fbpx

هل يجلب عمل العراقيات في المقاهي المزيد من العبوات الناسفة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تمارس الأعراف المجتمعية في العراق، ومنذ زمن ليس بالقليل، سطوتها على النساء وحدهن، تمنعهن من مزاولة مهن معينة، ومنها العمل في المقاهي والمطاعم كنادلات، إذ أخبرنا أحد رواد المقاهي: “المجتمع لا يريد رؤية البنت، وهي تقدم العصير للشاب، هذا مناف للعادات”، وحذرني أثناء كتابة التقرير من “التحريض على انتشار الفساد”. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“عينه كانت تتفحصني من فوق لتحت، طلب مني أن أستدير، هل هذه مؤهلات العمل؟ أتساءل في سري، زم شفتيه، وسألني: هل أنت متزوجة؟”.

بدأت موج (19 سنة) العمل هذا العام في مقهى شبابي عند أطراف محافظة بغداد، تقول إنه يفتح أبوابه من الساعة العاشرة صباحاً حتى الثانية ليلاً، وقد أصرّ صاحب المقهى على أن تكون مناوبتها مساءا تحت حجة ” لمزيد من الإقبال”، يأمرها وهو ينفث نرجيلته وينهرها لئلا تحاول تعديل وقت مناوبتها.

فقدت رسل زوجها بعد شهر واحد على زواجها، إذ قُتل في المواجهات مع عناصر “داعش”، عائلتها المكوّنة من 10 أفراد دفعت بها الى زواج مبكر، للتخلص من مسؤوليتها، لتجد نفسها وحيدةً تبحث عن عمل.

طلبت جميع الأماكن التي أرادت العمل فيها، سيرة ذاتية “قويّة” وشهادة جامعية للعمل في محل للمكياج، لكنها نهايةً وجدت نفسها تعمل  في مقهى بأجر يومي مقداره 24 ألف دينار عراقي (17 دولاراً)”.

ظنت رسل أن المكان لا يحتاج منها كما تقول، سوى أن تمارس مهنتها كنادلة، تقول: “لم أمتلك مجلداً يشرح لي ما الذي سأواجهه. تحرّش لفظي، بصري، ثم تطور ليصبح جسدياً، عندما حاولت ترك العمل، هددني صاحب المكان بقتلي لو أني مسست سمعة محلّه ثم طلب مني العودة بالتهديد كذلك”.

تمارس الأعراف المجتمعية في العراق، ومنذ زمن ليس بالقليل، سطوتها على النساء وحدهن، تمنعهن من مزاولة مهن معينة، ومنها العمل في المقاهي والمطاعم كنادلات، إذ أخبرنا أحد رواد المقاهي: “المجتمع لا يريد رؤية البنت، وهي تقدم العصير للشاب، هذا مناف للعادات”، وحذرني أثناء كتابة التقرير من “التحريض على انتشار الفساد”. 

استغل بعض أصحاب المقاهي هذا الضغط الاجتماعي، لتقديم عمل للنساء المحتاجات بشدة لأي مهنة، لاستغلالهن جنسياً ومادياً، إذ تحولت بعض المقاهي ظاهرياً إلى أماكن عامة، لكنها تخفي وراءها عوالم من الاستعباد وتجارة الجنس”.

تقول رسل: “كان عليّ تقديم النرجيلة للشباب، ثم تعميرها لهم، والجلوس قربهم، بعضهم يتعمد إيقاع شيء ما، ليبدأ بتفحّص جسدي أو حتى لمسي. أحاول التغاضي، لكن مرة لم أحتمل، صرخت، ضحك الجالسين وهم ينفخون الدخان، وكان المدير يعتقد أن هذا الفعل سيجذب المزيد من الزبائن”.

شركاء التحرّش!

تحت ضغط المساومة والتهديد بالطرد، يجبر بعض أصحاب المقاهي نساء عاملات على منح أرقامهن الشخصية للزبائن، والرضوخ لمتطلباتهم وتحرشهم وأحياناً  والعودة معهم الى المنزل.

تقول مروج (20 عاماً): “إن رفضت منح رقمي لأحدهم، يطردني مباشرة، ماذا أفعل؟ ليس لدي مكان آخر أعمل فيه، بالعكس، إذا ما علمت بعض أماكن التوظيف بأني سابقاً عملت في مقهى شبابي، فلن أنال سوى التشكيك في أخلاقي”.

لا أرقام رسمية تتناول هذه القضية، لكن تمكّن منتدى الإعلاميات العراقيات (مؤسسة مستقلة) من إجراء مسح شامل لأكثر من 5 آلاف سيدة، وجاء في النتائج أن 77 بالمائة من العراقيات يتعرضن للتحرش المباشر، فيما طالبت أكثر من 90 بالمئة منهن بوضع قوانين قادرة على ردع المتحرشين.

الأكثر إثارة للانتباه كان تصريح 78 بالمائة من اللواتي تمت مقابلتهم بأنهن تعرضن للتحرش في مجال العمل، وأنهن لم تستطعن ترك العمل لأسباب اقتصادية.

النسب التي وزعتها الأبحاث الاجتماعية حول أنواع التحرش التي تعرضن لهن، بينت أن 57 بالمائة منهن تعرضن لتحرش لفظي، فيما تتعرض 20 بالمائة منهن “لمحاولات، -او- تحرش جنسي داخل العمل.

يطلب الزبائن من العاملة في المقهى، الجلوس معهم، تدخين النرجيلة بطريقة معينة، ثم يتبادل الرجال الكلمات النابية والجنسية أمامها، ويصف  البعض أمانيهم في الفراش بتلذذ، بانتظار الضحكات منهن، تقول مروج: “نضحك، علينا أن نضحك في النهاية ثم التوجه الى المطبخ والبكاء، حاولت ترك العمل، ولكني عدت، كان عليّ المغامرة بحياة طفلي الذي تركه والده من دون نفقة”.

تقول مروج إن السؤال الأول الذي طرحه عليها صاحب المقهى، “هل أنت متزوجة؟، نفضل المطلقات والأرامل، ومن لا عائلة لديهن، أو التي تعيش مع والدتها فقط. لسنا بمزاج للمشاكل”.  

وتضيف، أن صاحب المقهى يأمرها بالتقرب من الشباب الذين يعلم أنهم بحالة مادية جيدة، وعليها استدراجهم ومساومتهم، وفي حال “تم الأمر” يذهب نصف المبلغ للمحل، “إنه يتاجر بنا”، على حد قولها، مؤكدة أنه يوظف النساء القادمات من محافظات أخرى، بخاصة اللاتي يعلم ألا أحد لهن، ليستغلهن، وتتابع: “لا ضمان اجتماعي أو صحي أو اقتصادي يمنح لكثير من النساء اللواتي يجبرن على ترك المدارس والزواج مبكراً، ما الذي يمكن أن تفعله المرأة وسط هذا الأهمال لتعيل نفسها وصغارها؟”. 

“عينه كانت تتفحصني من فوق لتحت، طلب مني أن أستدير، هل هذه مؤهلات العمل؟ أتساءل في سري، زم شفتيه، وسألني: هل أنت متزوجة؟”.

قوانين داعمة للأذى 

صوّت مجلس محافظة واسط، على قرار منع عمل الفتيات من دون الرجال في مقاهي”الكوفي شوب” ضمن  مناطق المحافظة، وفيما ألزمت الحكومة المحلية الجهات الأمنية تطبيق القرار فور صدوره لكون المهنة “لا تحظى بقبول اجتماعي”، ناشدت فتيات عاملات في المقاهي الحكومة المحلية بـ”توفير فرص عمل”، لكن المحافظة حينها أكدت أن عمل الفتيات في المقاهي غير مرض وفيه مخالفة للقيم والأعراف السائدة في المحافظة. 

تقول سناء التي تعمل نادلةً في أحد مقاهي بغداد: “فعلوا ذلك في مدن كثيرة، منها بغداد، ففي منطقة العامرية/ غرب العاصمة، أغلقوا مقهى “كافيه مزاج” لأكثر من مرة بحجة مخالفته التعليمات، وتضيف:”لا يفعلون ذلك حرصاً على النساء من التحرش، لكنهم قادرون على إلقاء اللوم على المرأة فقط، بدلاً من سن قوانين تحميهن وتمنحهن صلاحية العمل”.

ترى سناء، أن بعض أصحاب المقاهي يمتهنون تجارة الجنس بشكل خفي، والزبائن الرجال لديهم قناعة بذلك، تقول: “شكواي المستمرة كانت تأتي بجواب واحد من رب العمل، مفاده أنه لا يستطيع أن يسيطرعليهم كلهم، وبين زبائنه وبيني، نعلم من سيختار، وإن رفضت، فستأتي من ترضخ بسبب حاجتها الملحّة للمال”. 

تقول المحامية مهى أحمد، “ليس ثمة قانون عراقي خاص بالتحرش، بل مواد تضع عقوبات للاعتداءات الجسدية والجنسية في أماكن الوظيفة عبر قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، والحد الأعلى للعقوبة، وبعد إثبات طيف واسع من الشواهد والدلالات، لا يتعدى السجن لعام واحد، وهو من أقل العقوبات على مستوى العالم. كذلك، فإن المواد 400-404 من قانون العقوبات العراقية يختصر التحرش بمواضيع الفعل الفاضح في المجال العام.

عبوات ناسفة بوجه نساء المقاهي 

كازينو “عروس البصرة” واحد من بين ستة مقاهي وكازينوهات سياحية تعرضت إلى هجمات بعبوات ناسفة محلية الصنع عام 2016 بسبب عمل النساء فيها، ما أدى إلى مقتل شخص واحد.  كما شهدت البصرة تفجير مقهى (كوفي تايم) والعثور على منشور في مكان الحادث يحذر فيه من استمرار عمل تلك المقاهي، التي وصفتها الجهة المجهولة بـ”بيوت الشياطين”، مهدّدة العاملين والعاملات فيها بالتعرض للقتل، الأمر الذي أدى إلى استقالة النساء من وظائفهن. 

قبلها بسنتين، تعرضت “كافتيريا كلاسيكو” وسط حي الكرادة شرق بغداد، لعيارات نارية أسفرت عن مقتل شخص وإصابة آخرين بجروح، فيما شكلت محافظة بغداد فوج “طوارئ بغداد”، الذي يتولى إغلاق الأندية والمقاهي المخالفة للأعراف والتقاليد العامة، كما تقول بياناتهم. 

تقول سناء:”الكارثة أنهم لا يغلقونها بسبب رفض عمل القاصرات والتجارة بهن واستغلالهن، بل لاحتقارهم المرأة العاملة في المقاهي، حتى وصل الحال بأن يراها الجميع مستحقة للقتل أو الاستغلال الجسدي”. 

لا دور للسلطات المحلية 

تشير الناشطة في مجال حقوق المرأة سجى محمد، إن النساء يتعرضن لابتزاز من متنفذين وضباط وعسكر، وتضيف: “إحدى النساء التي حاولنا مساعدتها، كانت قد تعرضت للمساومة من أحد الضباط المرتادين المقهى الذي تعمل به، فرفضت وبدأ بمضايقتها وجعل صاحب المكان يهدد بطردها، لم تملك مكاناً آخر، ولكنها استمرت بالرفض حتى دبر لها قضية كيدية تسببت بدخولها السجن لثمانية أشهر، خرجت ونحن نحاول البحث لها عن مكان للعمل”.

لا تراقب السلطات المحلية هذه الأماكن وطبيعة التعامل مع العاملات ولا بيئة العمل السامة، كما أن الكثيرات ممن يعملن هن قاصرات، وجدن أنفسهن معيلات لأمهات وأخوات صغيرات لوحدهن.

تقول سجى: “بعض أصحاب تلك المحال لديهم علاقات قوية مع رجال الأمن والشرطة، ويدفعون لهم الرشاوي مقابل الحصول على خدمة من تلك الفتيات، واستمرار عملهن. أحيانا، تحصل معارك داخل المقهى وتمتد الى خارجه، إلا أن الشرطة تغلق القضايا بحفنة أموال. كما توجد مافيات تقوم بتشغيل فتيات، في غالبيتهن من خارج محافظة بغداد ومن مناطق أخرى في العراق”.

منظمة العمل الدولية بالتعاون مع وزارة التخطيط العراقية والجهاز المركزي للإحصاء أجرت مسحاً أظهر وجود نحو 13 مليون امرأة في سن العمل، ومع ذلك فإن أقل من مليون امرأة فقط تعملن، بنسبة  10.6 في المائة مقارنة بـ 68 في المائة للذكور، كما أشارت  الإحصاءات إلى أن معدل بطالة الإناث (28.2 في المائة) نحو ضعف معدل بطالة الذكور (14.7 في المائة).

طبقات الظلم

إحدى النادلات طلب منها أحدهم إقامة علاقة، فرفضت، بدأ بتهديدها، فهربت من العمل، لحقها مع مجموعة أشخاص لضربها وسرقة هاتفها من أجل ابتزازها. 

توضح ندى (اسم وهمي) من الشرطة المجتمعية :”أن المجتمع يساعد بتدمير هؤلاء النسوة، فهن في غالبيتهن أجبرتهن الحياة على ترك دراستهن مبكراً، واضطررن مرغمات على دخول سوق العمل، وكثيرات منهن لديهن أخوات صغيرات هربن من تحرش الأخ أو الأب، ناهيك بتعنيف أو محاولات قتل. نسب الشكاوي لدينا قليلة جداً، فهي لا تتعدى الخمس في اليوم الواحد. وهذا طبيعي، فلا أحد يعاملهن كبشر، لا داخل المقهى ولا خارجه”.

يُذكر أن العراق كان حل بالمرتبة الأخيرة عالمياً بنسبة مشاركة النساء في القوى العاملة بالبلاد، بحسب أحدث تقرير لعام 2024.

وجاء العراق في المرتبة 195 من بين 195 دولة، إذ بلغت نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة بالعراق 10.7 في المئة فقط، وفق التقرير الذي أعدته “سي وورلد”.

فداء زياد - كاتبة فلسطينية من غزة | 14.06.2024

عن تخمة الشعور واختبارات النجاة في غزة

ليلة اقتحام رفح، كانت حيلتي أن أستعير أقدام الطبيبة أميرة العسولي، المرأة الطبيبة التي جازفت بحياتها لتنقذ حياة مصاب، فترة حصار الجيش الإسرائيلي مستشفى ناصر في خانيونس، كي أحاول إنقاذ أخي وعائلته وأختي وأبنائها المقيمين في الجهة المقابلة لنا، لأنهم كانوا أكثر قرباً من الخطر.

تمارس الأعراف المجتمعية في العراق، ومنذ زمن ليس بالقليل، سطوتها على النساء وحدهن، تمنعهن من مزاولة مهن معينة، ومنها العمل في المقاهي والمطاعم كنادلات، إذ أخبرنا أحد رواد المقاهي: “المجتمع لا يريد رؤية البنت، وهي تقدم العصير للشاب، هذا مناف للعادات”، وحذرني أثناء كتابة التقرير من “التحريض على انتشار الفساد”. 

“عينه كانت تتفحصني من فوق لتحت، طلب مني أن أستدير، هل هذه مؤهلات العمل؟ أتساءل في سري، زم شفتيه، وسألني: هل أنت متزوجة؟”.

بدأت موج (19 سنة) العمل هذا العام في مقهى شبابي عند أطراف محافظة بغداد، تقول إنه يفتح أبوابه من الساعة العاشرة صباحاً حتى الثانية ليلاً، وقد أصرّ صاحب المقهى على أن تكون مناوبتها مساءا تحت حجة ” لمزيد من الإقبال”، يأمرها وهو ينفث نرجيلته وينهرها لئلا تحاول تعديل وقت مناوبتها.

فقدت رسل زوجها بعد شهر واحد على زواجها، إذ قُتل في المواجهات مع عناصر “داعش”، عائلتها المكوّنة من 10 أفراد دفعت بها الى زواج مبكر، للتخلص من مسؤوليتها، لتجد نفسها وحيدةً تبحث عن عمل.

طلبت جميع الأماكن التي أرادت العمل فيها، سيرة ذاتية “قويّة” وشهادة جامعية للعمل في محل للمكياج، لكنها نهايةً وجدت نفسها تعمل  في مقهى بأجر يومي مقداره 24 ألف دينار عراقي (17 دولاراً)”.

ظنت رسل أن المكان لا يحتاج منها كما تقول، سوى أن تمارس مهنتها كنادلة، تقول: “لم أمتلك مجلداً يشرح لي ما الذي سأواجهه. تحرّش لفظي، بصري، ثم تطور ليصبح جسدياً، عندما حاولت ترك العمل، هددني صاحب المكان بقتلي لو أني مسست سمعة محلّه ثم طلب مني العودة بالتهديد كذلك”.

تمارس الأعراف المجتمعية في العراق، ومنذ زمن ليس بالقليل، سطوتها على النساء وحدهن، تمنعهن من مزاولة مهن معينة، ومنها العمل في المقاهي والمطاعم كنادلات، إذ أخبرنا أحد رواد المقاهي: “المجتمع لا يريد رؤية البنت، وهي تقدم العصير للشاب، هذا مناف للعادات”، وحذرني أثناء كتابة التقرير من “التحريض على انتشار الفساد”. 

استغل بعض أصحاب المقاهي هذا الضغط الاجتماعي، لتقديم عمل للنساء المحتاجات بشدة لأي مهنة، لاستغلالهن جنسياً ومادياً، إذ تحولت بعض المقاهي ظاهرياً إلى أماكن عامة، لكنها تخفي وراءها عوالم من الاستعباد وتجارة الجنس”.

تقول رسل: “كان عليّ تقديم النرجيلة للشباب، ثم تعميرها لهم، والجلوس قربهم، بعضهم يتعمد إيقاع شيء ما، ليبدأ بتفحّص جسدي أو حتى لمسي. أحاول التغاضي، لكن مرة لم أحتمل، صرخت، ضحك الجالسين وهم ينفخون الدخان، وكان المدير يعتقد أن هذا الفعل سيجذب المزيد من الزبائن”.

شركاء التحرّش!

تحت ضغط المساومة والتهديد بالطرد، يجبر بعض أصحاب المقاهي نساء عاملات على منح أرقامهن الشخصية للزبائن، والرضوخ لمتطلباتهم وتحرشهم وأحياناً  والعودة معهم الى المنزل.

تقول مروج (20 عاماً): “إن رفضت منح رقمي لأحدهم، يطردني مباشرة، ماذا أفعل؟ ليس لدي مكان آخر أعمل فيه، بالعكس، إذا ما علمت بعض أماكن التوظيف بأني سابقاً عملت في مقهى شبابي، فلن أنال سوى التشكيك في أخلاقي”.

لا أرقام رسمية تتناول هذه القضية، لكن تمكّن منتدى الإعلاميات العراقيات (مؤسسة مستقلة) من إجراء مسح شامل لأكثر من 5 آلاف سيدة، وجاء في النتائج أن 77 بالمائة من العراقيات يتعرضن للتحرش المباشر، فيما طالبت أكثر من 90 بالمئة منهن بوضع قوانين قادرة على ردع المتحرشين.

الأكثر إثارة للانتباه كان تصريح 78 بالمائة من اللواتي تمت مقابلتهم بأنهن تعرضن للتحرش في مجال العمل، وأنهن لم تستطعن ترك العمل لأسباب اقتصادية.

النسب التي وزعتها الأبحاث الاجتماعية حول أنواع التحرش التي تعرضن لهن، بينت أن 57 بالمائة منهن تعرضن لتحرش لفظي، فيما تتعرض 20 بالمائة منهن “لمحاولات، -او- تحرش جنسي داخل العمل.

يطلب الزبائن من العاملة في المقهى، الجلوس معهم، تدخين النرجيلة بطريقة معينة، ثم يتبادل الرجال الكلمات النابية والجنسية أمامها، ويصف  البعض أمانيهم في الفراش بتلذذ، بانتظار الضحكات منهن، تقول مروج: “نضحك، علينا أن نضحك في النهاية ثم التوجه الى المطبخ والبكاء، حاولت ترك العمل، ولكني عدت، كان عليّ المغامرة بحياة طفلي الذي تركه والده من دون نفقة”.

تقول مروج إن السؤال الأول الذي طرحه عليها صاحب المقهى، “هل أنت متزوجة؟، نفضل المطلقات والأرامل، ومن لا عائلة لديهن، أو التي تعيش مع والدتها فقط. لسنا بمزاج للمشاكل”.  

وتضيف، أن صاحب المقهى يأمرها بالتقرب من الشباب الذين يعلم أنهم بحالة مادية جيدة، وعليها استدراجهم ومساومتهم، وفي حال “تم الأمر” يذهب نصف المبلغ للمحل، “إنه يتاجر بنا”، على حد قولها، مؤكدة أنه يوظف النساء القادمات من محافظات أخرى، بخاصة اللاتي يعلم ألا أحد لهن، ليستغلهن، وتتابع: “لا ضمان اجتماعي أو صحي أو اقتصادي يمنح لكثير من النساء اللواتي يجبرن على ترك المدارس والزواج مبكراً، ما الذي يمكن أن تفعله المرأة وسط هذا الأهمال لتعيل نفسها وصغارها؟”. 

“عينه كانت تتفحصني من فوق لتحت، طلب مني أن أستدير، هل هذه مؤهلات العمل؟ أتساءل في سري، زم شفتيه، وسألني: هل أنت متزوجة؟”.

قوانين داعمة للأذى 

صوّت مجلس محافظة واسط، على قرار منع عمل الفتيات من دون الرجال في مقاهي”الكوفي شوب” ضمن  مناطق المحافظة، وفيما ألزمت الحكومة المحلية الجهات الأمنية تطبيق القرار فور صدوره لكون المهنة “لا تحظى بقبول اجتماعي”، ناشدت فتيات عاملات في المقاهي الحكومة المحلية بـ”توفير فرص عمل”، لكن المحافظة حينها أكدت أن عمل الفتيات في المقاهي غير مرض وفيه مخالفة للقيم والأعراف السائدة في المحافظة. 

تقول سناء التي تعمل نادلةً في أحد مقاهي بغداد: “فعلوا ذلك في مدن كثيرة، منها بغداد، ففي منطقة العامرية/ غرب العاصمة، أغلقوا مقهى “كافيه مزاج” لأكثر من مرة بحجة مخالفته التعليمات، وتضيف:”لا يفعلون ذلك حرصاً على النساء من التحرش، لكنهم قادرون على إلقاء اللوم على المرأة فقط، بدلاً من سن قوانين تحميهن وتمنحهن صلاحية العمل”.

ترى سناء، أن بعض أصحاب المقاهي يمتهنون تجارة الجنس بشكل خفي، والزبائن الرجال لديهم قناعة بذلك، تقول: “شكواي المستمرة كانت تأتي بجواب واحد من رب العمل، مفاده أنه لا يستطيع أن يسيطرعليهم كلهم، وبين زبائنه وبيني، نعلم من سيختار، وإن رفضت، فستأتي من ترضخ بسبب حاجتها الملحّة للمال”. 

تقول المحامية مهى أحمد، “ليس ثمة قانون عراقي خاص بالتحرش، بل مواد تضع عقوبات للاعتداءات الجسدية والجنسية في أماكن الوظيفة عبر قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، والحد الأعلى للعقوبة، وبعد إثبات طيف واسع من الشواهد والدلالات، لا يتعدى السجن لعام واحد، وهو من أقل العقوبات على مستوى العالم. كذلك، فإن المواد 400-404 من قانون العقوبات العراقية يختصر التحرش بمواضيع الفعل الفاضح في المجال العام.

عبوات ناسفة بوجه نساء المقاهي 

كازينو “عروس البصرة” واحد من بين ستة مقاهي وكازينوهات سياحية تعرضت إلى هجمات بعبوات ناسفة محلية الصنع عام 2016 بسبب عمل النساء فيها، ما أدى إلى مقتل شخص واحد.  كما شهدت البصرة تفجير مقهى (كوفي تايم) والعثور على منشور في مكان الحادث يحذر فيه من استمرار عمل تلك المقاهي، التي وصفتها الجهة المجهولة بـ”بيوت الشياطين”، مهدّدة العاملين والعاملات فيها بالتعرض للقتل، الأمر الذي أدى إلى استقالة النساء من وظائفهن. 

قبلها بسنتين، تعرضت “كافتيريا كلاسيكو” وسط حي الكرادة شرق بغداد، لعيارات نارية أسفرت عن مقتل شخص وإصابة آخرين بجروح، فيما شكلت محافظة بغداد فوج “طوارئ بغداد”، الذي يتولى إغلاق الأندية والمقاهي المخالفة للأعراف والتقاليد العامة، كما تقول بياناتهم. 

تقول سناء:”الكارثة أنهم لا يغلقونها بسبب رفض عمل القاصرات والتجارة بهن واستغلالهن، بل لاحتقارهم المرأة العاملة في المقاهي، حتى وصل الحال بأن يراها الجميع مستحقة للقتل أو الاستغلال الجسدي”. 

لا دور للسلطات المحلية 

تشير الناشطة في مجال حقوق المرأة سجى محمد، إن النساء يتعرضن لابتزاز من متنفذين وضباط وعسكر، وتضيف: “إحدى النساء التي حاولنا مساعدتها، كانت قد تعرضت للمساومة من أحد الضباط المرتادين المقهى الذي تعمل به، فرفضت وبدأ بمضايقتها وجعل صاحب المكان يهدد بطردها، لم تملك مكاناً آخر، ولكنها استمرت بالرفض حتى دبر لها قضية كيدية تسببت بدخولها السجن لثمانية أشهر، خرجت ونحن نحاول البحث لها عن مكان للعمل”.

لا تراقب السلطات المحلية هذه الأماكن وطبيعة التعامل مع العاملات ولا بيئة العمل السامة، كما أن الكثيرات ممن يعملن هن قاصرات، وجدن أنفسهن معيلات لأمهات وأخوات صغيرات لوحدهن.

تقول سجى: “بعض أصحاب تلك المحال لديهم علاقات قوية مع رجال الأمن والشرطة، ويدفعون لهم الرشاوي مقابل الحصول على خدمة من تلك الفتيات، واستمرار عملهن. أحيانا، تحصل معارك داخل المقهى وتمتد الى خارجه، إلا أن الشرطة تغلق القضايا بحفنة أموال. كما توجد مافيات تقوم بتشغيل فتيات، في غالبيتهن من خارج محافظة بغداد ومن مناطق أخرى في العراق”.

منظمة العمل الدولية بالتعاون مع وزارة التخطيط العراقية والجهاز المركزي للإحصاء أجرت مسحاً أظهر وجود نحو 13 مليون امرأة في سن العمل، ومع ذلك فإن أقل من مليون امرأة فقط تعملن، بنسبة  10.6 في المائة مقارنة بـ 68 في المائة للذكور، كما أشارت  الإحصاءات إلى أن معدل بطالة الإناث (28.2 في المائة) نحو ضعف معدل بطالة الذكور (14.7 في المائة).

طبقات الظلم

إحدى النادلات طلب منها أحدهم إقامة علاقة، فرفضت، بدأ بتهديدها، فهربت من العمل، لحقها مع مجموعة أشخاص لضربها وسرقة هاتفها من أجل ابتزازها. 

توضح ندى (اسم وهمي) من الشرطة المجتمعية :”أن المجتمع يساعد بتدمير هؤلاء النسوة، فهن في غالبيتهن أجبرتهن الحياة على ترك دراستهن مبكراً، واضطررن مرغمات على دخول سوق العمل، وكثيرات منهن لديهن أخوات صغيرات هربن من تحرش الأخ أو الأب، ناهيك بتعنيف أو محاولات قتل. نسب الشكاوي لدينا قليلة جداً، فهي لا تتعدى الخمس في اليوم الواحد. وهذا طبيعي، فلا أحد يعاملهن كبشر، لا داخل المقهى ولا خارجه”.

يُذكر أن العراق كان حل بالمرتبة الأخيرة عالمياً بنسبة مشاركة النساء في القوى العاملة بالبلاد، بحسب أحدث تقرير لعام 2024.

وجاء العراق في المرتبة 195 من بين 195 دولة، إذ بلغت نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة بالعراق 10.7 في المئة فقط، وفق التقرير الذي أعدته “سي وورلد”.

|

اشترك بنشرتنا البريدية