fbpx

“أدمغة خائنة”… هجرة النخب الإيرانّية وسياسة لجم العقول

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هجرة الإيرانيين هي “حلقة مفرغة” لا تنتهي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1979، لم يتردد المرشد الإيراني الإمام الخميني، في التصريح عن معضلة هجرة العقول الإيرانية بأعداد لا يمكن إغفالها أو التعمية عن حقائقها. لكنّ الخميني عمد إلى مواجهة عنيفة لا تسمح بمواقف مرنة وبراغماتية. وقال: “دعوهم يهربون. فهم ليسوا متعلمين وأدمغة خائنة”.

تصريحات المرشد الإيراني الراديكالية والمتشددة كانت تؤشر إلى طبيعة الثورة التي لن تقبل بالجميع، وستقود، حتماً، تغييرات، أو بالأحرى “ثورة” مماثلة، ثقافية. فيما ستشرع عبر أجهزتها في صناعة أفراد جدد ولاءاتهم التامة والنهائية لـ”الجمهورية الإسلامية”. لذا، أكد الخميني في تصريحاته المبكرة، أنّه “لا يهم إذا كانوا علماء جامعيين. هم مؤيدون للحضارة الغربية. دعهم يذهبون. لا نريد خدماتهم ومساهماتهم”. 

في أعقاب صعود “آيات الله” الى الحكم، باشر الحكام الجدد المعممون في تنفيذ ما عُرف بـ”الثور الثقافية”، لتنقية المؤسسات التعليمية والثقافية من أيّ نفوذ “غير إسلامي” أو “استعماري” مرتبط بـ”الحضارة الغربية غير الإسلامية”. تمّ إغلاق الجامعات رسمياً لمدة ثلاثة أعوام تقريباً. وبحسب البيانات الرسمية لوزارة الثقافة والتعليم العالي، انخفض عدد الأساتذة في مؤسسات التعليم العالي الإيرانية بنسبة 44 في المائة عام 1982 مقارنة بعام 1980. 

ووفق صندوق النقد الدولي، فإنّ 25 بالمئة من الإيرانيين الحاصلين على شهادة جامعية، عام 1999، يعيشون في الخارج في دول كانت أعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

على مدار أربعة عقود، لم تخفت حدّة هذه القضية في ظل لجم النظام الإيراني العقول، وشلّ الإرادات، وتعميم مفاهيم الولائية وقيمها. فيما عاد النقاش، مجدداً، حول هذه القضية التي تبعث باستقطابات حادة في إيران تحت وطأة الوضع السياسي المأزوم، والاحتجاجات الحقوقية والفئوية، فضلاً عن دعاوى مضادة وهجمات عنيفة من البرلمان على حكومة إبراهيم رئيسي.

بالتزامن مع إعلان مدير المرصد الإيراني، بهرام صلواتي، عن تضاعف أعداد الهجرة، وصدور نحو 86 ألف تأشيرة أو إقامة غير سياحية للإيرانيين خلال الـ 12 عاماً الأخيرة، لمّح رئيس جامعة طهران، سيد محمد مقيمي، أخيراً، إلى الأمر ذاته، بينما ذكر وجود عوامل عدة ومباشرة مؤدية إلى تفاقم هذا الوضع السلبي.

25 بالمئة من الإيرانيين الحاصلين على شهادة جامعية، عام 1999، يعيشون في الخارج في دول كانت أعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

نقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية عن مقيمي قوله، إنّ “خطط تنمية موارد إيران البشرية على مستوى جيد من المعايير الدولية، وجامعاتنا لديها تدابير مقبولة في المعايير الدولية”. وتابع: “عوامل مختلفة متورطة في هجرة النخب، والسبب الأهم هو عدم توفير فرص عمل لهم. نخبنا حريصة ومحبة لبلادها، إلا أنّنا للأسف لم نتمكن من توفير أساس للحفاظ عليها. فعلى الرغم من ضعف الإمكانات، يتوجب علينا أن نستمع الى أصوات المنتجين”.

خلال فترة حكم الملالي، تفاقمت الأوضاع، السياسية والمجتمعية، في إيران، الى درجة جعلت المهاجرين الإيرانيين من فئات مختلفة، أكاديميين ورياضيين وفنانين وكتاب، يغادرون موطنهم، قسراً. ففي الفترة بين عامي 1979 و2019، تضاعفت نسبة المهاجرين لأكثر من ثلاث مرات (أكثر من ثلاثة ملايين إيراني غادروا بشكل نهائي).

قبل عامين، قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، إنّ “الذين يشجعون الشباب على الهجرة من إيران، هم خونة وأعداء للوطن”. وجاء رد خامنئي إثر مناقشة الموازنة بالبرلمان، حيث باشر علي رضا مونادي، رئيس لجنة التعليم والبحث، انتقاداته لحكومة حسن روحاني على خلفية النفقات المنخفضة الموجهة للتعليم، ومنها رواتب الأكاديميين التي لا تتجاوز الـ 500 دولار للأستاذ الجامعي الذي يتمتع بخبرة 40 عاماً.

مع تسلُّم إبراهيم رئيسي منصب الرئيس، والذي كان يمثل ذروة وصول القوى الأصولية الى مفاصل الحكم، وهيمنة عناصرهم على المؤسسات، التشريعية والتنفيذية والقضائية، عام 2021، سجلت عمليات الهجرة والفرار تدفقاً جديداً، بين المعارضين السياسيين من خلفيات متفاوتة. وصل الأمر ذروته مع لاعبة الشطرنج سارة خادم، التي لم تفصح عن مكان إقامتها بالخارج بعد تلفيق تهم بحقها على خلفية خلعها الحجاب أثناء مشاركتها في مسابقة عالمية.

ندرة الكفاءات في مجالات عدة، علمية وفنية ورياضية، نتيجة هجرة الإيرانيين المتزايدة، تسببت في فشل أيّ تقدم أو تنمية. وذكرت مجلة “الإيكونوميست”، في تقرير لها مطلع تموز/ يوليو عام 2015، أنّ 96 في المئة من براءات الاختراع التي سجلها إيرانيون يعيشون في المنفى، هم مواليد عامي 2007 و 2012. لكنّ رئيسي لا يقر سوى بـ”هزيمة” الولايات المتحدة وفشل سياسة “الضغط القصوى”، بينما يؤكد أنّ إيران تحقق “معدلاً متسارعاً” في التقدم الاقتصادي والعلمي. 

العام الماضي، احتلّت إيران المرتبة الثالثة بين أكثر الدول التي طالب مواطنوها باللجوء إلى المملكة المتحدة، وفق وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء. وبلغ عدد طالبي اللجوء نحو 13444، منها 10529 حالة لا تزال معلقة. بينما في شباط/ فبراير العام الحالي، فقط، بلغ عدد طالبي اللجوء 1579 إيرانياً.  

احتلّت إيران المرتبة الثالثة بين أكثر الدول التي طالب مواطنوها باللجوء إلى المملكة المتحدة، وفق وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء.

عانى الإيرانيون من محطات نزوح وهجرة بدأت مع “الثورة الثقافية” والقمع الذي شعر به الليبراليون والقوى والشرائح كافة التي تقف على النقيض من سياسات الملالي، ثم بعد نهاية الحرب العراقية – الإيرانية التي استمرت ثمانية أعوام، شهدت تخريباً للبنية التحتية العلمية والبحثية، بل نجمت عنها تحولات في بنية الحكم تمثلت في صعود الحرس الثوري الذي هيمن على السلطة، وزاد نفوذه الاقتصادي. فعمد “الحرس” إلى حماية شبكات مصالحة بتعميم القمع والبطش. ومن بين أبرز تلك المحطات كذلك، الاحتجاجات الطلابية في فترة محمد خاتمي، وقد ترتب عليها تنفيذ محمود أحمدي نجاد سياسة عدوانية لتصفية الجامعات من الأكاديميين الذين صُنِّفوا “ليبراليين” و”عالميين” معادين لـ”الثورة” مع الترويج لخطاب يجعلهم من مؤيدي “قوى الاستكبار العالمي”، وأخيراً الاحتجاجات التي أعقبت مقتل الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني على يد دورية “شرطة الأخلاق”. 

يقول رحيم حميد، الباحث المتخصص بالشأن الإيراني في معهد الحوار للأبحاث والدراسات، مقره واشنطن، إنّ نظام الملالي “استبدادي، يقف ضد الحرية ويكرهها ويحاربها، وليس ديكتاتورياً، فقط، لكنّه فاسد ومتعصب عقائدياً أيضاً. بالتالي، هذا المناخ المتشدد لن يقبل بالتنوع، أيّ تنوع، سواء في المجال الثقافي أو الفني أو الرياضي وحتى التنافس الاقتصادي. هي أوليغارشية حاكمة بمنطق مافيوي”. 

ويصف حميد قضية هجرة الإيرانيين بأنّها مثل “حلقة مفرغة” لا تنتهي، موضحاً لــ”درج” ألا حلول متوقعة حتى مع اعتراف بعض أطراف النظام أو الإشارة إليها. ويردف: “كل أجهزة الدولة تعمل لخدمة أجندة النظام، السياسية والأيديولوجية، بغض النظر عن أيّ حسابات أخرى تنموية أو اقتصادية. بعض الأرقام الموثقة تفضح مدى ضخامة كارثة هجرة العقول من إيران. وحسب دراسة من جامعة ستانفورد الأميركية عام 2020، تحتل إيران المرتبة 53 من 232 دولة فيها أكبر عدد من الباحثين عن فرص عمل في الخارج”. 

ويشير الباحث المتخصص بالشأن الإيراني في معهد الحوار للأبحاث والدراسات، إلى تصريح النائب الإيراني، إحسان غازي زاده، والذي قال نهاية العام 2021 إنّ ما يقرب من 300 ألف من حملة الشهادات الجامعية والدكتوراة قد تركوا إيران، منذ عام 2018. فيما يعقّب حميد على ذلك بأنّ الأسباب وراء هذه النتيجة ليست سراً، منها “القيود على الحرية وقمع المعارضة والتعميم القسري لأيديولوجية ولاية الفقيه. فضلاً عن الفساد المتفشي داخل الهياكل البيروقراطية للدولة الإيرانية”.

وتشير الإحصاءات التي أجرتها مؤسسات داخل إيران، إلى أنّ “ثلثَي أساتذة إيران وطلابها يرغبون في مغادرتها. فبالنسبة إليهم، البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية الحالية لا تطاق. فهى لا تساعد أيّ شخص على النجاح في حياته المهنية أو الشخصية”. يقول حميد.

الأمر ذاته ينطبق على الفنانين في قطاعات متفاوتة، وهم بحاجة إلى مناخ واسع من الحرية للنشاط من دون قيود وحذر ورقابة. لكن، في ظل هذا الوضع الصعب، ستظل الجمهورية الإسلامية “بيئة غير آمنة”. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.