fbpx

إقرار قانون الهجرة الجديد في فرنسا… ثغرة في جدار المساواة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أياً يكن مسار الأمور، سيذكر التاريخ أن ماكرون الذي انتُخب ليكون سداً بوجه اليمين المتطرف، أوجد طريقاً لتكريس “كراهية الأجانب” في النصوص التشريعية.  

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في 31 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، لن تكتفي مارين لوبان بالاحتفال بحلول عام جديد، ستشرب أيضاً نخب “طريقها المعبّدة للسلطة”، لأن ما قبل إقرار قانون الهجرة الجديد، لن يكون كما بعده.

من دون الخوض في تفاصيل المسار التشريعي الذي سلكه القانون وما رافقه من سجال سياسي، أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية، في 19 كانون الأول، موادَ تقيد استفادة الأجانب من الرعاية الاجتماعية: يتوجّب على العاطلين من العمل الانتظار خمس سنوات قبل الاستفادة من أية تقديمات اجتماعية، فيما ستتراوح مدة الانتظار لغير العاطلين بين 3 أشهر وسنتين ونصف السنة. 

على خط مواز، تعهّدت رئيسة الوزراء بالعمل على “إصلاح” ما يعرف بـ”المساعدة الطبية الحكومية” التي توفر رعاية صحية للمقيمين غير الشرعيين. “إصلاح” سيفضي إلى إلغائها باستثناء الحالات الطارئة. كما فُرضت شروط جديدة مقيّدة لإجراءات لمّ الشمل وأخرى ترفع الرسوم الجامعية للطلاب الأجانب، كما تلزمهم بتجميد مبلغ مالي على كفالة تنفقها الدولة في حال أقدمت على ترحيلهم.  

من جانب آخر، لا يسهل القانون الجديد تسوية أوضاع العاملين في القطاعات التي تعاني نقصاً في اليد العاملة، على عكس ما سُوِّق له عندما طرحته الحكومة. تضاف إليها مواد متفرقة كاعتماد حصص سنوية تحدد أعداد المهاجرين إلى فرنسا، واعتبار الإقامة غير الشرعية جنحة، وتجريد مزدوجي الجنسية من جنسيتهم الفرنسية في حال اعتدائهم على قوات الأمن، ناهيك بالعراقيل البيروقراطية التي “تمتاز” بها فرنسا، وفي وسعها إجهاض حتى حقوق المستوفين الشروط. 

خمسون منظمة أصدرت بياناً مشتركاً وصف القانون “بالأكثر رجعية منذ 40 عاماً”. موجة الاعتراض شملت كذلك هيئات اقتصادية وأكاديمية. عدد من المجالس المحلية، ذات الغالبية اليسارية، لم تخف سعيها الىى الالتفاف على تلك النصوص بهدف الاستمرار في توفير المساعدات الاجتماعية. 

بعيداً من دستورية القانون ومردوده الاقتصادي وانعكاساته الاجتماعية وتعارضه مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، تجسدت السوداوية  في المشهد السياسي المستجد والمتمثل في الخرق الذي حققه اليمين المتطرف الفرنسي عبر أبرز أحزابه، حزب “التجمع الوطني” بزعامة مارين لوبان.    

التسوية التي خرجت بها “اللجنة البرلمانية المشتركة” أضفت شرعية على رؤية مارين لوبان السياسية وحوّلتها إلى نصوص تشريعية. استناداً إلى تركيبة الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، هيمنت كتلتا “النهضة” (الموالية لماكرون) و”الجمهوريون” (اليمين التقليدي) على اللجنة المذكورة. بسبب افتقاد الرئيس الفرنسي الغالبية المطلوبة لإقرار القانون المذكور، بادر إلى تقديم تنازلات أفضت إلى تبني صيغة أكثر تشدداً حملها حزب “الجمهوريون”، إذ لم يعد خافياً تشدد هذا الحزب وتماهيه مع طروحات اليمين المتطرف. تنازلات لم يسبق أن أقدمت عليها أية حكومة.  

لم يأت قانون الهجرة الجديد على مزاج مارين لوبان، الداعية إلى تبني نصوص أكثر تشدداً. لكن مع فرض شروط مضاعفة تحد من استفادة الأجانب من التقديمات الاجتماعية، أرسى ماكرون الأرضية لما يتطلع إليه اليمين المتطرف: إحداث ثغرة في جدار المساواة.

في 31 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، لن تكتفي مارين لوبان بالاحتفال بحلول عام جديد، ستشرب أيضاً نخب “طريقها المعبّدة للسلطة”، لأن ما قبل إقرار قانون الهجرة الجديد، لن يكون كما بعده.

مشروع لوبان الانتخابي، المتمثل بـ”الأولوية الوطنية”، بات نصاً قانونياً. لا يهم إن أبطله المجلس الدستوري لاحقاً، فالضرر وقع بكل الأحوال: لم يعد التضييق على الأجانب شعارات انتخابية تحتمل وجهات نظر متباينة، بل تحول إلى خيار تشريعي يتبناه حتى رئيس الجمهورية، ما دفع بمارين لوبان إلى وصف ما جرى بـ “الانتصار الأيديولوجي لحزبها”. 

مع التنازلات التي قدمها إيمانويل ماكرون في سبيل إقرار قانون الهجرة الجديد ، تحطمت صورته على أكثر من صعيد: إلى جانب افتقاده في الأساس الأكثرية المطلقة داخل الجمعية الوطنية، بدا غير متحكم بقواعد اللعبة، متبنياً ما يُفرض عليه من شروط لقاء توفير الأكثرية النيابية المطلوبة. 

علاوة على ذلك، كرس الرئيس الفرنسي انطباعاً، حتى في أوساط مؤيدي القانون المذكور، أنه يفتقد نهجاً سياسياً ومبادئ واضحة المعالم:  اقتحم انتخابات 2017 كمرشح وسطي ونجح باستمالة شريحة من وسط اليسار، أعلن أنه سيكون سداً بوجه اليمين المتطرف متعهداً بتجاوز ثنائية اليمين واليسار. 

 لكن بعد ست سنوات، وصل به المطاف إلى التقاطع مع طروحات اليمين المتطرف من خلال مواد تكرس الصورة النمطية للأجنبي “المثير للشغب والناهب خيرات البلاد”. حتى عندما سعى إلى تدارك الأمر مشيراً إلى سعيه الى بلوغ الغالبية المطلوبة بمعزل عن أصوات اليمين المتطرف، ظهر شديد التناقض: انحاز من جهة الى اليمين المتطرف، رافضاً في المقابل الأخذ بأصواتهم.

وعليه، يجوز التساؤل: أين هو الحد الفاصل بين ماكرون وبين لوبان؟ هل قضى الرئيس الفرنسي على ما يُعرف بالجبهة الجمهورية التي تقوم فلسفتها على تنحية الأحزاب، في اللحظات المفصلية، تبايناتها السياسية لقطع طريق السلطة على اليمين المتطرف؟ هل فتح ماكرون طاقة إضافية أمام حزب “التجمع الوطني” تجعله أكثر قبولاً في الحياة السياسية؟   

نتيجة التصويت تعكس بدورها تحولاً سياسياً يستحق التمعن: أُقِرّ هذا القانون بـ 349 صوت، مع الإشارة إلى أن النواب المنضوين في الكتل الموالية للحكومة لم يصوتوا جميعهم لصالحه (27 معارضاً، 32 امتنعوا عن التصويت وثلاثة نواب تغيبوا عن الحضور). بالتالي، لم يكن هذا القانون ليمر لولا اقتراع نواب “التجمع الوطني”: استناداً إلى عدد النواب المقترعين، توجب جمع 268 صوتاً لبلوغ الغالبية المطلوبة. وعليه، إذا طرحنا أصوات كتلة “التجمع الوطني” بنوابها الـ 88، تكون النتيجة 261 صوتاً. 

أن يكون حزب “التجمع الوطني” صاحب الفضل في ترجيح كفة التصويت، يطرح تساؤلاً عن إمكان مبادرة بعض الأحزاب التقليدية إلى بلورة تحالف سياسي وانتخابي معه. بالتأكيد لن يقدم ماكرون على هذه الخطوة، لكن أحزاباً أخرى لن تجد ضيراً في ذلك كحزب “الجمهوريون” الذي بات يصنف أقصى اليمين، ولوجود أصوات داخل الحزب لا تمانع منذ سنوات مثل هذه الخطوة التي كانت قبل سنوات نوعاً من العار السياسي. 

ومن يدري، قد يكون القادم أسوأ. فالتجارب التاريخية أثبتت أن التشدد حيال قوانين الهجرة ليس حلاً:  أُقرّ نحو 20 قانوناً منذ الثمانينات من دون الحد من تدفق الأجانب أو توفير موارد مالية إضافية للدولة. بالتالي، من المستبعد أن يلمس الفرنسيون نتائج هذا القانون الجديد، ما يمنح مارين لوبان فرصة للمزايدة السياسية والدعوة إلى تشديد القيود، لا سيما وأن طرح هذه القوانين لم يعد يصنّف في خانة العنصرية. 

منذ الانتخابات الرئاسية عام 2012، بات التصويت الاعتراضي يحتل مساحة أكبر في حسم هوية رئيس الجمهورية. بمعنى آخر، أصبح الهاجس هو التخلص من الرئيس المنتهية ولايته، أياً يكن البديل. 

تنامي السخط الشعبي ضد ماكرون قد يصب لصالح لوبان: صحيح أن الدستور يمنعه من الترشح لولاية ثالثة في العام 2027 ، لكن قد يوجه هذا السخط على المرشح المدعوم منه. وعلى اعتبار أن لوبان لم تتولّ الحكم بعد، قد يُنظر إليها كبديل محتمل ولا ضرر في منحه فرصة تولّي السلطة. فالمقترعون لصالح لوبان ليسوا عنصريين بالضرورة، وهذه ثمرة سياستها الإعلامية المعروفة بنزع الشيطنة وغايتها إعادة تعليب طروحات الحزب العنصرية بقالب اقتصادي – اجتماعي. 

أياً يكن مسار الأمور، سيذكر التاريخ أن ماكرون الذي انتُخب ليكون سداً بوجه اليمين المتطرف، أوجد طريقاً لتكريس “كراهية الأجانب” في النصوص التشريعية.  

ديانا مقلد - صحافية وكاتبة لبنانية | 13.05.2024

قضية شادن فقيه: لسنا جاهزين للسخرية لكننا مستعدون لهدر الدم!

في بلدنا، يتم إعلاء شأن الانتماء الطائفي وجعله محوراً للحياة السياسية والاجتماعية، ما يجعل لتهمة ازدراء الأديان حساسيتها وسطوتها في آن، فيسهل إشهارها في وجه أي شخص يخرج عن السياق العام الخاضع لتلك المنظومة، فكيف إذا كان هذا الشخص "امرأة" لها هويتها الجنسية المثلية المعلنة لتكون هدفاً سهلاً يودّ كثيرون رجمه.