fbpx

اغتيال العاروري:  نتانياهو ينقُل الحرب إلى بيروت 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

تفادي الحرب في جنوب لبنان لم يعد ممكناً! لا بل أن الحرب قائمة أصلاً، ووفق منطق تفرضه إسرائيل. سقط منذ بداية المواجهات حتى الآن ما يزيد عن 150 قتيلاً في لبنان بين مقاتل ومدني. كل هذا واللبنانيون يرددون مقولة أن الحرب في بلدهم مضبوطة بقواعد اشتباك لا تتيح لها التوسع!.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عملية اغتيال القيادي البارز في حركة حماس صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، هي المؤشر الأحدث، والذي سبقته مؤشرات أخرى، على أن إسرائيل لا تسعى إلى تجنب مواجهة مع حزب الله في جنوب لبنان، لا بل هي تدفع إليها. إذ أقدمت تل أبيب قبل العملية الأخيرة في بيروت، على اغتيال المسؤول في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي في دمشق. وبين العمليتين كان ملاحظاً أن خطوط الاشتباك في جنوب لبنان راحت تتوسع وتشمل أهدافاً جديدة في القرى والبلدات اللبنانية جنوب نهر الليطاني.

المشهد اللبناني للحرب لم يعد محكوماً بقواعد اشتباك جرى التوافق على وصفها بأنها مضبوطة بسقوف تلزم طرفيها باشتباكات “حذرة”. وهنا يبدي حزب الله مستوى أعلى من الحذر الذي تبديه إسرائيل. هذا ما يظهر من الوقائع حتى الآن، فإسرائيل مدفوعة بـ”حماسة” جمهور أشارت الاستطلاعات إلى أنه يؤيد فتح الجبهة مع لبنان، فلم تتردد باستهدافاتها ما أن تلوح فرصة لها، وفي الوقت الذي تُمارس فيه ضغوط دولية هائلة (على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا) لمنع الحرب الشاملة في لبنان، تسارع تل أبيب إلى هدف جديد في غير سياق المساعي الدولية!.

تفادي الحرب في جنوب لبنان لم يعد ممكناً! لا بل أن الحرب قائمة أصلاً، ووفق منطق تفرضه إسرائيل. سقط منذ بداية المواجهات حتى الآن ما يزيد عن 150 قتيلاً في لبنان بين مقاتل ومدني. كل هذا واللبنانيون يرددون مقولة أن الحرب في بلدهم مضبوطة بقواعد اشتباك لا تتيح لها التوسع!.

والغريب أن إسرائيل المتعثرة في غزة، على رغم دموية حملتها هناك، وبلوغها مستويات إبادية، تشعر أنها في لبنان أكثر قدرة على التحرك. وهي على ما يبدو بصدد نقل نموذج القتال في لبنان إلى غزة، عبر تقليص الاستهدافات، لا سيما وأن المهمة الابادية والتهجيرية في القطاع قد أنجز جزء كبير منها عبر حجم الدمار الهائل الذي أحدثته في القطاع، ويبدو أن الطاقة الانتقامية قد استنفد جزء كبير منها، ومن الصعب توقع جاهزية حزب الله لاحتمالات مزيد من التصعيد الإسرائيلي. 

من المؤكد أن لدى الحزب طاقة صاروخية تفوق تلك التي لدى حماس، لكن هذا على ما يبدو ليس كافياً للحد من الاندفاعة الإسرائيلية نحو الحرب. 

وهنا لا بد من ملاحظة أمر يساعد على التمييز بين خطي الاشتباك في لبنان وفي غزة، فقد صار واضحاً أن إسرائيل، وطوال السنوات الفائتة كانت تستعد للمواجهة مع حزب الله، وكانت مطمئنة للجبهة مع غزة. يمكن ملاحظة ذلك على المستويين العسكري والأمني. بنك الأهداف في لبنان بدا أكبر من قرينه الغزاوي. لا بل يمكننا الحديث عن فشل أمني واستخباراتي في غزة لم يقتصر على يوم 7 أكتوبر، بل امتد إلى ما بعدها، ولم تنجح إسرائيل حتى اليوم بالوصول إلى قائد واحد في حماس أثناء قتالها في القطاع، بينما في لبنان وسوريا نوعت استهدافتها بين القادة السياسيين (العاروري) والأمنيين (موسوي) والعسكريين (الغارة على بيت ياحون). 

كشف اغتيال العاروري أيضاً عن أن حجم الاختراق الإسرائيلي في لبنان كبير، ذاك أن الرجل اغتيل مع مجموعة من كوادر الحركة أثناء عقدهم اجتماعاً، أي أن الخرق شمل مكان عقد الاجتماع وزمانه، والصواريخ المستعملة ذات الرؤوس الصغيرة كانت موجهة وفق معلومات دقيقة على ما يبدو. 

قد يلوح لبنيامين نتانياهو ولحكومة الحرب في إسرائيل أن تعويض الفشل في غزة يمكن أن يكون في لبنان. هذه المعادلة تساوي حقيقة أن فشل إسرائيل في الوصول إلى يحي السنوار في غزة حتى الآن، جرى تعويضه بالوصل إلى العاروري في بيروت. لكن تنويع الأهداف، ينطوي أيضاً على معضلة إسرائيلية تتمثل في أن لا وجهة واضحة للحرب، زالقاعدة هي :”اضرب أينما كان”. وبالتالي لا خطة زمنية ولا مسار سياسي موازي. القضاء على حزب الله مهمة أصعب وأعقد، من تلك التي لم تتمكن إسرائيل من تحقيقها في غزة. 

كل هذا لن يحد من الاندفاعة المسعورة لنتانياهو نحو توسيع الجبهة في لبنان، ذاك أن حسابات الرجل المأزوم والمحاصر بالمحاسبة الحتمية، هي غير حسابات العقل التي يفترضها الميدان. هذه الحقيقة أصبح يدركها أقرب حلفاء إسرائيل، ونعني هنا الولايات المتحدة الأميركية التي يوازي دعمها غير المحدود لإسرائيل مخاوف صارت واضحة مما يمكن أن يقدم عليه نتانياهو، ومما يمكن أن يورطها به. 

نتانياهو باشر حربه الثانية، وبالأمس سارعت واشنطن إلى نفي علمها المسبق بعملية اغتيال العاروري، ووراء النفي رسالة مفادها أن موقع أميركا من الحرب في لبنان سيكون مختلفاً!.

المؤشرات تقول إن نتانياهو يعتقد أن بإمكانه جر واشنطن معه إلى الحرب في لبنان، وهذا وإن لم يكن مؤكداً، إلا أننا، ومنذ عقود، لم نختبر حرباً خاضتها إسرائيل وحيدة من دون أميركا!