fbpx

صكوك الإدانة…عن  “العنف غير المبرر” ومُعاداة غزّة 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

طلب الإدانة العمياء لـ”حماس”من دون سياق، نابع ربما من مقاربة “الشر الأعظم” المتمثل بالنازية، التي تقتل اليهود لأنهم يهود، في حين أن عبارة “عنف حماس غير المبرر”، محاولة للهرب وغض البصر عن السياق الذي يحصل فيه الصراع، وسياسات الاحتلال.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يمكن إنكار الانحياز الأوروبي لصالح إسرائيل في الحرب التي تشنّها على غزة، ناهيك بشدة الانتهاكات التي ارتكبتها إلى حد وصفها بـ”العقاب الجماعي” و”جرائم حرب”. لكن أكثر ما أثار الحفيظة والصدمة هو موقف أوروبا، سواء في دعم أطياف واسعة فيها لإسرائيل من دون أي مساءلة، أو الوقوف بوجه الأصوات التي تنتصر للحق الفلسطيني، وتوزيع اتهامات “دعم الإرهاب” و”معاداة الساميّة” لكل من يبدي حتى تعاطفاً مع القتلى الفلسطينيين.

المفارقة في ما يحصل هو مقارنة “طوفان الأقصى” بـ”الهولوكوست”، أو استحضار أطياف الهولوكست في وصف ما تعرض له الإسرائيليون، وهنا شأن لا بد من الخوض فيه، خصوصاً أن أدبيات ما بعد الحداثة الأوروبيّة( التي يؤرخ البعض بدايتها بنهاية الحرب العالميّة الثانيّة) ترى أن كل المركزيات الأوروبية انهارت (مركزية الرجل الأبيض، مركزية الشمال…ألخ) عدا اثنتين، الأولى هي “مركزية انهيار السرديات الكبرى” والثانيّة هي “مركزية الهولوكوست”، الجريمة التي لا يمكن مسّها أو مساءلتها.

الهولوكوست جريمة أوروبيّة بامتياز، لا تُنسى ولا تُغتفر، وحجر الأساس في الذنب الأوروبي، والتي لا تجوز مقارنتها بأمر آخر، كونها قتلاً ممنهجاً وبيروقراطياً، شارك فيه “جيل” لإبادة فئة محددة من الأشخاص بسبب دينهم، أو ما يُعرف بـ”الحلّ الأخير”. هي الجريمة “الفريدة من نوعها” وفق دان ستون، مدير مركز أبحاث الهولوكوست في جامعة رويال هالواي في لندن، لأن “فرادتها” لا تأتي من عدد الضحايا، بل من الأسلوب الذي طُبقت فيه الإبادة الجماعيّة.

حضور المقارنة هذه الآن، في ظل احتكار أشكال “المقاومة المسلّحة” بالجماعات الدينيّة  (“حماس” و”حزب الله”)، يبدو كمحاولة لاستبدال الشرّ الأوروبي الأعظم (النازيّة) بهذه الجماعات، خصوصاً “حماس”. الملفت أن المقارنة هذه لم تنجح حين محاولة لصقها بنظام الأسد ( المقالات المتعددة عن دور النازيين في بناء المنظومة الأمنية السوريّة)، ولم يعمم استخدام كلمة هولوكوست لوصف الفظائع التي ارتكبها.

التسليم بوصف “الحيوانات” الذي استخدمه وزير الدفاع الإسرائيلي، يعني الاتفاق مع حق الاستعمار لا فقط في “الدفاع عن نفسه” حد إفناء العدو، بل إفناء الآخر، الإنسان، بوصفه أقل حقاً بالحياة.

تفترض المقارنة إذاً، أن ما قامت به “حماس” بوصفها “جماعة إسلامية تحكم مساحة محاصرة”، يشابه ما قامت به جمهورية الرايخ الثالث، لكن المقارنة هنا لا تتعلق بالأسلوب، بل بالصدمة، والتركيز على أن الضحيّة يهوديّة في الحالتين، الأمر ذاته حين مقارنة ما حدث 11 أيلول/ سبتمبر، المقارنة النابعة من المفاجأة التي أخذت إسرائيل على حين غرّة.

لكن، ماذا يعني تهديد مركزية الهولوكوست وفتح باب المقارنة؟ مركزية جريمة الهولوكوست هي أساس السيادة السياسيّة بعد الحرب العالميّة الثانيّة (انهيار الرايخ الثالث في ألمانيا، انهيار جمهورية فيشي في فرنسا)، وسيطرة ذنب عام يشترك به سكان القارة العجوز بخصوص ما حصل. لكن، هل استبدال “شر أوروبي نازي” بـ”شر جهادي إسلامويّ” هو  الحلّ لهذا الذنب أو للقضية الفلسطينيّة؟

كتبت الصحافية الإسرائيليّة أميرة هاس في هآرتس مقالاً بعنوان “ألمانيا، لقد ختني مسؤوليتك منذ زمن طويل”. تنتقد هاس في المقال، المستشار الألماني أولاف شولتز، والوقوف الحاسم والدائم  إلى جانب إسرائيل، بوصفه “شيكاً على بياض… قد تشعل إثره إسرائيل حرباً عالميةً ثالثة”.

 بصورة ما ، تقول هاس إن محاولة التكفير عن ذنب الهولوكست، قد تدفع نحو حرب جديدة ضحاياها أيضاً من اليهود، وهنا نقع في مفارقة، التسليم بأن عنف “حماس” مشابه للهولوكست، يعني إمكان تعميم العداوة ضد “كل الفلسطينيين”، بوصفهم “كلهم” مشاركين  في الجريمة، خصوصاً المقيمين في قطاع غزّة، وهذا ما تقوم به إسرائيل. لكن هذه المقارنة تهدد مركزية الهولوكوست نفسها، وتحوّلها إلى جريمة يمكن معاقبة أي شخص أو جماعة بسببها، إنما منطق المقارنة هذا بالذات معطوب، وأشبه بعجلة تدور في مكانها، لا يقدم أي جديد سوى التراشق بأعداد الضحايا، ويقسم لا فقط المنطقة، بل العالم كما يحصل الآن. انهيار مركزيّة الهولوكوست أزمة ستعيد توزيع الذنب الأوروبي تجاه اليهود، وخلق “شر مطلق” جديد لا نعرف حدوده.

“العنف غير المبرر”

تصرّ إسرائيل وكل من يقف إلى جانبها على إدانة “حماس”، بل أصبحت صكوك الإدانة مطلوبة من كل شخص سواء كان شخصية عامة أو خاصة، الشأن الذي لا اختلاف عليه هنا، بل ويمكن اختزاله بكلمات باسم يوسف “كسّم حماس”،  ونعم ما قامت به شأن وحشيّ باستهداف المدنيين والأطفال والعجائز وأخذهم رهائن. لكنْ، هناك إصرار على عبارة “عنف غير مبرر”، لأن ما قامت به “حماس” عدميّ، ولا يخدم أي أحد، هو فقط استهداف لليهود لأنهم يهود، وهذا أيضاً مدان.

لكن، نركز على عبارة “غير مبرر” التي تبدو غريبة، أو بصورة ما، مفرطة في أخلاقيتها و سذاجتها أحياناً، خصوصاً أن الجماعات المشابهة التي تقارن بها “حماس” هناك دوماً تبرير جيو -سياسي للعنف الذي ترتكبه، فـ”داعش” (محطّ المقارنة الأكبر مع “حماس”)، هناك تبريرات عدة لـ”ظهورها”، هي نتاج الغزو الأميركي والغضب السنيّ في العراق والدور الشيعي أثناء سقوط الموصل، وصنيعة نظام الأسد الذي يريد حرف مسار الثورة ..الخ، بل هناك تبريرات للشبان الذين يتركون ضواحي فرنسا ويتجهون إلى الرقّة للقتال في صفوف الدولة الإسلاميّة “داعش”، بأنهم نتاج إهمال السلطة الفرنسية، ويمارسون الفظائع رغبة في إثبات الذات ضمن مجتمع نفاهم، أو تحدٍّ للمجتمع الذي أقصاهم وغيرها… لكن “حماس” لا مبرر لما تقوم به، لأنه نابع من أيديولوجيا صرفة (مسلمون يريدون قتل اليهود)، لا وجود لأي شروط  جيو-سياسيّة من الممكن أن تؤدي إلى نشوء جماعة مسلحة دينيّة ضمن منطقة محاصرة، لا تفكر بالآخر إلا  كـ”عدو لا بد من إبادته”، بالأسلوب ذاته الذي يفكّر به هذا الآخر.

حضور مقارنة الهولوكوست مع “طوفان الأقصى”الآن، في ظل احتكار أشكال “المقاومة المسلّحة” بالجماعات الدينيّة  (“حماس” و”حزب الله”)، يبدو كمحاولة لاستبدال الشرّ الأوروبي الأعظم (النازيّة) بهذه الجماعات، خصوصاً “حماس”.

تشير جوديث باتلر في مقال نشرته أخيراً بعنوان “بوصلة النحيب”، الى أن ما يحصل هو محاولة لتحويل إسرائيل إلى ناطق باسم اليهود في العالم، و”حماس” إلى ناطق باسم كل الفلسطينيين في العالم، لافتةً إلى أن البلاغة الإسرائيلية المُستخدمة عنصريّة، ومشدّدة  على أن الإدانة الأخلاقيّة من دون فهم السياق، تعني قبول العنصرية الاستعماريّة، إذ “لا يمكن لنا التعامي عن التاريخ في سبيل الحتمية الأخلاقيّة”، أي حتمية إدانة “حماس”، لتتابع بعدها الحديث عن السلام واللاعنف، وحق الشعب الفلسطيني بالحريّة.

إذاً، غياب التبرير وطلب الإدانة العمياء من دون سياق، نابعان ربما من مقاربة “الشر الأعظم” المتمثل بالنازية، التي تقتل اليهود لأنهم يهود، في حين أن “العنف غير المبرر”، هو محاولة للهرب وغض البصر عن السياق الذي يحصل فيه الصراع، وسياسات الاحتلال. التعامي عن التبرير أشبه بالقول إن شخصاً أبيض في أوروبا قرر إطلاق النار على مدرسة بكاملها في الدنمارك أو أميركا من دون أي تبرير سوى القتل. نعم الإدانة واجبة، لكن من السذاجة التسليم بعنف عدميّ من دون السياق.

أحد السياقات التي يمكن الحديث عنها هو الشروط السياسيّة التي تركت مفهوم المقاومة بأيدي جماعات مسلحة دينية لا تخضع لسيادة محددة، فـ”حماس” تقرر من عقلها متى تهجم، بصورة أدق، قال خالد مشعل في لقاء معه أخيراً، إن كتائب القسام تتصرف بناء على تغيرات الواقع الميداني، بينما “القيادة” تتبع وتدعم، أي أن القرار لا يتخذ من الأعلى( إن صدقنا كلامه) ولا بالتشاور مع سكان غزة أنفسهم. الأمر ذاته مع “حزب الله”، فقرار الاشتباك لا دور للدولة اللبنانية المنهارة فيه ولا للشعب اللبناني، وهناك حيرة، هل سيأخذ القرار في الضاحية الجنوبيّة أو أيران؟.

بالعودة الى كلام باتلر، الإدانة المطلوبة لـ”حماس” عمياء بل وغير أخلاقيّة إن أردنا تجاهل العنف الإسرائيلي الاستعماري، نعم هي ليست حركة مقاومة وطنية كلاسيكيّة، ونعم هي جماعة إسلاميّة تحكم البشر وتمارس السيادة في منطقة محاصرة، لكن في الوقت ذاته، هناك سياق الاستعمار، والتسليم بوصف “الحيوانات” الذي استخدمه وزير الدفاع الإسرائيلي، يعني الاتفاق مع حق الاستعمار لا فقط في “الدفاع عن نفسه” حد إفناء العدو، بل إفناء الآخر، الإنسان، بوصفه أقل حقاً بالحياة، والأهم، لا يستحق النحيب من أي طرف كان. مصادرة حق النحيب على الحياة الإنسانيّة التي هُدرت لدى الطرفين، تفتح الباب على تشدّد أكثر، وعنف أكثر،كوننا سننتهي أمام “عداوة أنطولوجيّة” تُختصر بعبارة “إما نحن أو هم”.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 17.05.2024

مدارس “الأونروا” المدمرة مأوى نازحين في خان يونس

على رغم خطورة المكان على حياة أفراد العائلة، بسبب احتمال سقوط بعض الجدارن أو الأسقف على رؤوسهم، قررت العائلة الإقامة في أحد الصفوف الدراسية، وبدأت بتنظيفه وإزالة الحجارة والركام من المساحة المحيطة به، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.