fbpx

غزة: رحلة الرعب عبر الممرات “الآمنة”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“المكان صغير وزحمة. إحنا قاعدين بذلّ وقهر وأنا مجبورة استخدم الحمّام أنا ورجل غريب. مجبورة هالإشي اللي بإيدي بس أكون جعانة بدي أكل اني اعطيه للطفل اللي معي. فش مكان أخبز فيه وفش ثلاجة أحط فيها اغراض. رجعوني على بيتي حتى لو مكسّر”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“المكان صغير وزحمة. إحنا قاعدين بذلّ وقهر وأنا مجبورة استخدم الحمّام أنا ورجل غريب. مجبورة هالإشي اللي بإيدي بس أكون جعانة بدي أكل اني اعطيه للطفل اللي معي. فش مكان أخبز فيه وفش ثلاجة أحط فيها اغراض. رجعوني على بيتي حتى لو مكسّر”.

بحرقة تتحدّث سارة العرابيد لـ “درج” عن يوميات وتفاصيل رحلة نزوحها مع عائلتها من شمال قطاع غزة إلى الجنوب، الرحلة التي حاولوا تجنبها منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع رافضين الخروج من منزلهم، لكن شدّة القصف العشوائي واستهداف الطابق الأخير من منزلهم، وسقوط بعض جيرانهم، دفعتهم لاتخاذ هذا القرار المرّ.

مع مرور أيام على الهدنة وتبادل الرهائن والأسرى بين اسرائيل وحركة حماس، سمح الهدوء الأمني للغزيين بالتقاط انفاسهم بعد نحو شهرين من حرب شرسة دموية جعلت أجزاء كبرى من القطاع ركاماً وجعلت سكانه نازحين ومشردين. 

هنا رواية بعض ما عاشه أهالي القطاع، فكيف عاشوا الحرب والنزوح وكيف يكابدون الواقع الصعب والمستقبل المجهول. 

هرباً من الحزام الناري.. إلى المجهول!

سارة وعائلتها لا يعرفون أحداً في مناطق الجنوب، لا أقارب ولا أصدقاء 

“ما منعرف إشي بالجنوب بس ضربوا بالمنطقة قصف عشوائي وقصفوا الطابق الأخير من بنايتنا السكنية المكونة من 7 طوابق واحنا موجودين، بدأ القصف الساعة 10:05 ليلاً واستمر حتى آذان الفجر”.

33 فرداً من النساء والأطفال  متكومون على فرشتين فقط في ممر بالطابق الأول لحماية أنفسهم من الشظايا “أطفال ونساء يبكون ويستنجدون بالله”.

بعد أن هدأ القصف قليلاً بدأ جيران عائلة سارة بالدق على الباب طالبين النجدة نظراً لوجود جرحى في صفوفهم، وكون سارة ومن معها مسعفين ومتطوعين في الهلال الأحمر.

“فتحنا الباب كان في شهيدة بس ما رضيت أحكي لأهلها وترجاني أبوها بس ما قدرت أحكي لأهلها خاصة إنه العيلة كمان فيها إصابات خطرة بالرأس”.

انتظرت العائلة حتى بزوغ الفجر، وعندما لاحظوا أن جميع سكان الحي بدأوا بالخروج من منزلهم قرروا النزوح هم أيضاً. حملوا حقائبهم الجاهزة أصلاً منذ بداية الحرب وسمحوا للجرحى من الجيران البقاء في منزلهم وخرجوا في هذه الرحلة القسرية.

ناموا ليلتهم الأولى في جباليا وانطلقوا صباحاً باتجاه الجنوب. 

“طلعنا الساعة 8:30 وصلنا منطقة دوار الكويتي بعد نصف ساعة  ومنه إلى المنطقة التي ينتظر فيها الناس للدخول عبر حاجز إسرائيلي. كان عدد المواطنين لا يحصى. حسينا كل الشمال بهاد اليوم نزح.  المسافة 700 متر بيننا وبين الحاجز وفيها عدد مهول من الناس. ضلينا للساعة 3 ونص الظهر كل شوي يمشونا نص متر ويسكروا الحاجز، ولما أجا عنا الدور حكولنا اقعدوا على الأرض وصاروا يتحركوا بالجيبات العسكرية وملتنا طين وغبار على وجوهنا مع شتم وألفاظ نابية عبرنا الحاجز الساعة 3:30 ظهراً”

لم تنته رحلة النزوح عند هذا الحد، فقد بدأت العائلة رحلة سير على الأقدام استمرت لثلاث ساعات تحت المطر والرياح العاصفة إلى أن مرّت سيارة شحن كبيرة تطوع صاحبها بنقلهم لكن إلى أين؟ لا يملكون إجابة!

صف الروضة حيث تقيم سارة والعائلة

“سألنا وين رايحين؟ صراحة ما كنا نعرف وين رايحين احنا ما النا حدا إلى أن قال أحد المتواجدين معنا أنه بإمكاننا قضاء الليلة في منزل خاله”.

في اليوم التالي بدأت سارة وعائلتها رحلة البحث عن مكان يؤويهم لكنّ أسعار استئجار الشقق عالية جدا وتفوق قدرتهم، وأسفرت نتائج بحثهم عن العثور على روضة أطفال توالوا مع صاحبتها وبعد جهود حثيثة وافقت على استقبالهم فيها شريطة المحافظة عليها.

“الروضة فيها 5 صفوف قعدنا إحنا وكمان عيلة. اخدنا إحنا (70 نفر) في 2 من الصفوف وما معنا حرامات ولا اشي فرشنا جكيتاتنا ونمنا على الأرض الحمام مشترك مع عائلة أخرى”

عذابات مضاعفة

منذ بدء حرب اسرائيل على القطاع المحاصر ضغط الجيش الإسرائيلي على سكان شماليّ غزة ليتوجهوا نحو الجنوب عبر الممر المخصص على طول طريق المرور الرئيسي، وهو شارع صلاح الدين، وهو طريق “مليء بالخوف والرعب”، بسبب القصف يميناً ويساراً وإجبار الجنود للمدنيين على المرور من الحجرات والكبائن المليئة بالأجهزة والكاميرات، ووضع عوائق على الأرض عند المخارج لإبطاء حركة الناس وإيقاف بعض الأشخاص، والتدقيق في هوياتهم، ليعتقلهم جنود الاحتلال أو يُعدموهم.

وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إعدام قوات الجيش الإسرائيلي عشرات الفلسطينيين خلال نزوحهم من مدينة غزة وشمالها إلى مناطق وسط وجنوب قطاع غزة على الرغم من عدم تشكيلهم أي خطورة ورغم رفعهم للرايات البيضاء.

وثقت العديد من الصور مشاهد فلسطينيين قتلوا على الطرقات وهم يحملون هذه الرايات. 

يقول المرصد إن هؤلاء جرى استهدافهم بإطلاق الرصاص الحي وفي بعض الأحيان بقذائف مدفعية بغرض القتل العمد خلال محاولتهم النزوح بطلب من الجيش الإسرائيلي إلى منطقة جنوب وادي غزة.

“مثل يوم القيامة”

“المشهد كان مثل مشهد يوم القيامة كل الناس بتركض كله بدور على نفسه كله بحاول يطلع، كل واحد اللهم نفسي”، هكذا وصفت نسرين كشكو رحلة نزوحها من منطقة الزيتون شمال قطاع غزة إلى الجنوب.

تقول كشكو ” طول الوقت بنشوف ناس بتمشي ناس بالسيارات، السيارات نفسها بتزاحم. كله بحاول يوصل لبر الأمان زي ما احنا كنا معتقدين، مشاهد الدمار اللي حوالينا طول الطريق، مشاهد دمار، مشاهد قصف، منشورات بتنزل فوق روسنا محتواها ضرورة إنه نخلي ونطلع، مهما أوصف مش زي اللي عاش الموقف صراحة”.

وتضيف “كنت حابة أموت في بيتي ما بدي أطلع بس الاحتلال الإسرائيلي طلب من المواطنين المتواجدين في شمال غزة  ضرورة الإخلاء والتوجه للجنوب غادرنا كان يوم جمعة قبل 25 يوم تقريبا، خرجنا من بيتنا ما بدنا نتركه، كنا 16 شخص ومعنا 5 أطفال كان همهم ياخدوا لعبتهم معهم، طول الطريق حاولنا نغلق أعينهم حتى لا يشوفوا الدمار والمناظر المروعة والجثث الي على الأرض ما بدنا هاي المشاهد تترسخ في ذاكرتهم لأنه سيئة سيئة جداً”.

وتشير إلى أنه” أثناء مرورنا من طريق صلاح الدين كان القصف مستمر، هو مش ممر آمن، ما في ممر آمن في غزة واللي بحكيلكم انه في ممر أمن بغزة لأ فعلياً بكون بضحك عليكم، جزء من أقاربي مثلا أجبر على سلك طريقة أخرى عن طريق البحر الي ما كان حاله أفضل ومن شدة الأزمة أيضا حدثونا عن موقف لشاب كان متعلق بالسيارة من خارجها من كثرة الناس الراكبين فيها يعني كل جسمه برا ، وقع على الأرض لأنه السيارة كانت مسرعة كثير،  سقط الشاب  وقعد ينزف ولم يحاول أحد يساعده أو يسعفه أو ينقذه او يبعته للمستشفى تركوه على الأرض “.

نسرين كشكو مواطنة غزواية مرت بتجربة صعبة كغيرها من أهالي القطاع، ولكن لم يمنعها ذلك عن استئناف عملها والتطوع مع الهلال الأحمر ” أنا وصلت الجنوب يوم الجمعة بالليل بعد يوم صعب صعب جدا ما رح أنساه بحياتي، يوم الأحد فوراً توجهت لعملي كأخصائية نفسية في الهلال الاحمر في محاولة مني للتخفيف عن الناس والأطفال”.

هل هناك ممرات آمنة؟

يُستخدم مصطلح الممرات الإنسانية خلال النزاعات المسلحة عندما يتم الاتفاق بين أطراف النزاع على السماح بفتح ممر آمن بهدف: إدخال المساعدات الإنسانية، أو إجلاء الجرحى والمرضى، أو تسهيل مغادرة المدنيين الراغبين في المغادرة. ويُشترط في الممر الآمن أن يكون في منطقة منزوعة السلاح، تحت إشراف طرف ثالث، مثل قوات الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية ذات الصلة، وذلك بهدف تأمين سلامة المغادرين، وإيصال المساعدات الإنسانية.

شروط لا تنطبق على الممرات الإسرائيلية التي فرضت على أهالي قطاع غزة بل هي رحلة رعب وموت، محظوظ من نجا منها.