fbpx

نساء إيران ومقاومة الملالي: ما وراء الحجاب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على مدار ثلاثة أسابيع متواصلة، يؤكد الحراك النسوي الايراني قدرته على الاستمرار، بل والمناورة والقدرة على الحشد والتعبئة والتحدي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على قبر الشاب جواد حيدري الذي قضى في الاحتجاجات الإيرانية إثر مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، قامت شقيقته بقص شعرها. 

هذه الصورة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، والمتكررة في مواقف متفاوتة، خلال المسيرات الاحتجاجية التي طوقت أكثر من خمسين مدينة إيرانية، تماثلت مع مشهد زوجة بطل “الشاهنامة”، الملحمة الشعرية الفارسية، وقد قامت بقص شعرها (احتجاجاً أو حداداً) على مقتل البطل سياوش. 

تعاود النساء الإيرانيات تقديم صورة أو مقاربة معاصرة في يومياتهن الصعبة مع النظام الديني الذي يقف ضد المرأة والحياة والحرية. بينما تخدش، من خلال موقفها العفوي الاحتجاجي، فصلاً في التاريخ والأدب الفارسي الذي سبق أن سجل في 60 ألف بيت شعري أجزاء مهمة من سياسات الملوك وأنماط الحكم والأوضاع الاجتماعية. 

مقاومة الإيرانيات، هذه المرة، تعكس صلابة كما تفضح بدائية السلطة على مستوى ممارساتها وأفكارها. 

على مدار ثلاثة أسابيع متواصلة، يؤكد الحراك النسوي الايراني قدرته على الاستمرار، بل والمناورة والقدرة على الحشد والتعبئة والتحدي. فضلاً عن وجود أنماط من المقاومة غير تقليدية ومباغتة أو بالأحرى مربكة للملالي. وذلك برغم وحشية النظام الذي يعمد إلى تعميم العنف، وتوريط المحتجين في مشاهد دموية يصنعها وكلاء السلطة المندسون بزي مدني. 

وقد كشفت تقارير، صحافية وحقوقية، استعانة النظام بسيارات الإسعاف للقبض على المتظاهرين، وتخفّي عناصر وأفراد الأمن في زي مدني. 

وتقترن مظاهر خلع الحجاب، علناً، في شوارع إيران أو قص الشعر، برغبة النساء في الإعلان عن هوية مغايرة، تتجاوز أطر النزاع على قانون إلزامية الحجاب والذي أمسى من الماضي. إذ تستهدف المحتجات توسيع مساحة المناورة مع السلطة بالكشف عن شيخوختها، عندما لا تجرؤ الأخيرة على المكاشفة أمام الدوائر التي تتجمع خارج نطاق سيطرتها ونفوذها، وتصر على الانسحاب من أسفل حدود الهوية الدينية والطائفية للنظام. 

فالجسد الذي راكم عليه نظام الملالي خطاباته الأيديولوجية، لجهة ضبطه واستثمار وجوده الوظيفي المحدود، يقفز من أفخاخ الدعاية السياسية التي نصبت له ويعلن تحديه لها. 

مقاومة الإيرانيات، هذه المرة، تعكس صلابة كما تفضح بدائية السلطة على مستوى ممارساتها وأفكارها. 

ما يقرب من 86 في المئة من المجتمع الإيراني هم من مواليد ما بعد الثورة الإسلامية، عام 1979. وبالتالي، من اللافت أن المنخرطين في الاحتجاجات الأخيرة هم من مواليد الألفية الجديدة. هذه الفئات تقف على النقيض من مبادئ الجمهورية التي دشنها “آيات الله”. ويطاول الحراك الاحتجاجي، بقيادة النساء اللواتي تعرضن للحجاب الإلزامي والتغييب القسري، الجهاز الأمني والأيديولوجي الذي يهدف إلى تعميم أفكاره وسياساته. 

الهتافات التي رددها المحتجون، ومنها: “الموت لخامنئي”، ولم تذكر الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، عمداً، ثم تحطيم صور المرشد الإيراني، علي خامنئي ومؤسس الجمهورية الإسلامية المرشد السابق، الإمام الخميني، مشاهد تشير إلى التصعيد، إلى ما هو أبعد من مجرد احتجاج، موقت، تمكن تهدئته بتحميل الحكومة أو أي من أفرادها المسؤولية. هي لحظة غضب نهائية ضد النظام برمته، والكيان الذي يحتمي وراءه، وتصفية أو نزع الأساطير ذات القداسة المتوهمة عنه، سواء كانت أيديولوجية أو دينية.  

ويكاد لا يختلف المسؤولون، تحديداً المحسوبون على الجناح الأصولي المتشدد، حول أن هناك جيلاً جديداً (بين المتظاهرين) “لم يعد يخشى الحرس الثوري”. وهذا التصريح الذي نقلته صحيفة “كيهان” القريبة من “الحرس” والمرشد الإيراني، عن حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري، له تأويلات كثيرة. لكن الشاهد أن الجنرال سلامي يعي، كما غيره، غياب الولاء للنظام، أو بالأحرى تلاشي أي تأثير محتمل للخطاب السياسي بين الشباب والفتيات. ومن ثم، فشل القبضة الأمنية في تحقيق أي أفق.

ولذلك، قال سلامي: “نقول لشبابنا الأعزاء، عندما تأتي إلى الشارع، انظر خلفك لأن الطريق الذي تسلكه لا يصل إلا إلى قلة من الناس”.

وتابع بلهجة أقل حدة: “ندافع عن الجميع حتى الذين لا يحبوننا”.

وإلى ذلك، ضغطت صحف تابعة للجناج الأصولي، على مسألة تفريغ إيران من السياسة، وكذا تغييب أو غياب “المراجع السياسية والمجتمعية” المؤثرة، من دون تحديد هوية أي منهم أو تصنيف مواقعهم. غير أن هؤلاء بمقدورهم إيجاد ممرات آمنة لمثل هذه المعضلات السياسية والأمنية التي تواجه النظام. 

ومن بين هذه الصحف التي لمّحت إلى الانسداد أو الانغلاق السياسي “وطن امروز”. وقد ذكرت أن هذا الوضع يملأ فراغاته بعض النخب المعارضة، في إشارة لنجوم الفن والرياضة الذين هاجموا الأحداث، بداية من مقتل أميني وحتى الآن. 

ووفق صحيفة “جوان” الإيرانية القريبة من الحرس الثوري، فإن قرابة 93 في المئة من المنخرطين في التظاهرات الأخيرة لا تتجاوز أعمارهم 25 سنة. 

لكن وكالة أنباء “فارس” قد وصفت المتظاهرين بأنهم “مراهقون”، ومن “دون قيود دينية”. واتهمت صحيفة “كيهان” التظاهرات بـ”النزعات الانفصالية”.

وفي ما يبدو أن الأجيال الجديدة في إيران، تحتج على أربعة عقود من حكم الإسلام السياسي، في نسخته الشيعية (الخمينية). وقد هُمش في سنواتها المواطن لحساب جماعات متخيلة. وهذه الجماعات، التي تتم أسطرة أفرادها أو ربطهم بسرديات ميثولوجية تحقق القداسة على نحو براغماتي، تمنح للعنف وطغيان الوحشية الرؤية (والمبرر) الكفاحية أو التطهيرية لدى السلطة وحاضنتها الولائية.  

إذاً، تتحرى الأجيال الجديدة بإيران مغادرة الهامش الذي لجأت إليه لتفادي إكراهات السلطة. وتنتقل أجسادهم، على نحو مباغت، من الظل إلى المتن. ولا تتوانى هذه الأجيال عن حلحلة التصورات المفروضة قسراً، وكذا نبذ الخطاب القيمي والأيدولوجي للنظام، بعدما فقد تأثيره وتآكلت شرعيته. ومن ثم، تواصل ضغوطاتها لجهة فرض القضايا الحقوقية، وتوسيع هامش الحريات المأزومة التي تهدد نفوذ الولي الفقيه. 

ولذلك، تسجل أكثر من مائة جامعة ومؤسسة تعليمية لمراحل دراسية مختلفة، الإضراب عن التعليم من قبل الطلاب على خلفية اعتقال زملائهم. واشتراط العودة إلى مقاعد الدراسة بعد الإفراج عن الموقوفين. وقد وثق مقطع فيديو تعامل قوات الأمن بوحشية أثناء اعتقال طلبة جامعة شريف بطهران، الأمر الذي تكرر في جامعات أخرى، منها جامعة طهران، وجامعة العلامة طباطبائي، وجامعة بهشتي، وجامعة تبريز.

ولطالما كانت الجامعة الإيرانية البيئة التي تتشكل داخلها أي حراك مجتمعي. وهتف المحتجون من داخل الحرم الجامعي: “نحن نقاتل لنستعيد إيران”، و”ترفعون شعار الحسين وتقتلون الشعب”، و”لا نريد الحجاب ولا دورية الإرشاد”. 

وبرغم نفي الناطق بلسان وزارة العلوم بإيران، علي شمسي، حدوث اقتحام من قبل أي قوات أمنية لجامعة شريف، إلا أنه كرر حديثه وقال: “قد تنفعل القوات الأمنية في مثل هذا الموقف وتدخل الجامعة لنحو عشرة أمتار”. 

وثمّن بيان المجلس التنسيقي للمنظمات النقابية للمعلمين الإيرانيين موقف الحركة الطلابية. وقال: “أنتم تقاومون أحد أكثر أنظمة القمع وحشية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث”. 

وتكاد لا توجد منطقة في إيران لم تنتقل لها عدوى الاحتجاجات، بداية من مدينة مشهد الشيعية وزاهدان السنية، شرق إيران، مروراً بمدينتي تبريز وزنجان، شمال غرب البلاد، وكذا أصفهان في وسط طهران، وصولاً إلى مدينتي شيراز والأحواز في الجنوب، ناهيك عن المناطق الكردية. 

وعليه، جاء خطاب المرشد الإيراني الذي ظهر للمرة الأولى، منذ تفشي التظاهرات، يحمل مقولاته التقليدية حول خصوم الجمهورية الإسلامية. بينما حاول إغراء حاضنته وتعبئة بعضهم من خلال زعمه بأن المحتجين أو “مثيري الشغب”، على حد تعبيره، قاموا “بإحراق القرآن” وسب “المقدسات”.

كما عرج على الموقف الدولي والعقوبات الجديدة من جانب الغرب، فقال: “هناك الكثير من أعمال الشغب تحدث في العالم وفي أوروبا، بخاصة في فرنسا، لكن هل دعم رئيس الولايات المتحدة ومجلس النواب الأميركي مثيري الشغب؟ هل حدث وبعثوا برسائل وقالوا إننا معكم؟”.

وعدّ خامنئي اصطفاف بعض النخب الإيرانية مع الاحتجاجات، بأن “لا أهمية لها ولا ينبغي أن نبدي حساسية حيالها”.

وتابع المرشد الإيراني: “في الأحداث التي شهدناها، تعرض عناصر قوات الأمن والباسيج للظلم أكثر من غيرهم”.

04.10.2022
زمن القراءة: 5 minutes

على مدار ثلاثة أسابيع متواصلة، يؤكد الحراك النسوي الايراني قدرته على الاستمرار، بل والمناورة والقدرة على الحشد والتعبئة والتحدي.

على قبر الشاب جواد حيدري الذي قضى في الاحتجاجات الإيرانية إثر مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، قامت شقيقته بقص شعرها. 

هذه الصورة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، والمتكررة في مواقف متفاوتة، خلال المسيرات الاحتجاجية التي طوقت أكثر من خمسين مدينة إيرانية، تماثلت مع مشهد زوجة بطل “الشاهنامة”، الملحمة الشعرية الفارسية، وقد قامت بقص شعرها (احتجاجاً أو حداداً) على مقتل البطل سياوش. 

تعاود النساء الإيرانيات تقديم صورة أو مقاربة معاصرة في يومياتهن الصعبة مع النظام الديني الذي يقف ضد المرأة والحياة والحرية. بينما تخدش، من خلال موقفها العفوي الاحتجاجي، فصلاً في التاريخ والأدب الفارسي الذي سبق أن سجل في 60 ألف بيت شعري أجزاء مهمة من سياسات الملوك وأنماط الحكم والأوضاع الاجتماعية. 

مقاومة الإيرانيات، هذه المرة، تعكس صلابة كما تفضح بدائية السلطة على مستوى ممارساتها وأفكارها. 

على مدار ثلاثة أسابيع متواصلة، يؤكد الحراك النسوي الايراني قدرته على الاستمرار، بل والمناورة والقدرة على الحشد والتعبئة والتحدي. فضلاً عن وجود أنماط من المقاومة غير تقليدية ومباغتة أو بالأحرى مربكة للملالي. وذلك برغم وحشية النظام الذي يعمد إلى تعميم العنف، وتوريط المحتجين في مشاهد دموية يصنعها وكلاء السلطة المندسون بزي مدني. 

وقد كشفت تقارير، صحافية وحقوقية، استعانة النظام بسيارات الإسعاف للقبض على المتظاهرين، وتخفّي عناصر وأفراد الأمن في زي مدني. 

وتقترن مظاهر خلع الحجاب، علناً، في شوارع إيران أو قص الشعر، برغبة النساء في الإعلان عن هوية مغايرة، تتجاوز أطر النزاع على قانون إلزامية الحجاب والذي أمسى من الماضي. إذ تستهدف المحتجات توسيع مساحة المناورة مع السلطة بالكشف عن شيخوختها، عندما لا تجرؤ الأخيرة على المكاشفة أمام الدوائر التي تتجمع خارج نطاق سيطرتها ونفوذها، وتصر على الانسحاب من أسفل حدود الهوية الدينية والطائفية للنظام. 

فالجسد الذي راكم عليه نظام الملالي خطاباته الأيديولوجية، لجهة ضبطه واستثمار وجوده الوظيفي المحدود، يقفز من أفخاخ الدعاية السياسية التي نصبت له ويعلن تحديه لها. 

مقاومة الإيرانيات، هذه المرة، تعكس صلابة كما تفضح بدائية السلطة على مستوى ممارساتها وأفكارها. 

ما يقرب من 86 في المئة من المجتمع الإيراني هم من مواليد ما بعد الثورة الإسلامية، عام 1979. وبالتالي، من اللافت أن المنخرطين في الاحتجاجات الأخيرة هم من مواليد الألفية الجديدة. هذه الفئات تقف على النقيض من مبادئ الجمهورية التي دشنها “آيات الله”. ويطاول الحراك الاحتجاجي، بقيادة النساء اللواتي تعرضن للحجاب الإلزامي والتغييب القسري، الجهاز الأمني والأيديولوجي الذي يهدف إلى تعميم أفكاره وسياساته. 

الهتافات التي رددها المحتجون، ومنها: “الموت لخامنئي”، ولم تذكر الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، عمداً، ثم تحطيم صور المرشد الإيراني، علي خامنئي ومؤسس الجمهورية الإسلامية المرشد السابق، الإمام الخميني، مشاهد تشير إلى التصعيد، إلى ما هو أبعد من مجرد احتجاج، موقت، تمكن تهدئته بتحميل الحكومة أو أي من أفرادها المسؤولية. هي لحظة غضب نهائية ضد النظام برمته، والكيان الذي يحتمي وراءه، وتصفية أو نزع الأساطير ذات القداسة المتوهمة عنه، سواء كانت أيديولوجية أو دينية.  

ويكاد لا يختلف المسؤولون، تحديداً المحسوبون على الجناح الأصولي المتشدد، حول أن هناك جيلاً جديداً (بين المتظاهرين) “لم يعد يخشى الحرس الثوري”. وهذا التصريح الذي نقلته صحيفة “كيهان” القريبة من “الحرس” والمرشد الإيراني، عن حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري، له تأويلات كثيرة. لكن الشاهد أن الجنرال سلامي يعي، كما غيره، غياب الولاء للنظام، أو بالأحرى تلاشي أي تأثير محتمل للخطاب السياسي بين الشباب والفتيات. ومن ثم، فشل القبضة الأمنية في تحقيق أي أفق.

ولذلك، قال سلامي: “نقول لشبابنا الأعزاء، عندما تأتي إلى الشارع، انظر خلفك لأن الطريق الذي تسلكه لا يصل إلا إلى قلة من الناس”.

وتابع بلهجة أقل حدة: “ندافع عن الجميع حتى الذين لا يحبوننا”.

وإلى ذلك، ضغطت صحف تابعة للجناج الأصولي، على مسألة تفريغ إيران من السياسة، وكذا تغييب أو غياب “المراجع السياسية والمجتمعية” المؤثرة، من دون تحديد هوية أي منهم أو تصنيف مواقعهم. غير أن هؤلاء بمقدورهم إيجاد ممرات آمنة لمثل هذه المعضلات السياسية والأمنية التي تواجه النظام. 

ومن بين هذه الصحف التي لمّحت إلى الانسداد أو الانغلاق السياسي “وطن امروز”. وقد ذكرت أن هذا الوضع يملأ فراغاته بعض النخب المعارضة، في إشارة لنجوم الفن والرياضة الذين هاجموا الأحداث، بداية من مقتل أميني وحتى الآن. 

ووفق صحيفة “جوان” الإيرانية القريبة من الحرس الثوري، فإن قرابة 93 في المئة من المنخرطين في التظاهرات الأخيرة لا تتجاوز أعمارهم 25 سنة. 

لكن وكالة أنباء “فارس” قد وصفت المتظاهرين بأنهم “مراهقون”، ومن “دون قيود دينية”. واتهمت صحيفة “كيهان” التظاهرات بـ”النزعات الانفصالية”.

وفي ما يبدو أن الأجيال الجديدة في إيران، تحتج على أربعة عقود من حكم الإسلام السياسي، في نسخته الشيعية (الخمينية). وقد هُمش في سنواتها المواطن لحساب جماعات متخيلة. وهذه الجماعات، التي تتم أسطرة أفرادها أو ربطهم بسرديات ميثولوجية تحقق القداسة على نحو براغماتي، تمنح للعنف وطغيان الوحشية الرؤية (والمبرر) الكفاحية أو التطهيرية لدى السلطة وحاضنتها الولائية.  

إذاً، تتحرى الأجيال الجديدة بإيران مغادرة الهامش الذي لجأت إليه لتفادي إكراهات السلطة. وتنتقل أجسادهم، على نحو مباغت، من الظل إلى المتن. ولا تتوانى هذه الأجيال عن حلحلة التصورات المفروضة قسراً، وكذا نبذ الخطاب القيمي والأيدولوجي للنظام، بعدما فقد تأثيره وتآكلت شرعيته. ومن ثم، تواصل ضغوطاتها لجهة فرض القضايا الحقوقية، وتوسيع هامش الحريات المأزومة التي تهدد نفوذ الولي الفقيه. 

ولذلك، تسجل أكثر من مائة جامعة ومؤسسة تعليمية لمراحل دراسية مختلفة، الإضراب عن التعليم من قبل الطلاب على خلفية اعتقال زملائهم. واشتراط العودة إلى مقاعد الدراسة بعد الإفراج عن الموقوفين. وقد وثق مقطع فيديو تعامل قوات الأمن بوحشية أثناء اعتقال طلبة جامعة شريف بطهران، الأمر الذي تكرر في جامعات أخرى، منها جامعة طهران، وجامعة العلامة طباطبائي، وجامعة بهشتي، وجامعة تبريز.

ولطالما كانت الجامعة الإيرانية البيئة التي تتشكل داخلها أي حراك مجتمعي. وهتف المحتجون من داخل الحرم الجامعي: “نحن نقاتل لنستعيد إيران”، و”ترفعون شعار الحسين وتقتلون الشعب”، و”لا نريد الحجاب ولا دورية الإرشاد”. 

وبرغم نفي الناطق بلسان وزارة العلوم بإيران، علي شمسي، حدوث اقتحام من قبل أي قوات أمنية لجامعة شريف، إلا أنه كرر حديثه وقال: “قد تنفعل القوات الأمنية في مثل هذا الموقف وتدخل الجامعة لنحو عشرة أمتار”. 

وثمّن بيان المجلس التنسيقي للمنظمات النقابية للمعلمين الإيرانيين موقف الحركة الطلابية. وقال: “أنتم تقاومون أحد أكثر أنظمة القمع وحشية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث”. 

وتكاد لا توجد منطقة في إيران لم تنتقل لها عدوى الاحتجاجات، بداية من مدينة مشهد الشيعية وزاهدان السنية، شرق إيران، مروراً بمدينتي تبريز وزنجان، شمال غرب البلاد، وكذا أصفهان في وسط طهران، وصولاً إلى مدينتي شيراز والأحواز في الجنوب، ناهيك عن المناطق الكردية. 

وعليه، جاء خطاب المرشد الإيراني الذي ظهر للمرة الأولى، منذ تفشي التظاهرات، يحمل مقولاته التقليدية حول خصوم الجمهورية الإسلامية. بينما حاول إغراء حاضنته وتعبئة بعضهم من خلال زعمه بأن المحتجين أو “مثيري الشغب”، على حد تعبيره، قاموا “بإحراق القرآن” وسب “المقدسات”.

كما عرج على الموقف الدولي والعقوبات الجديدة من جانب الغرب، فقال: “هناك الكثير من أعمال الشغب تحدث في العالم وفي أوروبا، بخاصة في فرنسا، لكن هل دعم رئيس الولايات المتحدة ومجلس النواب الأميركي مثيري الشغب؟ هل حدث وبعثوا برسائل وقالوا إننا معكم؟”.

وعدّ خامنئي اصطفاف بعض النخب الإيرانية مع الاحتجاجات، بأن “لا أهمية لها ولا ينبغي أن نبدي حساسية حيالها”.

وتابع المرشد الإيراني: “في الأحداث التي شهدناها، تعرض عناصر قوات الأمن والباسيج للظلم أكثر من غيرهم”.

04.10.2022
زمن القراءة: 5 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية