fbpx

النساء اليمنيات وجواز السفر.. تعقيدات مضاعفة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حقُّ آلاف من نساء اليمن المشرع باستخراج جوازات السفر، محاصرٌ بعرف مجتمعي تحوّل في يوم إلى تعميم شفهي يطبقه الموظفون متغافلين عن نص القانون، وحملة “اشتي_جواز” تعيد مطالبهن إلى الواجهة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يُنشر هذا التقرير بالتعاون مع منصة “ريف اليمن” الصحافية، المهتمّة بنشر أخبار الريف اليمني والتحديات التي تواجهه.

تقول أروى عبدالحميد، إنها سافرت مسافة 7 ساعات متواصلة، عبر طرق وعرة، من منطقة الحوبان شرق تعز، حتى وصلت الى وسط المدينة، بغية استخراج جواز سفر، لكنها انصدمت بطلب غير قانوني من موظفي الجوازات عرقلها لأيام عدة.

تضيف أروى لمنصة “ريف اليمن”، “بعدما تقدمت بأوراقي لاستخراج جواز سفر، سألني الموظف “أين زوجك؟ وعندما أجبته أنه مغترب في السعودية، قال لن تستطيعي استكمال معاملتك، جهزي وكالة رسمية وعودي”.

شكّل هذا الطلب لأروى مشكلة كبيرة، وبدأت فصلاً جديداً من المعاناة، بهدف الحصول على الوكالة، ولحسن حظها يوجد في المدينة أقرباء لها، ما ساعدها في تخطّي المشكلة لكن بعد يومين من التعب.

تشرح أروى المعاناة قائلة: “ذهبنا إلى أحد القضاة لاستخراج وكالة، فطلب منا أن نأتي بشاهدين يعرفان زوجي، وعندما قمنا بإحضارهما اعتذر وطلب أن نعود في اليوم التالي بسبب انشغاله، وهذا ما حصل”.

تضيف: “أخذ القاضي هاتفي واتصل على رقم زوجي، وسأل الشاهدين إن كانا يعرفان صوته، فأجابا بنعم. بعدها، قام بتحرير الوكالة. وقد دفعت مبالغ مالية إضافية له وللشهود، وعدت في اليوم الرابع لاستخراج الجواز.

أروى، هي واحدة من آلاف النساء اليمنيات اللواتي تتم عرقلة معاملاتهن ورفض استخراج جواز لهن إلا بوكالة رسمية من الزوج. وأحياناً، يلجأن إلى طُرق غير قانونية كدفع مبالغ مالية لاستخراج الجواز بسبب تلك التعقيدات.

السلطات اليمنية لا تمنح النساء جواز السفر من دون إذن الزوج أو وجوده شخصياً وفق تعاميم شفهية.

في شهر آذار/ مارس الماضي، أطلقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريراً قالت فيه إن جميع أطراف النزاع في اليمن تنتهك بشكل ممنهج حق المرأة في حرية التنقل. وبيّن التقرير أن السلطات المختلفة تمنع النساء من السفر بين المحافظات، وإلى خارج البلاد في بعض الحالات، من دون إذن ولي الأمر أو مرافقة محرم (أحد الأقارب الذكور المباشرين).

وبحسب التقرير، كان أثر هذه القيود على حياة النساء هائلاً، وقد أعاق قدرتهنّ على تلقّي الرعاية الصحية والتعليم والعمل، وحتى زيارة أسرهنّ وعائلاتهنّ.

حتى من تأتي بالمحرم تتم عرقلة معاملتها لأشهر، كما حدث مع المواطنة الفية ناجي، التي كابدت مطلع كانون الثاني/ يناير 2024، مشقّة السفر إلى مدينة تعز جنوب غربي اليمن، لاستخراج جواز سفر، فهي تتطلع الى السفر لأداء مناسك العمرة وزيارة شقيقتها المقيمة هناك”.

تقول الفية (45 عاماً)، التي تنحدر من ريف محافظة إب وسط اليمن، لـ “ريف اليمن”: “ذهبنا أنا وزوجي إلى مدينة تعز، وحرصت على وجوده معي حتى لا تتم عرقلة المعاملة وطلب وكالة. وبسبب وعورة الطرقات، كانت الرحلة من أصعب لحظات حياتي وأكثرها مشقةً وعناءً، ناهيك بالإجراءات المشدّدة في النقاط الأمنية”.

تضيف: “سُررت عندما أخبرني شقيقي المقيم في السعودية أنه سيتكفل بدفع تكاليف استخراج جواز السفر، والسفر لأداء العمرة، لكن مشقة السفر التي تكبدتها في الحصول على الجواز كانت قاسية، الى درجة تمنيت فيها لو أني رفضت السفر”.

وعلى رغم مرور أربعة أشهر حتى لحظة نشر التقرير، لا تزال الفية تنتظر لحظة استلام الجواز. تقول: “ماتت لدي اللهفة للسفر”، وتخشى أن يوافيها الأجل قبل زيارة بيت الله الحرام، وهي لا تزال تنتظر على غرار مئات الآلاف من المواطنين اليمنيين.

في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2022، أفاد خبراء حقوقيون تابعون للأمم المتحدة بأن “الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري” (هيئة النقل البري) في صنعاء، أصدرت توجيهاً شفهياً في آب/ أغسطس 2022، يشترط أن تكون النساء برفقة محرم عند السفر إلى أي مكان داخل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون أو خارج البلاد.

ما هو رأي القانون؟

تنص المادة رقم (6) من قانون الجوازات اليمني على: “تُصرف جوازات السفر العادية ووثائق السفر لكل من بلغ 16 عاماً، ممن يتمتعون بجنسية الجمهورية اليمنية، أما القُصَّر فيُضافون في جواز سفر أحد الأبوين، إن كان مسافراً بصحبته، ويجوز صرف جواز للقاصر عند الضرورة، وبعد موافقة وليّ أمره”.

يليه “قانون الجوازات” رقم 7 لسنة 1990، الذي أعطى الحق لكل من يحمل الجنسية اليمنية أن يستخرج وثيقة سفر، عدا الأطفال دون سن 16 عاماً.

هذا إضافة إلى المادة 3 من القرار الجمهوري رقم 2 لسنة 1994 بشأن لائحة الجوازات، وكلها لا تذكر اشتراط الوصاية في الجواز، لكن العرف المجتمعي والذي اعتمدته دوائر الهجرة، فرض وجود توكيل رسمي لولي أمر المرأة بموافقته لها على استخراج جواز السفر.

ولا يشكل لجوء النساء والفتيات اليمنيات الى السماسرة حلاً للمشكلة، إذ تصبح كل الانتهاكات الممارسة بحقهن غير قابلة للشكوى القانونية، وعلى رأسها التحرش والابتزاز.

المواجهة الأولى

حاولت منظمات نسوية الضغط على السلطات المحلية لمراجعة هذه الأعراف وإيصال أصواتهن إلى صنّاع القرار، والرأي العام والمنظمات المحلية والدولية.

وفي مطلع شباط/ فبراير 2022، أطلقت ناشطات يمنيات حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان “جوازي بلا وصاية”، طالبن فيها كلاً من وزير الداخلية ورئيس مصلحة الجوازات بإعادة العمل بالقانون رقم 7 لسنة 1990 الخاص بالجوازات ولائحته التنفيذية، وذلك حتى تتمكن النساء من استخراج وثيقة سفر بلا وصاية من أحد، أي من دون الحاجة إلى إذن من الأوصياء أو مرافقتهم.

ضغط الرأي العام النسوي، ولجوء المنظمات الى القانون والمحاكم الإدارية، دفع الجهات المتخصصة إلى إصدار تعميم رسمي من رئيس الحكومة السابق معين عبد الملك، يساند حق النساء بالجواز بلا وصاية.

وتسلّم رئيس الحكومة السابق رسالة من الحملة، طالبته فيها بتوجيه المتخصصين بالعمل على إزالة العوائق التي تعترض المرأة في حصولها على جواز سفر بلا وصاية من أحد، والاقتداء بالقانون رقم 7 لسنة 1990 الخاص بالجوازات ولائحته التنفيذية.

آنذاك، أصدر رئيس مجلس الوزراء السابق توجيهاته إلى وزير الداخلية ووزير الشؤون القانونية وحقوق الإنسان بمراجعة الإجراءات والاشتراطات المعيقة لحصول المرأة على جواز سفر والاقتداء بالقانون.

وفي 7 آذار/ مارس 2022، أعلنت الدكتورة والناشطة السياسية ألفت الدبعي، في صفحتها على “فيسبوك”، أنها حصلت على توجيهات من رئيس الوزراء في الشرعية معين عبد الملك تتضمن إلغاء أشكال التمييز كافة ضد المرأة التي تعيق حصولها على جواز سفرها كمواطن وفقاً لنصوص القانون.

انتكاسة حكومية

على رغم صدور التعميم الوزاري، وبدء العمل به في مصلحة الهجرة والجوازات، عاد العرف المجتمعي الى الواجهة، من دون وجود أي تعميم رسمي أو قرار إداري يلغي ما سبقه من قرارات حسب كل من توجّهنا إليه بالسؤال.

رصدت منصة “ريف اليمن” عشرات الحالات النسائية اللاتي صرحن باشتراط المصلحة وكالات رسمية من أولياء أمورهن. تيسير محمد من عدن (اسم مستعار) أكدت اشتراط دائرة الهجرة إذن ولي أمرها، وحينما أخبرتهم بتوجيه رئيس الحكومة السابق معين عبد الملك، قال لها موظف هناك إن التوجيه يعتبر ملغياً.

بعدما حققت حملة “جوازي بلا وصاية” في عام 2022، أهدافها بإلغاء الاشتراطات المعوقة لحصول النساء على جواز سفر، وتطبيق القانون لتسهيل استخراج جواز سفر للنساء، واجهت النساء والناشطات المؤسسات للحملة الإساءة والتشهير.

هل من حل؟

تؤكد القاضية عائشة مانع (قاضية في محكمة مأرب) لمنصة “ريف اليمن” عدم وجود أي نص قانوني يمني يشترط وجود أو موافقة ولي أمر المرأة لاستخراج الجواز، لأن ذلك من الحقوق العادية والضرورية لأي مواطن سواء كان امرأة أو رجلاً على حد سواء.

وعن الإجراءات التي يمكن اتخاذها في حال ممانعة الدوائر الإدارية إتمام الأوراق الرسمية خارج إطار القانون، تقول القاضية: “أولاً، تقديم شكوى إلى إدارة الجوازات، وفي حال استمرار الممانعة الإدارية، التقدم بشكوى أمام النيابة والقضاء”.

المطالب إلى الواجهة

اليوم، أطلقت حملة جديدة بعنوان #اشتي_جواز، وتطالب بتطبيق القانون اليمني لتسهيل استصدار جوازات السفر للجميع من دون قيد أو شرط.

أحمد البعداني، منسق الحملة، يقول لـ”ريف اليمن”: أطلقت الحملة مجموعة من المواطنات المتضررات والمواطنين المتضررين من الحملة، وخصت النساء بنشاطهن أيضاً، نظراً الى خصوصية الصعوبات التي تواجههن، ذلك أن معاناة النساء مضاعفة عن معاناة الرجال.

يقول البعداني: “من الغريب أن تحتاج المرأة اليمنية ولو كانت في عمر الـ80، الى وجود رجل ولو كان بعمر الـ18”.

تؤكد الحملة معاناة النساء، وكيف أن النساء تضطر للسفر نحو 15 ساعة في طرق صعبة، إلى مدن تعز أو عدن أو مأرب، وكثيرات منهن حوامل أو مرضى.

تقول الأمم المتحدة إن قيود التنقل المفروضة على النساء اليمنيات أجبرت كثيرات منهن على ترك وظائفهن في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية ووكالات الأمم المتحدة لعدم وجود قريب لهن قادر على مرافقتهن في السفرات المتصلة بعملهن، ما أفقدهن الدخل الذي تشتد حاجة أسرهنّ إليه، وقطع المساعدات الإنسانية عن النساء والفتيات اليمنيات.

وأمام تراجع تطبيق القانون أمام الأعراف المجتمعية في مساندة النساء على تحصيل حقوقهن، ستكون مصلحة النساء اليمنيات غير محققة.

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.