fbpx

تحالف بحري إيراني – خليجي… ليس مزحة إنما رسالة الى الولايات المتحدة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الحوادث البحرية المتورطة فيها إيران والحرس الثوري لا تبدو جديدة أو عرضية، إنما ثمة سوابق عدة لوقائع مماثلة في الخليج وبحر عمان منذ الانسحاب الأحادي لإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018. وفي أيار/ مايو الماضي

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مع التقارب الإيراني – الخليجي بوساطة الصين، تبدو النقاشات الدائرة، في طهران، بخصوص تدشين قوة بحرية لضمان سلامة الملاحة الدولية في مياه الخليج، حدثاً لافتاً، بخاصة مع إشارة الأدميرال شهرام إيراني، قائد البحرية الإيرانية، إلى شروع دول إقليمية عدة، منها السعودية والإمارات وقطر والبحرين وباكستان والهند، في بناء هذا التحالف. 

التحالف البحري الذي أعلن القائد البحري الإيراني قبول “جميع دول الساحل تقريباً في الأجزاء الشمالية من المحيط الهندي” بتشكيله بالتعاون مع إيران، جاء في سياق التهدئة الإقليمية، وفي غضون أيام قليلة من إعلان الإمارات خروجها من تحالف بحري في الخليج تقوده واشنطن (ذكرت الولايات المتحدة عدم تلقيها إخطار رسمي إماراتي بذلك). فيما عقّب الناطق بلسان الأسطول الخامس للبحرية الأميركية، على حديث شهرام إيراني بأنه “غير منطقي” في إشارة إلى التهديدات التي تمثلها إيران تجاه الملاحة الدولية. 

غير أن قائد البحرية الإيرانية أكد، وفق وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا”، أن دول الخليج وكذا جنوب آسيا ستعمل على تعزيز التعاون الإقليمي من خلال هذا التحالف البحري لـ”طرد أي قوة أجنبية لا مبرر لوجودها”.

وعلق الناطق بلسان الخارجية الصينية، بأن “بكين ترحب بتشكيل تحالف بحري مشترك بحضور إيران والسعودية والإمارات وبعض الأطراف الأخرى”، مؤكداً أن “مثل هذا التحالف سيعزز الأمن والاستقرار في المنطقة”.

تفاصيل هذا المشروع، الذي صرحت به إيران، لا يتجاوز نطاق الملاسنات والاستقطاب الحاد بين طهران وواشنطن، بينما امتنعت الدول الأخرى عن التعليق. ومع ندرة التفاصيل، وشح المعلومات، فإن التعليقات المتبادلة من الجانب الإيراني أو الأميركي تكشف عن حمولات سياسية.

مطلع الشهر الحالي، ذكرت البحرية الأميركية أن قواتها والبحرية الملكية البريطانية تلقت نداء استغاثة من سفينة تجارية في مضيق هرمز على خلفية هجوم مباغت تعرضت له من ثلاثة زوارق مسلحة تابعة للقوات البحرية للحرس الثوري الإيراني.

هذه الحوادث البحرية المتورطة فيها إيران والحرس الثوري لا تبدو جديدة أو عرضية، إنما ثمة سوابق عدة لوقائع مماثلة في الخليج وبحر عمان منذ الانسحاب الأحادي لإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018. وفي أيار/ مايو الماضي، احتجزت القوات البحرية للحرس الثوري ناقلة نفط عند مضيق هرمز بينما كانت ترفع علم بنماـ والأمر ذاته تكرر قبل شهر من الحادث الأخير، مع ناقلة نفط أخرى ترفع علم جزر مارشال. 

إذاً، تبعث مسألة التحالف البحري برسائل متعددة، بخاصة في ظل السياقات المطروحة، والدلالات السياسية المتفاوتة، وتوقيت الإعلان عن الأمر، وذلك بغض النظر عن هيكل التحالف البحري والحقائق الكاملة حوله. فمن ناحية، تبدو السياسات في الخليج تتجه نحو إدارة مختلفة للمعادلات الإقليمية في ظل التحولات الجيوسياسية في قمة العالم بعد الحرب الروسية – الأوكرانية. وتخشى دول الخليج من عواقب الصراع الجيو استراتيجي المحتدم بين الصين وواشنطن في ظل الاعتماد على الأولى اقتصادياً والثانية أمنياً. 

وفضلاً عن مخاوف الخليج من تداعيات هذا الصراع، والاضطرار للاختيار بين بكين أو واشنطن، فإن هناك هواجس تلحّ على قادة الخليج، بخاصة في ما يتصل بالتحالف ضد الأنظمة الاستبدادية الذي تحدث عنه جو بايدن إثر الحرب الروسية – الاوكرانية. 

تفاقم التوتر بين بعض دول الخليج وواشنطن، برز في خبر الانسحاب الإماراتي من التحالف البحري الموجود بقيادة واشنطن، وقد حدثت بعده مكالمة بين مستشار الأمن القومي الإماراتي، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان ونظيره الأميركي جيك سوليفان أكدت “الشراكة الاستراتيجية” بين الطرفين، لكنها لم تتمكن من إخفاء التباينات أو “الإحباطات الإماراتية إثر تراجع الضمانات الأميركية في ما يخص التهديدات الأمنية وشن الحوثي هجمات في السعودية والإمارات واحتجاز ناقلات نفط وأزمة صفقة الطائرات إف 35” وفق مسؤولين أميركيين لصحيفة وول ستريت جورنال.

الباحث والأكاديمي الأميركي، إرك لوب، مدير برنامج الدراسات العليا في العلوم السياسية بجامعة فلوريدا، يقول إن الوضع في الخليج يبدو مأزوماً للغاية في ظل التطورات التي تحصل على الساحة الدولية. كما أن الانسحاب الأميركي المباغت من أفغانستان، كان مؤشراً يبعث على القلق، موضحاً لـ”درج” أن “هناك رغبة في التعاطي بصورة مختلفة مع الصين وروسيا بما يعني الاستجابة المرنة للأقطاب الدولية المختلفة، وعدم الوقوع في فخ القطب الواحد بمنطق الصراع القديم أثناء الحرب الباردة والاختيار بين أحد المعسكرين”.

منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني أو خطة العمل الشاملة المشتركة وممارسة سياسة “الضغط القصوى” على إيران في عام 2018، جعل الأخيرة ترد بسياسات أكثر عدوانية من خلال زيادة قدراتها النووية، وكذا القرصنة البحرية واحتجاز ناقلات النفط في مياه الخليج، وفق لوب. من ثم، توجت طهران هذه الأنشطة بـ”الهجوم بطائرات مسيرة وصواريخ إيرانية على منشآت نفطية سعودية في عام 2019، فضلاً عن هجمات مماثلة تلتها ضد الإمارات. ورداً على تقديم الولايات المتحدة ضمانات أمنية غير مرضية، أجرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة محادثات ثنائية مع إيران بواسطة العراق وسلطنة عمان، انتهت بالاتفاقية التي توسطت فيها الصين في آذار/ مارس 2023″. 

فيما يوضح الباحث والأكاديمي الأميركي بجامعة فلوريدا، أنه لعقود كانت الإمارات العربية المتحدة تحت المظلة الأمنية الأميركية. وفي عام 2020، وقعت اتفاقيات أبراهام بوساطة أميركية مع إسرائيل. ومع ذلك، يمكن القول إنه مع تراجع أو فك ارتباط الولايات المتحدة وصعود روسيا والصين في الخليج العربي والشرق الأوسط، قامت الرياض وأبو ظبي بموازنة علاقاتهما مع هذه القوى في عالم أمسى متعدد الأقطاب بشكل متزايد. 

ويردف: “حياد كلا البلدين خلال حرب أوكرانيا وتخفيضات إنتاج النفط في أوبك، بالإضافة إلى انسحاب الإمارات العربية المتحدة، أخيراً، من التحالف البحري الأميركي، هي أمثلة مهمة ولافتة”. 

ويؤكد أن الحديث عن تحالف بحري هو “رسالة” للولايات المتحدة، بينما لن يرقى الى “تحالف رسمي وربما تكون هناك، فقط، مناورات بحرية مشتركة”. إذ إنه “من الناحية العملية لا يمكن توقع إمكان حدوث هذا التحالف في ظل عدم تجانس الدول داخل مجلس التعاون الخليجي، وأزمة القيادة المتنازع عليها بين دول الخليج والتنافس المحموم بينهم”.

ويختتم لوب حديثه قائلاً إن التلميح بتشكيل تحالف بحري يأتي أيضاً في سياق ضغط سعودي على الولايات المتحدة التي ترفض الاستجابة لشرط الرياض بخصوص التطبيع مع إسرائيل المتمثل في دعم برنامج نووي سعودي. 

اللافت، أن مسألة التطبيع أو بالأحرى اشتراطات التطبيع السعودي – الإسرائيلي سجلت قفزة نوعية، إذ تحدثت الرياض علانية عن الأمر، أخيراً، ذلك في أعقاب زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إلى السعودية، خلال الشهر الحالي، وقد صرح الأخير بأن واشنطن “ستواصل لعب دور أساسي في تعزيز التطبيع بين إسرائيل والمملكة والتوسع فيه”. 

فيما لمحت وكالة “نور نيوز” الإيرانية، المقربة من الحرس الثوري الإيراني، بالتزامن مع تصريحات قائد البحرية الإيرانية، الى وجود تعاون محتمل في مجال التقنيات النووية السلمية، وكذا نقل الخبرات والإنجازات المهمة لإيران إلى السعودية بناء على القوانين الدولية وتحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وعقّب وزير الطاقة الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، على ذلك بمعارضة شديدة. 

ووفق صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، فإن “التقارب بين إيران والسعودية يشكل مصدر قلق كبير لإسرائيل والولايات المتحدة، لا سيما في ظل اندفاع طهران غير المسبوق نحو الطاقة النووية. فقبل الاتفاق على استئناف العلاقات بين الرياض وطهران، انتشرت تقارير تفيد بأن المملكة العربية السعودية كانت أقرب إلى توقيع اتفاقية تطبيع مع إسرائيل، وهي خطوة تاريخية من شأنها أن تؤثر بشكل كبير على قوى التوازن في الشرق الأوسط وتخلق جبهة إسرائيلية عربية موحدة أكثر بكثير ضد إيران”.