fbpx

“عملية انتقام واسعة”… عن الاعتقال التعسفي للفلسطينيين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تشن إسرائيل حملة اعتقالات انتقاميّة واسعة في الضفة الغربيّة، ولا تكتفي فقط بإذلال المعتقلين بل أيضاً تطال من أفرج عنهم، ما يكشف عن انتهاكات واسعة وتصميم إسرائيل على معاقبة “كل” الفلسطينيين”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في 16 من نوفمبر/ تشرين الثاني؛ فوجئت فيروز سلامة باقتحام قوات إسرائيليّة مدججة بالسلاح بيتها في بلدة بيرزيت شمال رام الله. اعتقلت حينها فيروز بعد تكبيلها وعصيب عينيها، وتخريب محتويات منزلها بالكامل.

فيروز كانت وحدها في تلك اللحظة، ولم يُسمح لها بمكالمة أهلها أو أصدقائها أو حتى محامي. اقتيدت بعنف إلى مركبة عسكرية، ووضعت على أرضية المركبة محاطة بالجنود إلى أن وصلت مركز التحقيق.

تقول فيروز في حديثها لـ “درج” إنها فوجئت بعدد الجنود الذين اقتحموا منزلها والطريقة الهمجية التي خربوا فيها باب المنزل، إذ ظلوا أكثر من نصف ساعة متأهبين بأسلحتهم بينما تقف هي وسط الغرفة محافظة على صمتها وهدوءها في محاولة لحماية نفسها من التعرض لإطلاق نار أو الضرب.

يُوظف الجنود الإسرائيليّون حجة الـ” حرب” للتصرف بشكل عنيف منذ لحظة الاعتقال إلى لحظة الوصول إلى الزنزانة، مستخدمين حجج متعددة لاقتحام المنازل، كـ”تمويل حماس” و “دعم الإرهاب” و “الاحتفاء بالإرهاب” وغيرها من التُهم الجاهزة.

ارتفعت حصيلة الاعتقالات بعد السابع من أكتوبر إلى أكثر من (3760)، فيما تحوّلت السجون لمراكز تعذيب جسدي ونفسي للمعتقلين. وأصبح اقتحام الأقسام والغرف من قبل إدارة السجون وجنود الذين يساندونها والوحدات الخاصة، روتين يومي اعتادوا عليه، يتم خلاله استفزاز وابتزاز المعتقلين وضربهم بشكل مبرح، وإبقائهم على الأرض في غرفهم دون أي علاج أو تدخلات طبية.

خطوات الإهانة والحرب النفسيّة

يمكن تلخيص مراحل الاعتقال بالشكل التالي، تحقيق ثم إعادة إلى الزنزانة ثم نقل من زنزانة في طابق سفلي إلى أخرى في العلوي بالقرب من غرف التحقيق، ممارسات تدخل في إطار الحرب النفسية التي تمارس بحق المعتقلين.

الزنزانة عبارة  عن غرفة صغيرة تحتوي بطانية واحدة، أما الطعام فرديء، كما يتعمّد السجانون عدم الإجابة عن أي تساؤل أو إعطاء إجابات خاطئة من باب الضغط والسخرية، هذه الظروف اختبرتها فيروز طوال فترة التحقيق.مؤكدة أن الحرب النفسية لا تقل خطورة عن التعذيب الجسدي الذي قد يتعرض له المعتقل.

المجهول؛ هو الحالة التي يترك فيها المعتقلون في السجون الإسرائيلية، تقول فيروز: “لا نعرف الوقت ولا نعرف الأيام وممنوعين من لقاء المحامي، نترك في غرف صغيرة تضم سريراً ومرحاضاً ومغسلة في نفس المكان الضيّق”.

تضيف  فيروز: “عندما كان السّجانون يأخذونني مكبّلة ومعصوبة العينين من الزنزانة إلى غرفة التحقيق كنت أسمع صراخ الأسرى في الغرف الأخرى”.

وفقاً لفيروز هدف الاعتقال في الآونة الأخيرة  والعنف الممارس على المعتقلين ليس التصفية الجسدية بل “كسر الروح والذات” مشيرةً  إلى ظروف التحقيق القاسية التي يتعرض لها العمال من غزة من قِبل سلطات السجون.

أشارت فيروز إلى إنها لم تكن تعلم  موعد الإفراج عنها، لأنها كانت معزولة عن العالم منذ اعتقالها، وظنت أنها ستُنقل إلى سجن الدامون عندما استدعتها سلطات السجن، لكنها عندما رأت معتقلات أخريات عرفت أنهم سيطلقون سراحها، إذ ورد اسمها في قائمة الدفعة الخامسة من صفقات التبادل التي نفّذت في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

يذكر أن فيروز سلامة طالبة في الدراسات العليا في جامعة بيرزيت وهي من بلدة عناتا شمال القدس المحتلة، وتعمل على إنهاء رسالتها الماجستير بعنوان: “القرى الفلسطينية الحدودية: عرب كثر، أسعار أقل”. 

“عملية انتقام واسعة”

قال رئيس “هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين” قدورة فارس في حديث لـ “درج” أن ” الأمر يتعدى كونه انتهاكات بل هي جرائم تقترف بحق الشعب الفلسطيني في إطار عملية انتقام شاملة واسعة تأخذ صورً وأشكالاً مختلفة، ذروتها ما يتعرض له قطاع غزة”. 

يرى فارس أن إسرائيل تتخذ من المعتقلين الفلسطينيين “رهائن بالمعنى الدقيق للكلمة”، إذ يعتقلون دون مسوغات أو لوائح اتهام، ما يدل على أن النزعة التي تحرك “إسرائيل” هي إلحاق أكبر ضرر ممكن بالشعب الفلسطيني بعد أحداث السابع من أكتوبر في سلوك أشبه بـ”سلوك العصابات”، مضيفاً “أن صمت العالم أعطى إسرائيل فسحة من الوقت لممارسة هذه الجرائم”.

يشير فارس إلى أن انتهاج سياسة التجويع بحق المعتقلين أدى لانخفاض ملحوظ بأوزانهم، بسبب سوء التغذية التي تتزامن كذلك مع مصادرة ملابسهم وعدم توفير أغطية كافية لهم خاصة مع دخول فصل الشتاء.

يضيف فارس قائلاً أن حرمان المعتقلين من العلاج يعتبر “جريمة حرب” أيضاً، فـ  “القانون يلزم بتوفير الغذاء المناسب والبيئة الصحية والأدوية وهذه المتطلبات لا  توفرها إدارة السجون، بالتالي يقترفون جرائم متعددة في وقت واحد”. 

قال فارس إن هيئة الأسرى علمت مؤخراً بوجود حوالي 142 معتقلة جديدة في السجون الإسرائيلية، بعضهن اعتقلن مع أطفالهن من قطاع غزة، فالعدد الكبير من المعتقلات حسب فارس يدل على أنهنّ “رهائن”،  ويضف أنه وعلى رغم إطلاق سراح 71 معتقلة، لكن العدد تضاعف حوالي في السجون بسبب حملات الاعتقال.

شدد  فارس على أن الفلسطينيين لا يعيشون حالة نضالية شاملة حتى تكون سبباً  ومبرراً الأعداد الكبيرة ما يعني حسب قوله ” عملية انتقام واسعة”.

يوجه فارس انتقادات للصليب الأحمر قائلاً:”إسرائيل ألغت دور الصليب الأحمر ولا تسمح لطواقمه بزيارة أي من السجون للإطلاع على ظروف الأسرى، ولا تتوفر لديه قوائم بأسماء من يتعرضون للاعتقال، وأصبح يستعين بنا بدلاً أن نستعين به لإكمال ملفات الأسرى وتوثيق اعتقالهم وتحديد السجون التي ينقلون”. 

يضيف فارس:”المشكلة الأكبر تكمن في أن الصليب الأحمر لا يقول إن إسرائيل تعيق قيامه بمسؤولياته وواجباته ولا يدافع عن دوره ويبدو غير حريص على المطالبة بإتاحة المجال له للقيام بمسؤولياته”. 

بدوره أعلن الصليب الأحمر في 31 من أكتوبر الماضي أنه يشعر بقلق عميق إزاء عدم قدرته على تقييم ظروف المعتقلين الفلسطينيين والمعاملة التي يتلقّونها.

وأضاف في بيان  “يجب استئناف الزيارات العائلية نحن على اتصال مع عائلات المعتقلين، ونتواصل مع السلطات بهذا الشأن من خلال حوارنا الثنائي غير العلني، وسنواصل تذكير السلطات بالتزاماتها”.

سلاح الاعتقال الإداري

قال المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الانسان د. عمار دويك لـ “درج” أن السلطات الإسرائيلية تنفذ حملة اعتقالات واسعة في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر الماضي بمعدل 50 حالة اعتقال يومياً، ما جعل أعداد المعتقلين تصل إلى حوالي 4 آلاف من مختلف فئات المجتمع، إذ يُعتقل”أطفال ونساء وكبار سن ونشطاء اجتماعيين وطلاب جامعات صحفيين”.

نوه دويك  أيضاً إلى أن السلطات الإسرائيلية تتعمد معاملة الأسرى بطريقة وحشية منذ لحظة الاعتقال، ووثقت شهادات كثيرة التخريب المتعمد لمقتنيات المنازل خلال عمليات الاعتقال.

يضيف دويك قائلاً إن المعاملة السيئة لا تقتصر على تعرض الأسرى للضرب بل “تشمل تقليص كميات الغذاء المقدمة ومصادرة العديد من الحقوق التي تم اكتسابها على مدار سنوات طويلة من النضال “.

تشمل هذه الإجراءات وفقاً لدويك تشمل منع زيارة الصليب الأحمر والمحامين وتغيير التشريعات التي تسري على المعتقلين بحيث يتم توقيف لثمانية أيام قبل عرضه على المحكمة، بعد أن كان في السابق ستة وتسعين ساعة،  ثم وتحويلهم إلى الاعتقال الإداري دون تهمة ودون سقف زمني محدد تحت ما يسمّى بالملف السريّ.

يضاف إلى ذلك عدم قدرة المحاميين التحدث مع المعتقلين لتوثيق أي اعتداء قد يكونوا تعرضوا له، أما المعتقلين من قطاع غزة فيقول دويك :”يتم وضعهم في معسكرات للجيش الإسرائيلي وليس في مراكز احتجاز وإبقائهم فيها لمدة 45 يوم دون عرضهم على المحكمة”. 

وعن دور الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان يقول دويك أنهم على تواصل دائم مع الصليب الأحمر الدولي وفي محاولة للضغط عليه للقيام بدوره، كما نظمت لقاءات مع مجموعة من السفراء الأجانب لتزويدهم بمعلومات حول وضع المعتقلين الفلسطينيين، بالإضافة إلى إصدار تقارير دورية حول الأوضاع داخل السجون الإسرائيلية.

“حياة غير قابلة للاستمرار” هو الهدف الإسرائيلي

تقول الكاتبة والمحللة السياسة نور عودة في حديث لـ  “درج” إنه يجب النظر في العقلية التي تحكم حملات الاعتقال هذه،  وهي عقلية تتعامل مع “الكُل الفلسطيني” باعتباره “معادياً وخطراً أمنياً”.

تقول عودة أن إسرائيل تتعامل مع فكرة الاعتقال على أنها جزء من عملية جمع رهائن في إطار استمرار فرض الاحتلال على الأرض، لاستخدام هذا الملف في المفاوضات التي قد تضطر إسرائيل لخوضها لإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في قطاع غزة.

أوضحت عودة أن هذه العقلية لم تتغير منذ النكبة وتنتهج أسلوب الاعتقال بالجملة وتعمد تخريب مقومات حياة الشعب الفلسطيني لأن الهدف الرئيسي منها “هو جعل الحياة غير قابلة للاستمرار بالنسبة للفلسطينيين وأن يتم التخلص من هذا الشعب ومن وجوده على الأرض إن كان قتلاً أو تهجيراً قسريّاً”.

أشارت عودة إلى أن إسرائيل ومن وراء هذه الصورة التي تخلفها في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة تريد للعالم أن يعرف أنها فوق القانون وتتصرف وفقاً لذلك انطلاقا من يقينها من أنه لن يتم محاسبتها على جرائمها.

وعن سياسة المجهول التي تنتهجها إسرائيل بعد حملات الاعتقال وعدم الإفصاح عن مصير المعتقلين تقول عودة “إن المجهول هو جزء من منظومة ترهيب متكاملة وهو أداة من أدوات البقاء والحفاظ على الاستعمار”.

وعن حملات الاعتقال في صفوف النساء علّقت عودة قائلاً “اعتقال النساء بهذه الطريقة له تبعات ثقافية وسيكولوجية مختلفة وقاسية للغاية بالنسبة للمجتمع الفلسطيني وإسرائيل تدرك ذلك تماماً” وتضيف :” رأينا في غزة رجالاً يجردون من ملابسهم ويتم تصوريهم بطريقة مهينة ورأينا كذلك في الشاحنات التي ينقل بها الأسرى من داخل قطاع غزة إلى المجهول نساءً أيضاً جردن من حجابهن ومن كرامتهن”.

تحذيرات من خروقات لصفقات التبادل 

حذرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين من اختراق إسرائيل لشروط صفقات التبادل التي تمت مؤخراً، وذلك بملاحة فدوى حمادة، التي أطلق سراحها بعد 6 سنوات من السجن.

قالت الهيئة ” عقدت جلسة محاكمة غيابية لحمادة أمس الاثنين فيما يسمى محكمة الصلح في حيفا”وأضافت الهيئة أن  القاضي دعا حمادة لجلسة قادمة بمرافقة محاميها للنطق بحكم عليها.

قالت الهيئة  أن دعوة حمادة جاء بعد ادعاء القاضي أنها ارتكبت مخالفات خلال سنوات أسرها ضد إدارة وشرطة السجون، وبالتالي يجب محاسبتها عليها، دون إعطاء أي اعتبار أنه أفرج عنها في صفقة تبادل رسمية.

أكدت الهيئة أن ما حصل يشكل معضلة قانونية بحق حمادة، وكافة المفرج عنهم في صفقات التبادل، إذ يكشف ذلك أن ملفاتهم ما زالت متداولة في أروقة المحاكم الاسرائيلية، ويجب الوقوف عندها.

طالبت الهيئة الوسطاء والمشرفين على عملية التبادل، وعلى وجه الخصوص مصر وقطر، بالوقوف عند هذه الحادثة، وإجبار إسرائيل على الالتزام بشروط الصفقة، وعدم ملاحقة الذين أطلق سراحهم.

إقرأوا أيضاً: