fbpx

بعد عام من الفرار… هل استطاع السودانيون الاندماج في المجتمعات الجديدة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من المؤكد أن من يغادر منزله قسراً تهتز شخصيته وتضعف ثقته في نفسه ويصعب عليه أن يشعر بالأمان، لهذا يجد صعوبة في التأقلم مع الحياة الجديدة. وهنا، تكمن أزمة السودانيين، فكيف يتخلصون من المشاكل النفسية التي أحدثها ويحدثها النزاع وتبعاته التي قد تُلازمهم طوال حياتهم. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ظلّ بشير محمد عثمان يُعاند الاندماج في المجتمع المصري، كنوع من المقاومة انتصاراً للذات التي تشعر بالهزيمة بسبب الفرار من العنف في السودان، على رغم أنه حاول مراراً إقناع نفسه باللجوء إلى القاهرة للحفاظ على حياة أسرته.

يُعد عثمان واحدًا من مليوني سوداني عبروا الحدود إلى دول الجوار من أصل 8.7 مليون شخص فروا من منازلهم بسبب النزاع. ووصل مع زوجته وطفلته ذات التسع سنوات إلى القاهرة في الأسبوع الأول من اندلاع الحرب، ولهذا لم يجد صعوبة في الدخول إلى مصر خلافاً للفارين من بعده، الذين انتظروا أشهراً طويلة للحصول على التأشيرة.

التنمّر هاجس الأسر

يقول محمد عثمان لـ “درج”، إن لجوء السودانيين إلى مصر مصطحبين معهم عادات وتقاليد كثيرة، بما في ذلك الأطعمة الشعبية، إضافة الى امتلاء أسواق عدة وأحياء سكنية بمتاجر تبيع منتجات سودانية، ذلك كله جعل اللاجئين في غالبيتهم لا يحتاجون الى الاندماج في المجتمع المصري المنكفئ على ذاته بطبيعة تكوين أفراده غير الميالين الى الاختلاط بالأغراب.

يلفت عثمان إلى اضطرار عشرات الشباب للعمل في وظائف هامشية بالمطاعم أو كراجات السيارات، حيث لا يمكنهم مسايرة المجتمع من حولهم، فتجد الشاب منهمكاً في عمله يحاول قدر الإمكان عدم الاختلاط إلا في حدود ما تقتضيه الوظيفة.

يشير عثمان إلى أنه نادراً ما يغادر الشقة التي يقطنها، في ظل حالة الاحتقان الحاصل داخل المجتمع المصري ضد اللاجئين السودانيين وتحميلهم مسؤولية ارتفاع أسعار العقارات والسلع الغذائية، وهذه أمور تؤثر على صحته النفسية.

يؤكد عثمان عدم وجود صعوبة في التعامل مع مؤسسات الدولة الرسمية في ما يتعلق باستخراج وثائق الإقامة وفتح الحسابات البنكية، ومع ذلك رفض إدخال ابنته إلى المدرسة خوفاً من اعتيادها على اللهجة المصرية ونسيان لهجتهم الأم.

ويضيف: “أفهم أن الاندماج يعني التحول إلى عضو فاعل في المجتمع والتعامل مع مؤسساته، مع الاحتفاظ بالهوية السودانية، وهذا لن يكون متاحاً لهاجر ــ ابنتي ــ فهي بحكم صغر عمرها ستتماهى معه بالكامل إذا أدخلتها مدرسة مصرية، هذا إن لم تتعرض للتنمر لسُمرة بشرتها”.

يُعد عثمان واحدًا من مليوني سوداني عبروا الحدود إلى دول الجوار من أصل 8.7 مليون شخص فروا من منازلهم بسبب النزاع.

صعوبة في الاندماج

تستضيف أوغندا أكثر من 27 ألف لاجئ سوداني، لم يستطيعوا في غالبيتهم الاندماج في المجتمع الأوغندي والتعامل مع مؤسساته الشعبية والرسمية بسبب اختلاف اللغة والثقافة والدين، وفقاً لأحمد حمدان الذي يعيش في العاصمة كمبالا مع أسرته المكونة من زوجته وطفليه.

يقول حمدان، لـ “درج”، إن حاجز اللغة يُعد أكبر معضلة يواجهها ولداه في المدارس التي التحقا بها، من دون أن يخفي تخوّفه من تعرضهما للتنمر كونهما في طور تعلّمها خلافاً للمدارس السودانية التي يتم التدريس فيها باللغة العربية.

لم يبدِ حمدان اعتراضاً على المنهاج الأوغندي، لكنه تحسّر على عدم تضمينه دروساً في فقه الدين الإسلامي واللغة العربية، ما يضطره إلى تكثيف الدروس لولديه في المنزل، ما يلقي عليه أعباء إضافية.

يوضح حمدان أن اختلاف الثقافة الغذائية بين البلدين حدّ من تنوّع الأطعمة التي يتناولونها. غير أن عبد الرحيم طه الذي استقرّ في كمبالا بمفرده، لا يرى في ذلك أزمة، يقول لـ “درج” إنه يحاول التعرف على ثقافات وعادات المجتمع المحلي في الطعام والملابس والدين والحياة اليومية، رغبة منه في التعلم من الاختلاف.

ويشير إلى أن السودانيين ينكفئون على أنفسهم في مجتمعات الشتات بدلاً من محاولة التعرف على أفراد جُدد واكتساب ثقافة جديدة، مرجعاً ذلك إلى وجود آمال قوية لديهم باقتراب موعد عودتهم إلى منازلهم التي فروا منها قسراً، وهي آمال لا يعززها الواقع الذي يشير إلى أن أمد النزاع سيطول إلى سنوات كثيرة. 

مفارقة! 

في تشاد، لا يواجه السودانيون صعوبات كبيرة في التعامل مع المجتمع، علماً أن هذا البلد استقطب 588 ألف سوداني منذ اندلاع النزاع في 15 نيسان/ أبريل 2023، إضافة إلى عشرات الآلاف الذين فروا إليه بسبب الحرب الأهلية في دارفور والاضطرابات الأمنية في الإقليم.

تقول الصحافية وصال بدوي، التي لجأت مع أسرتها إلى العاصمة التشادية أنجمينا، إن السودانيين اندمجوا في المجتمع نظراً الى وجود غالبية أفراد عائلاتهم في المحيط الذي يعيشون فيه، لكن الصعوبة تكمن في عدم التحدث باللغة التشادية، ناهيك بتعدّد اللهجات المحلية. 

استطاعت بدوي أن تستأجر منزلاً فكانت أوفر حظاً مقارنة باللاجئين السودانيين الى تشاد، الذين يعيشون في معظمهم  في مخيمات بائسة تفتقر إلى الخدمات الأساسية، فضلاً عن تعرّض للعنف، ومع ذلك فهي تشتكي من ارتفاع إيجارات المساكن وارتباط إجراءات التسجيل في الجامعات التشادية بنظيرتها السودانية، التي لا يزال معظمها مغلقاً منذ اندلاع النزاع. 

كما توضح لـ “درج” وجود اختلاف في الطعام، إذ اضطروا إلى اعتماد الأرز وجبة رئيسية خلافاً للمائدة السودانية التي تزخر بأصناف متنوعة من الأطعمة.

والملاحظ أن الأسر تحديداً هي التي تجد صعوبات في الاندماج في مجتمعات الشتات، خلافاً للشباب الذي يغادرون السودان بمفردهم من دون التفكير في العودة، وهذا ما يؤكده خالد عبد الرحمن الذي لجأ إلى إثيوبيا، حيث تزوج من فتاة إثيوبية ويبحث الآن عن عمل، ولا  يُفكر إطلاقاً في العودة الى الخرطوم.

تفسّر الباحثة في الصحة النفسية مروة علي، صعوبة اندماج أي شخص في المجتمعات التي نزح أو لجأ إليها، بأن النزوح واللجوء فعل صادم، وهذا ما يجعله يعيش في حالة إنكار  واعتبار وضعه في الشتات حالة طارئة سرعان ما ستزول ليعود إلى حياته القديمة.

وتقول لـ “درج”، إن الفعل الصادم وحالة الإنكار التي تلازم اللاجئ يصعّبان عليه التأقلم والعمل وتنظيم حياته، ويفاقم من ذلك رفضه من المجتمع المضيف، واستغلاله واستنزافه مالياً، فيما ينبغي التعامل معه على أنه ضحية حرب لم يقرر موعد شنّها وميدان معاركها. 

من المؤكد أن من يغادر منزله قسراً تهتز شخصيته وتضعف ثقته في نفسه ويصعب عليه أن يشعر بالأمان، لهذا يجد صعوبة في التأقلم مع الحياة الجديدة. وهنا، تكمن أزمة السودانيين، فكيف يتخلصون من المشاكل النفسية التي أحدثها ويحدثها النزاع وتبعاته التي قد تُلازمهم طوال حياتهم. 

فداء زياد - كاتبة فلسطينية من غزة | 14.06.2024

عن تخمة الشعور واختبارات النجاة في غزة

ليلة اقتحام رفح، كانت حيلتي أن أستعير أقدام الطبيبة أميرة العسولي، المرأة الطبيبة التي جازفت بحياتها لتنقذ حياة مصاب، فترة حصار الجيش الإسرائيلي مستشفى ناصر في خانيونس، كي أحاول إنقاذ أخي وعائلته وأختي وأبنائها المقيمين في الجهة المقابلة لنا، لأنهم كانوا أكثر قرباً من الخطر.
23.05.2024
زمن القراءة: 4 minutes

من المؤكد أن من يغادر منزله قسراً تهتز شخصيته وتضعف ثقته في نفسه ويصعب عليه أن يشعر بالأمان، لهذا يجد صعوبة في التأقلم مع الحياة الجديدة. وهنا، تكمن أزمة السودانيين، فكيف يتخلصون من المشاكل النفسية التي أحدثها ويحدثها النزاع وتبعاته التي قد تُلازمهم طوال حياتهم. 

ظلّ بشير محمد عثمان يُعاند الاندماج في المجتمع المصري، كنوع من المقاومة انتصاراً للذات التي تشعر بالهزيمة بسبب الفرار من العنف في السودان، على رغم أنه حاول مراراً إقناع نفسه باللجوء إلى القاهرة للحفاظ على حياة أسرته.

يُعد عثمان واحدًا من مليوني سوداني عبروا الحدود إلى دول الجوار من أصل 8.7 مليون شخص فروا من منازلهم بسبب النزاع. ووصل مع زوجته وطفلته ذات التسع سنوات إلى القاهرة في الأسبوع الأول من اندلاع الحرب، ولهذا لم يجد صعوبة في الدخول إلى مصر خلافاً للفارين من بعده، الذين انتظروا أشهراً طويلة للحصول على التأشيرة.

التنمّر هاجس الأسر

يقول محمد عثمان لـ “درج”، إن لجوء السودانيين إلى مصر مصطحبين معهم عادات وتقاليد كثيرة، بما في ذلك الأطعمة الشعبية، إضافة الى امتلاء أسواق عدة وأحياء سكنية بمتاجر تبيع منتجات سودانية، ذلك كله جعل اللاجئين في غالبيتهم لا يحتاجون الى الاندماج في المجتمع المصري المنكفئ على ذاته بطبيعة تكوين أفراده غير الميالين الى الاختلاط بالأغراب.

يلفت عثمان إلى اضطرار عشرات الشباب للعمل في وظائف هامشية بالمطاعم أو كراجات السيارات، حيث لا يمكنهم مسايرة المجتمع من حولهم، فتجد الشاب منهمكاً في عمله يحاول قدر الإمكان عدم الاختلاط إلا في حدود ما تقتضيه الوظيفة.

يشير عثمان إلى أنه نادراً ما يغادر الشقة التي يقطنها، في ظل حالة الاحتقان الحاصل داخل المجتمع المصري ضد اللاجئين السودانيين وتحميلهم مسؤولية ارتفاع أسعار العقارات والسلع الغذائية، وهذه أمور تؤثر على صحته النفسية.

يؤكد عثمان عدم وجود صعوبة في التعامل مع مؤسسات الدولة الرسمية في ما يتعلق باستخراج وثائق الإقامة وفتح الحسابات البنكية، ومع ذلك رفض إدخال ابنته إلى المدرسة خوفاً من اعتيادها على اللهجة المصرية ونسيان لهجتهم الأم.

ويضيف: “أفهم أن الاندماج يعني التحول إلى عضو فاعل في المجتمع والتعامل مع مؤسساته، مع الاحتفاظ بالهوية السودانية، وهذا لن يكون متاحاً لهاجر ــ ابنتي ــ فهي بحكم صغر عمرها ستتماهى معه بالكامل إذا أدخلتها مدرسة مصرية، هذا إن لم تتعرض للتنمر لسُمرة بشرتها”.

يُعد عثمان واحدًا من مليوني سوداني عبروا الحدود إلى دول الجوار من أصل 8.7 مليون شخص فروا من منازلهم بسبب النزاع.

صعوبة في الاندماج

تستضيف أوغندا أكثر من 27 ألف لاجئ سوداني، لم يستطيعوا في غالبيتهم الاندماج في المجتمع الأوغندي والتعامل مع مؤسساته الشعبية والرسمية بسبب اختلاف اللغة والثقافة والدين، وفقاً لأحمد حمدان الذي يعيش في العاصمة كمبالا مع أسرته المكونة من زوجته وطفليه.

يقول حمدان، لـ “درج”، إن حاجز اللغة يُعد أكبر معضلة يواجهها ولداه في المدارس التي التحقا بها، من دون أن يخفي تخوّفه من تعرضهما للتنمر كونهما في طور تعلّمها خلافاً للمدارس السودانية التي يتم التدريس فيها باللغة العربية.

لم يبدِ حمدان اعتراضاً على المنهاج الأوغندي، لكنه تحسّر على عدم تضمينه دروساً في فقه الدين الإسلامي واللغة العربية، ما يضطره إلى تكثيف الدروس لولديه في المنزل، ما يلقي عليه أعباء إضافية.

يوضح حمدان أن اختلاف الثقافة الغذائية بين البلدين حدّ من تنوّع الأطعمة التي يتناولونها. غير أن عبد الرحيم طه الذي استقرّ في كمبالا بمفرده، لا يرى في ذلك أزمة، يقول لـ “درج” إنه يحاول التعرف على ثقافات وعادات المجتمع المحلي في الطعام والملابس والدين والحياة اليومية، رغبة منه في التعلم من الاختلاف.

ويشير إلى أن السودانيين ينكفئون على أنفسهم في مجتمعات الشتات بدلاً من محاولة التعرف على أفراد جُدد واكتساب ثقافة جديدة، مرجعاً ذلك إلى وجود آمال قوية لديهم باقتراب موعد عودتهم إلى منازلهم التي فروا منها قسراً، وهي آمال لا يعززها الواقع الذي يشير إلى أن أمد النزاع سيطول إلى سنوات كثيرة. 

مفارقة! 

في تشاد، لا يواجه السودانيون صعوبات كبيرة في التعامل مع المجتمع، علماً أن هذا البلد استقطب 588 ألف سوداني منذ اندلاع النزاع في 15 نيسان/ أبريل 2023، إضافة إلى عشرات الآلاف الذين فروا إليه بسبب الحرب الأهلية في دارفور والاضطرابات الأمنية في الإقليم.

تقول الصحافية وصال بدوي، التي لجأت مع أسرتها إلى العاصمة التشادية أنجمينا، إن السودانيين اندمجوا في المجتمع نظراً الى وجود غالبية أفراد عائلاتهم في المحيط الذي يعيشون فيه، لكن الصعوبة تكمن في عدم التحدث باللغة التشادية، ناهيك بتعدّد اللهجات المحلية. 

استطاعت بدوي أن تستأجر منزلاً فكانت أوفر حظاً مقارنة باللاجئين السودانيين الى تشاد، الذين يعيشون في معظمهم  في مخيمات بائسة تفتقر إلى الخدمات الأساسية، فضلاً عن تعرّض للعنف، ومع ذلك فهي تشتكي من ارتفاع إيجارات المساكن وارتباط إجراءات التسجيل في الجامعات التشادية بنظيرتها السودانية، التي لا يزال معظمها مغلقاً منذ اندلاع النزاع. 

كما توضح لـ “درج” وجود اختلاف في الطعام، إذ اضطروا إلى اعتماد الأرز وجبة رئيسية خلافاً للمائدة السودانية التي تزخر بأصناف متنوعة من الأطعمة.

والملاحظ أن الأسر تحديداً هي التي تجد صعوبات في الاندماج في مجتمعات الشتات، خلافاً للشباب الذي يغادرون السودان بمفردهم من دون التفكير في العودة، وهذا ما يؤكده خالد عبد الرحمن الذي لجأ إلى إثيوبيا، حيث تزوج من فتاة إثيوبية ويبحث الآن عن عمل، ولا  يُفكر إطلاقاً في العودة الى الخرطوم.

تفسّر الباحثة في الصحة النفسية مروة علي، صعوبة اندماج أي شخص في المجتمعات التي نزح أو لجأ إليها، بأن النزوح واللجوء فعل صادم، وهذا ما يجعله يعيش في حالة إنكار  واعتبار وضعه في الشتات حالة طارئة سرعان ما ستزول ليعود إلى حياته القديمة.

وتقول لـ “درج”، إن الفعل الصادم وحالة الإنكار التي تلازم اللاجئ يصعّبان عليه التأقلم والعمل وتنظيم حياته، ويفاقم من ذلك رفضه من المجتمع المضيف، واستغلاله واستنزافه مالياً، فيما ينبغي التعامل معه على أنه ضحية حرب لم يقرر موعد شنّها وميدان معاركها. 

من المؤكد أن من يغادر منزله قسراً تهتز شخصيته وتضعف ثقته في نفسه ويصعب عليه أن يشعر بالأمان، لهذا يجد صعوبة في التأقلم مع الحياة الجديدة. وهنا، تكمن أزمة السودانيين، فكيف يتخلصون من المشاكل النفسية التي أحدثها ويحدثها النزاع وتبعاته التي قد تُلازمهم طوال حياتهم. 

23.05.2024
زمن القراءة: 4 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية