fbpx

“تسونامي اقتصادي”…  ما أثر هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يحذر اقتصاديون من احتمال تدهور الاقتصاد والتجارة العالمية بسبب الهجمات المتواصلة في منطقة البحر الأحمر، مُشبهين ما يحصل  بــ”صدمة اقتصاديّة”،  على شاكلة تلك التي شهدها هذا القطاع الحيوي إبان وباء كورونا.  إذ تشكل هجمات الحوثيين،  تهديداً للاقتصاد العربي والعالمي، ويسبب التوتر الجيوسياسي عموماً  تعطيل التجارة العالمية و عرقلة سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تستهدف جماعة الحوثي المسلحة منذ أربعة أشهر، بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة، سفن الشحن  التي تبحر في البحر الأحمر  بالقرب من اليمن، بحجة أن هذه السفن “مرتبطة بإسرائيل”، كما تخطف الجماعة الطواقم البحريّة وتبث “بطولاتها” عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى رغم أن الكثير من السفن ليست لها صلة واضحة بإسرائيل، تقول الجماعة إنها ستستمر في هجماتها ( تجاوز عددها الـ75 حتى منتصف شهر كانون الثاني/ يناير)  إلى أن تنهي إسرائيل حربها الانتقاميّة على غزة. 

رداً على هجمات الحوثيين، سعت الولايات المتحدة الأميركية  الى تشكيل تحالف دولي ضدهم تحت اسم “حارس الازدهار”، يضم 20 دولةً منها بريطانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والبحرين، في حين رفضت دول عدة المشاركة فيه كمصر والسعوديّة وروسيا وإسبانيا.

 شنّت الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، بدعم من حلفاء آخرين، هجمات صاروخية  استهدفت ترسانات صواريخ الحوثيين ومواقع إطلاقها، وغيرها من الأهداف في مدن عدة بهدف إضعاف قدرات الحوثيين العسكرية، ونهيها عن مهاجمة سفن الشحن في البحر الأحمر، مع ذلك لم يتمكن “حارس الازدهار” من وضع حد للحوثيين.

التأثير على التجارة الدولية واقتصاد المنطقة

يحذر اقتصاديون من احتمال تدهور الاقتصاد والتجارة العالمية بسبب الهجمات المتواصلة في منطقة البحر الأحمر، مُشبهين ما يحصل  بــ”صدمة اقتصاديّة”،  على شاكلة تلك التي شهدها هذا القطاع الحيوي إبان وباء كورونا.  إذ تشكل هجمات الحوثيين،  تهديداً للاقتصاد العربي والعالمي، ويسبب التوتر الجيوسياسي عموماً  تعطيل التجارة العالمية و عرقلة سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين.

من الممكن أن تؤدي الحرب المتوسعة في المنطقة المنتجة للنفط إلى تفاقم الضغط على سوق النفط والاقتصاد العالمي، إذ  اضطرت شركات شحن دوليةكبيرة إلى سلك طريق أطول حول أفريقيا، ما يضيف تأخير نحو 10 أيام ويكلف شركات الشحن الملايين من الدولارات الإضافية عن المعتاد.

ارتفعت تكاليف الشحن بنسبة نحو 250 في المئة منذ بداية هجمات الحوثيين، ويتوقع أن هذه التكلفة المرتفعة التي تتحملها الشركات قد يقع تعويضها على عاتق الزبائن، خصوصاً أن نحو 12 في المئة  من التجارة العالمية السنوية تمر عبر البحر الاحمر، أي ما قيمته تريليون دولار من البضائع كل عام من ضمنها البترول، القهوة، الفواكه والإلكترونيات وغيرها. 

التهديدات في طرق الملاحة البحريّة تعني اتجاه الأسعار نحو الارتفاع، مع استمرار الاضطراب في ممرات سفن الشحن،  ولكن احتمالية ارتفاع أسعار الوقود هي التي تقلق المتخصصين كونها من أهم عوامل التضخم

يشهد العالم العربي بالتحديد ارتفاعاً جنونياً في الأسعار وتكاليف المعيشة، أضيفت إليها أحداث البحر الأحمر، إذ يعاني الاقتصاد المصريّ من أزمة ديون خانقة وارتفاع في الأسعار على نطاق واسع وغير مسبوق، ويعد مضيق باب المندب في البحر الأحمر نقطة حيوية بالنسبة الى مصر، ويؤدي تعليقه إلى إعاقة حركة الشحن عبر قناة السويس، ما يؤثر على دخل مصر.

يذكر أيضاً أن نحو 20 في المئة من استهلاك النفط والغاز في العالم يمر عبر باب المندب، وتتعامل قناة السويس مع ما يقرب من 98 في المئة من السفن التي تسافر بين أوروبا وآسيا، ما يمثل نحو 30 في المئة من حركة الحاويات العالمية و12 في المئة من تجارة السلع العالمية.

ينطبق الأمر على اليمن أيضاً، فمن المتوقع ارتفاع أسعار الوقود والغذاء في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي خلال الأشهر المقبلة جراء انخفاض الواردات بنسبة نحو 40 في المئة. إذ  تصل الواردات عبر الموانئ المطلة على البحر الأحمر التي يسيطر عليها الحوثيون.

يشهد الأردن أيضاً ارتفاع الأسعار والتضخم بشكل عام بسبب اضطرابات البحر الأحمر، إذ يعتمد الأردن على نحو 90 في المئة من الواردات لتلبية احتياجاته الغذائية، ويتجاوز 65 في المئة من حجم هذه الواردات عبر مضيق باب المندب، متجهة إلى ميناء العقبة الذي يعد المنفذ البحري الوحيد للمملكة. 

يفترض أن تتأذى إسرائيل  من الاضطرابات في طرق التجارة ولكنها تعمل على تجاوز كل تلك العقبات عبر خلق طريق تجارة جديد يمر عبر وسط الشرق الأوسط. تعمل شركة برمجيات إسرائيلية ناشئة على إرسال البضائع بما في ذلك المواد الغذائية والبلاستيكية والمواد الكيميائية والكهربائية من الموانئ في الإمارات العربية المتحدة والبحرين، عبر المملكة العربية السعودية والأردن، إلى إسرائيل ثم إلى أوروبا. واذا ما تبيت جدوى هذا الطريق، فستكون له تداعيات خطيرة طويلة المدى على اقتصاد الدول المنتفعة من مرور سفن الشحن عبر البحر الأحمر. 

رداً على هجمات الحوثيين، سعت الولايات المتحدة الأميركية  الى تشكيل تحالف دولي ضدهم تحت اسم “حارس الازدهار”، يضم 20 دولةً منها بريطانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والبحرين، في حين رفضت دول عدة المشاركة فيه كمصر والسعوديّة وروسيا وإسبانيا.

إخفاقات استراتيجية 

يتفاقم الوضع الإنساني في غزة، مع ارتفاع وتيرة القتل والدمار،كما أن شبح المجاعة يلاحق أهالي غزة المحاصرين، لكن إلى الآن لم ينجح الحوثيون في إيقاف حرب غزة أو تخفيف معاناتهم الإنسانية بأي شكل من الأشكال، كل ما نجحوا فيه هو تحقيق مصلحتهم في استدراج الولايات المتحدة الأميركية  لتوسعة رقعة الحرب في اليمن.

تقول واشنطن إن ضرباتها “عمل محدود” لحماية الممرات البحرية الحيوية للاقتصاد العالمي، لكن لم يؤد التحرك الأميركي – البريطاني إلى ردع الحوثيين. بل على العكس، أعطى فرصة للحوثيين لمهاجمة سفن بريطانية وأميركية قبالة الساحل اليمني، وبذلك صارت هناك جبهة جديدة لحرب إسرائيل في غزة، ما يثبت عزيمة الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة في مواصلة دفاعها عن إسرائيل ومصالحها الإقليميّة.

 التصعيد بين الجبهتين لا يعمل أبداً على تأمين البحر الأحمر بشكل مستدام وتشجيع عودة الشحن الدولي – الذي تحول إلى حد كبير حول الجنوب الأفريقي. ومن دون شك، لن تؤدي الإضرابات إلى خفض أقساط التأمين أو تكلفة السلع الأساسية. 

علاوة على ذلك كله، يستخدم الحوثيون العملية العسكرية الغربية لتعزيز شعبيتهم المتزايدة بين الجماهير العربية التواقة لأي جهة مناصرة لفلسطين، وللظهور كالحاكم الفعلي لليمن، مع أن الجماعة أتت الى السلطة بعد انقلاب عسكري ونهب مؤسسات الدولة اليمنية وسجل طويل في القمع وانتهاكات حقوق الإنسان. 

تورط الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في أزمة متصاعدة في اليمن يعد إعلاناً لفشلهم في المشاركة في عملية السلام الهشة التي بدأتها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الأهلية الطويلة في اليمن. وأثبت البلدان في اليمن أنهما لم يتعلما من أخطائهما إثر مشاركتهما في حرب التحالف السعودي على الحوثيين، الذي لم يستطع هزيمة الحوثيين، وإخفاق الدولتين الاستراتيجي يتمثل في دخولهما في حرب يصعب الفكاك منها، إذ  لا يستطيعان هزيمة الحوثيين، ولا تحمل خسارة عسكريّة أيضاً أمام جماعة مسلحة متمردة. 

الحل الوحيد، وقف إطلاق النار 

هناك مصلحة عربية ودولية واضحة في حماية ممرات الشحن في البحر الأحمر التي تربط القارة بالأسواق الرئيسية في آسيا وأفريقيا، ولكن يُغضّ النظر عن الحل الأنجع. فعوضاً عن العمل على حل جذري يبدأ بوقف إطلاق النار، يتجه المجتمع الدولي الى الحل العسكري في البحر الأحمر.

يتجلى ذلك في  دعم دول مثل الدنمارك وألمانيا وهولندا العمليات العسكرية التي تقودها المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية. والبحرين أيضاً مشارك ضمن التحالف البحري الدولي كونه يستضيف أكثر من قاعدة أميركية عسكرية.  

ريثما يحكّم المجتمع الدولي عقله ويسعى بشكل جدي الى وقف إطلاق النار في غزة، يمكن القول إن جماعة الحوثي هي من أهم “الرابحين”، فبعد حرب أهلية دامية في اليمن منذ عام 2014،  صمدت الجماعة خلال حملة مكثفة من الضربات الجوية السعودية، ما أجبر الرياض في النهاية على الدخول في محادثات سلام.

أثبتت الجماعة مرة أخرى أن لغة العنف هي سلاحها الوحيد، وبخاصة عندما يتفاعل معها الخصم بالشكل الذي يتناسب مع ما تريده. وبما أن الجماعة تسعى الآن إلى تعزيز مكانتها كحكومة الأمر الواقع في اليمن، فمن المرجح أن تستخدم التصعيد لتنشيط الدعم المحلي والمكانة الإقليمية كجزء لا يتجزأ من “محور المقاومة” الإيراني ضد إسرائيل.