fbpx

“الجنس السيئ”:2/4  الرجل المحروم
أو ذاك الذي لم يجد جنساً فقرر الانتقام 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الرغبة رغم لا منطقيتها، تخضع لمعايير ثقافية، ما يعني أن المحرومين من الجنس، محرومون من فانتازم محدد، لا من الممارسة الفعلية. فانتازم تقوده الرغبة يقابله حقيقة مفادها أن الممارسة الفعلية تقودها المعرفة والشروط الموضوعيّة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نحاول في هذا المقال الثاني ضمن سلسلة من 4 مقالات أن نتناول قضايا جنسانية للإضاءة على نماذج مستمدة من كتاب صادر مؤخراً تناقش فيه كاتبة نسويّة مفاهيم الرجولة، الرغبة، و السياسات التي تحكمها. ما هو دور الرغبة/ اللّذة وكيف تتحرك داخل العلاقة الحميمة و خارجها؟ أي ما هي القوى الخارجية التي تهدد “اللذّة” و الوصول إليها؟ وعلى النقيض كيف يمكن لـ”اللذة” أن تهدد العالم الجدي خارج السرير وعلاقات الأفراد ضمنه؟

تشير Amia Srinivasan في كتابها The Right to Sex الصادر في العام الماضي، إلى إليوت رودجر، ابن الـ22 عاما، الذي أصبح بحسب قولها عام 2014، أشهر “INCEL” أوinvoluntary celibate، أو أعزب بصورة غير اختيارية. سبب شهرته أنه قرر الانتقام من الفتيات الشقراوات اللاتي لم يعرنه انتباهاً، ورفضن ممارسة الجنس معه، والنتيجة: قَتَلَ ستة أشخاص وجرح 14 آخرين، ثم انتحر.

تكررت حوادث مماثلة بصورة مرعبة في العالم العربي خلال هذا العام. امتلأت صفحات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي بحكايات عن شبان يقتلون النساء، موضوع رغبتهم، بسبب رفضهن “الارتباط” بهم أو ممارسة الجنس معهم. الشأن الذي يرى البعض أنه سبب ارتكابهم الجرائم، فبعضهم ينشر نيته بالقتل على وسائل التواصل الاجتماعي ليتحول إلى “ضحية” الرغبة الممنوعة، كحالة رودجر الذي نشر مانيفستو يبرر ضمنه سبب فعلته.

 الملفت بحسب سرينيفاسان، أن هذه الفئة من الرجال (والنساء في بعض الأحيان) يعيشون إحباطاً وغضباً، سببه ظنهم أن المجتمع يدين لهم بالجنس، ولا يوفره لهم. هم ضحايا من نوع ما، إذ يقول روجر في مانيفستو اعترافه أن ما قام به نتيجة “عجز الجنس البشري على رؤية قيمته”، وتعرّضه للسخرية من قبل الفتيات اللاتي لم يتقرّبن منه ورفضنه. 

الحجة تحمل بلاغة مشابهة لما نشره قاتل نيرة أشرف وإيمان أرشيد وغيرهن، هناك حس بالاستحقاق لدى الرجل الذي تعرض إلى الرفض أشبه بطعنة في الصميم. كأن الرغبة مقدّسة ومنفية داخل الجسد الرجولي، قد لا يتم التصريح عنها، لكن من وجهة نظر هؤلاء القتلة، لا بد من تلبيتها حين تظهر إلى العلن، وكأن لاعترافهم بها أثر سحريّ على موضوع الرغبة، إذ لا بد أن تنصاع، وإن لم تفعل فلا تستحق الحياة.

تناقش  سرينيفاسان  في المقال الذي يحمل عنوان الكتاب  مفهوم “الحق بالجنس”، ذاك الذي يدافع عنه “العزاب بصورة غير اختيارية”، ويرون أن النسويات حرمن الرجال من “حقهم” بالحصول على المتعة. والحل إما الاغتصاب، أو العنف اللفظي والجسدي، لأن هذا الحرمان لم يكن ضمن مخططهم، بل نتاج متطلبات العصر نفسها، أما حرية اختيار المرأة لشريكها، فهو بالضبط الشأن الذي جعلهم محرومين.  تحيل  سرينيفاسان إلى هذا الرجل المحروم من الجنس، بوصفه ضحية الذكورية أيضاً، أي بمعنى ما، عدم انصياعه إلى معايير “الرجل الصالح للنيك” -حسب تعبيرها الصرف هكذا-،جعله منفياً من ديناميكيات الانجذاب والرغبة. أي بصورة ما، حُرم كإنسان من حقه بالجنس.

هل الجنس حق إنساني مضمون للجميع؟ ومن يضمنه: الدولة، المؤسسات…؟ وفي حال وجود هكذا “حق”، ما هي معايير الجمال بالحد الأدنى التي ستوفر للمحرومين ؟

إشكالية الحق بالجنس

الجنس نظرياً حق إنساني، لكن الجنس كممارسة محكوم بمتغيرات جمالية وثقافية وأخلاقية ودينية تشمل الجميع والاهم. هناك الرغبة شبقية، من نريد أن “ننيكه” (أيضاً بهذه الطريقة تكتب سرينيفاسان) قد لا يبادلنا الشعور ذاته، كون الرغبة الشبقية نفسها محط اختلاف، هل هي شأن لاعقلاني لا يعرف حدود، أم بنية ثقافية يمكن التحكم بها؟ ضمن هذه الجدلية، يظهر الحس بالاستحقاق المترافق مع الشعور بأن الرجل ضحيّة، هو محروم من حقه بإشباع رغبته بسببــ(ـهنّ)، أي النسويات و”الفتيات الجميلات”، الاتي لا يرين فيه موضوعاً للجنس. هنا نحن أمام سؤال، عجز فئة عن نيل الجنس من سببه، معايير الجمال ؟ رغبات الرجال الفانتازيّة ؟ الانجذاب البحت؟ لا يوجد جواب دقيق.

الحد الأدنى من الجنس

 تشير سرينيفاسان  بخصوص الشأن السابق، أي حل مشكلة الحرمان، إلى فرضية “الحد الأدنى من الجنس”، المشابه للحد الأدنى من الأجور. المقترح يوتوبي- مشاعي لكنه في ذات الوقت يطرح إشكالية، مفادها أن هناك هرميّة للممارسة الجنسية، اختيار الشريك أو موضوع اللذة، يخضع لمعايير جمالية اصطناعية، وأيضاً معايير اقتصاديّة وسياسية، بالتالي إشباع اللذة مع موضوعها يتعلق أكثر بإمكانية التحرك ضمن النظام القائم، أكثر من الاعتراف بوجود الرغبة تجاه آخر.

ما يمكن فهمه أن هناك فئة من الرجال، عاجزين عن الوصول إلى موضوع رغبتهم، يلجأون إلى العنف. الأمر أشبه بمن يقاتل من أجل حقه بالطعام، وهذا بالضبط الإشكالي في مفهوم “الحق بالجنس”.  ما يفضله رودجر واضح ومرئي بل ويُروّج له، هو يفضل الشقراوات ذوات الأجساد النحيلة لذلك قتلهن. في الحالة العربية، خريطة الرغبة غامضة، غير معروفة، وهنا إشكالية أيضاً، إن كان تفادي العنف ضد النساء من قبل الرجال المحرومين من الجنس شأن سياسي، ولابد من جهود من أجل تلبيته بأدنى الحدود، ما هي المعايير التي يجب أن يخضع لها موضوع الرغبة في الحد الأدنى؟ بصورة أدق، ما هي المواصفات الجسدية للرجل أو المرأة التي يجب أن يكون/ تكون مباحة لتلبية الحق بالجنس ؟

السؤال السابق لا إجابة له، بل هو Paradox، فالرغبة رغم لا منطقيتها، تخضع لمعايير ثقافية، ما يعني أن المحرومين من الجنس، محرومون من فانتازم محدد، لا من الممارسة الفعلية. فانتازم تقوده الرغبة يقابله حقيقة مفادها أن الممارسة الفعلية تقودها المعرفة والشروط الموضوعيّة. 

الخطورة في الحس بالاستحقاق، أن الذين يظنون أنفسهم بدون “الحق” بممارسة الجنس، يعممون الأمر على كل الجنس، لا ذاك العاجزين عن الوصول إليه. وهنا تفقد لا ونعم معانيهما، الموافقة وعدم الموافقة سيّان بالنسبة لهم، كون الحس بالاستحقاق نابع من الاعتراف بالرغبة-وهنا تأويل شخصي-  بوصفه مُشرع وضامن لموافقة موضوع الرغبة.

اكتسب الاستحقاق عبر الاعتراف ضمن “نادي الرجال المحرومين” أهمية من نوع ما في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، تحول القاتل إلى ما يشبه شهيد الرغبة، ينال تأييد البعض ودعمهم، فقاتل نيرة وجد من يفتديه بالمال كي لا يخضع للإعدام. هناك نوع من التعاطف مع هذه الحالة ترتبط بوضعية الضحية التي يظهر ضمنها المحروم. هو صورة الرجل المهزوم الذي تعرض لكلمة لا، بعد أن اعترف بحبه. وهنا نحن لسنا أمام صورة رومانسية لعاشقين ماتا في سبيل الحب، بل “ضحية” حب لم يتحقق وضحية رغبة ذكورية جامحة ورجولة مهزومة، يمكن القول، إن الرجل “المحروم من الجنس”، ضحية فانتازمه الشخصي، وصورته المتخيلة عن الآخر، تلك التي أفنى عبر الهوس بها موضوع رغبته.

نعلم أن وصف “ضحية” قد يثير الحنق والاستفزاز في معرض الحديث عن “القتلة”، لكن أمام مفارقة “الحق بالجنس”، لابد أن نسأل: هل الجنس حق إنساني مضمون للجميع؟ ومن يضمنه: الدولة، المؤسسات…؟ وفي حال وجود هكذا “حق”، ما هي معايير الجمال بالحد الأدنى التي ستوفر للمحرومين ؟

هامش

فيما يخص السؤال عن “الحق بالجنس” وضمانه للجميع، كتب المسرحي اليوناني أريستوفانيس عرضاً كوميدياً بعنوان “برلمان أثينا”، يفترض فيه أن النساء هن المسيطرات  ويمتلكن السلطة، ولأجل خلق مساواة جنسية بينهن، وحل مشكلة حرمان الأقبح والأكبر عمراً من الجنس. يضعن قانوناً ينص أن على كل شاب، قبل أن يمارس الجنس مع امرأة تعجبه، أن يمارس الجنس أولاً مع أخرى أكبر عمراً أو أقبح، أي امرأة لا تدخل ضمن “الخريطة” المفترضة لرغبة الشبان.

21.10.2022
زمن القراءة: 5 minutes

الرغبة رغم لا منطقيتها، تخضع لمعايير ثقافية، ما يعني أن المحرومين من الجنس، محرومون من فانتازم محدد، لا من الممارسة الفعلية. فانتازم تقوده الرغبة يقابله حقيقة مفادها أن الممارسة الفعلية تقودها المعرفة والشروط الموضوعيّة.

نحاول في هذا المقال الثاني ضمن سلسلة من 4 مقالات أن نتناول قضايا جنسانية للإضاءة على نماذج مستمدة من كتاب صادر مؤخراً تناقش فيه كاتبة نسويّة مفاهيم الرجولة، الرغبة، و السياسات التي تحكمها. ما هو دور الرغبة/ اللّذة وكيف تتحرك داخل العلاقة الحميمة و خارجها؟ أي ما هي القوى الخارجية التي تهدد “اللذّة” و الوصول إليها؟ وعلى النقيض كيف يمكن لـ”اللذة” أن تهدد العالم الجدي خارج السرير وعلاقات الأفراد ضمنه؟

تشير Amia Srinivasan في كتابها The Right to Sex الصادر في العام الماضي، إلى إليوت رودجر، ابن الـ22 عاما، الذي أصبح بحسب قولها عام 2014، أشهر “INCEL” أوinvoluntary celibate، أو أعزب بصورة غير اختيارية. سبب شهرته أنه قرر الانتقام من الفتيات الشقراوات اللاتي لم يعرنه انتباهاً، ورفضن ممارسة الجنس معه، والنتيجة: قَتَلَ ستة أشخاص وجرح 14 آخرين، ثم انتحر.

تكررت حوادث مماثلة بصورة مرعبة في العالم العربي خلال هذا العام. امتلأت صفحات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي بحكايات عن شبان يقتلون النساء، موضوع رغبتهم، بسبب رفضهن “الارتباط” بهم أو ممارسة الجنس معهم. الشأن الذي يرى البعض أنه سبب ارتكابهم الجرائم، فبعضهم ينشر نيته بالقتل على وسائل التواصل الاجتماعي ليتحول إلى “ضحية” الرغبة الممنوعة، كحالة رودجر الذي نشر مانيفستو يبرر ضمنه سبب فعلته.

 الملفت بحسب سرينيفاسان، أن هذه الفئة من الرجال (والنساء في بعض الأحيان) يعيشون إحباطاً وغضباً، سببه ظنهم أن المجتمع يدين لهم بالجنس، ولا يوفره لهم. هم ضحايا من نوع ما، إذ يقول روجر في مانيفستو اعترافه أن ما قام به نتيجة “عجز الجنس البشري على رؤية قيمته”، وتعرّضه للسخرية من قبل الفتيات اللاتي لم يتقرّبن منه ورفضنه. 

الحجة تحمل بلاغة مشابهة لما نشره قاتل نيرة أشرف وإيمان أرشيد وغيرهن، هناك حس بالاستحقاق لدى الرجل الذي تعرض إلى الرفض أشبه بطعنة في الصميم. كأن الرغبة مقدّسة ومنفية داخل الجسد الرجولي، قد لا يتم التصريح عنها، لكن من وجهة نظر هؤلاء القتلة، لا بد من تلبيتها حين تظهر إلى العلن، وكأن لاعترافهم بها أثر سحريّ على موضوع الرغبة، إذ لا بد أن تنصاع، وإن لم تفعل فلا تستحق الحياة.

تناقش  سرينيفاسان  في المقال الذي يحمل عنوان الكتاب  مفهوم “الحق بالجنس”، ذاك الذي يدافع عنه “العزاب بصورة غير اختيارية”، ويرون أن النسويات حرمن الرجال من “حقهم” بالحصول على المتعة. والحل إما الاغتصاب، أو العنف اللفظي والجسدي، لأن هذا الحرمان لم يكن ضمن مخططهم، بل نتاج متطلبات العصر نفسها، أما حرية اختيار المرأة لشريكها، فهو بالضبط الشأن الذي جعلهم محرومين.  تحيل  سرينيفاسان إلى هذا الرجل المحروم من الجنس، بوصفه ضحية الذكورية أيضاً، أي بمعنى ما، عدم انصياعه إلى معايير “الرجل الصالح للنيك” -حسب تعبيرها الصرف هكذا-،جعله منفياً من ديناميكيات الانجذاب والرغبة. أي بصورة ما، حُرم كإنسان من حقه بالجنس.

هل الجنس حق إنساني مضمون للجميع؟ ومن يضمنه: الدولة، المؤسسات…؟ وفي حال وجود هكذا “حق”، ما هي معايير الجمال بالحد الأدنى التي ستوفر للمحرومين ؟

إشكالية الحق بالجنس

الجنس نظرياً حق إنساني، لكن الجنس كممارسة محكوم بمتغيرات جمالية وثقافية وأخلاقية ودينية تشمل الجميع والاهم. هناك الرغبة شبقية، من نريد أن “ننيكه” (أيضاً بهذه الطريقة تكتب سرينيفاسان) قد لا يبادلنا الشعور ذاته، كون الرغبة الشبقية نفسها محط اختلاف، هل هي شأن لاعقلاني لا يعرف حدود، أم بنية ثقافية يمكن التحكم بها؟ ضمن هذه الجدلية، يظهر الحس بالاستحقاق المترافق مع الشعور بأن الرجل ضحيّة، هو محروم من حقه بإشباع رغبته بسببــ(ـهنّ)، أي النسويات و”الفتيات الجميلات”، الاتي لا يرين فيه موضوعاً للجنس. هنا نحن أمام سؤال، عجز فئة عن نيل الجنس من سببه، معايير الجمال ؟ رغبات الرجال الفانتازيّة ؟ الانجذاب البحت؟ لا يوجد جواب دقيق.

الحد الأدنى من الجنس

 تشير سرينيفاسان  بخصوص الشأن السابق، أي حل مشكلة الحرمان، إلى فرضية “الحد الأدنى من الجنس”، المشابه للحد الأدنى من الأجور. المقترح يوتوبي- مشاعي لكنه في ذات الوقت يطرح إشكالية، مفادها أن هناك هرميّة للممارسة الجنسية، اختيار الشريك أو موضوع اللذة، يخضع لمعايير جمالية اصطناعية، وأيضاً معايير اقتصاديّة وسياسية، بالتالي إشباع اللذة مع موضوعها يتعلق أكثر بإمكانية التحرك ضمن النظام القائم، أكثر من الاعتراف بوجود الرغبة تجاه آخر.

ما يمكن فهمه أن هناك فئة من الرجال، عاجزين عن الوصول إلى موضوع رغبتهم، يلجأون إلى العنف. الأمر أشبه بمن يقاتل من أجل حقه بالطعام، وهذا بالضبط الإشكالي في مفهوم “الحق بالجنس”.  ما يفضله رودجر واضح ومرئي بل ويُروّج له، هو يفضل الشقراوات ذوات الأجساد النحيلة لذلك قتلهن. في الحالة العربية، خريطة الرغبة غامضة، غير معروفة، وهنا إشكالية أيضاً، إن كان تفادي العنف ضد النساء من قبل الرجال المحرومين من الجنس شأن سياسي، ولابد من جهود من أجل تلبيته بأدنى الحدود، ما هي المعايير التي يجب أن يخضع لها موضوع الرغبة في الحد الأدنى؟ بصورة أدق، ما هي المواصفات الجسدية للرجل أو المرأة التي يجب أن يكون/ تكون مباحة لتلبية الحق بالجنس ؟

السؤال السابق لا إجابة له، بل هو Paradox، فالرغبة رغم لا منطقيتها، تخضع لمعايير ثقافية، ما يعني أن المحرومين من الجنس، محرومون من فانتازم محدد، لا من الممارسة الفعلية. فانتازم تقوده الرغبة يقابله حقيقة مفادها أن الممارسة الفعلية تقودها المعرفة والشروط الموضوعيّة. 

الخطورة في الحس بالاستحقاق، أن الذين يظنون أنفسهم بدون “الحق” بممارسة الجنس، يعممون الأمر على كل الجنس، لا ذاك العاجزين عن الوصول إليه. وهنا تفقد لا ونعم معانيهما، الموافقة وعدم الموافقة سيّان بالنسبة لهم، كون الحس بالاستحقاق نابع من الاعتراف بالرغبة-وهنا تأويل شخصي-  بوصفه مُشرع وضامن لموافقة موضوع الرغبة.

اكتسب الاستحقاق عبر الاعتراف ضمن “نادي الرجال المحرومين” أهمية من نوع ما في زمن وسائل التواصل الاجتماعي، تحول القاتل إلى ما يشبه شهيد الرغبة، ينال تأييد البعض ودعمهم، فقاتل نيرة وجد من يفتديه بالمال كي لا يخضع للإعدام. هناك نوع من التعاطف مع هذه الحالة ترتبط بوضعية الضحية التي يظهر ضمنها المحروم. هو صورة الرجل المهزوم الذي تعرض لكلمة لا، بعد أن اعترف بحبه. وهنا نحن لسنا أمام صورة رومانسية لعاشقين ماتا في سبيل الحب، بل “ضحية” حب لم يتحقق وضحية رغبة ذكورية جامحة ورجولة مهزومة، يمكن القول، إن الرجل “المحروم من الجنس”، ضحية فانتازمه الشخصي، وصورته المتخيلة عن الآخر، تلك التي أفنى عبر الهوس بها موضوع رغبته.

نعلم أن وصف “ضحية” قد يثير الحنق والاستفزاز في معرض الحديث عن “القتلة”، لكن أمام مفارقة “الحق بالجنس”، لابد أن نسأل: هل الجنس حق إنساني مضمون للجميع؟ ومن يضمنه: الدولة، المؤسسات…؟ وفي حال وجود هكذا “حق”، ما هي معايير الجمال بالحد الأدنى التي ستوفر للمحرومين ؟

هامش

فيما يخص السؤال عن “الحق بالجنس” وضمانه للجميع، كتب المسرحي اليوناني أريستوفانيس عرضاً كوميدياً بعنوان “برلمان أثينا”، يفترض فيه أن النساء هن المسيطرات  ويمتلكن السلطة، ولأجل خلق مساواة جنسية بينهن، وحل مشكلة حرمان الأقبح والأكبر عمراً من الجنس. يضعن قانوناً ينص أن على كل شاب، قبل أن يمارس الجنس مع امرأة تعجبه، أن يمارس الجنس أولاً مع أخرى أكبر عمراً أو أقبح، أي امرأة لا تدخل ضمن “الخريطة” المفترضة لرغبة الشبان.

21.10.2022
زمن القراءة: 5 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية