fbpx

ملفات بريداتور… احتمال تورّط رئيس وزراء اليونان في عملية تجسّس

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هل أرسل ابن أخ رئيس الوزراء اليوناني برمجيات تجسّس إلى أشخاص مؤثّرين في البلاد؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يعتبر يونانيون كثر أن عيد اسم أحدهم بالمعموديّة أهم من عيد ميلاده، إذ يهنئ الناس بعضهم البعض بهذه المناسبة، ويحتفلون غالباً بهذا العيد مع الأصدقاء والعائلة، هو يوم مليء بالفرح عادةً.

لكن عيد اسم أحد أهم سياسيي اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، أصبح محور اهتمام الناس، إذ تعرضت 11 شخصية مؤثرة  لهجوم عبر برمجيات تجسّس مصمّمة لسرقة البيانات والصور والأسرار من هواتفهم مباشرة بعد معايدتهم هذا السياسي .

هذا الهجوم كُشف عنه عبر وثائق تم الحصول عليها من خلال الوحدة اليونانية للتحقيقات الصحافيّة “مراسلون متحدون”، وتمت مشاركتها مع مجلة “دير شبيغل” وشركائها الدوليين في “تحالف الصحفيين الاستقصائيين في أوروبا ” (EIC). 

“الهجوم في يوم الاسم بالمعموديّة “هو الحلقة الجديدة في فضيحة “ووترغيت اليونان”، واحدة من أكبر فضائح التجسس في أوروبا، التي  يتعرض إثرها  رئيس وزراء الحكومة المحافظة كيرياكوس ميتسوتاكيس لضغوط متزايدة.

السياسي القوي الذي أصبح “يوم اسمه” الآن في صلب الاهتمام، هو غريغوريس ديميترياديس، ابن أخ ميتسوتاكيس، والذي بعد انتخابه رئيساً للوزراء في عام 2019، عُين ديميترياديس أمينًا عاماً له، ما جعله بشكل ما الرجل الثاني في الحكومة ومنحه وصولًا إلى  مراكز اتخاذ القرار المهمة في الحكومة والمخابرات اليونانيّة.

اكتشاف 92 هدفاً

في 25 كانون الثاني/ يناير 2021، تلقى ديميترياديس رسائل تهنئة كثيرة بمناسبة يوم اسمه. في اليوم التالي، تلقى 11 شخصاً، بمن فيهم رئيس الشرطة اليونانية آنذاك، والمدعي المسؤول عن الخدمة السرية ومفوض الاتحاد الأوروبي السابق للهجرة، رسالة من رقم هاتف ابن أخ رئيس الوزراء، وأُرفقت مع الرسالة النصيّة بطاقة شُكرٍ رقمية. كل من نقر على رابط الرسالة، فقد على الفور السيطرة على هاتفه.

حوت بطاقات الشكر برنامج التجسس الرقمي الشهير  بريداتور، التابع لتحالف شركات إنتيليكسا، الذي يمتلك مقراً في اليونان. بريداتور  هو إحدى أكثر أدوات التجسّس الرقمي عدوانية، ويمكنه أن يحصل على بيانات سرية من أي هاتف، كما يمكنه أيضاً تحويل الهواتف المحمولة إلى أجهزة تنصت تُفعّل وتُعطّل الميكروفونات فيها للاستماع إلى المحادثات، كما يُمكن المهاجمين أيضاً رؤية أماكن تحرك أهدافهم عبر إشارة الجي بي إس.

“الهجوم في يوم الاسم بالمعموديّة “هو الحلقة الجديدة في فضيحة “ووترغيت اليونان”، واحدة من أكبر فضائح التجسس في أوروبا، التي  يتعرض إثرها  رئيس وزراء الحكومة المحافظة كيرياكوس ميتسوتاكيس لضغوط متزايدة.

عام 2021، كشف الصحافي اليوناني ثاناسيس كوكاكيس عن أن هاتفه أصيب ببريداتور لمدة عشرة أسابيع. حينها، فحص “مركز الأبحاث الكندي” Citizen Lab هاتفه الذكي، وحدّد رسالة نصية ملوّثة بوصفها مصدر الهجوم.

اتضح تدريجياً أن كوكاكيس كان مجرد هدف أوليّ. إذ تعرض أيضاً للهجوم عدد من زملائه الصحافيين، بالإضافة إلى زعيم حالي لحزب معارض ونائب في البرلمان الأوروبي آنذاك، وعدد من رجال الأعمال المعروفين.

في هذه الأثناء، حدّدت سلطة حماية البيانات اليونانية 92 هدفاً، تعرض بعضهم للهجوم من المخابرات اليونانية باستخدام  تقنيات المراقبة التلفونية التقليدية، ما أدى بالضرورة إلى السؤال عما إذا كانت الدولة أيضاً تستخدم بريداتور ضد مواطنيها وسياسييها وكل من ينتقد الحكومة. علاوة على ذلك، لا يمكن رئيس الوزراء الحالي أن ينكر أن لديه اهتماماً خاصاً الاستخبارات اليونانية.

سبب الاهتمام هو أن ميتسوتاكيس وضع جواسيس اليونان تحت مسؤوليته مباشرة بعد تولّيه المنصب في صيف عام 2019؛ إذ كانوا في السابق جزءاً من وزارة الداخلية. لاحقاً، أعطى رئيس الوزراء ابن أخيه صلاحية الإشراف على قسم المُراقبة والتجسس في البلاد. ينفي ميتسوتاكيس أن برمجيات التجسس بريداتور استُخدمت من الدولة. كما ينفي ديميترياديس أيضاً هذه الاتهامات.

استقال ابن الأخ من منصبه في آب/ أغسطس عام 2022، وتحمّل المسؤولية السياسية عن التنصت على هاتف أحد أبرز مرشحي المعارضة في اليونان، الأمر الذي  يدعي ميتسوتاكيس أيضاً أنه لم يكن يعلم عنه شيئاً، لكن المعلومات الجديدة وضعت الاثنين في ورطة أكبر الآن.

عثرت السلطة اليونانية لحماية البيانات (DPA) على رسائل نصية ملوّثة ببريداتور أرسلت إلى عدد من الأهداف بمناسبة عيد الاسم بالمعمودية، في إضافة إلى الفضيحة التي تعمل عليها لأكثر من عام.

تكشف الوثائق السرية التي حصلت عليها “دير شبيغل” وشركاؤها في EIC، أن جميع الرسائل أُرسلت في 26 كانون الثاني/ يناير 2021 بين الساعة 8:05 مساءً و8:54 مساءً. محتوى الرسائل التي عُثر عليها يدل على التهذيب، وأنها رد على معايدة، جاء فيها: “شكراً على تهانيك، نتمنى لك أفضل الحظوظ”. لم يستطع أحد من المستهدفين أن يخمّن أن برمجية التجسس بريداتور كانت مخبأة في بطاقات التهنئة المرفقة.

شرحت سلطة حماية البيانات مستوى الخداع الذي وظفه المهاجمون عبر بريداتور، وأوضحت تقنية هجماتهم. استخدم مرسلو برمجيات التجسس بطاقات مدفوعة مسبقاً لا يمكن تتبّعها. كما تم تغيير بيانات المنشأ للرسائل المعنية من الناحية التقنية أيضاً، بحيث لا تتطابق مع المرسل الحقيقي.

وفقاً لمعلومات “دير شبيغل” وشركائها في البحث، عُرض رقم هاتف ديميترياديس على شاشات هواتف الأشخاص الـ11 الذين تلقوا بطاقات الشكر، وإن كان الأشخاص، أهداف التجسّس، قد حفظوا رقمه في دليل هواتفهم، فقد ظهر اسمه على شاشات هواتفهم أيضاً. 

رسائل الشكر  كانت مرتبطة بشكل مباشر بالرسائل القصيرة بين ديميترياديس والشخص المستهدف، ولم يدل شيء الى أن الرسالة لم تكن مباشرة من هاتف ديميترياديس.

لكن، هل كان أمين عام رئيس الوزراء فعلاً على علم بالهجوم على الأهداف الـ11؟ هل قام بهذا الهجوم بنفسه أو كلَّف أحدهم؟ عندما سئل ديميترياديس عن مشاركته في ذلك، أجاب قائلاً: “لم يكن لي أي علاقة بإرسال الرسائل”. أما عمه رئيس الوزراء ميتسوتاكيس، فلم يعلّق على هذا الأمر بشكل محدد.

إذا كانت هناك أطراف غير معروفة نفذّت الهجوم على الأهداف الـ11 من دون تورط ديميترياديس في الأمر، فكيف علم من هنأ ديميترياديس بعيد اسمه قبل يوم واحد؟ ومن أين يمكن أن تأتي هذه المعلومات إذا لم تكن من ديميترياديس نفسه؟

مدى حساسية هذه الاكتشافات بالنسبة الى رئيس وزراء اليونان وابن أخيه، يظهر أيضاً من خلال نتائج الهيئة المستقلة لحماية البيانات في اليونان، التي حلّلت بيانات مزوِّدي خدمة اتصال في اليونان، وعثرت على أكثر من 220 رسالة تحوي بريداتور، بما في ذلك البطاقات الـ 11 التي تم التلاعب بها. 

قدمت الهيئة تقريرها النهائي في الصيف إلى مكتب النائب العام المتخصص في أثينا، وكانت تعتزم بدء تحقيق في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر لفحص ما إذا كانت الأهداف الـ 92 لبريداتور متطابقة فعلياً مع تلك التي تمت مراقبتها  بواسطة أجهزة التجسس المخابراتية الكلاسيكية. فإذا كان ذلك صحيحاً، فنحن أمام دليل آخر على عملية تجسس منهجية تقوم بها الدولة، إذ يتم تنسيق أساليب المخابرات التقليدية مع استخدام برامج التجسس الرقمية. نتيجة كهذه ستكون عبئاً ثقيلاً على رئيس الوزراء ميتسوتاكيس وسكرتيره العام السابق.

ومع ذلك، بعد فترة قصيرة من تقديم مكتب النائب العام طلب البدء بالتحقيق، قرر أعلى مدعي عام في اليونان سحب القضية. وذُكر  رسمياً أن الإجراء سيتم “تطويره”” بسبب “خطر انقضاء زمن التقاضي الذي يخصّ الجرائم المدروسة”.

 يتابع مكتب المدعي العام في المحكمة العليا اليونانية الآن، جميع التحقيقات الإضافية بنفسه. لكن يبدو أن هذا القرار أدى إلى تحطيم آخر أمل بإجراء تحقيق مستقل في قضية التجسس، لأن أعلى مدعي عام في اليونان يُعيَّن مباشرة من الحكومة، وهو معروف بولائه لها.