fbpx

الصحافيون في تونس… سجن وتوقيف وقوانين زجريّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

شذى ليست الصحافية الوحيدة التي تم استهدافها والتنكيل بها في تونس، بل إن عمليات إيقاف الصحافيين وسجنهم في تزايد مستمر منذ 25 من تموز/ يوليو، تاريخ تفرّد الرئيس التونسي قيس سعيد بكل السلطات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“عندما أحاول الحديث عن مظلمة ابنتي الكبيرة الصحافية شذى يخونني الكلام، نشعر (تقصد أفراد عائلتها) بقهر كبير، ولم نعد نفهم شيئاً مما يحدث، فالمحامون ونقابة الصحافيين التونسيين والقضاة أجمعوا على أن الملف المحال لا قيمة له، حتى الشخص الذي أثار الملف، وهو نائب في البرلمان، أكد  في تصريح إذاعي عدم ضلوع شذى في أي تجاوز، والكثير من المدونين أيضاً كرروا أن ابنتي ضحية”. 

بكثير من الوجع تحدثت والدة الصحافية شذى الحاج مبارك، التي أودعت السجن منذ ستة أشهر على خلفية القضية المعروفة إعلامياً بـ”أنستالينغو”، بعد حفظ التهم في حقها، وإلغاء بطاقة الإيداع بالسجن وإلغاء منع السفر من قاضي التحقيق في يونيو/حزيران الماضي، لتقوم النيابة العمومية باستئناف القرار بشأنها، على رغم غياب أي مبرر قانوني أو شبهة تدعو إلى إعادة ايقافها كما يؤكد الفريق القانوني لنقابة الصحافيين التونسيين. 

تقول والدة شذا بحرقة:“عندما أزور ابنتي في السجن تظل تقول لي، أمي أنا لا أسمح لنفسي بتجاوز القانون لو بكلمة بل حتى بحرف، فلماذا يحدث معي تحديداً هذا كله؟. لقد تعبنا جداً جراء هذه القضية ولم نجد الإجابة الشافية، فقط طالت بنا الأيام بلا حلول ولا تفسيرات واضحة لما يجري. إنها السنة الثالثة منذ بدء فتح التتبع القضائي لشذى والشهر السادس منذ أن أودعت السجن، لكن ما زلنا لا نأمل إلا بتأمين محاكمة عادلة لابنتي”.

تضيف والدة شذى في حديثها لـ”درج”، “أن إيداع شذى السجن يشكل خطراً كبيراً على حالتها الصحية، فقد تفاقم ألم كتفها وفقرات رقبتها، كما أن قدرتها على السمع بدأت تتبدد بالكامل، فعادة ما تقوم شذى بتجفيف شعرها مباشرة بعد الاستحمام لأن البرودة، مهما كانت خفيفة، تضر بسمعها، وهذا ما لا يحدث في السجن طبعاً(تعاني شذى من قصور في السمع، وهي في صدد العلاج منذ سنوات وتحتاج الى عناية دقيقة لتحمي ما تبقّى من سمعها)”.

تتابع: “ابنتي تعيش أكبر قهر في حياتها، ستة أشهر من السجن ونحن ننتظر أن تحدد جلسة محاكمة عادلة، ولا شيء يحدث سوى الانتظار. يعرف الجميع أن ابنتي لم تكن مسيّسة ولم تنتمِ الى أي حزب سياسي، وأنها محايدة في عملها، ونحن كعائلة أيضاً يدرك من يعرفنا مدى حبنا لهذا الوطن. أرجو من الله أن يرفع المظلمة عن ابنتي وتعود إلينا في أقرب وقت”.

بدأت مجريات قضية “إنستالينغو” منذ أيلول/ سبتمبر 2021، عندما داهمت قوات الأمن مقر شركة “إنستالينغو” في إحدى مدن محافظة سوسة، وهي شركة متخصصة في الاتصال وإنتاج المحتوى الرقمي لمؤسسات غير تونسية تعمل في الخارج. 

 صادر الأمن حواسيب الشركة وألقى القبض على عشرة من العاملين فيها، بمن فيهم الصحافية شذى الحاج مبارك، وأصدر القضاء مذكرات إحضار بحق 25 متهماً آخر، من بينهم صاحب الشركة وزوجته الموجودان في تركيا. وتركزت التهم ضد الشركة على “الاعتداء على أمن الدولة وتبييض الأموال”.

“ابنتي تعيش أكبر قهر في حياتها، ستة أشهر من السجن ونحن ننتظر أن تحدد جلسة محاكمة عادلة، ولا شيء يحدث سوى الانتظار”.

استهداف الصحافيين

شذى ليست الصحافية الوحيدة التي تم استهدافها والتنكيل بها في تونس، بل إن عمليات إيقاف الصحافيين وسجنهم في تزايد مستمر منذ 25 من تموز/ يوليو، تاريخ تفرّد الرئيس التونسي قيس سعيد بكل السلطات. إذ يقبع الصحافي خليفة القاسمي في السجن منذ 15 أيار/ مايو الماضي، بعدما حُكم بالسجن مدة خمس سنوات استناداً إلى قانون الإرهاب، إثر التحقيق معه حول نشر خبر في إذاعة “موزاييك أف أم” يتعلق بتفكيك خلية إرهابية.

وصف نقيب الصحافيين زياد دبار سجن القاسمي بأنه “تعرض لأقسى حكم في تاريخ الصحافة التونسية”. في حين اعتبر أن الصحافية شذى الحاج مبارك المسجونة استناداً الى المرسوم 54، ضحية الصراع بين الجهات المتداخلة في القضية باعتبارها الحلقة الأضعف.

وتثير هذه التتبعات العدلية للصحافيين والزج بهم في السجون بسبب نشاطهم، مخاوف كبيرة بشأن ضرب المكسب الوحيد لثورة 14 كانون الثاني/ يناير 2011، ونعني حرية التعبير وحرية الصحافة، لا سيما في ظل احتكام السلطة القضائية إلى قوانين سُنت أساسا لملاحقة الصحافيين وأصحاب الرأي المخالف.

وحسب نقابة الصحافيين التونسيين، فإن القضاء يلاحق قرابة 20 صحافياً/ة في الفترة الحالية، وهو ما وصفه نقيب الصحافيين زياد دبار بالسابقة التاريخية التي لم تشهدها تونس منذ استقلالها عام 1956.

ومنذ بداية السنة الحالية، استمرّ مسلسل ملاحقة الصحافيين، إذ تم الاستماع إلى المذيع في “إذاعة موزاييك أف أم” هيثم المكي، أمام الفرقة الجهوية للأبحاث العدلية للحرس الوطني بمحافظة صفاقس، على خلفية شكاية تقدم بها المستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بالمدينة بشبهة “ترويج أخبار مزيفة ونشر صور لمهاجرين أفارقة في المستشفى من دون إذن وبغاية تأجيج الرأي العام”. 

نفى المكي نشر صور المهاجرين الأفارقة على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب بشاعتها. وبعدها، أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بصفاقس، في 15 كانون الثاني الماضي بالإبقاء عليه على ذمة التحقيق. 

وفي الأول من كانون الأول/ديسمبر 2023، أصدر القضاء التونسي مذكرة توقيف بحق الصحافي زياد الهاني، بعد شكوى حرّكتها النيابة العمومية بتهمة الإساءة إلى وزيرة التجارة وتنمية الصادرات كلثوم بن رجب، إثر تصريح إذاعي انتقد خلاله أداءها وذهب إلى حد المطالبة باستقالتها، مستخدماً عبارة “كازي”. ليتم الإفراج عنه بعد الحكم عليه في العاشر من الشهر نفسه بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها اعتقال الهاني، إذ تم إيقافه في حزيران/ يونيو الماضي، بعدما وجه انتقادات إلى الرئيس التونسي قيس سعيد وأفرج عنه بعد يومين. كما تم إيقافه في 26 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي إثر تصريح توقع خلاله حدوث اغتيالات في تونس في حال لم يتم إطلاق سراح الموقوفين، في ما يعرف بقضية “التآمر على أمن الدولة”.

قانون للجم الصحافيين

ارتفعت وتيرة الملاحقات ضد الصحافيين، بخاصة منذ صدور المرسوم الرئاسي رقم 54 لسنة 2022 المؤرخ في 13 أيلول/سبتمبر 2022 والمتعلق بـ”بمكافحة الجرائم المتّصلة بأنظمة المعلومات والاتصال”. وحسب ما ورد في نص المرسوم، فإن إقراره يهدف “إلى ضبط المقتضيات الرامية إلى التوقي من الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال وزجرها”. لكن تطبيقه يؤكد أنه أرسي أساساً للتضييق على حرية التعبير حصراً، لا سيما أنه يسمح للسلطات التونسية بفرض قيود غير مشروعة وتعسفية على الممارسة المشروعة للحق في حرية التعبير، تحت مسمى مكافحة الجريمة السيبرانية و”الأخبار المزيفة”.

يتضمن هذا المرسوم 38 فصلاً موزّعة على  خمسة أبواب، تنص في غالبيتها على عقوبات سجنية تصل إلى ست سنوات، فضلاً عن خطايا مالية كبيرة. ومنذ صدوره، واجهت غالبية فصول المرسوم انتقادات بسبب تضييقها على حرية التعبير والعقوبات المجحفة التي نص عليها القانون والمتعلقة أساساً بالنشر، لا سيما الفصل 24 الذي انتقدته المنظمات الحقوقية بشدة وحذرت من خطورته على حرية التعبير. إذ يعاقب هذا الفصل بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية تتجاوز الـ15 ألف دولار كل من يتعمد استعمال أنظمة اتصال لترويج أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة، بهدف الاعتداء على حقوق الغير، أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني، أو بث الرعب بين السكان. وتتضاعف العقوبات المقررة إذا كان الشخص المتضرّر موظفاً عمومياً أو مسؤولاً في الدولة.

ويبدو أن السلطات التونسية قد أعلنت هذا المرسوم بعد دراسة كبيرة وبعد يقينها بأن العقوبات المفروضة كفيلة بجعل الصحافيين يشعرون بالخوف، في استنساخ لأيام ما قبل الثورة. 

وكانت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين قد استنكرت في مناسبات عدة تتالي الاستماعات من مأموري الضابطة العدلية للصحافيين، إثر إثارة الشكاوى في حقهم استناداً الى قوانين ذات طابع زجري كالمجلة الجزائية والمرسوم 54. ونبهت من الانحراف الخطير الذي تشهده المعالجة القضائية لقضايا حرية الصحافة.

الحديث عن حرية التعبير “عبثاً”

في تعليقه عما يجري من تتبّع للصحافيين، يقول نقيب الصحافيين التونسيين زياد دبار لموقع “درج”: “نعيش اليوم سابقة لم تحدث في تاريخ تونس منذ استقلالها،  فاليوم يقبع في السجون صحافيان تمت إحالتهما بسبب قضايا إرهابية (خليفة القاسمي وشذى الحاج مبارك). وبالنظر إلى هذه القضايا المحال فيها زملاؤنا، نستخلص أن الحديث عن حرّية التعبير أصبح عبثاً. فالمنظومة الحاكمة نسفت المراسيم المنظمة للقطاع (المرسومان 115 و116) وسارعت الى تطبيق قوانين زجرية لا تليق بتونس اليوم ولا سيما المرسوم 54”.

وأكد دبار أن نقابة الصحافيين ترى أن الوضع اليوم أصبح مقلقاً ومخيفاً جداً في ظل نزع السلطة الحالية نحو إصدار قوانين زجرية وردعية، على غرار المرسوم 54، والمجلة الجزائية ومجلة الاتصالات التي يحال وفقها الصحافيون مقابل عدم الإحالة وفقاً للمرسوم المنظم للقطاع، مشدداً على أن “النقابة عازمة على إسقاط هذا المرسوم الخطير الذي من شأنه أن ينسف نضال سنوات من أجل حرية التعبير”.

تجدر الإشارة الى أن تونس تراجعت 27 مركزاً في التصنيف السنوي لحرية الصحافة لعام 2023، لتحتلّ المركز 121 من ضمن 180 دولة، بعدما كانت في المركز 94 عام 2022 وفي المركز 73 عام 2021، وخسرت بذلك الصدارة العربية وتراجعت إلى المركز الخامس عربياً.