fbpx

فضل جون ماكّين على العرب!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

استقبال العرب وفاةَ السناتور الأميركيّ جون ماكّين كان إعلاناً آخر عن وفاة مفهومي العرب والعروبة. عموم الفلسطينيّين، متأثّرين بموقفه السلبيّ من قضيّتهم، انقضّوا على جثّته بالسكاكين. عموم السوريّين، متأثّرين بموقفه الإيجابيّ من قضيّتهم، كرّموا تلك الجثّة بالورد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

استقبال العرب وفاةَ السناتور الأميركيّ جون ماكّين كان إعلاناً آخر عن وفاة مفهومي العرب والعروبة. عموم الفلسطينيّين، متأثّرين بموقفه السلبيّ من قضيّتهم، انقضّوا على جثّته بالسكاكين. عموم السوريّين، متأثّرين بموقفه الإيجابيّ من قضيّتهم، كرّموا تلك الجثّة بالورد.

الانقسام ليس جديداً بالطبع. لكنْ في الزمن الناصريّ للخمسينات والستينات كانت تطغى عليه ثنائيّة التقدّميّ – الرجعيّ، وإن لم يكن طغيانها مبرماً. ذاك أنّ هويّات أهليّة تبلورت في موقف  مناهض للناصريّة بين شيعة العراق ومسيحيّي لبنان وزيديّي اليمن. بعد ذاك جاء الانفصا السوريّ عن “الجمهوريّة العربيّة المتّحدة” فوضع السوريّة في مقابل المصريّة. ومع نشأة حركة “فتح”، ظهرت إشارات أوضح في تمييز الفلسطينيّة عن القوميّة العربيّة في روايتيها المصريّة والسوريّة. ولئن تجمّعت على مدى السبعينات انقسامات أردنيّة – فلسطينيّة ولبنانيّة – فلسطينيّة، واكبها انقسام مسلم – مسيحيّ في لبنان، فمع أواخر ذاك العقد انفجر تناقض مصريّ – غير مصريّ بسبب اتّفاقيّة كامب ديفيد. بعد أعوام قليلة، ومع الحرب العراقيّة – الإيرانيّة، انشطرت العواطف والمواقف على أساس سنّيّ – شيعيّ، قبل أن تعاود انشطارها، مع غزو صدّام حسين للكويت، على أساس خليجيّ – مشرقيّ. ومع حرب أميركا في العراق عام 2003، تقاطع انقسام عراقيّ – غير عراقيّ وآخر شيعيّ – سنّيّ. فحين اندلعت الثورات، لا سيّما الثورة السوريّة، تعزّز الانشطار الأكثريّ السنّيّ – الأقلّيّ الشيعيّ والعلويّ والمسيحيّ بانشطار سوريّ – فلسطينيّ أحد مصادره كسر الاحتكار السابق لمفهوم “الثورة” ودلالاته.

“لجون ماكّين، بعد سمير القنطار وجيريمي كوربن من جهة، وريم البنّا وميّ سكاف من جهة أخرى، فضلاً كبيراً على العرب هو تظهير المسكوت عنه”

في الخلاصة، بات من الصعب اليوم العثور على مواقف “عربيّة” موحّدة من الأحداث والأشخاص، كما بات يستحيل الاتّكاء على معادلات عريضة من النوع القائل “إنّ موقف دول العالم من قضيّة فلسطين هو معيار موقفنا منها”. وهذا ما انعكس، بكثير من الدويّ والضجيج، على المواقف الثقافيّة والنشاطات الطلابيّة في الخارج (حيث نستعرض “صورتنا”). فبعد أن كان للعرب صوت واحد هو صوت الدفاع عن فلسطين، ضدّاً على الاحتلال الصهيونيّ، صار هناك صوت يدافع عن حقّ العراقيّين في التخلّص من ديكتاتوريّتهم، وآخر عن حقّ السوريّين في إطاحة استبدادهم، وهكذا دواليك. كذلك باتت أقلّيّات المنطقة العربيّة (أكراد، أقباط، مسيحيّون…) تمتلك ألسنتها وأصواتها الموجّهة، لا ضدّ العدوّ الغريب، بل ضدّ العدوّ القريب.

وحتّى لو غضضنا النظر عن أصول هذه التحوّلات والمشاعر وعن تحليلها، يبقى أنّها تناقضات، وأنّها لهذا السبب تجافي فكرة التناقض الواحد الذي يتمثّل في قضيّة واحدة يصطفّ خلفها “كلّ” العرب اصطفاف أسنان المشط.

وفضلاً عن المستفيدين من امتيازات الحقبة السابقة والمديدة، لا تزال هناك جيوب تقاوم الإقرار بهذا الواقع الجديد. من هؤلاء جيب النائمين على صورة الماضي الذي حجبته إيديولوجيّات الوحدة. لهؤلاء تبدو التحوّلات حكماً صناعة إمبرياليّة أو خيانيّة (يساهم فيها بنشاط ملايين العرب!). وكمثل المتمسّكين باللغة اللاتينيّة وزعامة روما الواحدة، ينقشع الجديد لهؤلاء على هيئة لامعقول كبير، لامعقولٍ يستحيل أن يكون صانعه العقل والنزاهة. ومن هؤلاء أيضاً جيب أصغر، جيب الحالمين بصورة المستقبل، حيث تتعايش في الجنّة الذئاب والحملان. لكنّ هؤلاء للأسف قد يذهبون وحدهم إلى المستقبل، رافضين أن يأخذوا معهم الواقع إليه، فيما الواقع نفسه يمانع المشاركة في رحلة عاصفة بقوارب من طوبى.

إنّ لجون ماكّين، بعد سمير القنطار وجيريمي كوربن من جهة، وريم البنّا وميّ سكاف من جهة أخرى، فضلاً كبيراً على العرب هو تظهير المسكوت عنه، ولو أتى هذا التظهير مصحوباً بصخب شديد. ذلك الفضل هو تعريفهم بما هم عليه الآن من انقسام يبقى أشدّ نفعاً مليون مرّة من “وحدة” حُكم بموجبها ملايينهم لعقود طويلة.

إقرأ أيضاً:
فوزي القاوقجي وقصّة المشرق في النصف الأوّل من القرن العشرين
شرقٌ ضدّ غرب… غربٌ ضدّ شرق
الموت في بلاد البعث