fbpx

“مقتلة جماعيّة” تقترب من غزة، هل يمكن تجنّبها؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يُطلب من المراسلين على الأرض كما المُعلّقين، أن يحددوا موقفهم بوضوح بشأن المدنيين الإسرائيليين الذين قتلتهم أو احتجزتهم “حماس” كرهائن الأسبوع الماضي. إجابتهم عن هذا السؤال تحدّد مصداقيتهم وقيمة شهاداتهم أو تحليلاتهم السياسية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“مقتلة جماعيّة” قد تكون مصير غزة، والعالم في غالبيته يهلّل لها.

خلال أسبوع واحد فقط، قُتل أكثر من 1300 إسرائيلي وأكثر من 1900 فلسطيني،  وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الإحساس السائد هو أن ما يحصل ليس إلا بداية فصل قاس جديد في تاريخ البشريّة.

أكثر من 2.2 مليون غزي يواجهون منذ أيام بحسب الأمم المتحدة “خطر المجاعة التي لا يمكن الهرب منها”، خطر يصل حد جريمة ضد الإنسانية بحسب المنظمة الدولية. 

الآن، يواجه نصفهم تهديداً إسرائيلياً بإخلاء منازلهم خلال 24 ساعة كي لا يتم سحقهم داخلها. أكثر من مليون فلسطيني من سكان غزة عليهم أن ينصاعوا لأمر “مستحيل التنفيذ” بحسب الأمم المتحدة إن أرادوا الحياة. 

مئات آلاف العائلات عليهم أن يبتكروا طرقاً للانتقال الى مكان لا يستطيعون الوصول إليه، أو أن يُقتلوا.   

الأمم المتحدة تستعدّ وتعدّنا لـ”عواقب إنسانية مدمرة” إن لم تسحب إسرائيل طلب الإخلاء، ومع ذلك يرحب العالم ويصفق لـ “حق إسرائيل في الانتقام” بعد أكبر إهانة تلقاها جيشها خلال أكثر من 75 عاماً من الاحتلال والصراع.

لكن، وفي خضم هذا الجنون، السؤال الرئيسي الموجّه إلى الغزيين والفلسطينيين (أو أي شخص يدعمهم) هو ما إذا كانوا يؤيدون أو يدينون قتل واختطاف المدنيين اللذين قامت بهما “حماس”. 

يُطلب من الغزيين غير المسلّحين أن يُثبتوا بطريقة ما، أنهم ليسوا من مؤيدي الجماعة المسلحة الموجودة معهم على الأرض، حتى لا يُفنوا على يد الجيش الذي يحاصرهم في أكبر “سجن في الهواء الطلق” لسنوات.

 في سياق آخر مختلف ولكن مرتبط،  يُطلب من المراسلين على الأرض كما المُعلّقين، 

 أن يحددوا موقفهم بوضوح بشأن المدنيين الإسرائيليين الذين قتلتهم أو احتجزتهم “حماس” كرهائن الأسبوع الماضي. إجابتهم عن هذا السؤال تحدّد مصداقيتهم وقيمة شهاداتهم أو تحليلاتهم السياسية.  

بوصفي صحافيّة، عملت في الشرق الأوسط لأكثر من عقدين، أقل ما يمكنني قوله عما يجري إنه مرهق. 

أقول مُرهقاً، لا لأني لا أمتلك موقفاً واضحاً وغير قابل للجدل يرفض أي عنف ضد أي مدني، ولكن لأني أعرف أن الكثيرين من الذين يطلبون هذا “الموقف”، لم يعطوا يوماً وعلى مدى سنوات أي اهتمام للمقتلة الذي كانت ومازالت تحصل بحق المدنيين الفلسطينيين وعلى مدى عقود. 

هؤلاء الذين يطلبون مواقف حاسمة، والذين يتفاعلون بشكل “مناسب جدًا” مع قتل المدنيين الإسرائيليين، لم يظهروا هذا النوع من التعاطف أو الحماسة للوقوف بجانب المدنيين الفلسطينيين الذين قُتلوا واضطهدوا وحُرموا من حقوقهم الإنسانية الأساسية يومًا بعد يوم، وسنة بعد سنة، وعقداً بعد عقد.

حتى عندما قُتلت زميلة صحافية، شيرين أبو عاقلة، بدم بارد من قناص إسرائيلي العام الماضي، لم نشهد هذا النوع من الحماسة أو الطلبات لتسمية الجريمة بما هي عليه: جريمة حرب ارتكبها أفضل جيش مجهّز في العالم.

هل يمكن سماع صوت الغزيين الذين نشاهد حصارهم وقتلهم دون أن يتحرك أحد؟ هل يهتم العالم بمصير 2.2 مليون غزاوي؟ هل يمكن لأي شخص أن يقول إنه يعرف بالفعل أن  “كلّ” الغزاويين يدعمون “حماس” ؟ هل قرر “العالم” أن الغزاويين هم “حماس” ولذلك يجب اعطاء اسرائيل الضوء الأخضر لقتلهم؟

خلال الأسبوع الماضي، قتل عشرة صحافيين وصحافيات على الأقل في غزة. عند الطرف الأخر من الحدود، عند الجانب اللبناني، استُهدف موقع تمركز فيه مراسلو “الجريزة” ووكالة “رويترز” ووكالة الصحافة الفرنسية، على الرغم من شارات الـPress الموجودة في المكان، فقُتل المصور الصحافي، الزميل والصديق، عصام العبدالله، وأصيب أربعة صحافيين أصيبوا واحدة منهم إصابتها بالغة.

البيان الذي أصدرته “رويترز” مخز. عصام “قتل” أثناء “عمله”. يكاد القارئ يقدر أنه قُتل في حادث سير أثناء تصويره تقريراً عن زراعة التبغ في جنوب لبنان. الوكالة الدولية لم تأت في بيانها الأول حتى على ذكر المطالبة بتحقيق في ما يُحتمل أن يكون جريمة حرب ارتُكبت في حق واحد من أعضاء فريقها. 

ماذا علينا أن نفهم من بيان كهذا بما يخص سلامة الصحافيين خلال المرحلة المقبلة؟ هل لأن عصام قتل على الجانب الخاطئ من الصراع،  تصبح جريمة قتله أقل أهمية؟

شعور بالعبثية الهائلة ينتابني وأنا أرى كيف يتم استجواب من تأثرت حياتهم بهذا الصراع.  

أعرف جيداً أنه بالنسبة الى كثير من المراسلين الأجانب، كما هو الأمر بالنسبة الى كثير من العاملين في مجالات حقوق الإنسان و حتى الدبلوماسيين، الذين عملوا في منطقتنا، الإجابة ليست سهلة عندما يُطلب منهم تبسيط الأمور واتخاذ خيار حاد بين الوقوف الى جانب المدنيين الإسرائيليين الذين قتلتهم “حماس” الأسبوع الماضي أو آلاف الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل على مدى عقود. 

كصحافية، أرى أن مجرد الطرح فيه إهانة.

كصحفاية، لا أشعر بأنني مدينة لأحد بأية إجابات أو مبررات.

ان كنت اليوم أعلن موقفاً واضحاً، فلأني أدين بهذا لأحفادي الذين لم يولدوا بعد، أدين لهم لكي لا يعيشوا في ذنب نتيجة جهلهم بموقفي في لحظة كل المؤشرات فيها تدلّ على أن “مقتلة جماعيّة” سوف ترتكب. 

لا يمكنني أن أكتب كغزاويّة أو فلسطينية أو حتى بالنيابة عن الفلسطينيين.

ولكن، يمكنني التحدث عن نفسي، كلبنانية لم تتوقف يوماً عن الإيمان بحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه، وتاريخه، وثقافته، وهويته وذاكرته.

أتحدث كمواطنة لبنانية كانت “معجبة” بمفهوم المقاومة، ولطالما أخذت مسافة من خيار “المقاومة الإسلامية” ومن “حزب الله” لأسباب سياسية وأحياناً ثقافية، ثم انتقلت لانتقاد الحزب والوقوف بوجهه بعدما أدركت إلى أي حد هو أداة بيد النظام الإيراني، النظام الذي لا يتردد في تدمير بلدان أخرى وقتل شعوب أخرى لأغراض سياسية.

أتحدث كصحافية غطت حرب عام 2006 بين إسرائيل ولبنان الى جانب أنطوني شديد، الذي كان وقتها مدير مكتب “واشنطن بوست” في بيروت. أنطوني كان صديقاً وكان من أفضل الصحافيين في جيله. قتل في طريق العودة من الشمال السوري، حيث أعطى صوتاً للمدنيين السوريين المعارضين للأسد، تماماً كما فعل قبل ذلك في العراق وفي فلسطين حيث أصيب. أستطيع أن أتخيل ما يمكن أن تكون ردة فعل  أنطوني إزاء امتحان في الإنسانية، يخضعها له مقدم نشرة أخبار في غرفة مبردة لا تصلها رائحة الدم، أو مؤثر من معجزات مواقع التواصل الاجتماعي لم يعرف بعد ما هي الحروب و أية فظائع يمكن أن تترب عليها. 

في حرب تموز/ يوليو 2006، كنت في بث مباشر على الهواء عندما بدأ سحب جثث الأطفال من تحت الأبنية التي قصفها الجيش الإسرائيلي في مجزرة قانا الثانية.

كنت على الأرض، وكان مقاتلو “حزب الله” ليسوا ببعيدين، وأقولها بوضوح، هم استخدموا المدنيين كدروع بشرية، لكن إسرائيل هي التي كانت تقوم بالقصف وقتل المدنيين والأطفال والرضّع.

وعندما انتهت الحرب بعد 33 يوماً، كانت البنية التحتية للبنان تعاني أضراراً كبيرة. قرى وأحياء بكاملها تحولت إلى أنقاض، وقُتل أكثر من 1000 مدني، وهجّر أكثر من مليون شخص، وفقد العشرات منازلهم، ومع ذلك كان “حزب الله” يحتفل بـ “انتصاره الإلهي”.

منذ ذلك “الانتصار”، أصبح “حزب الله” اليد العليا في لبنان، متحكماً في البرلمان وتشكيل الحكومات وانتخاب الرؤساء، وتعطيل كل مؤسسة سياسية في البلاد، هذا فضلاً عن اغتيال من يعارضه، من سياسيين وناشطين وصحافيين، من بينهم أصدقاء شخصيون.

فرجاءً، يكفي محاضرات. 

إذا واصلت إسرائيل ضرب لبنان،  فهل عليّ أن أجيب عن سؤال “هل تدعمين حزب الله ؟”، قبل أن أجد نفسي أدفع ثمن هجوم إسرائيلي آخر؟

هل سيغير رأيي من الأمر شيئاً؟ هل سيمنع إسرائيل من قصف جنوب لبنان أو المطار؟ أو الجسور؟ أو بيروت ؟ هل سيسمع صوتي؟ هل سيكون له أي أثر ؟.

هل يمكن سماع صوت الغزيين الذين نشاهد حصارهم وقتلهم دون أن يتحرك أحد؟ هل يهتم العالم بمصير 2.2 مليون غزاوي؟ هل يمكن لأي شخص أن يقول إنه يعرف بالفعل أن  “كلّ” الغزاويين يدعمون “حماس” ؟ هل قرر “العالم” أن الغزاويين هم “حماس” ولذلك يجب اعطاء اسرائيل الضوء الأخضر لقتلهم؟

هل إدانة “مقتلة جماعيّة” لا تصلح إلا بعد وقوعها؟ ألا يمكن تفاديها؟

بغض النظر عما ستجلبه الأيام أو الأسابيع المقبلة، بغض النظر عن مدى طول أي حرب، في نهاية المطاف، سيكون هناك حل سياسي يمكن الوصول إليه فقط حول طاولة المفاوضات.

أليس من الممكن اختصار الطريق وتجنب أثمان جريمة أخرى لا يمكن غفرانها؟

الآراء المتضاربة صاخبة حد الصمم، والرغبة في الانتقام لدى الجانبين متزايدة، ولكن (ولو كان الحديث غير مناسب هذه اللحظة)  السلام هو الخيار الوحيد الذي يستحق أن نكافح من أجله. ونعم السلام خيار قائم.

سلام عادل ومنصف، يستند إلى حل الدولتين وتفكيك المستوطنات، وهو أمر ليس مستحيل التحقيق، ويمكن أن يمنح كلاً من الفلسطينيين والإسرائيليين العدالة والأمان اللذين لا يمكن أن يتضمنهما أي تطبيع مع أي دولة عربية أبداً.

الصراع الأكثر تعقيداً في التاريخ الحديث ليس معقداً كثيراً.

الفلسطينيون لن يتنازلوا عن فلسطين، أرضهم، وأرض آبائهم وأجدادهم وأجداد آبائهم. هم ما زالوا يحتفظون بمفاتيح المنازل التي استُبدلت بغيرها منذ فترة طويلة. 

لا يزالون يتحدثون عن بساتين الزيتون ويكررون قصص أجدادهم. 

فهل يمكننا أن نلوم شعباً على ذلك؟

وإذا فعلنا ذلك، هل يمكننا مرة أخرى أن نؤمن بمبدأ الوقوف الى جانب العدالة؟.

بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 20.05.2024

ابراهيم رئيسي… سيرة  مختصرة لـ”آية الله إعدام” و”عدو المرأة الأول”

كان من أكثر المتحمّسين لإصدار قانون "العفة والحجاب"، الذي ألزم المرأة الإيرانية بقواعد محدّدة في اللباس الشرعي، ويقال إنه وضع غالبية مواده، وكان حريصاً على إنهائه بأقل مدة، وتحويله إلى مجلس الشورى للمصادقة عليه، كما كان على رأس الداعين إلى تنشيط عمل شرطة الآداب ودعم عودتها إلى الشارع، بحلّة قمعية جديدة وقبضة حديدية.