fbpx

أنا بعين من أُحب: احذروا مفترسي العواطف، محطّمي القلوب!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المفترسون العاطفيون، هم الأشخاص الذين يستخدمون التلاعب العاطفي لاستغلال الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية. وهؤلاء الأشخاص لا نجدهم في العلاقات العاطفيّة وحسب، بل قد يكونون أصدقاء أو حتى زملاء في العمل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يُقال إن الحُب قطيعة مع الحاضر، لكن الكارثة التي شهدتها المنطقة وكم المآسي منعانا من إدراك ما يحصل، فالحاضر ليس متماسكاً، والماضي مهدد بالتلاشي، الأرض تميل من تحتنا، حتى إن يوم 14 شباط/ فبراير (عيد الحب) مرّ هكذا من دون أثر، فمن “يُحب” بينما الأرض تتشقّق؟

نكتب عن الحبّ لأن لا ملكية عليه سوى صاحبه، لا بنك، ولا حزب، ولا ميليشيا ولا كارثة قادرة على أن تصادره، ولا حتى الوباء منع القبل، ولا هجرة تمنع شبق الحبيب على الشاشة، أو في المخيلة.

جلست صديقتي المقرّبة لارا، (اسم مستعار وفقاً لطلبها)، مع صديقاتها يتحدّثن عن رجل يعرفونه كان يحاول التقرّب من اثنتين منهنّ بالطريقة ذاتها وأيضاً في الوقت نفسه. كان الحديث خفيفاً مضحكاً، تهزأ الصديقات من الرجل ومن أسلوبه السخيف والرخيص، وتخيّلن سيناريوات كوميديّة وضحكن، إلى أن وصفته إحداهنّ بالـemotional predator، أي مفترس العواطف، وانقلب المشهد الكوميدي إلى مشهد بائس.

تغيّرت ملامح لارا، واعتراها القلق، فهي تتفادى هذه الكلمة وما تعنيه منذ زمن، وتعيش حالة من الخوف والإنكار منذ سنوات، من أنّ الرجل الذي أحبّته لنحو عقد من الزمن، أي ثلث عمرها تقريباً، هو أيضاً مجرّد predator آخر.

لم تقرأ أو تتصفّح عن الموضوع على رغم شكوكها في السنوات الثلاث الأخيرة. فضّلت التمسّك بقناعتها، بروايتها، إنّه ضحيّة مجتمعه وظروفه، تحمّلت الأذى العاطفي والخذلان بسبب هذه الرواية التي أقنعت نفسها بها، أو ربّما كانت “الأنا” عندها ترفض الاعتراف بأنّها الضحيّة في هذه القصّة، وأنّ هذا الاستثمار الطويل الأمد، قد ذهب هباءً، كالأموال التي خسرتها في أحد المصارف اللبنانية.

كلّها استثمارات فاشلة! فهي لم تكن تعي أنّها بالفعل محاطة بمفترسين. فالمصارف اللبنانيّة والسلطة التي تحميها هي مفترسة، افترستنا جميعاً وانقضّت على ودائعنا. لكنّنا، عدا المفترسين طبعاً، كلّنا في مأزق واحد. أمّا استثمارها العاطفي فكان يخصّها وحدها، إنّما بالطبع حصل مع الكثير منّا أيضاً وإن بأشكال مختلفة. 

للأسف، كان الاستثمارَان على اختلافهما، ينذران بالشك وفيهما الكثير من الإشارات التحذيرية، ولكن أحياناً، نفضّل التجاهل ونرفض التصديق. لذلك، أكتب اليوم عن تجربة لارا، لتسليط الضوء على مواصفات الـpredator، لعلّ ذلك يساهم في إنقاذ عدد من ضحاياه.

يبقى الاستثمار العاطفي أسوأ بكثير من ذلك المالي، فالأخير تعمل لارا على تعويضه، أمّا السنوات العشر في حبّ الشخص الخطأ، وكلّ ما خلفّه ذلك من أذى نفسيّ وفكريّ وعاطفيّ وعدم استقرار وفقدان الثقة بالنفس وبالآخر، فلا تُعوّض.

في ذاك اليوم، قرّرت لارا مواجهة شكوكها، ذهبت مساءً عند صديقتها المقرّبة، وأمسكت هاتفها وبحثت عن مواصفات الـpredators الدقيقة في مواقع الطب النفسي، وبدأت تتلو المواصفات بصوتٍ عالٍ على مسمع صديقتها… التي كانت تصغي إلى كل نقطة وتربطها بقصتها، هل حصل ذلك؟ دمعت عينا لارا، مع إدراكها حقيقة لطالما تجنّبتها وقلقت منها. تقول صديقتها التي كانت دائماً تحذّرها: “ما شاء الله عنّه، مسكّر الـ score”، بالفعل كان متفوّقاً إلى أبعد حدّ في هذا المجال.

إنّما في غياب تشخيص طبّي أو صورة كاملة عن حياته، لا أحد يمكنه تأكيد ذلك، فنترك له the benefit of the doubt (حسن الظنّ)، على رغم أنّ لارا اكتشفت أن اثنتين من صديقاتها هما أيضاً من ضحاياه. 

من المؤذي بشكلٍ كافٍ أن تكتشف، أنّك لم تكن أكثر من أيام عابرة في حياة شخص أحببته لسنوات طويلة وأوهمك أيضاً بحبّه، وأن تكتشف أنّ أسلوبه ينطبق مع أساليب مفترس العواطف الذي يوهم ضحاياه بالحب، ومتى يتأكّد من تعلّق ضحاياه به، ينهش مشاعرهم ويقلّل من شأنهم ويطفئ نورهم ولا يترك فرصة إلا ويتلاعب فيها بشعورهم ويُظهر أنّه الضحيّة. 

لم تكن لارا تعي بوجود هذا الصنف من البشر  عندما أحبّته، ذاك الذي يكبرها بأكثر من عقد ونصف العقد. فشلت علاقتهما مرتين. كان يخذلها في كلّ مرّة، حتى أصبحت تتفاجأ في المرّات القليلة التي لم يخذلها بها، ويعطيها ذلك دافعاً إضافيّاً للتمسّك به، بينما هو بقي لأعوام يقترب ويبتعد، يهتم ويهمل، يتمسك ويفلت.

أمّا اليوم، فتراه بين الحين والآخر، تارةً يمسك بيد شابّة جديدة، وطوراً يتحدّث طويلاً على الهاتف مع شابّة أخرى. ما زال يتودّد إليها بين علاقة وأخرى حتى يتأكّد أنّها ما زالت هنا، وأنّه لم يخسر حبّها له، ومتى شعر أنّها ابتعدت، يختلق الأعذار ليقترب من جديد… هذا الذي كان كلامه عن حبّه لها يفيض كل ليلة وكل يوم. فتستذكر لارا أغنية فيروز، “نبقى سوا وصوتك بالليل يقلّي وأنا عم بسمع، بحبّك حتى نجوم الليل نجمة ونجمة توقع… وخلص الحب وسكتت الكلمة وتسكّر القلب ما وقع ولا نجمة، أتاري الكلام بضلّوا كلام، وكل شي بيخلص حتى الأحلام”. 

من هو الـ emotional predator؟

من الضروري التمييز بين نوعين من الـpredators: الـ sexual predator (المفترس الجنسي) والـ emotional predator (المفترس العاطفي) الذي يتناوله هذا المقال، فعلى رغم بعض الصفات المشتركة إلا أنّ النوعين يختلفان.

بالتركيز على المفترسين العاطفيين، هم الأشخاص الذين يستخدمون التلاعب العاطفي لاستغلال الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية. وهؤلاء الأشخاص لا نجدهم في العلاقات العاطفيّة وحسب، بل قد يكونون أصدقاء أو حتى زملاء في العمل، ويُعرفون أيضاً بالـ emotional vampires، أي ممتصّي العواطف. 

يمكن أن يكون المفترس العاطفي من أي عمر أو وضع اجتماعي، ويبدو شخصاً عاديّاً في البداية لا بل يبدو حنوناً وعاطفيّاً ورقيقاً ومحبوباً، إلا أنّ هذا مجرّد فخّ، وهي مسألة وقت قبل اكتشاف أنّه يميل الى أن يكون أنانياً و/أو نرجسياً، بحسب موقع Step to Health.

يشير المقال نفسه إلى أنّ هدف المفترس هو تحطيم ضحاياه عاطفياً وشخصياً ونفسياً واجتماعياً. وذلك نتيجة شعوره بالدونيّة، على رغم أنه لا يعطي هذا الانطباع. وبسبب ذلك، يحتاج دائماً إلى أن ينال إعجاب الناس وأن يكون محور اهتمامهم، تحديداً الأشخاص الذين يتّسمون باللطف والمحبّة وتقبّل الآخر والتفاؤل والبراءة والكرم. أمّا هؤلاء الضحايا، فيرفضون تصديق حقيقة المفترس، فيتحمّلون عناء التفكير  والبحث عن تفسيرات منطقية للتصرفات المؤذية، لا بل يحاولون التفهّم والتسامح والمساعدة.

من أبرز  سمات المفترسين:

الخداع والتلاعب بمشاعر الآخرين بما في ذلك الـgaslighting، ففي البداية يظهرون أنّهم رائعون حتى تكتشف أنّ هذا مجرّد واجهة.

يعتقدون أنّ لهم الحق بالحصول على معاملة خاصة، وأنّ الآخر موجود لخدمتهم. وينتظرون ما يقدّمه لهم الآخر، من دون تقديم أي شيء بالمقابل.

يتظاهرون بالحميميّة: فهم على دراية بأهميّتها، لذلك يقدّمون حميميّة مزيّفة لكسب ثقة ضحاياهم وبعدها يطالبونهم بالولاء والوفاء، لكنهم لن يقدّموه في المقابل. هذا يبقي الضحايا في حيرة من أمرهم.

يحتاجون دوماً الى أن يكون كل شيء تحت سيطرتهم، ومتى يشعرون أنّ سيطرتهم تتهدّد أو تُسحب منهم، يختلقون المشكلات ويتظاهرون بأنّهم ضحايا هذه العلاقة والظروف المحيطة بها.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الكثير من المفترسين العاطفيين قد يكونون ضحايا ماضيهم أيضاً، ولكن بدلاً من أن يجعلهم هذا أكثر رقّة، فإنهم يفضّلون الانتقام ويلعبون بالتالي دور الجلادين. والكثير منهم لا يعون أنّهم يسببون أذى بالفعل.

يعانون من ضعف الثقة بالنفس، فما يظهرونه ليس بالضرورة حقيقتهم، فالثقة الزائدة بالنفس التي يحاولون أن يبدوا بها، ليست سوى محاولات فارغة لتعويض حالة نقص أو جرح منذ الطفولة. ولكن بدلاً من التعامل مع جروحهم الماضية بشكل صحي، فإنهم يجعلون الآخرين يدفعون ثمن حزنهم.

يحاولون دوماً تسليط الضوء على أخطاء الآخرين وتحديداً أخطاء ضحاياهم، باعتبار أنّهم دائماً على حق، ولا يخطئون. كما أنهم لا يظهرون تعاطفاً مع الآخرين.

يظهرون سلوكاً سلبياً – عدوانياً (Passive- Aggressive Behavior): “هو نمط من التعبير غير المباشر عن المشاعر السلبية بدلاً من الإفصاح عنها صراحةً. وهناك فرق بين ما يقوله الشخص الذي يُظهر سلوكاً عدوانياً سلبياً وبين ما يفعله”، بحسب موقع Mayoclinic الطبي.

كيف نحمي أنفسنا؟

بعيداً ممّا قد ينصحنا به الخبراء، أعتقد أنّ أفضل طريقة لنحمي أنفسنا من مفترسي العواطف، تحديداً في العلاقات، هي التالية:

عندما ترون هذه الإشارات، اهربوا، اختفوا، وإيّاكم أن تعودوا ثانيةً! 

بحسب مقال على موقع WebMD الطبي، تقول د. ناتالي داتيلو، وهي مختصة نفسية في مستشفى Brigham and Women’s Hospital: “إذا كان بإمكانك تجنب هذا الشخص، فهذه توصيتي الأولى، إذا لم يكن ذلك [خياراً]، كن جيداً في وضع الحدود والالتزام بها”.
وتقول د. سوزان ألبرز ، وهي مختصة نفسية في Cleveland Clinic، “من المهم الحد من التواصل… دائماً جد لنفسك خطة للهروب”.

عقد كامل من المشاعر ذهب هباءً. باتت لارا اليوم تعي أنّها تعلّقت تعلّقاً مرضيّاً بمفترس انقضّ على ما يُفترض أن يكون أجمل سنوات حياتها.

لذا، اليوم وفي كل اليوم، احذروا مفترسي العواطف، محطّمي القلوب، الذين يدهسون مشاعركم من دون أي رحمة أو أسف ومن دون أي عدالة، فليس هناك أي قانون أو أي عُرف يحاسبهم، لا بل نراهم دائماً يستخدمون الحيل نفسها للإيقاع بضحايا جدد.


للارا كلّ الحبّ، أكتب لها وبلسانها ولكلّ من عاش هذه التجربة، لعلّ هذا المقال يمرّ كنسمة باردة تخفّف من ثقل الأذى وتبرد قلوبكم المحترقة. وأنا على يقين أنّكم يوماً ما ستتخطّون هذه الصدمة وتكملون حياتكم كناجين لا كضحايا، كما قال جلال الدين الرومي.

أمّا لرياض سلامة والطغمة الحاكمة الذين ليست لهم أي علاقة مباشرة في موضوع هذا المقال ولا أعرف كيف أصبحوا جزءاً منه – ربّما لأنّهم سببٌ أساسيّ في اليأس الذي نعيشه وأوّل من يخطر على بالنا لدى الحديث عن المآسي في لبنان – فعلى أمل أن تُحاسبوا جميعاً ونراكم خلف القضبان وتتحقّق العدالة.

أما له…فالحديث يطول، بطول السنوات العشر …لكن أتعلمون ماذا؟

لا يهم… 

اكتفينا استثمارات فاشلة… 

فهو لن يقرأ على أية حال!

03.03.2023
زمن القراءة: 7 minutes

المفترسون العاطفيون، هم الأشخاص الذين يستخدمون التلاعب العاطفي لاستغلال الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية. وهؤلاء الأشخاص لا نجدهم في العلاقات العاطفيّة وحسب، بل قد يكونون أصدقاء أو حتى زملاء في العمل.

يُقال إن الحُب قطيعة مع الحاضر، لكن الكارثة التي شهدتها المنطقة وكم المآسي منعانا من إدراك ما يحصل، فالحاضر ليس متماسكاً، والماضي مهدد بالتلاشي، الأرض تميل من تحتنا، حتى إن يوم 14 شباط/ فبراير (عيد الحب) مرّ هكذا من دون أثر، فمن “يُحب” بينما الأرض تتشقّق؟

نكتب عن الحبّ لأن لا ملكية عليه سوى صاحبه، لا بنك، ولا حزب، ولا ميليشيا ولا كارثة قادرة على أن تصادره، ولا حتى الوباء منع القبل، ولا هجرة تمنع شبق الحبيب على الشاشة، أو في المخيلة.

جلست صديقتي المقرّبة لارا، (اسم مستعار وفقاً لطلبها)، مع صديقاتها يتحدّثن عن رجل يعرفونه كان يحاول التقرّب من اثنتين منهنّ بالطريقة ذاتها وأيضاً في الوقت نفسه. كان الحديث خفيفاً مضحكاً، تهزأ الصديقات من الرجل ومن أسلوبه السخيف والرخيص، وتخيّلن سيناريوات كوميديّة وضحكن، إلى أن وصفته إحداهنّ بالـemotional predator، أي مفترس العواطف، وانقلب المشهد الكوميدي إلى مشهد بائس.

تغيّرت ملامح لارا، واعتراها القلق، فهي تتفادى هذه الكلمة وما تعنيه منذ زمن، وتعيش حالة من الخوف والإنكار منذ سنوات، من أنّ الرجل الذي أحبّته لنحو عقد من الزمن، أي ثلث عمرها تقريباً، هو أيضاً مجرّد predator آخر.

لم تقرأ أو تتصفّح عن الموضوع على رغم شكوكها في السنوات الثلاث الأخيرة. فضّلت التمسّك بقناعتها، بروايتها، إنّه ضحيّة مجتمعه وظروفه، تحمّلت الأذى العاطفي والخذلان بسبب هذه الرواية التي أقنعت نفسها بها، أو ربّما كانت “الأنا” عندها ترفض الاعتراف بأنّها الضحيّة في هذه القصّة، وأنّ هذا الاستثمار الطويل الأمد، قد ذهب هباءً، كالأموال التي خسرتها في أحد المصارف اللبنانية.

كلّها استثمارات فاشلة! فهي لم تكن تعي أنّها بالفعل محاطة بمفترسين. فالمصارف اللبنانيّة والسلطة التي تحميها هي مفترسة، افترستنا جميعاً وانقضّت على ودائعنا. لكنّنا، عدا المفترسين طبعاً، كلّنا في مأزق واحد. أمّا استثمارها العاطفي فكان يخصّها وحدها، إنّما بالطبع حصل مع الكثير منّا أيضاً وإن بأشكال مختلفة. 

للأسف، كان الاستثمارَان على اختلافهما، ينذران بالشك وفيهما الكثير من الإشارات التحذيرية، ولكن أحياناً، نفضّل التجاهل ونرفض التصديق. لذلك، أكتب اليوم عن تجربة لارا، لتسليط الضوء على مواصفات الـpredator، لعلّ ذلك يساهم في إنقاذ عدد من ضحاياه.

يبقى الاستثمار العاطفي أسوأ بكثير من ذلك المالي، فالأخير تعمل لارا على تعويضه، أمّا السنوات العشر في حبّ الشخص الخطأ، وكلّ ما خلفّه ذلك من أذى نفسيّ وفكريّ وعاطفيّ وعدم استقرار وفقدان الثقة بالنفس وبالآخر، فلا تُعوّض.

في ذاك اليوم، قرّرت لارا مواجهة شكوكها، ذهبت مساءً عند صديقتها المقرّبة، وأمسكت هاتفها وبحثت عن مواصفات الـpredators الدقيقة في مواقع الطب النفسي، وبدأت تتلو المواصفات بصوتٍ عالٍ على مسمع صديقتها… التي كانت تصغي إلى كل نقطة وتربطها بقصتها، هل حصل ذلك؟ دمعت عينا لارا، مع إدراكها حقيقة لطالما تجنّبتها وقلقت منها. تقول صديقتها التي كانت دائماً تحذّرها: “ما شاء الله عنّه، مسكّر الـ score”، بالفعل كان متفوّقاً إلى أبعد حدّ في هذا المجال.

إنّما في غياب تشخيص طبّي أو صورة كاملة عن حياته، لا أحد يمكنه تأكيد ذلك، فنترك له the benefit of the doubt (حسن الظنّ)، على رغم أنّ لارا اكتشفت أن اثنتين من صديقاتها هما أيضاً من ضحاياه. 

من المؤذي بشكلٍ كافٍ أن تكتشف، أنّك لم تكن أكثر من أيام عابرة في حياة شخص أحببته لسنوات طويلة وأوهمك أيضاً بحبّه، وأن تكتشف أنّ أسلوبه ينطبق مع أساليب مفترس العواطف الذي يوهم ضحاياه بالحب، ومتى يتأكّد من تعلّق ضحاياه به، ينهش مشاعرهم ويقلّل من شأنهم ويطفئ نورهم ولا يترك فرصة إلا ويتلاعب فيها بشعورهم ويُظهر أنّه الضحيّة. 

لم تكن لارا تعي بوجود هذا الصنف من البشر  عندما أحبّته، ذاك الذي يكبرها بأكثر من عقد ونصف العقد. فشلت علاقتهما مرتين. كان يخذلها في كلّ مرّة، حتى أصبحت تتفاجأ في المرّات القليلة التي لم يخذلها بها، ويعطيها ذلك دافعاً إضافيّاً للتمسّك به، بينما هو بقي لأعوام يقترب ويبتعد، يهتم ويهمل، يتمسك ويفلت.

أمّا اليوم، فتراه بين الحين والآخر، تارةً يمسك بيد شابّة جديدة، وطوراً يتحدّث طويلاً على الهاتف مع شابّة أخرى. ما زال يتودّد إليها بين علاقة وأخرى حتى يتأكّد أنّها ما زالت هنا، وأنّه لم يخسر حبّها له، ومتى شعر أنّها ابتعدت، يختلق الأعذار ليقترب من جديد… هذا الذي كان كلامه عن حبّه لها يفيض كل ليلة وكل يوم. فتستذكر لارا أغنية فيروز، “نبقى سوا وصوتك بالليل يقلّي وأنا عم بسمع، بحبّك حتى نجوم الليل نجمة ونجمة توقع… وخلص الحب وسكتت الكلمة وتسكّر القلب ما وقع ولا نجمة، أتاري الكلام بضلّوا كلام، وكل شي بيخلص حتى الأحلام”. 

من هو الـ emotional predator؟

من الضروري التمييز بين نوعين من الـpredators: الـ sexual predator (المفترس الجنسي) والـ emotional predator (المفترس العاطفي) الذي يتناوله هذا المقال، فعلى رغم بعض الصفات المشتركة إلا أنّ النوعين يختلفان.

بالتركيز على المفترسين العاطفيين، هم الأشخاص الذين يستخدمون التلاعب العاطفي لاستغلال الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية. وهؤلاء الأشخاص لا نجدهم في العلاقات العاطفيّة وحسب، بل قد يكونون أصدقاء أو حتى زملاء في العمل، ويُعرفون أيضاً بالـ emotional vampires، أي ممتصّي العواطف. 

يمكن أن يكون المفترس العاطفي من أي عمر أو وضع اجتماعي، ويبدو شخصاً عاديّاً في البداية لا بل يبدو حنوناً وعاطفيّاً ورقيقاً ومحبوباً، إلا أنّ هذا مجرّد فخّ، وهي مسألة وقت قبل اكتشاف أنّه يميل الى أن يكون أنانياً و/أو نرجسياً، بحسب موقع Step to Health.

يشير المقال نفسه إلى أنّ هدف المفترس هو تحطيم ضحاياه عاطفياً وشخصياً ونفسياً واجتماعياً. وذلك نتيجة شعوره بالدونيّة، على رغم أنه لا يعطي هذا الانطباع. وبسبب ذلك، يحتاج دائماً إلى أن ينال إعجاب الناس وأن يكون محور اهتمامهم، تحديداً الأشخاص الذين يتّسمون باللطف والمحبّة وتقبّل الآخر والتفاؤل والبراءة والكرم. أمّا هؤلاء الضحايا، فيرفضون تصديق حقيقة المفترس، فيتحمّلون عناء التفكير  والبحث عن تفسيرات منطقية للتصرفات المؤذية، لا بل يحاولون التفهّم والتسامح والمساعدة.

من أبرز  سمات المفترسين:

الخداع والتلاعب بمشاعر الآخرين بما في ذلك الـgaslighting، ففي البداية يظهرون أنّهم رائعون حتى تكتشف أنّ هذا مجرّد واجهة.

يعتقدون أنّ لهم الحق بالحصول على معاملة خاصة، وأنّ الآخر موجود لخدمتهم. وينتظرون ما يقدّمه لهم الآخر، من دون تقديم أي شيء بالمقابل.

يتظاهرون بالحميميّة: فهم على دراية بأهميّتها، لذلك يقدّمون حميميّة مزيّفة لكسب ثقة ضحاياهم وبعدها يطالبونهم بالولاء والوفاء، لكنهم لن يقدّموه في المقابل. هذا يبقي الضحايا في حيرة من أمرهم.

يحتاجون دوماً الى أن يكون كل شيء تحت سيطرتهم، ومتى يشعرون أنّ سيطرتهم تتهدّد أو تُسحب منهم، يختلقون المشكلات ويتظاهرون بأنّهم ضحايا هذه العلاقة والظروف المحيطة بها.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الكثير من المفترسين العاطفيين قد يكونون ضحايا ماضيهم أيضاً، ولكن بدلاً من أن يجعلهم هذا أكثر رقّة، فإنهم يفضّلون الانتقام ويلعبون بالتالي دور الجلادين. والكثير منهم لا يعون أنّهم يسببون أذى بالفعل.

يعانون من ضعف الثقة بالنفس، فما يظهرونه ليس بالضرورة حقيقتهم، فالثقة الزائدة بالنفس التي يحاولون أن يبدوا بها، ليست سوى محاولات فارغة لتعويض حالة نقص أو جرح منذ الطفولة. ولكن بدلاً من التعامل مع جروحهم الماضية بشكل صحي، فإنهم يجعلون الآخرين يدفعون ثمن حزنهم.

يحاولون دوماً تسليط الضوء على أخطاء الآخرين وتحديداً أخطاء ضحاياهم، باعتبار أنّهم دائماً على حق، ولا يخطئون. كما أنهم لا يظهرون تعاطفاً مع الآخرين.

يظهرون سلوكاً سلبياً – عدوانياً (Passive- Aggressive Behavior): “هو نمط من التعبير غير المباشر عن المشاعر السلبية بدلاً من الإفصاح عنها صراحةً. وهناك فرق بين ما يقوله الشخص الذي يُظهر سلوكاً عدوانياً سلبياً وبين ما يفعله”، بحسب موقع Mayoclinic الطبي.

كيف نحمي أنفسنا؟

بعيداً ممّا قد ينصحنا به الخبراء، أعتقد أنّ أفضل طريقة لنحمي أنفسنا من مفترسي العواطف، تحديداً في العلاقات، هي التالية:

عندما ترون هذه الإشارات، اهربوا، اختفوا، وإيّاكم أن تعودوا ثانيةً! 

بحسب مقال على موقع WebMD الطبي، تقول د. ناتالي داتيلو، وهي مختصة نفسية في مستشفى Brigham and Women’s Hospital: “إذا كان بإمكانك تجنب هذا الشخص، فهذه توصيتي الأولى، إذا لم يكن ذلك [خياراً]، كن جيداً في وضع الحدود والالتزام بها”.
وتقول د. سوزان ألبرز ، وهي مختصة نفسية في Cleveland Clinic، “من المهم الحد من التواصل… دائماً جد لنفسك خطة للهروب”.

عقد كامل من المشاعر ذهب هباءً. باتت لارا اليوم تعي أنّها تعلّقت تعلّقاً مرضيّاً بمفترس انقضّ على ما يُفترض أن يكون أجمل سنوات حياتها.

لذا، اليوم وفي كل اليوم، احذروا مفترسي العواطف، محطّمي القلوب، الذين يدهسون مشاعركم من دون أي رحمة أو أسف ومن دون أي عدالة، فليس هناك أي قانون أو أي عُرف يحاسبهم، لا بل نراهم دائماً يستخدمون الحيل نفسها للإيقاع بضحايا جدد.


للارا كلّ الحبّ، أكتب لها وبلسانها ولكلّ من عاش هذه التجربة، لعلّ هذا المقال يمرّ كنسمة باردة تخفّف من ثقل الأذى وتبرد قلوبكم المحترقة. وأنا على يقين أنّكم يوماً ما ستتخطّون هذه الصدمة وتكملون حياتكم كناجين لا كضحايا، كما قال جلال الدين الرومي.

أمّا لرياض سلامة والطغمة الحاكمة الذين ليست لهم أي علاقة مباشرة في موضوع هذا المقال ولا أعرف كيف أصبحوا جزءاً منه – ربّما لأنّهم سببٌ أساسيّ في اليأس الذي نعيشه وأوّل من يخطر على بالنا لدى الحديث عن المآسي في لبنان – فعلى أمل أن تُحاسبوا جميعاً ونراكم خلف القضبان وتتحقّق العدالة.

أما له…فالحديث يطول، بطول السنوات العشر …لكن أتعلمون ماذا؟

لا يهم… 

اكتفينا استثمارات فاشلة… 

فهو لن يقرأ على أية حال!

03.03.2023
زمن القراءة: 7 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية