fbpx

اغتيال التونسي شكري بلعيد… هل تغلق أحكام الإعدام القضيّة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد مرور 11 عاماً، وصل ملف اغتيال التونسي شكري بلعيد إلى مرحلة الحكم، وتراوحت الأحكام التي أصدرها القضاء التونسي بين عقوبة الإعدام وعدم سماع الدعوى، ليكون بذلك أول حكم يصدر في القضية التي خلّفت أزمة سياسية كبرى حينها. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 حكم القضاء التونسي بالإعدام على أربعة مدانين في قضية اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، وبالسجن المؤبد على شخصين بتهمة المشاركة في عملية الاغتيال السياسي الأول الذي تشهده البلاد منذ عشرات السنين. كما أصدرت أحكاماً بالسجن تتراوح بين سنتين و120 سنة بحق متهمين آخرين، في حين برأت 5 أشخاص.

أعادت الأحكام في القضية السجال مجدداً بين الأحزاب السياسية التي تصدرت المشهد السياسي خلال العشرية التي تلت 2011، لا سيما اليساريين وحركة النهضة. فيما سارعت الحركة الإسلامية، المتهمة الرئيسية في قضية الاغتيالات السياسية بتونس، لاعتبار الأحكام القضائية بمثابة صك براءة ومطالبة برد الاعتبار.

 أكد خصوم النهضة أن الملف لم يغلق وأن محاكمة منفذي العملية ما هي إلا خطوة أولى، على أن تشهد الأيام المقبلة محاكمة من دبّر وخطّط وموّل وأشرف على العملية، متمسّكين بضلوع حركة النهضة في هذا كله.

أحكام الإعدام بحق المنفذّين لا المخططين

والمتهمون الأربعة الذين حوكموا بالإعدام هم كلّ من عز الدين عبد اللاوي (أمني معزول) ومحمد أمين القاسمي (سائق الدراجة النارية التي كان على متنها القضقاضي أثناء تنفيذ عملية اغتيال بلعيد) ومحمد العكاري (قائد الجناح العسكري لتنظيم أنصار الشريعة المحظور) ومحمد العوادي (شهر الطويل، أحد أخطر العناصر الإرهابية في تونس وقائد الجهاز العسكري والمسؤول الثاني في ما يسمى تنظيم أنصار الشريعة المحظور). فيما طاولت عقوبة السجن مدى الحياة كلاً من محمد علي دمق (صاحب السيارة التي تم استغلالها في عملية الاغتيال) ومحمد الطالبي (طبيب).

ويتم في تونس إصدار أحكام بالإعدام، بخاصة بحق المتّهمين بتنفيذ الهجمات “الإرهابية”، لكن تنفيذ هذه الأحكام توقّف منذ عام 1991.

كان شكري بلعيد المحامي والسياسي اليساري المعروف بمعارضته الشديدة للإسلاميين، قد قُتل في 6 شباط/ فبراير عام 2013 أمام بيته الكائن بالمنزه السادس بالعاصمة تونس رمياً بالرصاص. وشكّلت عملية اغتياله منعرجاً خطيراً في الحياة السياسية في البلاد حينها. إذ أجبرت التظاهرات في الشوارع رئيس حكومة النهضة آنذاك على الاستقالة، ودخلت البلاد في أزمة سياسية كبيرة، لا سيما بعد اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في 25 تموز/ يوليو من العام ذاته، وما عقبها من عمليات إرهابية طاولت سياحاً ومدنيين وعسكريين وأمنيين.

وطيلة السنوات التي تلت عملية الاغتيال، ظلّت أصابع الاتهام موجّهة الى حركة النهضة باعتبارها الحزب السياسي الذي تصدّر المشهد السياسي قبل العملية وبعدها. وكانت الحركة تنفي باستمرار هذه التهم، ولكن من دون أن يتم في فترات حكمها النظر جدياً في ملف الاغتيالات السياسية، بل كانت المماطلة وتعطيل مسار كشف الحقيقة هما الحالة السائدة كما تؤكد هيئة الدفاع عن (بلعيد والبراهمي). 

توقيت متأخر

على رغم اعتبار هيئة الدفاع عن الضحايا وقسم من الأحزاب اليسارية الأحكام الصادرة خطوة مهمة، إلا أن مرور هذه السنوات كلها على حادث الاغتيال جعل التقبّل الشعبي له باهتاً ومن دون أي وقع سياسي. 

الآن وبعدما فقدت القضية زخمها الشعبي، برزت مطالب بالقيام بجهود مضاعفة لدفع القضاء الى فتح فصل جديد للقضية يشمل المخطّطين والمموّلين والمحرّكين للعملية برمتها.

بدورها، لم تستفد حركة النهضة من توقيت صدور هذه الأحكام، لأنها تأتي فيما لا تلعب أي دور سياسي يخوّلها  أن توظّف الأحكام، وتحوّلها الى نصر حقيقي على غرار مضاعفة نفوذها داخل الحكومة والبرلمان، وتحويل خطابها من التبرير ورفض التهم الى إعلان النصر.

منذ الإعلان عن الأحكام ضد مجموعة التنفيذ، سارعت حركة النهضة الإسلامية الى إعلان براءتها، قائلة في بيان أصدرته بعد ساعات قليلة من صدور الأحكام، إن “ما توصلت إليه الأجهزة الأمنية بكل تخصّصاتها وما انتهت إليه الدوائر القضائية من تفاصيل يعد بشكل يقيني أدلة براءة لحركة النهضة”. 

لكن يبدو أن براءة الحركة من عدمها سابق لأوانه في ظل تأكيد هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي وعائلة بلعيد وحزبه السياسي، أن هذه الأحكام ما هي إلا مرحلة أولى من مسار طويل من المحاكمة سيطاول الجهات التي خطّطت وموّلت وأعطت الأمر بالاغتيال.

وكان شكري بلعيد الذي حضر إعلامياً بقوة بعد الثورة دائم الانتقاد لحركة النهضة التي اتهمها بالفشل في قيادة المرحلة الانتقالية والرغبة في الهيمنة على مؤسسات الدولة والمشهد السياسي والتساهل مع المتشددين (أنصار الشريعة آنذاك). وفي آخر مداخلة تلفزيونية له بتاريخ 5 شباط 2013 اتهمها بالتشريع للاغتيال السياسي.

من جهة أخرى، تعتبر العائلة الوطنية الديمقراطية “الوطد” (حزب بلعيد) وجزء من اليسار التونسي، أن ما صدر من أحكام ليس إلا المحطة الأولى المتعلقة حصراً بمن نفذوا عملية الاغتيال، وأن الفترة القريبة المقبلة سيحاكم خلالها كل من خطط وموّل وحرّض، في إشارة غير معلنة لحركة النهضة وقادتها.

 تتمسّك هذه الأطراف بتسريع النظر في قضية الجهاز السري لحركة النهضة لاعتقادها جازمة أن الخوض قضائياً في هذا الملف سيكشف عن وجود أدلة تثبت علاقة النهضة بالاغتيالات.

هل تسرّعت حركة النهضة بإعلان براءتها؟

لمحامي محمد جمور، عضو هيئة الدفاع، قال  لـ”درج”، إن “الأحكام الصادرة تتعلق بمجموعة تنفيذ عملية الاغتيال وليس بجميع الأطراف الضالعة في العملية، ونعني من خطّط وحرّض وأعطى الأمر ومن تستر أيضاً على الجريمة في مرحلة لاحقة. ولهذا، فإن حركة النهضة بإعلانها براءتها تكون أساءت التقدير، وهي في الحقيقة تريد استغفال الرأي العام التونسي بتوظيف هذه الأحكام في محاولة لإبعاد الشبهات عنها. فيما المرحلة المقبلة من المحاكمة ستشهد فصولاً جديدة ستكون قيادات من حركة النهضة بينها”.   

وهذا ما أكده أيضاً عضو الهيئة عبد الناصر العويني، الذي قال لـ”درج”، “إن الأحكام الصادرة ابتدائياً لا تمثل إلا شقاً من طريق كشف الحقيقة، والمسار المقبل سيتواصل لمحاكمة من تولى التخطيط والتمويل واتخاذ قرار الاغتيال، ونحن كهيئة ما زلنا متمسكين باتهام حركة النهضة، وتنظيم أنصار الشريعة بالوقوف وراء عملية الاغتيال”.

وقالت عضو الهيئة إيمان قزارة لـ”درج”، “إن تحديد عدد المتهمين في ملف اغتيال بلعيد بـ23 متهماً لا ينصف القضية، فشبكة المتهمين أكبر بكثير من ذلك. وهذا مردّه أن القضاء التونسي لم يجدّد قائمة المتهمين واكتفى بالعدد  الذي حُدِّد في شهر حزيران/ يونيو 2014، رغم أن التحقيقات الأمنية والقضائية قد أفرزت قائمة أخرى”.

وتابعت قزارة قائلة، إن”معركة كشف الحقيقة في قضية اغتيال بلعيد، ما زالت متواصلة على مستوى مسار ملف الجهاز السري لحركة النهضة، الذي له علاقة وثيقة بملف الاغتيال. وهناك ستة قيادات تابعة لحركة النهضة، منهم الطاهر بوبحري، ومصطفى خضر، وكمال العيفي، إلى جانب ثلاثة مسؤولين أمنيين تولوا مناصب عليا في وزارة الداخلية، سيمثلون أمام المحكمة في 30 نيسان/ إبريل الجاري، وهو ما سيكون له تأثير قوي في مجرى المحاكمة”.

قضيّة الجهاز السرّي لحركة النهضة

وكانت قضية الجهاز السري لحركة النهضة قد تفجرت في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، عندما كشف فريق هيئة الدفاع عن ملف اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وجود وثائق وأدلة تفيد بامتلاك النهضة جهازاً سرياً أمنياً موازياً للدولة، متورطاً في اغتيال المعارضين، وفي ممارسة التجسس واختراق مؤسسات الدولة وملاحقة خصوم الحركة. 

بحسب هيئة الدفاع، وُجدت هذه الوثائق في ما سُمي بـ”الغرفة السوداء” الموجودة في أحد طوابق وزارة الداخلية التونسية، وتحتوي على أكياس مليئة بوثائق تتعلق بملفات قضائية خطيرة، منها ملف الاغتيالات.

 وكان القضاء التونسي المتعهد بملفي الغرفة السوداء والجهاز السري، قد أصدر أحكاماً بحجر السفر على 34 متهماً في قضية الجهاز السري في 27 أيار/ مايو 2022، وعلى رأسهم راشد الغنوشي.

كما يقول أعضاء هيئة الدفاع إن بلعيد اتصل بعميد المحامين آنذاك شوقي الطبيب، وأكد له تعرضه للمضايقة والترصد وتلقيه تهديدات جدية تستهدف سلامته الجسدية وحياته. ليتصل الطبيب بوزير الداخلية حينها علي العريض، ليتلقى رداً في تشرين الأول 2012 من مدير عام الأمن العمومي في شكل مراسلة أكد فيها أن المعني (شكري بلعيد) يتخيل إليه بحكم وجود خلافه الأيديولوجي مع النهضة وأنه بالتحري في مدى جدية التهديدات، ثبت عدم صحتها.

وعلى مدار السنوات الـ11 التي تلت الاغتيال، سعت الأطراف التي أمسكت بالسلطة الى التعتيم على هذه المعلومات وتفكيك ملف الاغتيال الى ملفات حتى تعقد مسار الوصول إلى الحقيقة. ولكن اليوم وبعد النطق بالحكم الأول في هذه القضية، يرجح أن تتّجه الأمور إما لفتح مسار حقيقي يؤدي للوصول إلى الجهة التي تقف وراء الاغتيال أو تكون الأحكام بمثابة المسكّن الذي تقدّمه السلطة الراهنة لهيئة الدفاع عن الشهيدين، وعائلة اليسار التي ما زالت تتمسك بكشف الحقيقة.