fbpx

أبو ناجي الذي ينتظر في رام الله العودة إلى غزة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يناشد أبو ناجي أحرار العالم، “هدول الأطفال الأبرياء اللي بيقولوا عنهم بنك الأهداف في قطاع غزة، هدول الأطفال شو ذنبهم؟ هدول النساء شو ذنبهم؟ هدول الشيوخ المساكين الغلابة في قطاع غزة، اكم ألف طفل صار؟ واكم الف طفل مفقود ما زال؟ واكم صبية واكم شيخ ما زال مفقود، في ناس منهم تحت الأنقاض!”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في أحد مراكز الإيواء بمدينة رام الله، حدّثني “أبو ناجي” عن سلطانية السمك، وميناء غزة وجمال بحرها. وسلطانية السمك هي أكلة فلسطينية غزاوية مكوّنة من مختلف أنواع السمك والمأكولات البحرية. أما أبو ناجي، فهو واحد من آلاف الغزيين الذين كانوا موجودين خارج قطاع غزة قبيل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ولم يتمكنوا من العودة إليها. وعلى رغم معرفة كلينا أن زيارتي للقطاع شبه مستحيلة نتيجة حصاره منذ عام 2007، يعدني أبو ناجي بتذوّق السلطانية عند مجيئي.

أبو ناجي واحد من 90 شخصاً من مرضى ومرافقين  لهم، جاؤوا من قطاع غزة لتلقّي العلاج في مستشفيات الضفة الغربية والداخل (أراضي 48)، واضطروا للبقاء في مركز إيواء في رام الله جراء الإغلاق التام الذي فرضته قوات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع.

داهم مرض السرطان الرجل الخمسيني في عام 2020. ولكن، في قطاع غزة، يشكل علاج المرض تهديداً لاستقرار إسرائيل، فتحظّر إدخال بعض أصناف الأدوية والعلاجات الكيميائية نتيجة تخوّفها من استعمالها “لأغراض أخرى”، فيضطر المرضى لخوض إجراءات بيروقراطية معقّدة للحصول على تصاريح طبية تسمح لهم بتلقّي العلاج في مستشفيات الضفة الغربية أو الداخل.

رفضت سلطات الاحتلال الإسرائيلية منح أبو ناجي تصريحاً للعلاج في مستشفياتها، فحُوِّل الى أحد مستشفيات الضفة الغربية. وقال لي في هذا الصدد: “أنا أول مرة طلعت على نابلس، قعدت تقريباً شهرين تحت الدراسة لحد ما وافقوا انهم يعطوني تصريح 3 شهور لاجي أتعالج”. وبعد تفاقم حالته، نُقل الى أحد مستشفيات رام الله، حيث كان يأتي بشكل دوري لتلقّي جرعات العلاج الكيميائي، ويعود بعدها إلى حي النصيرات في غزة، حيث تقطن عائلته المكوّنة من زوجته وثلاثة أولاد وثلاث بنات. 

شاء القدر ألا يتمكن أبو ناجي من أن يكون بالقرب من عائلته في هذه المحنة، إذ وصل الى رام الله لتلقّي جرعة قبل قرابة أسبوع من بدء “طوفان الأقصى”، وكان من المقرر أن يعود إلى غزة يوم الأحد أو الإثنين، أي بعد يومين من بدء الحرب. وخلال هذه الزيارة، اكتشف الأطباء وجود كتلة يجب استئصالها بعملية جراحية. 

“القصف تم بالليل، بس لحد العصر تقريباً تواصلت معي بنتي، قالتلي يابا بحمد الله سحبوه من تحت الأنقاض”

لمن سنقول صباح الخير؟

في غزة، أمسى انتشال الجثث الهامدة من تحت الأنقاض أشبه بمعجزة، أو نعمة يُشكر الله عليها. وفي يوم لقائنا ذاته، علم أبو ناجي بمقتل عدد من أفراد عائلته: ابن عمه، وهو معلم في مدارس الأونروا، وزوجة ابن عمه، وهي معلمة رياض الأطفال، وأطفالهما الثلاثة.  قال أبو ناجي: “القصف تم بالليل، بس لحد العصر تقريباً تواصلت معي بنتي، قالتلي يابا بحمد الله سحبوه من تحت الأنقاض… الحمد لله رب العالمين، تكلموا أهلنا مع الدفاع المدني، وبمساعدة الشباب، سحبوهم كلهم من تحت الأنقاض، والحمدلله، صلوا عليهم والبلدية دفنتهم… فش متسع بالمقابر، وفش ثلاجات، شو بدها تكفي الثلاجات… يا دوب يسحبوهم، إذا حد من أهاليهم عايش، بينظر عليهم نظرة الوداع وبصلي عليهم بالمكان، وبكفنوهم بهالكفن، رحمة الله عليهم، الحمدلله”.

على رغم رباطة جأشه وتماسكه في ظل الظروف القاهرة التي فُرضت عليه، يعبر أبو ناجي عن القهر الذي يشعر به، “بغضّ النظر أنه هو قريبي أو ابن عمي، أو زوجته قريبتي، جاري مات، صديقي مات، صاحب البقالة اللي كنا بنتسوق عنده قصفوه، المخبز اللي كنت بعتاده وبشتري منه انضرب، مول ابو دلال برضو انضرب، وما فوق العشرين شخص هدول استشهدوا، مهو هدول برضو أحبابنا وأصحابنا وأصدقائنا، كنا بنفوت عليهم بنقول صباح الخير، تفضل اشرب قهوة، اليوم أنا لما ارجع، هذا اذا رجعت على غزة، الشخص هذا اللي كان يقعد ع باب المول ونقلوا صباح الخير تعال اشرب قهوة اليوم مش موجود… فقدنا ألوفات يا عمي، فالأمر مش سهل، مش هين علينا”. 

أجريت حديثي مع أبو ناجي قبل يوم واحد من قطع الاحتلال الإسرائيلي شبكة الإنترنت ووسائل الاتصال كافة عن القطاع. وحتى في تلك الظروف، لم يكن من السهل أن يتواصل مع عائلته، “أنا بضل أرن ست أو سبع مرات، بجوز أوصل للعشرة لما يمسك خط. بتطمن على زوجتي بالأول، بمسكش (الخط)، بحول على بناتي، بضل بعد هيك على ولادي، بعد هيك ع خواتي، اللي بمسك خط، بنقول الحمد لله رب العالمين”. لجأت أختاه الاثنتان الى بيته، “التنتين ساكنين بغزة الام، ساكنين بمنطقة اسمها الشيخ رضوان، هاي في صلب غزة، طبعا هددوا دور جيرانهم من هان ومن هان، وتم قصفهم، فهربوا اخواتي التنتين بزيجانهم وبأبنائهم ع بيتي”.

يناشد أبو ناجي أحرار العالم، “هدول الأطفال الأبرياء اللي بيقولوا عنهم بنك الأهداف في قطاع غزة، هدول الأطفال شو ذنبهم؟ هدول النساء شو ذنبهم؟ هدول الشيوخ المساكين الغلابة في قطاع غزة، اكم ألف طفل صار؟ واكم الف طفل مفقود ما زال؟ واكم صبية واكم شيخ ما زال مفقود، في ناس منهم تحت الأنقاض!”.

“أنا في بيتي 32 شخص، لو ما في محبة كان أجوا عليه؟”

“أنا في بيتي 32 شخص، لو ما في محبة كان أجوا عليه؟ وبالليل بيهربوا عالمدرسة، وبيرجعوا تاني يوم، والحياة بدها تستمر. الحمدلله”. بعد غروب الشمس، يلجأون سوياً الى مدارس الأونروا للاحتماء من الليل وويلاته، فيجدون فيها بصيصاً من الأمل، على رغم تعرّضها للقصف، على حد سواء. تفضّل العائلة المدرسة على البيت، لأن “الموت مع الجماعة رحمة”، فبين جدران المدرسة، يؤازر مئات الأشخاص بعضهم بعضاً. وعند حلول الصباح، تعود العائلة الى البيت لقضاء حاجاتها.

على رغم بعده عن عائلته، يشعر أبو ناجي بأنه بين أهله، فبالإضافة الى المرضى والمرافقين، يمتلئ المكان بأهل المدينة والمتطوعين، “صح احنا بالشق الثاني من الوطن، ولكن بين أهلنا وأحبابنا وأصدقائنا… أنا حاسس حالي قاعد معكو على الميناء، إحنا معناش جبال، غزة سهل كلها، بجوز لو أنا قمت هيك، لو ما في جبال كان شفت مرتي… إن شالله أستضيفكم عندي عالنصيرات وبناخدكم عالميناء، وبنطعمكم سمك، بإذن الله”.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 17.05.2024

مدارس “الأونروا” المدمرة مأوى نازحين في خان يونس

على رغم خطورة المكان على حياة أفراد العائلة، بسبب احتمال سقوط بعض الجدارن أو الأسقف على رؤوسهم، قررت العائلة الإقامة في أحد الصفوف الدراسية، وبدأت بتنظيفه وإزالة الحجارة والركام من المساحة المحيطة به، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.