fbpx

في غزة…خذلتُ البيت بضميرٍ واحد!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أقف بباب السيدة هنا، في دير البلح، وكل لطف الدنيا يظهر على وجهها، فيما تقول “البيت بيتك” ولا فرصة لدي لأستعير من بيتي وبيتنا ضميراً يؤنسني!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

اليوم أشارف على الخمسين يوماً في مكان نزوحي الجديد (المرة الخامسة) في بيت غير بيتي، هنا في دير البلح، وسط القطاع أو (جنوب الوادي) وفق التقسيم لعملية احتلال غزة.

استيقظت برغبة اشتياق كبيرة للبيت ـ بيتي ـ اللغة حنونة جداً في إيجاد ضمير الملكية (ياء) بيتي، فتُشعرك كأنك تملك الدنيا وما فيها، وتمشي متباهياً بين الجميع.

اضطربت من إلحاح الرغبة علي، وازداد اضطرابي حين وجدت علبة الفانيلا فارغة  ـ نكهتي المفضلة ـ التي أضيفها إلى كأس الحليب الصباحي مع القهوة، ركضت نحو شقة السيدة صاحبة البيت، أطلب منها بعض الفانيلا، بخجل شديد وقفت ببابها، دعتني إلى الدخول بابتسامة تتسع لكل نور الأرض قائلة: “البيت بيتك، تفضلي!”.

يا إلهي لقد تكررت هذه الجملة مراراً طوال فترة نزوحي بين خانيونس ورفح، وأخيراً هنا في دير البلح، كلما لاحظ أصحاب البيت خجلاً أو ضيقاً في تصرفي قالوا: “ولو البيت بيتك”، قاسية لغة تُسقط ياء الملكية فجأة، وتستبدلها بكاف تشبيه تخلت عن دورها في بداية الخطاب، واكتفت بأن تكون نهاية جملة، لتلهي الاغتراب عن افتراسك أكثر.

هي ليست بحضور (ياء) بيتي وثقتها.

في رفح احتالت علي لهجة أهلها، حين قررت السيدة هناك، أن تفتح لي خزانتها أيام البرد الشديد، وقالت بابتسامة تكررت في خانيونس “ولو الدار داركي” وكسرت الكاف في نهاية الحديث، ربما كشفت شعوري بالقلق تجاه كاف الخطاب الواقفة تلك، كي يبدو عرض الجاكيتات علي مريحاً لأهزم بردي…

كل ما كنت أقوله وقتها، رغم هذا الامتنان الكبير، إلا أن هذه الخزانة وهذا البيت على اتساعهما، لن يهباني دفء (ياء) بيتي.

اليوم أقف بالباب خجلى، أريد أن أكسر رغبة الاشتياق وإلحاحها، الاشتياق الذي قد يدفعني إلى البكاء والانهيار، إذ لا رفاهية لذلك، علينا أن نركض في مساحة تغير وانقلاب حال بمدة ثلاث دقائق، هي الحرب كذلك، تجعلك مضطراً لكل شيء، والوقت من حجر وركام يسقط فوق رأسك، وعليك أن تتنازل عن رفاهية البكاء هذه الآن.

أرسلت للأصدقاء تساؤلاتي عن البيت.

ترى ما هو البيت؟

ما شكل البيت؟

ما طعم البيت؟

ما رائحة البيت؟

ما لون البيت؟

أريد خيالاً يسحبني خارج إلحاح طفل، يقف أمامي أو يصرخ في داخلي “أريد بيتي الآن”، لا بيت كالبيت بل البيت بيتي!

التساؤلات على كثرتها جاءت بإجابة واحدة، ممن هم خارج الحرب، وكأنك تسألهم “البيت الفكرة” بينما انعكاسي من الأصدقاء داخل الحرب، كأنني سألتهم “شو صار بالبيت؟”.

إذاً، هل يبدو البيت فكرةً أم حدثاً أم شعوراً؟

على أية حال البعد عن البيت يخلق التأويل والتيه!

كيف؟

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، تعرضت أمي لجلطة دماغية، مما جعلنا نضطر  أن نستقر في الدور الأرضي للبيت، كي يكون سهلاً إدخال الإسعاف إليه، في نهاية يومها الأخير من أسبوعها الأخير في البيت، طلبت أن ننقلها إلى بيتها، رغم أنها في البيت نفسه، إلا أنها في كل مرة تصحو  فيها من غيبوبتها تقول: “هذا ليس بيتي، ودوني على بيتي!”.

لم نعِ قيمة درسها الأخير، كنا أنانيين نريدها أن تبقى في عذاب البقاء غصباً عنها، حرصاً منا على سهولة نقلها إلى المستشفى آنذاك.

أذكر كيف أصرت آخر مرة وغضبت وحاولت؛ على عجزها، أن تهب من سريرها وحدها، وتطلع نحو البيت (شقتها) في الطابق الثاني! لكنها عجزت وسقطت في سريرها!.

استجبنا لإصرارها، وظننا أنها سوف تكون في راحة، وقد يطرأ تحسن على صحتها إذا ما صعدت نحو غرفتها وسريرها، أمام شباكيها الشرقي والآخر الشمالي، فصعدنا بها درج البيت في المساء، وحين وصلنا بها إلى غرفتها ابتسمت، وقالت بعد تنهيدة وصوت منخفض، لكنه مرتاح جداً: “أيوا، هذا هو بيتي!” وشعرت براحة في وجهها لم أرها منذ وقت، وقبل أن تنام آخر نومة لها، قالت ونحن نهيئ لها فراشها: “البيت جنة ولو كنت عاجزاً، ولو شو ما كان”.

وقبل الفجر بساعتين من الليلة نفسها، لفظت أمي أنفاسها الأخيرة على سريرها وفي غرفتها…

ماتت أمي من دون أن يشعر أحد حتى أبي الذي نام بجوارها ليلتها، ماتت بعد أن اطمأنت أننا فهمنا فكرة “البيت”، وهي أن تتخلص من كل تعبك، وتلقي به خارجك وخارج كاف النهاية من كل هذا، نحو “راحتي” على ملكية الياء في نهاية “بيتي قرار لراحتي”.

ـ لا بيت يصلح لأن تستبدل به بيتك!

ـ البيت شعور إذاً؟!

ربما!

بعد أقل من عامين من وفاة أمي توفي العم أبو يحيى وهو الأب الصديق لي ولشقيقاتي ووالد الصديقات والشقيقات في بيته في آذار/ مارس 2022، بيته الذي كان يهبني الشعور نفسه الذي يهبني إياه بيتي، كنت كلما هزمني الشوق إلى أمي، أهرب نحو بيته، وكلما أردت طعم أمي ذهبت إليه أيضاً، وكلما أردت سماع صوت أمي، بكيت ببابه، فأدخل إلى البيت أمسح أثر البكاء بابتسامة البيت وأصحابه.

بعد وقت قصير، صار البيت “بيتي” فعلاً، لا أحد هناك يقول لي جملة “البيت بيتك” الكل هناك يقول: “بيتنا”، نون نحن تلك، تشارك ياء الملكية في إرساء الدفء، بعد ركض طويل من وحشة المطر وكآبة البرد واستقرار الأرض بعد طوفان.

“هذا بيتي….وبيتي بيتنا”

إننا نهدي ضمائرنا من دون أن يأخذ أحد الأمر غصباً.

مات العم أبو يحيى في غرفة إحدى بناته، وعلى سرير أخرى ظل حتى الصباح، وحين ودعناه ركضنا نحو كل شبابيك البيت على اتجاهاتها، نودعه، وعلى درج البيت نودعه من البيت ذاته “بيتنا”.

يومها شعرت أن هذه فرصتي، لأودع أمي التي أنكرت موتها وقتاً طويلاً، وفقدت قدرتي على أن أقف أمام جسدها في بيتي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، اليوم في آذار/ مارس 2022، استعرت من بيتي وداع أمي المفقود، في وداع العم أبو يحيى.

الآن أقف بباب السيدة هنا، في دير البلح، وكل لطف الدنيا يظهر على وجهها، فيما تقول “البيت بيتك” ولا فرصة لدي لأستعير من بيتي وبيتنا ضميراً يؤنسني!

ليتني أستطيع إخبارها أنني بحاجة إلى ياء الملكية تلك! التي تحملني نحو “بيتي” هناك، حيث تركت أمي أثر درس قدسية الراحة الأبدية في البيت، البيت الذي قتلته الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، من دون أن تمنحني فرصة أن أسحب ياء الملكية من سرير أمي، ومن خزانتها، ومن مطبخها، وعن كرسيها، ومن مخزن مونتها، وعن درج صعدت عليه متباهية تزغرد باستقبال الحفيد الأول، ومن علبة مربى الفراولة على رف المطبخ العلوي، ومن طعم الزنجبيل في بلكونتها….

الحرب التي قتلت فرصة هروبي نحو بيت العم أبو يحيى (بيتنا) وأجبرتني أن أنزح نحو الجنوب، لتسقط مني كل ضمائر الدفء في طريق الهروب، وأضطر أن أمتن لكاف الخطاب، وأصدق تأويلاً لقول شعري: “كل قلوب الناس جنسيتي، فلتسقطوا عني جواز السفر” لأستبدله بشعوري الآن: كل البيوت تشبه بيتي…لكنها ليست بيتي!

لبيتي الذي خذلته:

أعتذر…

أنانيتي بالنجاة جعلتني أصدق أنك ستحرس ياء ملكيتي هذه وحدك!

خذلتك

 فسقطت يا عزيزي البيت!

يونيو 2024

دير البلح_ وسط القطاع

فصول الدهشة ومحاولات النجاة

هاني عضاضة | 29.06.2024

عن الجندي الإسرائيلي ومسار نزع الأنسنة عن الفلسطينيين

ما الذي يقود عدداً متزايداً من الجنود الإسرائيليين، إلى ارتكاب الفظاعات في غزة وتوثيقها بأنفسهم؟ وأية استراتيجيات تتبعها إسرائيل لتشكيل الذات الإنسانية الإسرائيلية وصوغها، لتنتج هذا النموذج للجندي الذي يرتكب أعمالاً مروعة؟
28.06.2024
زمن القراءة: 5 minutes

أقف بباب السيدة هنا، في دير البلح، وكل لطف الدنيا يظهر على وجهها، فيما تقول “البيت بيتك” ولا فرصة لدي لأستعير من بيتي وبيتنا ضميراً يؤنسني!

اليوم أشارف على الخمسين يوماً في مكان نزوحي الجديد (المرة الخامسة) في بيت غير بيتي، هنا في دير البلح، وسط القطاع أو (جنوب الوادي) وفق التقسيم لعملية احتلال غزة.

استيقظت برغبة اشتياق كبيرة للبيت ـ بيتي ـ اللغة حنونة جداً في إيجاد ضمير الملكية (ياء) بيتي، فتُشعرك كأنك تملك الدنيا وما فيها، وتمشي متباهياً بين الجميع.

اضطربت من إلحاح الرغبة علي، وازداد اضطرابي حين وجدت علبة الفانيلا فارغة  ـ نكهتي المفضلة ـ التي أضيفها إلى كأس الحليب الصباحي مع القهوة، ركضت نحو شقة السيدة صاحبة البيت، أطلب منها بعض الفانيلا، بخجل شديد وقفت ببابها، دعتني إلى الدخول بابتسامة تتسع لكل نور الأرض قائلة: “البيت بيتك، تفضلي!”.

يا إلهي لقد تكررت هذه الجملة مراراً طوال فترة نزوحي بين خانيونس ورفح، وأخيراً هنا في دير البلح، كلما لاحظ أصحاب البيت خجلاً أو ضيقاً في تصرفي قالوا: “ولو البيت بيتك”، قاسية لغة تُسقط ياء الملكية فجأة، وتستبدلها بكاف تشبيه تخلت عن دورها في بداية الخطاب، واكتفت بأن تكون نهاية جملة، لتلهي الاغتراب عن افتراسك أكثر.

هي ليست بحضور (ياء) بيتي وثقتها.

في رفح احتالت علي لهجة أهلها، حين قررت السيدة هناك، أن تفتح لي خزانتها أيام البرد الشديد، وقالت بابتسامة تكررت في خانيونس “ولو الدار داركي” وكسرت الكاف في نهاية الحديث، ربما كشفت شعوري بالقلق تجاه كاف الخطاب الواقفة تلك، كي يبدو عرض الجاكيتات علي مريحاً لأهزم بردي…

كل ما كنت أقوله وقتها، رغم هذا الامتنان الكبير، إلا أن هذه الخزانة وهذا البيت على اتساعهما، لن يهباني دفء (ياء) بيتي.

اليوم أقف بالباب خجلى، أريد أن أكسر رغبة الاشتياق وإلحاحها، الاشتياق الذي قد يدفعني إلى البكاء والانهيار، إذ لا رفاهية لذلك، علينا أن نركض في مساحة تغير وانقلاب حال بمدة ثلاث دقائق، هي الحرب كذلك، تجعلك مضطراً لكل شيء، والوقت من حجر وركام يسقط فوق رأسك، وعليك أن تتنازل عن رفاهية البكاء هذه الآن.

أرسلت للأصدقاء تساؤلاتي عن البيت.

ترى ما هو البيت؟

ما شكل البيت؟

ما طعم البيت؟

ما رائحة البيت؟

ما لون البيت؟

أريد خيالاً يسحبني خارج إلحاح طفل، يقف أمامي أو يصرخ في داخلي “أريد بيتي الآن”، لا بيت كالبيت بل البيت بيتي!

التساؤلات على كثرتها جاءت بإجابة واحدة، ممن هم خارج الحرب، وكأنك تسألهم “البيت الفكرة” بينما انعكاسي من الأصدقاء داخل الحرب، كأنني سألتهم “شو صار بالبيت؟”.

إذاً، هل يبدو البيت فكرةً أم حدثاً أم شعوراً؟

على أية حال البعد عن البيت يخلق التأويل والتيه!

كيف؟

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، تعرضت أمي لجلطة دماغية، مما جعلنا نضطر  أن نستقر في الدور الأرضي للبيت، كي يكون سهلاً إدخال الإسعاف إليه، في نهاية يومها الأخير من أسبوعها الأخير في البيت، طلبت أن ننقلها إلى بيتها، رغم أنها في البيت نفسه، إلا أنها في كل مرة تصحو  فيها من غيبوبتها تقول: “هذا ليس بيتي، ودوني على بيتي!”.

لم نعِ قيمة درسها الأخير، كنا أنانيين نريدها أن تبقى في عذاب البقاء غصباً عنها، حرصاً منا على سهولة نقلها إلى المستشفى آنذاك.

أذكر كيف أصرت آخر مرة وغضبت وحاولت؛ على عجزها، أن تهب من سريرها وحدها، وتطلع نحو البيت (شقتها) في الطابق الثاني! لكنها عجزت وسقطت في سريرها!.

استجبنا لإصرارها، وظننا أنها سوف تكون في راحة، وقد يطرأ تحسن على صحتها إذا ما صعدت نحو غرفتها وسريرها، أمام شباكيها الشرقي والآخر الشمالي، فصعدنا بها درج البيت في المساء، وحين وصلنا بها إلى غرفتها ابتسمت، وقالت بعد تنهيدة وصوت منخفض، لكنه مرتاح جداً: “أيوا، هذا هو بيتي!” وشعرت براحة في وجهها لم أرها منذ وقت، وقبل أن تنام آخر نومة لها، قالت ونحن نهيئ لها فراشها: “البيت جنة ولو كنت عاجزاً، ولو شو ما كان”.

وقبل الفجر بساعتين من الليلة نفسها، لفظت أمي أنفاسها الأخيرة على سريرها وفي غرفتها…

ماتت أمي من دون أن يشعر أحد حتى أبي الذي نام بجوارها ليلتها، ماتت بعد أن اطمأنت أننا فهمنا فكرة “البيت”، وهي أن تتخلص من كل تعبك، وتلقي به خارجك وخارج كاف النهاية من كل هذا، نحو “راحتي” على ملكية الياء في نهاية “بيتي قرار لراحتي”.

ـ لا بيت يصلح لأن تستبدل به بيتك!

ـ البيت شعور إذاً؟!

ربما!

بعد أقل من عامين من وفاة أمي توفي العم أبو يحيى وهو الأب الصديق لي ولشقيقاتي ووالد الصديقات والشقيقات في بيته في آذار/ مارس 2022، بيته الذي كان يهبني الشعور نفسه الذي يهبني إياه بيتي، كنت كلما هزمني الشوق إلى أمي، أهرب نحو بيته، وكلما أردت طعم أمي ذهبت إليه أيضاً، وكلما أردت سماع صوت أمي، بكيت ببابه، فأدخل إلى البيت أمسح أثر البكاء بابتسامة البيت وأصحابه.

بعد وقت قصير، صار البيت “بيتي” فعلاً، لا أحد هناك يقول لي جملة “البيت بيتك” الكل هناك يقول: “بيتنا”، نون نحن تلك، تشارك ياء الملكية في إرساء الدفء، بعد ركض طويل من وحشة المطر وكآبة البرد واستقرار الأرض بعد طوفان.

“هذا بيتي….وبيتي بيتنا”

إننا نهدي ضمائرنا من دون أن يأخذ أحد الأمر غصباً.

مات العم أبو يحيى في غرفة إحدى بناته، وعلى سرير أخرى ظل حتى الصباح، وحين ودعناه ركضنا نحو كل شبابيك البيت على اتجاهاتها، نودعه، وعلى درج البيت نودعه من البيت ذاته “بيتنا”.

يومها شعرت أن هذه فرصتي، لأودع أمي التي أنكرت موتها وقتاً طويلاً، وفقدت قدرتي على أن أقف أمام جسدها في بيتي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، اليوم في آذار/ مارس 2022، استعرت من بيتي وداع أمي المفقود، في وداع العم أبو يحيى.

الآن أقف بباب السيدة هنا، في دير البلح، وكل لطف الدنيا يظهر على وجهها، فيما تقول “البيت بيتك” ولا فرصة لدي لأستعير من بيتي وبيتنا ضميراً يؤنسني!

ليتني أستطيع إخبارها أنني بحاجة إلى ياء الملكية تلك! التي تحملني نحو “بيتي” هناك، حيث تركت أمي أثر درس قدسية الراحة الأبدية في البيت، البيت الذي قتلته الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، من دون أن تمنحني فرصة أن أسحب ياء الملكية من سرير أمي، ومن خزانتها، ومن مطبخها، وعن كرسيها، ومن مخزن مونتها، وعن درج صعدت عليه متباهية تزغرد باستقبال الحفيد الأول، ومن علبة مربى الفراولة على رف المطبخ العلوي، ومن طعم الزنجبيل في بلكونتها….

الحرب التي قتلت فرصة هروبي نحو بيت العم أبو يحيى (بيتنا) وأجبرتني أن أنزح نحو الجنوب، لتسقط مني كل ضمائر الدفء في طريق الهروب، وأضطر أن أمتن لكاف الخطاب، وأصدق تأويلاً لقول شعري: “كل قلوب الناس جنسيتي، فلتسقطوا عني جواز السفر” لأستبدله بشعوري الآن: كل البيوت تشبه بيتي…لكنها ليست بيتي!

لبيتي الذي خذلته:

أعتذر…

أنانيتي بالنجاة جعلتني أصدق أنك ستحرس ياء ملكيتي هذه وحدك!

خذلتك

 فسقطت يا عزيزي البيت!

يونيو 2024

دير البلح_ وسط القطاع

فصول الدهشة ومحاولات النجاة

28.06.2024
زمن القراءة: 5 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية