fbpx

هل تجوز المقارنة بين الحرب في أوكرانيا والحرب في غزة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر، انتشرت في فرنسا مقالات وآراء صحافية وأكاديمية، تقارن بين الحرب في قطاع غزة والحرب الروسية – الأوكرانية، وبدا الاهتمام بهاتين الحربين منطقياً بالنظر إلى انعكاس كل منهما على الداخل الفرنسي، هل تجوز المقارنة ؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ارتدت الحرب في أوكرانيا سلباً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي في فرنسا، يضاف إليها ما تثيره من توتر أمني في القارة العجوز. وعلى رغم العلاقة التي جمعت عدداً من الأحزاب الفرنسية في موسكو، لم تؤدِّ هذه الحرب إلى انقسام سياسي داخلي، بخلاف الحرب في غزة وما نتج منها من توتّر داخلي، ذلك أن  الجاليتين اليهودية والعربية في فرنسا هما الأكبر على الصعيد الأوروبي. 

لا تدور المقارنة حول انعكاسات الحربين على فرنسا بقدر ما تتناول مقاربة الخارطة الجيوسياسية. وعليه، انقسم “المقارنون” إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى ترى فيهما صراعاً حضارياً بعدما تعرضت “الديمقراطيتين الأوكرانية والإسرائيلية” لاعتداءات. بالتالي، أوكرانيا وإسرائيل في حالة دفاع مشروعة عن النفس ضد الإرهاب، أما المستهدف من خلفهما فهو المعسكر الغربي بقيمه الديمقراطية.  

الفئة الثانية يجسّدها المعادون للولايات المتحدة والمنحازون إلى روسيا والفلسطينيين. تبذل هذه الفئة مجهوداً لوضع روسيا على قدم المساواة مع الفلسطينيين: ففي الحالتين لم يبدأ التاريخ لا في 7 تشرين الأول 2023 ولا في 22 شباط/ فبراير 2022. وفقاً لهم، جاء الغزو الروسي لأوكرانيا بعدما استنفدت موسكو كل السبل الديبلوماسية، فكان لا بد من عمل عسكري رداً على اعتداءات كييف ضد الأقاليم الشرقية التي تضمّ ناطقين باللغة الروسية.  

واصطفّت الفئة الثالثة إلى جانب الأوكرانيين والفلسطينيين باعتبارهم معتدى عليهم، واضعين روسيا وإسرائيل في الخانة ذاته. 

اللافت في هذا السياق، غياب فئة رابعة تنحاز إلى روسيا وإسرائيل. فئة كانت ستتجسّد بمن يدور في فلك حزب التجمع الوطني، أبرز أحزاب اليمين المتطرف الفرنسي، نظراً الى علاقة الحزب مع الكرملين وحرصه على طمس تاريخه الحافل بمعاداة السامية. 

لم يكتف حزب التجمع الوطني بالانحياز المطلق إلى الجانب الإسرائيلي بعد 7 تشرين الأول، بل دخل في مزايدة سياسية مقدماً نفسه كأفضل حصن ليهود فرنسا. لكن لم يلجأ هؤلاء إلى طرح مقاربتهم تلك بسبب ابتعاد الحزب عن الفلك الروسي، بعدما أيدت شريحة واسعة من الرأي العام الفرنسي الموقف الأوكراني. 

المقارنة ضروريّة

أستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية (Sciences Po) برتران بادي، أيد توزيع المقارنين على الفئات الثلاث المذكورة أعلاه. 

في اتصال مع “درج”، رأى بادي أن عملية المقارنة ضرورية على أن تتم بدقة. من وجهة نظره، تعدد المقارنات دليل إضافي على “النظرة الذاتية” الى العلاقات الدولية بخلاف ما كانت عليه الحال إبان الحرب الباردة، حين كان العالم أمام نموذج أقل تعقيداً من العلاقات الدولية. 

من جهة أخرى، رأى في هذا التعدد تعبيراً عن “الرشاقة” في نسج العلاقات الدولية، وأحياناً بصورة متناقضة، وهو ما يؤدي إلى ضبابية على نحو لا يسمح بتوحيد الرؤى. بحسب بادي، ما تطرحه الفئة الثالثة هو الأكثر تماسكاً، إذ تستند إلى قاعدة ومعادلة القوي والضعيف، فيما الفئتان الأخريان تعكسان جوانب عاطفية كمعاداة الولايات المتحدة أو الانحياز الى الصهيونية.   

بالتوازي مع تلك المقارنات الثلاث، بالإمكان ملاحظة مقارنة غير مباشرة تم التعبير عنها في معرض قراءة التأثير المتبادل للحدثين وتحليله. أكثر ما يتم تداوله في هذا الإطار، هو استغلال فلاديمير بوتين التركيز الإعلامي على الحرب الدائرة في قطاع غزة كما الجهود الدبلوماسية المنصبّة على إنهائها. استغلال يسعى إلى ترجمته ميدانياً عبر إحداث خرق على الجبهة الأوكرانية. 

من جانب آخر، لا تتردد موسكو في محاولة إضعاف المعسكر الغربي عبر التشديد على ازدواجية معاييره في ما يخص احترام القانون الدولي وجرائم الحرب.

أوكرانيا نالت نصيباً من تلك المقارنة غير المباشرة، وإن بدرجة أقل، بعد إبداء فولوديمير زيلينسكي تضامنه الكامل مع إسرائيل، ما فُسِّر كمحاولة ترسيخ وتأكيد موقعه ضمن المعسكر الغربي. 

في رأي برتران بادي، المقارنة بين أي صراعين من زاوية تأثيرهما المتبادل، مسألة ممكنة ومعهودة لأسباب ثلاثة: السبب الأول منهجي، إذ لا نعيش في دول منطوية على نفسها، حيث باتت لكل صراع أبعاده الدولية. السبب الثاني استراتيجي لجهة لجوء قادة الدول، وبشكل تلقائي وطبيعي، إلى الاستفادة من أي صراع عبر تجيير نتائجه لصالح بلدانهم. 

أما السبب الثالث فهو ذو خلفية اجتماعية: لكل شعب أو شريحة صراعها المركزي، وانطلاقاً منه تبني مواقفها ونظرتها حيال الصراعات الأخرى. كلام بادي يذكّر بتضامن المعارضين السوريين مع الأوكرانيين، تضامن ينطوي في جانب منه على موقف معادٍ لبوتين.  

تحوّل خطير!

اختار صحافيون مقاربة الحربين من زاوية إرهاصات نظام عالمي مرتقب. تحت عنوان “إسرائيل – حماس، أوكرانيا… اتساع الهوة بين الغرب وجزء من دول الجنوب”، كتب سيريل بلوييت في صحيفة L’Express، أن العالم يشهد نقطة تحوّل خطيرة بعدما أظهرت الحرب في أوكرانيا وجود هوة بين المعسكر الغربي وباقي الدول، ليأتي الصراع في الشرق الأوسط ويزيد هذه الهوة اتساعاً.  ولاحظ بلوييت مراهنة على الصين وروسيا وإيران لإضعاف الولايات المتحدة وزيادة نفوذ تلك الدول لدى الدول المتوجسّة من الغرب. 

من جهته، اعتبر آلان فراشون عبر صحيفة Le Monde، أن الصراع الروسي – الأوكراني والإسرائيلي – الحمساوي أظهرا مجتمعاً دولياً منقسماً على ذاته وعاجزاً عن فرض قواعده.  وضعٌ تسعى الصين وروسيا الى الاستفادة منه لإرساء نظام عالمي معادٍ للولايات المتحدة ويجمع جزءاً كبيراً من دول الجنوب في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية. 

يوافق برتران بادي على أننا نعيش لحظة تحوّل على صعيد النظام العالمي، لكن يصعب التنبؤ بمعالم هذا النظام. والدليل على التحوّل الذي نعيشه هو عدم وجود تسمية جلية للواقع الراهن، إذ يكتفي الأكاديميون بإطلاق وصف “نظام ما بعد القطبية الثنائية”: إذ ندرك ما كان قبله لكن لا ندري ما سيأتي بعده.

يختم بادي حديثه الى “درج” قائلاً: “يجب الانتظار عقداً أو عقدين لنلمس بصورة عملية أثر الحرب في أوكرانيا وقطاع غزة في بلورة النظام العالمي المنتظر”.

06.06.2024
زمن القراءة: 4 minutes

بعد عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر، انتشرت في فرنسا مقالات وآراء صحافية وأكاديمية، تقارن بين الحرب في قطاع غزة والحرب الروسية – الأوكرانية، وبدا الاهتمام بهاتين الحربين منطقياً بالنظر إلى انعكاس كل منهما على الداخل الفرنسي، هل تجوز المقارنة ؟

ارتدت الحرب في أوكرانيا سلباً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي في فرنسا، يضاف إليها ما تثيره من توتر أمني في القارة العجوز. وعلى رغم العلاقة التي جمعت عدداً من الأحزاب الفرنسية في موسكو، لم تؤدِّ هذه الحرب إلى انقسام سياسي داخلي، بخلاف الحرب في غزة وما نتج منها من توتّر داخلي، ذلك أن  الجاليتين اليهودية والعربية في فرنسا هما الأكبر على الصعيد الأوروبي. 

لا تدور المقارنة حول انعكاسات الحربين على فرنسا بقدر ما تتناول مقاربة الخارطة الجيوسياسية. وعليه، انقسم “المقارنون” إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى ترى فيهما صراعاً حضارياً بعدما تعرضت “الديمقراطيتين الأوكرانية والإسرائيلية” لاعتداءات. بالتالي، أوكرانيا وإسرائيل في حالة دفاع مشروعة عن النفس ضد الإرهاب، أما المستهدف من خلفهما فهو المعسكر الغربي بقيمه الديمقراطية.  

الفئة الثانية يجسّدها المعادون للولايات المتحدة والمنحازون إلى روسيا والفلسطينيين. تبذل هذه الفئة مجهوداً لوضع روسيا على قدم المساواة مع الفلسطينيين: ففي الحالتين لم يبدأ التاريخ لا في 7 تشرين الأول 2023 ولا في 22 شباط/ فبراير 2022. وفقاً لهم، جاء الغزو الروسي لأوكرانيا بعدما استنفدت موسكو كل السبل الديبلوماسية، فكان لا بد من عمل عسكري رداً على اعتداءات كييف ضد الأقاليم الشرقية التي تضمّ ناطقين باللغة الروسية.  

واصطفّت الفئة الثالثة إلى جانب الأوكرانيين والفلسطينيين باعتبارهم معتدى عليهم، واضعين روسيا وإسرائيل في الخانة ذاته. 

اللافت في هذا السياق، غياب فئة رابعة تنحاز إلى روسيا وإسرائيل. فئة كانت ستتجسّد بمن يدور في فلك حزب التجمع الوطني، أبرز أحزاب اليمين المتطرف الفرنسي، نظراً الى علاقة الحزب مع الكرملين وحرصه على طمس تاريخه الحافل بمعاداة السامية. 

لم يكتف حزب التجمع الوطني بالانحياز المطلق إلى الجانب الإسرائيلي بعد 7 تشرين الأول، بل دخل في مزايدة سياسية مقدماً نفسه كأفضل حصن ليهود فرنسا. لكن لم يلجأ هؤلاء إلى طرح مقاربتهم تلك بسبب ابتعاد الحزب عن الفلك الروسي، بعدما أيدت شريحة واسعة من الرأي العام الفرنسي الموقف الأوكراني. 

المقارنة ضروريّة

أستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية (Sciences Po) برتران بادي، أيد توزيع المقارنين على الفئات الثلاث المذكورة أعلاه. 

في اتصال مع “درج”، رأى بادي أن عملية المقارنة ضرورية على أن تتم بدقة. من وجهة نظره، تعدد المقارنات دليل إضافي على “النظرة الذاتية” الى العلاقات الدولية بخلاف ما كانت عليه الحال إبان الحرب الباردة، حين كان العالم أمام نموذج أقل تعقيداً من العلاقات الدولية. 

من جهة أخرى، رأى في هذا التعدد تعبيراً عن “الرشاقة” في نسج العلاقات الدولية، وأحياناً بصورة متناقضة، وهو ما يؤدي إلى ضبابية على نحو لا يسمح بتوحيد الرؤى. بحسب بادي، ما تطرحه الفئة الثالثة هو الأكثر تماسكاً، إذ تستند إلى قاعدة ومعادلة القوي والضعيف، فيما الفئتان الأخريان تعكسان جوانب عاطفية كمعاداة الولايات المتحدة أو الانحياز الى الصهيونية.   

بالتوازي مع تلك المقارنات الثلاث، بالإمكان ملاحظة مقارنة غير مباشرة تم التعبير عنها في معرض قراءة التأثير المتبادل للحدثين وتحليله. أكثر ما يتم تداوله في هذا الإطار، هو استغلال فلاديمير بوتين التركيز الإعلامي على الحرب الدائرة في قطاع غزة كما الجهود الدبلوماسية المنصبّة على إنهائها. استغلال يسعى إلى ترجمته ميدانياً عبر إحداث خرق على الجبهة الأوكرانية. 

من جانب آخر، لا تتردد موسكو في محاولة إضعاف المعسكر الغربي عبر التشديد على ازدواجية معاييره في ما يخص احترام القانون الدولي وجرائم الحرب.

أوكرانيا نالت نصيباً من تلك المقارنة غير المباشرة، وإن بدرجة أقل، بعد إبداء فولوديمير زيلينسكي تضامنه الكامل مع إسرائيل، ما فُسِّر كمحاولة ترسيخ وتأكيد موقعه ضمن المعسكر الغربي. 

في رأي برتران بادي، المقارنة بين أي صراعين من زاوية تأثيرهما المتبادل، مسألة ممكنة ومعهودة لأسباب ثلاثة: السبب الأول منهجي، إذ لا نعيش في دول منطوية على نفسها، حيث باتت لكل صراع أبعاده الدولية. السبب الثاني استراتيجي لجهة لجوء قادة الدول، وبشكل تلقائي وطبيعي، إلى الاستفادة من أي صراع عبر تجيير نتائجه لصالح بلدانهم. 

أما السبب الثالث فهو ذو خلفية اجتماعية: لكل شعب أو شريحة صراعها المركزي، وانطلاقاً منه تبني مواقفها ونظرتها حيال الصراعات الأخرى. كلام بادي يذكّر بتضامن المعارضين السوريين مع الأوكرانيين، تضامن ينطوي في جانب منه على موقف معادٍ لبوتين.  

تحوّل خطير!

اختار صحافيون مقاربة الحربين من زاوية إرهاصات نظام عالمي مرتقب. تحت عنوان “إسرائيل – حماس، أوكرانيا… اتساع الهوة بين الغرب وجزء من دول الجنوب”، كتب سيريل بلوييت في صحيفة L’Express، أن العالم يشهد نقطة تحوّل خطيرة بعدما أظهرت الحرب في أوكرانيا وجود هوة بين المعسكر الغربي وباقي الدول، ليأتي الصراع في الشرق الأوسط ويزيد هذه الهوة اتساعاً.  ولاحظ بلوييت مراهنة على الصين وروسيا وإيران لإضعاف الولايات المتحدة وزيادة نفوذ تلك الدول لدى الدول المتوجسّة من الغرب. 

من جهته، اعتبر آلان فراشون عبر صحيفة Le Monde، أن الصراع الروسي – الأوكراني والإسرائيلي – الحمساوي أظهرا مجتمعاً دولياً منقسماً على ذاته وعاجزاً عن فرض قواعده.  وضعٌ تسعى الصين وروسيا الى الاستفادة منه لإرساء نظام عالمي معادٍ للولايات المتحدة ويجمع جزءاً كبيراً من دول الجنوب في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية. 

يوافق برتران بادي على أننا نعيش لحظة تحوّل على صعيد النظام العالمي، لكن يصعب التنبؤ بمعالم هذا النظام. والدليل على التحوّل الذي نعيشه هو عدم وجود تسمية جلية للواقع الراهن، إذ يكتفي الأكاديميون بإطلاق وصف “نظام ما بعد القطبية الثنائية”: إذ ندرك ما كان قبله لكن لا ندري ما سيأتي بعده.

يختم بادي حديثه الى “درج” قائلاً: “يجب الانتظار عقداً أو عقدين لنلمس بصورة عملية أثر الحرب في أوكرانيا وقطاع غزة في بلورة النظام العالمي المنتظر”.

06.06.2024
زمن القراءة: 4 minutes

اشترك بنشرتنا البريدية