fbpx

الضفّة الغربيّة.. حربٌ غير معلنة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منذ 7 تشرين الأول، أصبح التنقّل بين محافظات الضفة رحلة مليئة بالخوف والقلق والترقب. فالطرق الخارجية التي تربط بين مدن الضفة الغربية، تشهد هجمات يومية تقريباً من مستوطنين ضد فلسطينيين تصل الى حد القتل. بالإضافة إلى الحواجز العسكرية المشددة، يجد الفلسطينيون أنفسهم مضطرين لاستخدام طرق  التفافية بديلة معرضة أيضاً  لهجمات من المستوطنين. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“قبل الأحداث،كنا نطلع مشوارين أو ثلاثة. اليوم، كلّ أربع أو ثلاث أيام بطلع مرة وحدة”، يقول عرفات خضير الذي يعمل سائق تاكسي على خط بيت لحم – رام الله منذ عام 2008.

منذ هجوم حركة “حماس” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وما تبعه من حرب إسرائيلية شرسة دموية على قطاع غزة، بات تنقل عرفات خضير اليومي محفوفاً بتضييق أمني كبير.

“لما نمر من الكونتير بوقفونا وبفتشوا السيارة وباخدوا تلفوني وتلفونات الركاب واحد واحد وبفتشوهم وبأخرونا عمداً، بشوفوا الصور والفيديوهات الي بكونوا على تلفوناتهم وإذا شافوا صورة أو فيديو إله علاقة بالي بصير بغزة باخدوهم وبضربوهم”، يقول عرفات شارحاً كيف يتم توقيف السيارات على “الكونتينر”، وهي حواجز أقامتها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ انطلاق الانتفاضة الثانية عام 2000، ففصلت محافظات الشمال والوسط في الضفة عن محافظات الجنوب عبر تلك الحواجز التي تحتوي أبراج مراقبة وغرف تفتيش وبوابات حديدية ومكعبات إسمنتية وكاميرات مراقبة. 

منذ 7 تشرين الأول، أصبح التنقّل بين محافظات الضفة رحلة مليئة بالخوف والقلق والترقب. فالطرق الخارجية التي تربط بين مدن الضفة الغربية، تشهد هجمات يومية تقريباً من مستوطنين ضد فلسطينيين تصل الى حد القتل. بالإضافة إلى الحواجز العسكرية المشددة، يجد الفلسطينيون أنفسهم مضطرين لاستخدام طرق  التفافية بديلة معرضة أيضاً  لهجمات من المستوطنين. 

الطرق بين المحافظات في الضفة الغربية كانت مفتوحة بنسبة 90 في المئة قبل 7 تشرين الأول، لكن هذه النسبة انعكست بعد ذلك التاريخ. فأصبحت الطريق التي تستغرق سابقاً ساعة و15 دقيقة، مثل طريق رام الله – طولكرم، تحتاج الآن إلى 3 ساعات أو أكثر حتى يصل المسافرون الى وجهتهم في حال حالفهم الحظ ونجحوا في الوصول. 

بحسب الصحافي جهاد ياسين الذي يعمل على تغطية الأوضاع في الضفة، فإن قوات الاحتلال قد أغلقت معظم مداخل المدن، وأُبقي على مدخل واحد مفتوح فقط لكل منها، مع تنفيذ تفتيشات دقيقة على الحواجز العسكرية و على مداخل المدن، فيما شهدت القرى القريبة من المستوطنات إغلاقاً لبواباتها.

تضاف إلى ذلك، اعتداءات للمستوطنين تُرتكب بحق المواطنين خلال مرورهم في الطرقات.

صورة وضعها جيش الاحتلال على بوابة نصبها على مدخل قرية نعلين غرب رام الله

الضفة والحرب الموازية 

تعيش الضفة الغربية صدى الحرب الشرسة التي يتعرض لها قطاع غزة، إذ يعيش أهل الضفة تضييقاً غير مسبوق وتصاعداً في الاعتداءات ضدهم. فقد أغلقت قوات الاحتلال معظم الحواجز العسكرية المقامة بالضفة، لا سيما في مناطق الشمال، وشددت من إجراءاتها العسكرية، فيما أعلنت “إسرائيل” إغلاقها المعابر الحدودية، وتلك الواصلة بين الداخل والأراضي المحتلة عام 1967 والمناطق القريبة من المستوطنات.

وزارة الصحة الفلسطينية قالت إن عدد الضحايا خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة في الضفة الغربية، ارتفع إلى 145، والجرحى إلى أكثر 2200.

موسم مغمّس بالدم 

“رحنا على أرضنا لقطف الزيتون يوم السبت، 4 مستوطنين وصلوا عنا وبلشوا يطخوا مشينا إلى الأمام وجدنا عمّي بلال قرب الزيتونة مطخوخ”، يقول محمد ابن شقيق بلال صالح الذي قتل برصاص مستوطن اقتحم أرضهم وأطلق صوبه رصاصتين بشكل مباشر، واحدة منها استقرت في القلب. يمكن القول إن صور موسم قطف الزيتون الفلسطيني في الضفة هذا العام، تلك التي نرى فيها عائلات مجتمعة تحت الشجر وإفطارات تشمل شاي وقلاية بندورة على الحطب، استُبدلت صور مليئة بالدم والموت والخوف.

يقول محمد: “بلال رجل طيب وبسيط واجتماعي متزوج ولديه 4 أطفال، عاش حياته يتيم.كان يستغل المواسم الزراعية لبيع محصولها في سوق رام الله وإعالة عائلته قبل أن يقتله مستوطن”.

بحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وصل عدد الاعتداءات التي نفذها مستوطنون في تشرين الأول، رقماً قياسياً بتسجيل 390 اعتداءً في شهر واحد، تسببت بمقتل 9 فلسطينيين.

وأضافت الهيئة أن المستوطنين شنوا هجمات خطيرة وعنيفة ومنظمة وبحماية الجيش ضد المواطنين العزل أثناء قطاف الزيتون، ما أدى إلى انحسار الموسم إلى حدوده الدنيا، وسجل أكثر من 126 هجمة عنيفة، 55 حالة منها ترافقت مع إطلاق النار، و 41 حالة تهديد وإشهار أسلحة، ما أدى إلى حرمان المواطنين من استكمال عملية القطاف.

كما سُجل اقتلاع وحرق ما مجموعه 3465 شجرة، منها 2730 شجرة زيتون في محافظات الخليل ورام الله ونابلس وقلقيلية، و37 عملية تجريف تركزت في نابلس وسلفيت وطوباس.

“أبو غريب” فلسطيني

في موازاة الاقتحامات والتضييق على الحواجز وهجمات المستوطنين على المزارعين أو على المنازل، تكرر تسرب فيديوات وأخبار عن تعرض الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية الى تعذيب وتعنيف ممنهج. 

وفقًا لرئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، قدورة فارس، يتعرض الأسرى في السجون الإسرائيلية لاعتداءات جسدية ونفسية، لا سيما لضرب بالعصي. وأشار إلى أن بعضهم يعاني من كسور في أطرافهم أو تشوهات بالغة في الوجه نتيجة لهذه الاعتداءات.

يترافق ذلك مع استخدام لغة نابية و تعابير مهينة وعقوبات جماعية كالتفتيش العاري والتحقير  والإهانات، وربط الأسرى بالقيود (الكلبشات) إلى الخلف وشدّها بإحكام شديد وقوة، بحيث تسبّب ألماً شديداً. وهذا النوع من المعاملة يحصل بشكل خاص في سجن النقب، وقد تم تشبيه ما يحدث في سجون الاحتلال بما حصل في سجن أبو غريب بالعراق. 

تصاعدت أيضاً، وتيرة الاعتقالات بشكل غير مسبوق، إذ وثقت مؤسسات الأسرى في تشرين الأول/ أكتوبر 2070 حالة اعتقال في الضفة الغربية، من بينها 145 قاصراً، وأكثر من 55 امرأة.

التحول الأبرز هو التصاعد الكبير في الاعتقال الإداري، وهو الاعتقال من دون تهمة محددة ومن دون محاكمة، إذ أصدرت قوات الاحتلال 1034 أمر اعتقال إداري، ويستغرق الأمر نحو 4 أيام أو أكثر لمعرفة مصير من تعرّض للاعتقال على يد الجيش الإسرائيلي.

مسؤولة الإعلام في نادي الأسير أماني سراحنة، تقول إن عمليات الاعتقال بعد 7 تشرين الأول عكست مستوى عالياً من الجرائم وعمليات التنكيل الممنهجة، تمثلت بالاعتداءات المباشرة وتخريب الممتلكات واستخدام أحد أفراد العائلة كرهينة إلى حين تسليم من  تعتبره سلطات الاحتلال المطلوب نفسه.

وأضافت أن  الساحة الفلسطينية لم تشهد في تاريخها حالات اعتقال كالحالات التي تشهدها حالياً، إذ استهدفت الأفراد والمواطنين الفاعلين على الساحة الفلسطينية سياسياً واجتماعياً ومعرفياً.

أما عمال الضفة الغربية الذين يعملون داخل الخط الأخضر، فكانوا ضحية اعتداءات همجية. وأظهر توثيق مصور، العمال وهم عراة، فيما أقدمت قوات الاحتلال على الاعتداء عليهم وهم مكبّلي الأيدي والأرجل.

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومقره جنيف، قال في بيان صحافي، إنه اطلع على مقاطع فيديو تظهر جنوداً إسرائيليين يسحلون وينكلون بمدنيين فلسطينيين ينحدرون من بلدة يطا في الخليل جنوب الضفة الغربية، وذلك بعد تجريدهم من ملابسهم وتعصيب أعينهم وتقييدهم من أياديهم وأرجلهم ثم تركهم في العراء لساعات طويلة.

القدس معزولة!

في تقريرها الخاص بشهر تشرين الأول 2023، وثّقت محافظة القدس جرائم  الاحتلال الإسرائيلي، تمثّلت بمقتل 15 مواطناً، بمن فيهم 7 أطفال، إلى جانب اعتقال 394 شخصاً وتنفيذ 19 عملية هدم. بالإضافة الى تسجيل عمليات اقتحام باحات المسجد الأقصى من قبل  8006 مستوطنين خلال الشهر ذاته.

بالتزامن مع الحرب على غزة، نفذت قوات الاحتلال حملات اعتقال يومية في محافظة القدس، تخللتها عملية تخريب واسعة لمحتويات المنازل كالملابس، المطبخ، الخزائن، الأثاث والأجهزة الكهربائية، وتخريب جدران البيوت من خلال استخدام أدوات الهدم المنزلية بحجة “التفتيش”.

ورصدت محافظة القدس (44) قراراً بالحبس المنزلي أصدرته سلطات الاحتلال بحق مواطنين مقدسيين، من بينهم الكثير من الأطفال، و 3 قرارات إبعاد ومنع سفر.

أعاقت قوات الاحتلال أيضاً وصول الطلبة المقدسيين إلى مدارسهم بسبب إغلاق الحواجز العسكرية والعزلة التي فرضتها سلطات الاحتلال على مدينة القدس عقب اندلاع حرب غزة، كما اقتحمت قوات الاحتلال مستشفى المقاصد في القدس أكثر من مرة.

الخليل… عودة إلى أيام انتفاضة الأقصى!   

 خارطة محافظة الخليل

فرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ طوفان الأقصى، قيوداً مشددة على حركة تنقل أهالي البلدة القديمة من الخليل، شملت حظراً للتجول فرضته على معظم أحياء البلدة القديمة.

نشرت لجنة إعمار الخليل، وهي لجنة حكومية تتابع شؤون البلدة القديمة، خريطة بالمناطق التي تحظر فيها حركة الفلسطينيين، مقابل حرية كاملة للمستوطنين، نرفقها هنا.

يُذكر أن نحو 700 عائلة تعيش في ظل منع مشدد للتجول ولا تستطيع الحركة في نحو 75 في المئة من البلدة القديمة، وهي الأحياء المحيطة بالمسجد الإبراهيمي والمحاذية للبؤر الاستيطانية التي أقيمت في أملاك تم الاستيلاء عليها من أصحابها الفلسطينيين”. فيما يقيم نحو 700 مستوطن في 5 بؤر استيطانية منتشرة في البلدة القديمة.

جدير بالذكر أن اتفاق الخليل، وهو اتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل”، حصل عام 1997 كان قد قسّم المدينة إلى قسمين: H1 ويشكل نحو 80 في المئة من المدينة وألحق بالسلطة الفلسطينية في حينه، وH2 الذي بقي تحت السيطرة الإسرائيلية وفيه يقع المسجد الإبراهيمي وتنتشر البؤر الاستيطانية.

جنين… استهداف الذاكرة

في جنين التي تتعرض أصلاً لحملة شرسة منذ مطلع العام الجاري،  اقتلعت جرافات الاحتلال الإسرائيلي التمثال الفني الشهير المعروف باسم “حصان جنين”، من موقعه الثابت منذ 20 عاماً داخل مخيم جنين، لتنقله إلى مكان مجهول.

ويُعد “حصان جنين” واحداً من الرموز الشاهدة على تاريخ مخيم جنين. فعقب اجتياحه في نيسان/ إبريل عام 2002، دمّرت قوات الجيش الإسرائيلي مركبات الفلسطينيين، من بينها مركبة إسعاف كان يقودها الدكتور خليل سليمان.

وبعد انتهاء المعركة، جُمعت بقايا الدمار ومخلفات الإسعاف والمركبات الأخرى. وفي العام 2003، تعاون الفنان الألماني توماس كيلبر خلال زيارته لمخيم جنين مع ناشطين فلسطينيين، لتنفيذ عمل فني من وحي المعركة التي قضى فيها 58 فلسطينياً.

منشور يكلّف صاحبه هدم محلّه!

3 محلّات تجارية هُدمت في الضفة الغربيّة بتحريض من المستوطنين بسبب مشاركة أصحابها منشورات على صفحات المحال على “فيسبوك” حول طوفان الأقصى.

وهدم مستوطنون محلاً تجارياً يبيع البيتزا في بلدة حوارة جنوب نابلس، بسبب منشور احتوى صورة واحدة من المستوطنات اللواتي اختُطفن خلال المعركة، كما اعتُقل أصحابه. 

وأغلقت قوات الاحتلال محلاً آخر لبيع البيتزا في بلدتي سلواد وبيرزيت برام الله ثم هدمت جرافات الاحتلال وأغلقت لمدة خمسة أشهر محلاً لبيع الملابس النسائية في قلقيلية.

قوات الاحتلال تغلق بيتزا العاصور بالصفائح الحديدية

وفي السياق، نشير إلى أن المنصات الرقمية شهدت ازدياداً متسارعاً في خطاب العنف والكراهية ضد الفلسطينيين خلال الحرب. إذ نشرت حملة – المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي- ورقة إحاطة ورصد فيها أكثر من 590000 محتوى عنف وكراهية وتحريض، بخاصة باللغة العبرية، وتركزت معظم هذه الحالات على منصة “إكس”.

اقتصاد متأزم أصلاً قبل الحرب

المحلل الاقتصادي د. نصر عبدالكريم، قال: “الأوضاع الاقتصادية متأزمة في الضفة الغربية على مدار السنتين الماضيتين، بسبب سياسة حكومة الاحتلال المتطرفة الجديدة، والأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية بسبب احتجاز أموال المقاصة، الذي ينعكس بشكل أساسي على رواتب العاملين في القطاع الحكومي ونفقات الحكومة، وبالتالي على النشاط الاقتصادي العام، وارتفعت معدلات البطالة وزادت العمالة داخل الاقتصاد الإسرائيلي ووصلت لأكثر من 220 ألف عامل، وهذا رقم قياسي خلق حالة من الاعتمادية الكبيرة لأكثر من مليون شخص من الضفة الغربية يعملون داخل إسرائيل”.

أضاف عبد الكريم، “اليوم تم الاستغناء عن العمال أو معظهم، ما يعني أن الاقتصاد الفلسطيني فقد سيولة شهرية تقدّر بنحو مليار ونصف المليار شيكل، وفقدت أسر هؤلاء الأشخاص دخلها الشهري”.

المحلل السياسي هاني المصري، لفت الى أن “القضية الفلسطينية التي كان أفقها مغلقاً قبل أحداث 7 تشرين الأول، عادت الى الصدارة مجدداً وأصبحت محل اهتمام وإدراك، بخاصة بعد الانتفاضة الشعبية التي شاهدناها  في كل العالم، وبالتالي لا تستطيع الإدارة الأميركية والحكومات الغربية أن تتجاهل الموضوع”. 

واعتبر المصري أن الضفة الغربية جزء من هذا الحراك، وما يحدث فيها وإن كان محدوداً يجعلها جزءاً جيداً من الإمكانيات، فالحراك الشبابي الذي تشهده الضفة الآن يمكن أن يتطور”.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 17.05.2024

مدارس “الأونروا” المدمرة مأوى نازحين في خان يونس

على رغم خطورة المكان على حياة أفراد العائلة، بسبب احتمال سقوط بعض الجدارن أو الأسقف على رؤوسهم، قررت العائلة الإقامة في أحد الصفوف الدراسية، وبدأت بتنظيفه وإزالة الحجارة والركام من المساحة المحيطة به، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.