع التلفزيون السويدي في آذار/ مارس، “نحن نعمل على زيادة قدرتنا، ونعزز ونطور مواردنا… لتلبية توقعات نظرائنا الأجانب”.

الرفع من “القائمة الرمادية”

شدّدت السلطات الإماراتية إجراءات مكافحة غسيل الأموال في السنوات الأخيرة، لا سيما منذ أن أدرجت مجموعة العمل المالي (FATF)، وهي منظمة حكومية دولية معنية بمكافحة غسيل الأموال، الإمارات في قائمتها “الرمادية” في عام 2022 بسبب إخفاقها في مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة بفعالية. وبعد محاولات من الضغط لرفعها من القائمة، كوفئت السلطات الإماراتية بأنباء سارة في شباط/ فبراير: فقد أشادت مجموعة العمل المالي بجهود الإمارات “والتقدم الكبير” الذي أحرزته، وأُعفيت من إجراءات المراقبة الإضافية.

بيد أن بعض الخبراء حذروا من أن هذه الخطوة كانت سابقة لأوانها، أو مدفوعة بمخاوف جيوسياسية.

وقال كولين باورز، وهو زميل رئيسي ورئيس تحرير برنامج نوريا للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي منظمة بحثية مستقلة غير ربحية، “ربما كانت الإصلاحات الأخيرة التي أدخلت على قانون العقوبات والسلطة القضائية، كافية لرفع دبي من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي هذا الشتاء، لكنها لم تغير بشكل جوهري من طبيعة سوق العقارات”.

وأضاف أن الإصلاحات لا “تغير ما يجعل سوق العقارات جذاباً للغاية لحفظ الثروات”، مشيراً إلى قدرة المشترين على إخفاء ملكيتهم وراء الصناديق الاستئمانية والشركات القابضة والمؤسسات.

تشير استشارة قدمها أحد مسوقي العقارات من شركة داماك الرائدة في مجال التطوير العقاري في دبي في شهر آذار، لصحافي كان يعمل متخفياً، إلى أن بعض الوسطاء على استعداد لغض الطرف عندما يتعلق الأمر بأصول أموال عملائهم.

وأثناء جولة في أحد العقارات التابعة لشركة داماك، قيل للمراسلين من التلفزيون السويدي إنهم يستطيعون شراء الشقة بـ”حقائب من النقود” أو العملات المشفرة، ولن يواجهوا “أي أسئلة” حول مصدر أموالهم.

وقال مسوق العقارات، “في العقارات لن تتعرض لأي أسئلة من أي جهة… بخاصة من المطور العقاري نفسه”. وأضاف، “كل من يريد الشراء يستطيع أن يفعل ذلك”.

ووصف أيضاً كيف أن شراء العقارات نقداً هو وسيلة يتبعها العملاء لتجنب الأسئلة التي تطرحها البنوك حول مصدر أموالهم.

وأردف المسوق العقاري قائلاً، “إذا بعت العقار ثم حولت كل المبلغ إلى الحساب المصرفي، فلن تكون هناك مشكلة، ولن يتم سؤالك من أين حصلت على النقود لشراء العقار ثم بيعه وإيداع النقود في البنك”.

وفي وقت لاحق، قال أحد ممثلي شركة داماك، الذي تم التواصل معه للتعليق، إن الشركة تُجري عمليات التحقق من المعلومات الأساسية لعملائها، وأنه ليس من سياسة الشركة أن توصي العملاء بالشراء نقداً.

وأضاف ممثل شركة داماك، “لو أن الصحافي الذي كان يعمل متخفياً مضى قدماً في عملية البيع إلى أبعد من مجرد اللقاء الأول مع المسوق العقاري، لاطلع على عمليات التدقيق والتدابير المشددة التي نطبقها على المعاملات التي تثير الشبهات”، لافتاً الى أن تصريحات المسوق العقاري سيتم التحقيق فيها.

وعند إخباره عن هذه الواقعة، قال الضابط من مركز مكافحة الجرائم المالية في شرطة دبي، سعود عبد العزيز المطوع، إن الإمارة “لا تتسامح مطلقاً مع عدم الامتثال”، وتتخذ إجراءات ضد أولئك الذين “يغضون الطرف” عن القانون.

وأضاف، “دبي ليست ملاذاً آمناً للأموال غير المشروعة التابعة للجهات غير القانونية. بل على العكس، هي ملاذ آمن للتجارة المشروعة، وللأفراد الملتزمين بالقانون الذين يعملون بجد ويستحقون ما لديهم”.

وأشادت ميليسا سيكويرا، وهي مديرة خدمة العملاء في “تيميس”، شركة مقرها المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة ومتخصصة في مساعدة العملاء على إدارة مخاطر الجرائم المالية، بتشديد دبي في إنفاذ القانون وزيادة عمليات التفتيش على الوسطاء العقاريين في السنوات الأخيرة. بيد أنها أشارت إلى أن التغيير على أرض الواقع ما زال في مرحلة التطور، لا سيما بين الشركات الأصغر حجماً ذات الموارد المحدودة، في قطاع كان قبل بضع سنوات فقط “يمكنك فيه شراء عقار بجواز السفر فقط”.

وقالت سيكويرا إن الهدف هو تغيير “أسلوب كبار المديرين، الذين يركزون أكثر على الربح بدلاً من وقف الآثار المالية السلبية للجريمة على الصعيد العالمي”.

وفي ما يتعلق برفع الإمارات من “القائمة الرمادية” لمجموعة العمل المالي، أشارت جودي فيتوري، الأستاذة في جامعة جورجتاون والمتخصصة في دراسة الفساد والتمويل غير المشروع، إلى أن الحرب الحالية في الشرق الأوسط قد تكون عاملاً من العوامل التي أدت إلى ذلك. إذ تأمل الولايات المتحدة بأن تساعد دولة الإمارات وحلفاؤها الآخرون في الشرق الأوسط في المهمة الشاقة المتمثلة في إعادة إعمار غزة، ويمكن أن يُنظر إلى توجيه التمويل عبر بلد يخضع لمراقبة مجموعة العمل المالي، على أنه غير مقبول.

وقالت فيتوري، “إن تسهيل الإمارات الفساد وغسيل الأموال والجريمة المنظمة، يقوض الجهود الغربية الأوسع نطاقاً لمكافحة كل شيء، بداية من الإتجار بمخدر “الفينتانيل”، ووصولاً إلى الإتجار بالبشر والتدفقات المالية غير المشروعة. 

وأضافت، “لكن سيكون من الصعب على الحكومات الغربية أن تطلب من الإمارات إعادة إعمار غزة وفي الوقت نفسه الضغط على مجموعة العمل المالي لوضع الإمارات مرة أخرى على قائمتها الرمادية لغسيل الأموال أو فرض عقوبات أخرى عليها”.

14.05.2024
زمن القراءة: 10 minutes
|
آخر القصص
مجتمع “أختي أميرة”
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 21.06.2024
في سوريا… الشوق إلى الأم شأن سياسيّ! 
عمّار المأمون - كاتب سوري | 21.06.2024
الحج: لماذا بات رحلة الى الموت؟
سمر فيصل - صحافية سعودية | 20.06.2024

اشترك بنشرتنا البريدية