fbpx

هل مجزرة المستشفى خطوة إسرائيليّة نحو الترانسفير؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حجم الصواريخ وكثافة النيران يدفعان إلى الاعتقاد بأن المهمة تقضي بتغيير الطبيعة السكانية للقطاع، ومن راقب أداء الحكومة اليمينية الإسرائيلية منذ الإعلان عنها، لا بد له أن يلاحظ أننا هذه المرة حيال وعي أحمق لا تردعه النتائج. وهنا يلوح “الترانسفير” بوصفه احتمالاً مرجحاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 ثم ماذا بعد مجزرة المستشفى الأهلي المعمداني؟

وإذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد تبنى الرواية الإسرائيلية عن وقوف “الجهاد الاسلامي” وراء قصف المستشفى، على رغم ما تم توثيقه عن هوية الصاروخ، فماذا عن سيناريو “الترانسفير” الذي كان بدأ الكلام عنه قبل ارتكاب مقتلة المستشفى؟ نقل سكان قطاع غزة، أو نصفهم على الأقل، إلى سيناء، في مقابل إعفاء مصر من ديونها، أو من جزء من ديونها! 

وبهذا، يكون بنيامين نتانياهو قد “أنجز” مهمة لم يتمكن من إنجازها “الآباء المؤسسون”. وإذا صح أن هذا السيناريو قد اشتغل في أروقة ديبلوماسية الحرب، فإن المجزرة لن توقفه، لا بل قد تكون جزءاً منه، ذاك أنها ستؤدي، بحسب مرتكبيها، إلى هز علاقة السكان بأرضهم، وإلى “قناعة” بأن “الإقامة مستحيلة”، ولا بد من المغادرة.

 لطالما حفلت تجارب التطهير العرقي بهذا الوعي. فالقوميون الصرب نظموا خلال حملات التطهير العرقي لمناطق البوشناق في بوسنيا، عمليات اغتصاب منظّمة للنساء ظناً منهم بأن هذا الفعل “يؤدي إلى اضطراب علاقة السكان بأرضهم”. أثبتت التحقيقات أن هذه العمليات كانت ممنهجة. وبهذا المعنى، من غير المستبعد أن تكون المجزرة جزءاً من خطة حكومة نتانياهو – بن غفير.

الأردن، على لسان مسؤول فيه، قال إن الهدف من الغارة هو إلغاء القمة التي كانت مقررة في عمان، وقصر زيارة بايدن على تل أبيب.  

من المؤكد أن المهمة تتعدى “تفكيك حماس”. إذ إن حجم الصواريخ وكثافة النيران يدفعان إلى الاعتقاد بأن المهمة تقضي بتغيير الطبيعة السكانية للقطاع، ومن راقب أداء الحكومة اليمينية الإسرائيلية منذ الإعلان عنها، لا بد له أن يلاحظ أننا هذه المرة حيال وعي أحمق لا تردعه النتائج. وهنا يلوح “الترانسفير” بوصفه احتمالاً مرجحاً. فنَقل ما يزيد عن نصف سكان القطاع يزيح عن إسرائيل، الحكومة والدولة والجيش، نصف العبء الفلسطيني. وهو أمر ورد على كل حال، على ألسنة قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين خلال الأيام السابقة. وإذا كان الرد المصري على هذه الدعوات، رفضاً لها، إلا أنه لم يكن حاسماً، فنحن نتكلم عن مليون أو أكثر بقليل من اللاجئين، والمنطقة التي يرشحها الجنون الإسرائيلي لاستقبالهم شاسعة، وقليلة السكان، ومصر تعاني من أزمة اقتصادية خانقة ومهددة لمستقبل نظامها السياسي! ويرى إسرائيليون أن التّقانات الحدودية التي يمكن أن يخلفها اللاجئون في حال حصل “الترانسفير” تبقى بالنسبة الى مصر طرفية ويمكنها أن تتعامل معها!

في المقابل، ينطوي هذا السيناريو على قدر هائل من الجنون، ومن عدم الاستفادة من التجارب السابقة. فإسرائيل، ومنذ الترانسفير الأول، لم تتمكن من أن تكون دولة مستقرة، على رغم “نجاحاتها” العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية. وأن تدفع بمليوني لاجئ إلى حدودها مع مصر، بدل أن يكونوا على حدودها مع قطاع غزة، فهي نقلت الاحتقان من حدودها إلى حدودها، وأضافت إليه مزيداً من أسباب التفجير، فالغزاوي في سيناء سيكون ابن تهجيريين، وابن مآسٍ إنسانية إضافية، ومع الوقت ستتحول رفح المصرية أو جوارها إلى خطوط مواجهة جديدة.

لكن نتانياهو ليس معنياً بالمستقبل، فالرجل يريد إنجازاً سريعاً، وتداعبه فكرة الانضمام إلى “الآباء المؤسسين”، وهو محاط بوزراء يزيدونه جنوناً، وسيناريو “الترانسفير” يفسر الاستهداف المتعمد لمستشفى الأهلي المعمداني، بوصفه خطوة لضرب أكثر النقاط “أماناً” في القطاع، بحيث يشعر السكان ألا شيء يمكن أن يقيهم القصف سوى أن يغادروا.

قد ينطوي هذا السيناريو على قدر من الذهاب بسيناريو المؤامرة إلى أقصاه. لكن المشهد في غزة ينطوي على الكثير من العناصر غير المفسرة التي تتيح لهذا الاحتمال قدراً كبيراً من الصحة. نحن أمام أكثر حكومة إسرائيلية عنفاً منذ تأسيس إسرائيل، وأمام رئيس لهذه الحكومة مهدد بالسجن إذا ما خرج من رئاسة الحكومة، وهو يشعر بدعم دولي لم يسبق أن ناله غيره من زعماء الحرب الإسرائيليين خلال الحملات العسكرية التي نفذوها. وبالإضافة إلى ذلك كله، بيده ورقة المدنيين الإسرائيليين القتلى، التي جعل منها فرصة مضاعفة للقتل. وفي ظل هذا كله، يبدو منطقياً أن يلوح له “الترانسفير” كاحتمال واقعي.

والحال أن الأخطر في هذا السيناريو هو أن نتانياهو يسعى إلى توريط العالم في احتمالاته. فهو يوظف الدعم الدولي له، وليس فقط الأميركي، في جعل “الترانسفير” ممكناً، وهو الآن بصدد نقل النقاش في أن المشكلة في غزة لا تقتصر على “حماس”، إنما تمتد إلى البيئة المولدة لاحتمالات العنف، وأميركا والعالم الغربي في لحظة يمكنهما فيها ابتلاع هذا الطعم. وتشبيه ما جرى في غلاف غزة عندما اقتحمته “حماس”، بـ”هولوكوست” مصغرة، خاطب في “الوعي الغربي” ما سبق أن خاطبه به بن غوريون، خلال تنفيذه “الترانسفير الأول”، وما رافقه من “مجازر ضرورية” هدفت بحسب المؤرخين الإسرائيليين الجدد إلى إنهاء علاقة السكان بمدنهم وقراهم، وخصوصاً في منطقة الجليل.

الظروف اختلفت بين “الترانسفيرين”، لكن إسرائيل التي انتخبت هذه الحكومة من غير المستبعد أن يغريها أن تكرر ما اعتقدت أنه “نجاح”. والسؤال يبقى أننا لسنا فقط أمام إنسانية أقل، إنما أيضاً أمام عقل أقل، وتجربة “الترانسفير” الأول وما رافقه من مآس، لم تفضِ إلا إلى قرن من الحروب.