fbpx

الدبلوماسية الاسبانية وغزة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يكن غريباً الانحياز المجتمعي والرسمي الإسباني لخيار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل والذهاب بعيداً نحو القيام بإجراءات على صعيد خط النقل البحري، والسياسة الدبلوماسية تجاه تل أبيب، والتي قد تغضب الإسرائيليين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

رفضت إسبانيا مؤخراً رسو سفينة “ماريان دانيكا” المحملة بالأسلحة والمتجهة نحو إسرائيل، في ميناء قرطاجنة بجنوب شرق البلاد، وذلك بحسب وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس بوينو، الذي أكد أن “رفض السماح بالرسو في الموانئ الإسبانية، ناتج عن السياسة التي تنتهجها إسبانيا، لحظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، منذ بدء المواجهات العسكرية بعد عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر”.

تتزامن هذه الأحداث مع تطورات دبلوماسية ملحوظة، فيما يخص مضي إسبانيا في مشروع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بالاتفاق مع أيرلندا ومالطا وسلوفينيا، وذلك بعد قيام الإسبان بنشاط دبلوماسي لتوسيع قائمة الدول، التي أعلنت اعترافها بفلسطين،حيث تربط إسبانيا بين الاعتراف بفلسطين وتحقيق السلام عبر حل الدولتين، الذي (برأيها) سيضع حداً لدوامة العنف، وقد تضمن هذا النهج لقاء رئيس الوزراء الإسباني  بيدرو سانشيز بنظيره البرتغالي لويس مونتينيغرو، الذي أكد أن بلاده “لن تذهب إلى هذا الحد” في ما يخص الاعتراف بالدولة الفلسطينية، من دون نهج منسق للاتحاد الأوروبي. 

ومع توقف المانحين الأساسيين “للأونروا”، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، عن تمويل الوكالة بعد مزاعم إسرائيلية بتورط موظفين فيها بعملية “طوفان الأقصى”، قررت مدريد إرسال مبلغ إضافي قدره 3.5 مليون يورو كمساعدة لها.

على صعيد آخر، لم يكن المجتمع الإسباني بعيداً عن الجو الاحتجاجي العالمي المتضامن مع فلسطين، فقد شهدت المدن الإسبانية مظاهرات واسعة نددت ب”الإبادة الجماعية الحاصلة في غزة”، وطالبت ب”وقف إطلاق النار”، وقد دعى المحتجون الحكومة الإسبانية والمجتمع الدولي إلى “اتخاذ إجراءات لوقف العدوان الإسرائيلي”، وتوازت التحركات الشعبية مع تحركات سياسية داخلية واضحة، تصدرتها رئيسة حزب “بوديموس” أيون بيلارا التي دانت “الممارسات الإسرائيلية” ودعت إلى “تقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المحكمة الجنائية الدولية”، واتهمت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ب”التواطؤ في الأعمال العدوانية”.

وموازاةً، أعلنت بلدية برشلونة “تعليق علاقاتها مع إسرائيل”، وربطتها ب”وقف دائم لإطلاق النار في غزة”، كما جاء على لسان رئيسة بلدية برشلونة آدا كولاو. 

وإلى جانب التحركات الشعبية العامة وعلى غرار عدة دول في أوروبا وخارجها، نال الحراك الطلابي الإسباني المتضامن مع الفلسطينيين، مكانة مهمة في سبيل الضغط باتجاه قطع العلاقات التجارية مع الشركات الداعمة لإسرائيل، وقد ساهمت التحركات الطلابية في الجامعات في دفع مجلس الجامعات الإسبانية “الكرو” الذي يضم 76 جامعة إسبانية إلى إصدار بيان يدين “أعمال العنف ويتعهد بمراجعة العلاقة مع الجامعات الإسرائيلية”. 

وكانت الاحتجاجات على الصعيد الطلابي في البلاد، قد بدأت منذ نهاية نيسان/أبريل في جامعة فالنسيا، حيث قام المحتجون بنصب الخيام منددين ب”الإبادة الجماعية الحاصلة”، ثم امتدت لتشمل باقي المناطق في برشلونة ومدريد وإقليم الباسك وأليكانتي والأندلس، وكانت جامعة برشلونة الحكومية قد قررت قطع صلتها بإسرائيل. 

وفي حين تتعثر المفاوضات بين الطلاب وإدارات الجامعات في عدة دول أوروبية وفي جامعات الولايات المتحدة الأميركية، ويغلب عليها محاولات الحدّ من الاحتجاجات ولو بالقوة، فإن الوضع في جامعات إسبانيا كان مختلفًا، في ظل التزام الطلاب والإدارات معاً بالأهداف بذات.

لم يكن غريباً الانحياز المجتمعي والرسمي الإسباني لخيار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل والذهاب بعيداً نحو القيام بإجراءات على صعيد خط النقل البحري، والسياسة الدبلوماسية تجاه تل أبيب، والتي قد تغضب الإسرائيليين، فقد أجمعت إسبانيا بعهديها الديكتاتوري والديمقراطي بعده، على الحل الدبلوماسي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لأسباب وظروف آنية مختلفة، منها السياسي ومنها الوجداني الناتج عن الذاكرة الجماعية الإسبانية.

فمنذ قرابة 50 سنة من قرار اليوم؛ بمنع سفينة “ماريان دانيكا” من الرسو في الموانئ الإسبانية، وتحديداً عام 1973 في أثناء حرب تشرين الأول/أكتوبر، منعت إسبانيا الولايات المتحدة من استخدام قواعدها العسكرية على الأراضي الإسبانية، من إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، وتلاها بعام تصويتها لصالح قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3236 و3237 اللذين ينصان على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي له، جاءت هذه المواقف كنتيجة لسياسة حكم الجنرال فرانثيسكو فرانكو (1939/1975) وقتها، وبعد إدانته بوضوح احتلال إسرائيل سيناء ومرتفعات الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة بعد حرب عام 1967.

ومع بدء بروز التحولات المجتمعية في إسبانيا، ونمو الحركات الراغبة في إحداث تغيير في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية بعد وفاة فرانكو، تبنّى رئيس الحكومة الجديد أدولفو سواريث غونثاليث، سياسة خارجية ملتزمة بقضايا الشعوب وحقوقها، وكان من أبرز الأحداث في سياق الانحياز لحق الشعب الفلسطيني، هو استقبال غونثاليث وقتها رئيس منظمة “التحرير الفلسطينية” ياسر عرفات، الأمر الذي ولد امتعاضاً كبيراً في الأوساط اليهودية في إسبانيا، خصوصاً أن إسبانيا هي الدولة الأولى أوروبياً التي استقبلت عرفات.

بعد وصول حزب “العمال الاشتراكي الإسباني” (PSOE) إلى الحكم عام 1982، أعاد رئيس الحكومة الجديدة فيليبي غونثاليث ماركيث، تأكيده “ضرورة الوصول إلى حل عادل ودائم للصراع العربي-الإسرائيلي”، ومع إقامة إسبانيا علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل في الأول من عام 1986، أرفقت خطوتها هذه، بتبني “إعلان لاهاي” الذي ينص على رفض سياسة المستوطنات، وتأكيد الاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين وحقهم بتقرير المصير. 

بعد عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 الذي مهّد الطريق لاتفاق أوسلو عام 1993، ومع صدور إعلان برشلونة، ظهر الدور الإسباني في صياغة عملية السلام في الشرق الأوسط، بما هو أبعد من إقليمها، فكان للصراع العربي- الإسرائيلي نصيب كبير من أعمال مؤتمرات السلام الدولية ونقاشاتها.

وفي عام 1996 وصل الحزب “الشعبي المحافظ” إلى السلطة في إسبانيا، وساهمت الدولة الإسبانية في ظلّ فترة حكم هذا الحزب، بشكل واضح، في دعم السلطة الفلسطينية في تلك المرحلة من خلال البرامج التنموية، كما كان للمنظمات غير الحكومية الإسبانية دور في تنفيذ المشاريع الأساسية للفلسطينيين.

مع تبدّل الأوضاع في العالم، كما في فلسطين/ ابتداءً من العام 2000، تبنت إسبانيا نهج مطالبة الفلسطينيين بالإصلاح ونبذ العنف ضمن عملية مستمرة لتحقيق السلام، ومع وصول حركة “حماس” إلى الحكم عام 2006، ومع بدء شن إسرائيل عمليات عسكرية متتالية بين الأعوام 2006 و2009 على قطاع غزة، أعربت إسبانيا عن قلقها من “سوء الأوضاع والأزمة الإنسانية في غزة وضرورة العمل لإيجاد حل لها”.

تعرب البرلمانية الإسبانية إيوني بيلارا من حزب “بوديموس”؛ التي شغلت منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية بين الأعوام 2021 و2023، عن وجود “أوجه تشابه بين فظائع الحرب الحاصلة في غزة، وما تعرض له الشعب الإسباني خلال الحرب الأهلية الإسبانية؛ خصوصاً الجمهوريين منهم، من قصف السلاح الجوي للجنرال فرانكو المدعوم من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، الذي أودى بحياة مئات الآلاف من المدنيين”.

“غرنيكا الفلسطينية” الاسم الذي يطلق اليوم على غزة في الأوساط الإسبانية، نسبةً لبلدة غرنيكا الواقعة أقصى إقليم الباسك شمال إسبانيا، التي تعرضت لأبشع أنواع الإبادة المدنية من قبل طائرات فرانكو وحلفائه، أثناء المعارك بين الجمهوريين والقوميين، فلم ينجُ من أهوالها لا الناس ولا المباني، غرنيكا الإسبانية التي وثّق إبادتها الرسام التشكيلي الإسباني بابلو بيكاسو بلوحة حملت اسمها، حالها أمس كحال غزة اليوم.

فداء زياد - كاتبة فلسطينية من غزة | 14.06.2024

عن تخمة الشعور واختبارات النجاة في غزة

ليلة اقتحام رفح، كانت حيلتي أن أستعير أقدام الطبيبة أميرة العسولي، المرأة الطبيبة التي جازفت بحياتها لتنقذ حياة مصاب، فترة حصار الجيش الإسرائيلي مستشفى ناصر في خانيونس، كي أحاول إنقاذ أخي وعائلته وأختي وأبنائها المقيمين في الجهة المقابلة لنا، لأنهم كانوا أكثر قرباً من الخطر.
23.05.2024
زمن القراءة: 5 minutes

لم يكن غريباً الانحياز المجتمعي والرسمي الإسباني لخيار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل والذهاب بعيداً نحو القيام بإجراءات على صعيد خط النقل البحري، والسياسة الدبلوماسية تجاه تل أبيب، والتي قد تغضب الإسرائيليين.

رفضت إسبانيا مؤخراً رسو سفينة “ماريان دانيكا” المحملة بالأسلحة والمتجهة نحو إسرائيل، في ميناء قرطاجنة بجنوب شرق البلاد، وذلك بحسب وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس بوينو، الذي أكد أن “رفض السماح بالرسو في الموانئ الإسبانية، ناتج عن السياسة التي تنتهجها إسبانيا، لحظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، منذ بدء المواجهات العسكرية بعد عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر”.

تتزامن هذه الأحداث مع تطورات دبلوماسية ملحوظة، فيما يخص مضي إسبانيا في مشروع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بالاتفاق مع أيرلندا ومالطا وسلوفينيا، وذلك بعد قيام الإسبان بنشاط دبلوماسي لتوسيع قائمة الدول، التي أعلنت اعترافها بفلسطين،حيث تربط إسبانيا بين الاعتراف بفلسطين وتحقيق السلام عبر حل الدولتين، الذي (برأيها) سيضع حداً لدوامة العنف، وقد تضمن هذا النهج لقاء رئيس الوزراء الإسباني  بيدرو سانشيز بنظيره البرتغالي لويس مونتينيغرو، الذي أكد أن بلاده “لن تذهب إلى هذا الحد” في ما يخص الاعتراف بالدولة الفلسطينية، من دون نهج منسق للاتحاد الأوروبي. 

ومع توقف المانحين الأساسيين “للأونروا”، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، عن تمويل الوكالة بعد مزاعم إسرائيلية بتورط موظفين فيها بعملية “طوفان الأقصى”، قررت مدريد إرسال مبلغ إضافي قدره 3.5 مليون يورو كمساعدة لها.

على صعيد آخر، لم يكن المجتمع الإسباني بعيداً عن الجو الاحتجاجي العالمي المتضامن مع فلسطين، فقد شهدت المدن الإسبانية مظاهرات واسعة نددت ب”الإبادة الجماعية الحاصلة في غزة”، وطالبت ب”وقف إطلاق النار”، وقد دعى المحتجون الحكومة الإسبانية والمجتمع الدولي إلى “اتخاذ إجراءات لوقف العدوان الإسرائيلي”، وتوازت التحركات الشعبية مع تحركات سياسية داخلية واضحة، تصدرتها رئيسة حزب “بوديموس” أيون بيلارا التي دانت “الممارسات الإسرائيلية” ودعت إلى “تقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المحكمة الجنائية الدولية”، واتهمت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ب”التواطؤ في الأعمال العدوانية”.

وموازاةً، أعلنت بلدية برشلونة “تعليق علاقاتها مع إسرائيل”، وربطتها ب”وقف دائم لإطلاق النار في غزة”، كما جاء على لسان رئيسة بلدية برشلونة آدا كولاو. 

وإلى جانب التحركات الشعبية العامة وعلى غرار عدة دول في أوروبا وخارجها، نال الحراك الطلابي الإسباني المتضامن مع الفلسطينيين، مكانة مهمة في سبيل الضغط باتجاه قطع العلاقات التجارية مع الشركات الداعمة لإسرائيل، وقد ساهمت التحركات الطلابية في الجامعات في دفع مجلس الجامعات الإسبانية “الكرو” الذي يضم 76 جامعة إسبانية إلى إصدار بيان يدين “أعمال العنف ويتعهد بمراجعة العلاقة مع الجامعات الإسرائيلية”. 

وكانت الاحتجاجات على الصعيد الطلابي في البلاد، قد بدأت منذ نهاية نيسان/أبريل في جامعة فالنسيا، حيث قام المحتجون بنصب الخيام منددين ب”الإبادة الجماعية الحاصلة”، ثم امتدت لتشمل باقي المناطق في برشلونة ومدريد وإقليم الباسك وأليكانتي والأندلس، وكانت جامعة برشلونة الحكومية قد قررت قطع صلتها بإسرائيل. 

وفي حين تتعثر المفاوضات بين الطلاب وإدارات الجامعات في عدة دول أوروبية وفي جامعات الولايات المتحدة الأميركية، ويغلب عليها محاولات الحدّ من الاحتجاجات ولو بالقوة، فإن الوضع في جامعات إسبانيا كان مختلفًا، في ظل التزام الطلاب والإدارات معاً بالأهداف بذات.

لم يكن غريباً الانحياز المجتمعي والرسمي الإسباني لخيار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل والذهاب بعيداً نحو القيام بإجراءات على صعيد خط النقل البحري، والسياسة الدبلوماسية تجاه تل أبيب، والتي قد تغضب الإسرائيليين، فقد أجمعت إسبانيا بعهديها الديكتاتوري والديمقراطي بعده، على الحل الدبلوماسي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لأسباب وظروف آنية مختلفة، منها السياسي ومنها الوجداني الناتج عن الذاكرة الجماعية الإسبانية.

فمنذ قرابة 50 سنة من قرار اليوم؛ بمنع سفينة “ماريان دانيكا” من الرسو في الموانئ الإسبانية، وتحديداً عام 1973 في أثناء حرب تشرين الأول/أكتوبر، منعت إسبانيا الولايات المتحدة من استخدام قواعدها العسكرية على الأراضي الإسبانية، من إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، وتلاها بعام تصويتها لصالح قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3236 و3237 اللذين ينصان على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي له، جاءت هذه المواقف كنتيجة لسياسة حكم الجنرال فرانثيسكو فرانكو (1939/1975) وقتها، وبعد إدانته بوضوح احتلال إسرائيل سيناء ومرتفعات الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة بعد حرب عام 1967.

ومع بدء بروز التحولات المجتمعية في إسبانيا، ونمو الحركات الراغبة في إحداث تغيير في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية بعد وفاة فرانكو، تبنّى رئيس الحكومة الجديد أدولفو سواريث غونثاليث، سياسة خارجية ملتزمة بقضايا الشعوب وحقوقها، وكان من أبرز الأحداث في سياق الانحياز لحق الشعب الفلسطيني، هو استقبال غونثاليث وقتها رئيس منظمة “التحرير الفلسطينية” ياسر عرفات، الأمر الذي ولد امتعاضاً كبيراً في الأوساط اليهودية في إسبانيا، خصوصاً أن إسبانيا هي الدولة الأولى أوروبياً التي استقبلت عرفات.

بعد وصول حزب “العمال الاشتراكي الإسباني” (PSOE) إلى الحكم عام 1982، أعاد رئيس الحكومة الجديدة فيليبي غونثاليث ماركيث، تأكيده “ضرورة الوصول إلى حل عادل ودائم للصراع العربي-الإسرائيلي”، ومع إقامة إسبانيا علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل في الأول من عام 1986، أرفقت خطوتها هذه، بتبني “إعلان لاهاي” الذي ينص على رفض سياسة المستوطنات، وتأكيد الاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين وحقهم بتقرير المصير. 

بعد عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 الذي مهّد الطريق لاتفاق أوسلو عام 1993، ومع صدور إعلان برشلونة، ظهر الدور الإسباني في صياغة عملية السلام في الشرق الأوسط، بما هو أبعد من إقليمها، فكان للصراع العربي- الإسرائيلي نصيب كبير من أعمال مؤتمرات السلام الدولية ونقاشاتها.

وفي عام 1996 وصل الحزب “الشعبي المحافظ” إلى السلطة في إسبانيا، وساهمت الدولة الإسبانية في ظلّ فترة حكم هذا الحزب، بشكل واضح، في دعم السلطة الفلسطينية في تلك المرحلة من خلال البرامج التنموية، كما كان للمنظمات غير الحكومية الإسبانية دور في تنفيذ المشاريع الأساسية للفلسطينيين.

مع تبدّل الأوضاع في العالم، كما في فلسطين/ ابتداءً من العام 2000، تبنت إسبانيا نهج مطالبة الفلسطينيين بالإصلاح ونبذ العنف ضمن عملية مستمرة لتحقيق السلام، ومع وصول حركة “حماس” إلى الحكم عام 2006، ومع بدء شن إسرائيل عمليات عسكرية متتالية بين الأعوام 2006 و2009 على قطاع غزة، أعربت إسبانيا عن قلقها من “سوء الأوضاع والأزمة الإنسانية في غزة وضرورة العمل لإيجاد حل لها”.

تعرب البرلمانية الإسبانية إيوني بيلارا من حزب “بوديموس”؛ التي شغلت منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية بين الأعوام 2021 و2023، عن وجود “أوجه تشابه بين فظائع الحرب الحاصلة في غزة، وما تعرض له الشعب الإسباني خلال الحرب الأهلية الإسبانية؛ خصوصاً الجمهوريين منهم، من قصف السلاح الجوي للجنرال فرانكو المدعوم من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، الذي أودى بحياة مئات الآلاف من المدنيين”.

“غرنيكا الفلسطينية” الاسم الذي يطلق اليوم على غزة في الأوساط الإسبانية، نسبةً لبلدة غرنيكا الواقعة أقصى إقليم الباسك شمال إسبانيا، التي تعرضت لأبشع أنواع الإبادة المدنية من قبل طائرات فرانكو وحلفائه، أثناء المعارك بين الجمهوريين والقوميين، فلم ينجُ من أهوالها لا الناس ولا المباني، غرنيكا الإسبانية التي وثّق إبادتها الرسام التشكيلي الإسباني بابلو بيكاسو بلوحة حملت اسمها، حالها أمس كحال غزة اليوم.

23.05.2024
زمن القراءة: 5 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية