fbpx

تنحية علي شمخاني… استئناف عسكرة “الولي الفقيه” وعقد سياسي جديد في إيران

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

سجل الخلافات والانتقادات، وكذا التوجس من طموح، أو رغبة شمخاني، في الترشح للرئاسة حتى في مواجهة رئيسي الذي يواجه معضلة سياسية في ظل الاحتجاجات الفئوية، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية الحادة والتضخم، تجعل استبعاده عملية مقصودة ومتعمدة لإعادة ترميم النظام والأوضاع المرتبطة بالسياسة والحكم في داخل إيران.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تكن، على ما يبدو، تنحيّة علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، مباغتة للأوساط النخبوية والسياسية في إيران. بل إنّ تغريدة شمخاني، على حسابه الرسمي في “تويتر”، التي سبقت الإعلان عن الإقالة قبل تداولها بعد ذلك بقليل عبر منصة “نور نيوز” التابعة للمجلس، تخفي ملابسات كثيرة.

وغرد شمخاني في ظل الغموض والتكهنات المتزايدة حول مصيره، بقصيدة للشاعر الإيراني محتشم الكاشاني، جاء فيها: “الكلام الذي كان يقال من وراء حجاب… قيل رمزاً… وفي نهاية المطاف سمع بالإيماءات، فغادر”.

وفرة الملابسات التي جعلت الشكوك ترقى إلى معلومة تامة ونهائية تتردد همساً، ربما، لم تنجح في إزالة الغموض الموقت قبل أن يخرج القرار للعلن. فالصحف الإيرانية ووسائل الإعلام، تحديداً، المقربة من القوى الأصولية، كانت منصات هجوم وانتقاد شديدين لشمخاني، لا سيّما في ما يخص ارتباطاته القديمة بعلي رضا أكبري، المساعد السابق لوزير الدفاع الإيراني، وقد أُعدم، مطلع العام، بتهمة التجسس لبريطانيا. 

غير أنّ الهجوم الأعنف طاول شمخاني على خلفية مقاربة “إصلاحية” للاحتجاجات التي أعقبت مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، على يد دورية “شرطة الأخلاق”. ووفق الصحف الأصولية المتشددة، فإنه بادر بتقديم استقالته نتيجة هذا الخلاف، ورفضها المرشد الإيراني، علي خامنئي.

شمخاني المولود منتصف خمسينات القرن الماضي في جنوب غربي إيران بالأحواز، في أسرة عربية، وله نشاط معارض للشاه، بينما ترقى ليصبح قائداً بارزاً في الحرس الثوري خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، كانت الترتيبات للإطاحة به تتم على نحو منظم. فيما تنتظر، فقط، لحظة إتمام مهمته كـ”مكوك للتطبيع” العربي والخليجي، وإنهاء دوره في الاتفاق الثلاثي برعاية الصين لعودة العلاقات مع الرياض.

شغل شمخاني مناصب مهمة، منها نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني.

في الفترة بين عامي 1981 و1989، شغل شمخاني مناصب مهمة، منها نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني. ثم شغل منصب القائد الأعلى للبحرية الإيرانية لمدة عقد كامل بينما كان يرأس، في الآن ذاته، قيادة القوة البحرية للحرس الثوري. وعام 1997، عندما انتخب الإصلاحي محمد خاتمي رئيساً، عين شمخاني وزيراً للدفاع، وهو المنصب الذي شغله لمدة 8 أعوام. ومع مطلع الألفية قرر الترشح للرئاسة والتنافس ضد خاتمي. الأمر الذي حدث بتنسيق مع مكتب المرشد الإيراني لتقويض فرص خاتمي، وإنهاء تجربته الإصلاحية. وبرغم ذلك فاز خاتمي بولاية ثانية.

وبرغم تعيين الرئيس السابق، حسن روحاني، المحسوب على التيار الإصلاحي، شمخاني أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي، إلا أنّ الموقف من الاتفاق النووي باعد بينهما، حيث كان الأخير من القوى الرافضة للاتفاق عام 2015. 

بالتالي، فإنّ سجل الخلافات والانتقادات، وكذا التوجس من طموح، أو رغبة شمخاني، في الترشح للرئاسة حتى في مواجهة رئيسي الذي يواجه معضلة سياسية في ظل الاحتجاجات الفئوية، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية الحادة والتضخم، تجعل استبعاده عملية مقصودة ومتعمدة لإعادة ترميم النظام والأوضاع المرتبطة بالسياسة والحكم في داخل إيران. ولا يعد التفكير في الإطاحة بشمخاني أمراً عرضياً بل له سوابق، إذ كانت هناك محاولة عام 2019، وقد تم طرح اسم وزير الداخلية السابق عبد الرضا رحماني فضلي، والذي قاد حملة قمع دموية على احتجاجات الوقود.

وبلغت الانتقادات ذروتها في أعقاب إعدام رضا أكبري حتى حاول وزير الإعلام الإيراني، إسماعيل الخطيب، أكثر من مرة، التخفيف من حدة الحملة الموجهة ضد شمخاني، ووصف الهجوم عليه بأنّه “غير عادل”، مشيراً إلى دوره وجهوده “في مجال الأمن القومي”. وحول الاتهامات التي لاحقته لقربه من مساعد وزير الدفاع المتهم بالتجسس، قال الوزير الإيراني إنّ اعتقال أكبري جاء نتيجة تعاون “القضاء وأمانة المجلس الأعلى للأمن القومي ووزارة الدفاع مع وزارة المخابرات”. 

إقالة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ومجيء علي أكبر أحمديان مكانه، يعكسان ميلاً حاداً لإنهاء أيّ تناقضات بنيوية في هيكل النظام مع اعتبار شمخاني من بقايا جناح حسن روحاني وله ارتباطات بالإصلاحيين. وسيترتب على ذلك تأمين مرحلة ما بعد المرشد الإيراني علي خامنئي. ومن بين السياسيات التي ستحتاج إلى مراجعة هي عدم التماثل في الانفتاح على الخليج مع الغرب والولايات المتحدة. 

ويؤشر ذلك كله إلى استئناف عسكرة النظام وتعميم الرؤية الثورية التي ستضطلع بصناعة سياسات المرحلة المقبلة في ظل التحولات الجيوستراتيجية التي تجري في قمة العالم. مع الأخذ في الحسبان أن شمخاني كان من بين المعترضين على التقارب بين إيران روسيا، بل يؤمن بأولوية العلاقات الاستراتيجية مع الصين. 

وستعني إقالة شمخاني تغييرات في إدارة الملفات الخارجية والإقليمية، وفق ما ألمح النائب البرلماني السابق، حشمت الله فلاحت بيشة، والذي يقول إن هذا التغيير يعني نقل الكثير من القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية للبلاد من المجلس الأعلى للأمن القومي إلى وزارة الخارجية الإيرانية. وهذا يعني حتماً تغييرات في ما يخص الاتفاق النووي الذي رجح تجميده. 

وقبل عملية الإقالة بيوم، نشرت الخارجية الإيرانية مقالاً لافتاً عبر منصتها الرسمية، لنائب وزير الخارجية، علي باقري كني، شدد فيه على أنّ “روسيا دولة ستلعب دوراً مهماً في التطورات الدولية المستقبلية”. ووصف العلاقات بين طهران وموسكو بأنها “استراتيجية”. وتابع: “الصراع بين روسيا وأوكرانيا يعكس أزمة لها آثار عالمية نأمل أن تنتهي في أقرب وقت ممكن مع انتهاء التدخلات الغربية. بغض النظر عن وقوع هذه الحرب، تعتبر روسيا من الدول التي تملك القدرة على خلق دور جديد في التطورات الدولية المستقبلية والنظام العالمي متعدد الأقطاب. وفي حكومة إبراهيم رئيسي، تم إيلاء اهتمام خاص لتعميق التفاعلات مع هذا البلد”. 

إقالة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ومجيء علي أكبر أحمديان مكانه، يعكسان ميلاً حاداً لإنهاء أيّ تناقضات بنيوية في هيكل النظام مع اعتبار شمخاني من بقايا جناح حسن روحاني وله ارتباطات بالإصلاحيين.

وذكر باقي كني في مقاله أنّه “تم تطوير التعاون الدفاعي بشكل كبير بالتعاون بين إيران وروسيا. وهو أمر فعال للغاية في تحسين القدرات الدفاعية والردعية للجمهورية الإسلامية. في سياق استفادة الجمهورية الإسلامية من فوائد الطاقة النووية السلمية، لا سيّما في بناء وتشغيل محطات الطاقة النووية، لعبت روسيا دوراً مهماً ويتواصل التعاون في هذا المجال”.

وعليه، فالأمين العام الجديد للمجلس، علي أكبر أحمديان، المنتمي للجيل الثاني  في الحرس الثوري، والذي تحول إلى قوة مؤسسية لها اقتصاداتها وامتيازاتها وشبكة مصالح متعددة بعد ثمانينات القرن الماضي وانتهاء الحرب مع العراق، تتجاوز أدوارها الأمنية، يتماهى، على خلاف شمخاني، مع رؤية القوى الأصولية المتشددة بخصوص الدور المؤسساتي لهذا القطاع المتوغل في قطاعات أخرى سياسية وأمنية واقتصادية، بل يباشر مهماته في مزايحة الآخرين لفرض مقاربته في مجالات الأمن والسياسة والحكم. ولئن اعتبرنا موقف شمخاني من احتجاجات ما بعد مهسا أميني تقع ضمن النقاش المحتدم حول الدور “الثوري” للأجهزة الثقافية المختصة، وقد اعترض على القمع والتعاطي الأمني مع الصراع، فإنّ تعقيب أحمديان يبدو لافتاً وكاشفاً عن الفروقات والتفاوتات بين الجيلين تبعاً للمصالح والبراغماتية التي تحكم ذهنية فترتين مختلفتين. 

وعرج أحمديان على ما وصفه بـ”التهديدات الكبرى للاستعمار ضد الثورة الإسلامية”. وقال بخصوص الاحتجاجات التي اندلعت منذ أيلول/ سبتمبر العام الماضي: “يسعى الاستعمار إلى قلب النظام الإسلامي بغزو ثقافي وبهدف الفتنة بين شباب البلاد”. وعلى نحو مبكر، عام 2001، حمل أحمديان مقاربة أكثر وضوحاً لطبيعة الدور والمهمات التي ينبغي أن يضطلع بها الحرس الثوري، إذ أكد أنّ “الحرس يتعين عليه الرد على التهديدات ضد الثورة الإسلامية”. ومن بين هذه التحديات المواجهة الثقافية وخرق المجتمع بواسطة قيم مغايرة لـ”الجمهورية الإسلامية”. أو بحسب ما سماه “الصراع الناعم”. وأوضح أنّ سبب الازمات التي يعانيها المجتمع الإيراني هو “تباين وجهات نظر الناس المختلفة حول الثورة”. 

إذاً، يصطف الأمين العام الجديد للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني مع الدولة العميقة في إيران، والتي ترى بضرورة تأمين الحكم من خلال الحرس، وغلق أي جيوب قد تتسلل منها أطراف مرنة تضعف الجبهة الصلبة، ورهاناتها المستقبلية، بخصوص انتقال سلس بعد خامنئي.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 17.05.2024

مدارس “الأونروا” المدمرة مأوى نازحين في خان يونس

على رغم خطورة المكان على حياة أفراد العائلة، بسبب احتمال سقوط بعض الجدارن أو الأسقف على رؤوسهم، قررت العائلة الإقامة في أحد الصفوف الدراسية، وبدأت بتنظيفه وإزالة الحجارة والركام من المساحة المحيطة به، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.