fbpx

الاحتجاجات الطلابيّة: فرصة لتصحيح البوصلة الأخلاقيّة للسياسة الأميركية!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أوشك تخييم المحتجين في جامعة كولومبيا على الانتهاء، لكن لم ينتهِ أثره ولا التحركات في جامعات أخرى حول العالم، فهل تلعب الاحتجاجات الطلابية مجدداً دوراً تاريخياً في تصحيح المسار الأخلاقي للأداء السياسي والضغط لإنهاء الفصل العنصري؟ أم سنشهد المزيد من القمع لحرية الرأي والتعبير في الجامعات، التي يجب أن تكون منطلقاً صحياً للحياة الديمقراطية؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“عبر التاريخ، كان الطلاب صنّاع التغيير، وكانوا الى حدّ ما يملكون القدرة على تحديد اتجاه البوصلة الأخلاقية… هذا الحراك الذي انتقل إلى كثير من الجامعات، على الرغم من مواجهته بقوة، هو رمز وعلامة جيدة للمستقبل؛ لأنه يظهر أن الناس يستيقظون… وأن حركات الطلاب ستؤثر في مسار الاتجاه الذي سنسلكه. وآمل بأن يكون هذا ما سيحدث، لكن لا أعلم كم سيستغرق من الوقت”، تقول تمارة رسامني، إحدى الطالبات التي طُردت من جامعة كولومبيا بسبب مشاركتها في الاحتجاجات الداعمة للحق الفلسطينيّ. 

تمارة رسامني طالبة لبنانية الأصل، ومواطنة أميركية، تدرس الماجستير في جامعة كولومبيا، وشاركت في الاحتجاجات التي نُظمت فيها يوم الأربعاء في 17 نيسان/ أبريل 2024، أي في اليوم الذي كانت فيه مينوش نعمت شفيق في الكونغرس تتحدث عما سُمّي بـ “معاداة السامية” في جامعة كولومبيا.

تقول رسامني “شعر الطلاب أن (نعمت شفيق) كانت ستبيعهم، بسبب الأسلوب الذي كانت تنتهجه في قمع أي صوت مؤيد للفلسطينيين”، ولذلك قرر الطلاب بدء المخيمات الجامعية الداعمة للقضية الفلسطينية.

لا بدّ من الإشارة إلى أهمية جامعة كولومبيا، فهي تعدّ واحدة من أهم مراكز الأبحاث في العالم، بحسب موقعها. للجامعة مراكز عالمية Global Centers، في 11 مدينة في أربع قارات، من بينها عمان، باريس اسطنبول، تونس وغيرها.

طُردت تمارة من الجامعة عندما دخلت شرطة نيويورك إليها للمرة الأولى في 18 نيسان 2024، وألقت القبض على أكثر من 100 طالب متظاهر في حرم الجامعة. انتشر خبر طردها في لبنان بعدما شارك والدها اللبناني وليد رسامني الرسالة التالية:
يملؤني الفخر كوالد أن أعلن لعائلتي وأصدقائي بأن ابنتي الصغرى تمارة، المسجّلة في جامعة كولومبيا وتتابع دراستها للحصول على درجة الماجستير في دراسات البيئة، والتي كان من المقرر أن تتخرج الشهر المقبل، تم توقيفها عن دراستها بعدما اعتقلتها إدارة شرطة نيويورك برفقة مئة طالب آخر ناشطين.

جريمة تمارة كانت المشاركة في تظاهرات سلمية وجلوساً احتجاجياً يطالب بوقف إطلاق النار في غزة وبتعليق جامعة كولومبيا التعامل مع الشركات ذات الصلة مع دولة الفصل العنصري، والتي ترتكب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين.

في بعض الأحيان في الحياة، ليس بإمكان الشخص البقاء صامتاً حتى لو كان الثمن تضحية كبيرة جداً، مثل توقيف تمارة عن جامعتها قبل شهر واحد فقط من تخرجها.

اللهم إحفظ تمارة وجميع الطلاب في كل مكان، هم الذين يدفعون الثمن الباهظ ويظلون ثابتين على ما يؤمنون به”.
تقول تمارة: “تم توقيفي ومنعي من المشاركة في الصفوف. لم أستطع تقديم وظائفي. سأتخرج في العاشر من أيار/ مايو. كان الأمر فعلاً مربكاً للغاية… لكن بعد تدخّل المحامين والكثير من الأخذ والردّ، اعتُمد إجراء خاص بالنسبة الى الطلاب الخريجين”. 

تضيف: “تم توجيهنا قانونياً لقبول صفقة قانونية والإمضاء على ورقة ستلغي توقيفنا وتضعنا تحت المراقبة probation حتى تاريخ التخرج”، بحسب تمارة.

في مقابلة لموقع “درج”، تقول البروفيسورة سوزان برنوفسكي، مديرة قسم ترجمة الأدب في جامعة كولومبيا (LTAC)، “أعتقد أن الكثير من الذعر نشأ من استخدام العداء للسامية كسلاح، حيث هناك أشخاص، ربما قادة في مختلف المجتمعات اليهودية، يقولون إن السماح للطلاب بترديد رسائل معادية لإسرائيل يعتبر معادياً للسامية وخطيراً على الطلاب اليهود. أنا، كأستاذة يهودية، لم أشعر بالخطر في أي لحظة من هذا الأمر على الحرم الجامعي… أكثر ما شعرت به من الأمور المخيفة هو اعتقال شرطة نيويورك طلابي. كان ذلك مخيفاً للغاية”.


تضيف برنوفسكي: “ككل أعضاء الهيئة التدريسّة، رأيت ما حصل، وشاهدت بأم عيني طلاباً تعتقلهم الشرطة التي دعيت إلى الحرم الجامعي، وهو مشهد مؤلم للغاية، لأنني، كأستاذة، أرى أن من واجبي حماية طلابي وحماية حقوقهم أيضًا. أعتقد أن لهم الحق في التظاهر”.

انتهت المخيمات المؤيدة للفلسطينيين في جامعة كولومبيا بشكل مأساوي بعدما استولى المتظاهرون على أحد المباني الذي يُدعى “قاعة هاملتون” وأطلقوا عليه اسم “قاعة هند”، تيمناً بطفلة الست سنوات هند، التي بقيت عالقة في سيارةِ، ومحاطة بجثث جميع أفراد عائلتها الذين قتلتهم نيران إسرائيلية، كما قُتل أفراد الهلال الأحمر الذين حاولوا إنقاذها، وقُتلت هند أيضاً، بعدما عاشت أياماً من الرعب.

بالعودة لقاعة هاملتون، فهي ذات أهمية ورمزية كبرى خصوصًا وأنّه في عام 1985، فرض المئات من طلاب جامعة كولومبيا، بقيادة التحالف من أجل جنوب أفريقيا الحرة (CFSA)، حصارًا على قاعة هاملتون في وسط الحرم الجامعي.

عقب الاستيلاء على المبنى، دخلت شرطة نيويورك إلى حرم الجامعة مجدّداً وقامت باعتقالات جماعية لأكثر من 100 متظاهر في جامعة كولومبيا وحدها. أمّا في جامعات أخرى، فإمّا أُزيلت المعسكرات بشكل طوعي كما حصل في جامعتي براون ونورث وسترن، أو توصّلت الجامعات إلى اتفاقات سلمية مع المتظاهرين، مثل جامعتي روتجرز ومينيسوتا. إلّا أنّه، بحسب الـ CNN، فإن “أياً من الجامعات لم توافق على سحب استثماراتها بالكامل من الشركات التي تعمل في إسرائيل”، ولكنّ إدارات الجامعات المعنية وعدت بزيادة الشفافية في استثماراتها وتغطية الأقساط الجامعية لعددٍ من الطلاب الفلسطينيين. 

تعتقد برنوفسكي “أن هناك اتجاهاً عاماً نحو محاولة السيطرة على الخطاب المؤيد لفلسطين بشكل خاص، لأن هناك الكثير من أعضاء الحزب الجمهوري يسيطرون على الكونغرس حالياً، والذين يتحكمون في الكونغرس لديهم الكثير من السلطة على توزيع التمويل، وبالتالي، هم في وضع يمكّنهم من ممارسة الكثير من الضغوط على وجود الجامعة. ولكن، كان هناك قلق كبير في جامعة كولومبيا بشأن الحرية الأكاديمية”.

كانت لطلاب جامعة كولومبيا ثلاثة مطالب أساسية، وهي الكشف عن استثمارات جامعة كولومبيا بشكل شفاف، وسحب الاستثمارات من جميع الشركات الداعمة لإسرائيل، وعدم الاستثمار فيها. 

والأهم، العفو لجميع الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية والموظفين الذين تعرضوا، ليس فقط للاضطهاد، بل لعواقب أيضاً بسبب التعبير عن آرائهم المؤيدة لفلسطين.

في هذا السياق، تقول تمارة رسامني، “كطلاب، لدينا الحق في المعرفة والقول بأن التعليم لا ينبغي أن يأتي على حساب حياة الناس، ليس فقط في فلسطين، بل في كل مكان. إنه طلب بسيط جداً، أن نتعلم عن كل هذه المفاهيم كإنهاء الاستعمار وحرية التعبير والعدالة البيئية وحقوق الإنسان وجميع هذه الأشياء. ثم يتم استثمار أقساطنا الدراسية في الشركات التي تكون شريكة أو تشارك في النزاع والإبادة الجماعية والفصل العنصري والاحتلال، من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى السودان إلى فلسطين إلى اليمن”.

تختم تمارة، “هذا الحراك الصغير أحدث تأثيراً هائلاً على الحرم الجامعي في جميع أنحاء الولايات المتحدة والعالم، وهو أمر كبير جداً، وملهم للغاية. أشعر بأن هذا سيكون بداية تحرير فلسطين، ونهاية الفصل العنصري والاحتلال. ربما يبدو ذلك ساذجاً، لكنني شهدت مدى تغير الرأي العام. الولايات المتحدة ليست مجرد شريكة في هذه الحرب، بل هي جزء حقيقي منها. أميركا تغذي إسرائيل بالأسلحة والتمويل، إنها الطائرات والأسلحة الأميركية. الولايات المتحدة تسمح لإسرائيل بفعل ما تشاء من دون عواقب. لذا، فإن ما يحدث هنا مع الطلاب في أميركا أمر هائل يمنحني الكثير من الأمل بأن هذا سيغير مستوى الدعم وسينتهي في النهاية”.