fbpx

شبكة استغلال القصّر عبر “تيك توك” في لبنان: سوء إدارة الملفّ ينذر بتمييع الحقيقة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قضية الإتجار الجنسي بالقصّر عبر تطبيق “تيك توك”، التي تكشّفت في لبنان حديثاً، هي فقط رأس جبل جليد الانتهاكات الفادحة التي ترتكبها شبكات الإتجار المنتشرة في العالم، مستغلةً فراغاً وتفقيراً وانعداماً للأمان والثقة وانتشار شبكات التواصل. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ما يحدث في لبنان ليس منفصلاً عما يجري في العالم، ولعل هذه الشبكات المكتشفة محلياً ليست إلا امتداداً لعصابات الإتجار بالبشر المتقاطعة مع الإتجار بالأعضاء البشرية والمخدرات وتهريب السلاح وتبييض الأموال.

تؤكد دراسات دولية أن حوالي ثلثي المراهقين من حول العالم يستخدمون تطبيق “تيك توك”، حيث يتعرضون لمخاطر متعددة. عبر مشاهدة مقاطع الفيديو التعليمية والكوميدية، يجد الفتيان والفتيات أنفسهم فريسة للوقت الضائع، ولكن أيضًا فريسة فضاء مفتوح على التحرش الجنسي، وترويج المخدرات، والابتزاز، والتنمر، واضطرابات الأكل، واعتماد معايير غير واقعية للجمال. 

استثمار لضعف مستخدمي التطبيقات

يقول خبراء في مجال المعلوماتية، إن بإمكان الخوارزمية أن تتعرف على مكامن الضعف لدى مستخدمي التطبيقات، وبدلاً من أن تتعامل معها بحذر، تستثمر فيها كاحتمال إدمان على المحتوى. 

والحقيقة، أن الأطفال والطفلات يصبحون عرضة لمحتوى يعطي رؤية مشوّهة عن النفس والأجسام والصحة العقلية. هكذا يجد المتسلقون والتافهون وأصحاب النفسيات المريضة مساحة افتراضية مفتوحة للترويج للنفس وكسب الأموال واستلاب الأطفال والطفلات. إلا أن هذه الشخصيات لا تصنع نفسها من هباء، بل هناك من يجلس في الخلفية يصنع هذه الشخصيات ويساهم في ظهورها ويعمل على استخدامها حين تكون الفرصة متاحة لذلك.

أما على مستوى انتهاك الخصوصية، فقد سبق أن غُرِّم  “تيك توك” بمبلغ 345 مليون يورو (394 مليون دولار) لانتهاكه تشريعات الاتحاد الأوروبي بشأن بيانات الأطفال، بما في ذلك فشله في حماية محتوى الأطفال والطفلات. كما كشفت لجنة حماية البيانات الإيرلندية (DPC)، وهي السلطة التنظيمية المسؤولة عن مراقبة عمليات “تيك توك” في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، مخالفات جسيمة يقوم بها التطبيق ومن ضمنها السماح للبالغين بالاطلاع على ما ينشره الأطفال والطفلات والتعليق على هذه المنشورات، حتى ولو كانت الحسابات خاصة، من دون قيود. وهذا يعد انتهاكاً كبيراً لخصوصية الأطفال والطفلات وسلامتهم، إذ يسهل استدراجهم ويتيح استغلالهم. 

ونظراً الى وتيرة التطور التكنولوجي السريع، فشلت التشريعات التي تعمل على رصد المحتوى من المصدر وضبطه في تأمين الحماية، لا سيما أن الوقت الذي تأخذه التشريعات لدخولها حيز التنفيذ يعد طويلاً. وعليه، فإن أمن الأطفال والطفلات على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما “تيك توك”، مهدّد، وهذه ليست بمعلومة جديدة. إذ شهدت السنوات الأخيرة على فضائح عالمية عدة، من بينها استدراج شبكات الإتجار بالبشر الأطفال والطفلات عبر ألعاب أو مكافآت أو شتى أشكال الاستلاب المستخدمة. 

ما يحدث في لبنان ليس منفصلاً عما يجري في العالم، ولعل هذه الشبكات المكتشفة محلياً ليست إلا امتداداً لعصابات الإتجار بالبشر المتقاطعة مع الإتجار بالأعضاء البشرية والمخدرات وتهريب السلاح وتبييض الأموال.

الإيذاء الذاتي

تؤكد بعض الدراسات أن نحو دقيقتين ونصف الدقيقة من التعرض لـ “تيك توك”، كافية لدفع المستخدم إلى محتوى يحضّ على الإيذاء الذاتي.

وبغض النظر عن قوانين الحماية من الأذى الرقمي، كان لافتاً سوء إدارة السلطات اللبنانية الكارثة الأخيرة بشأن شبكة استغلال واعتداء جنسي على قصّر، والتي ما زالت تتكشّف فصولاً وأخباراً متضاربة، يضاف إلى سلسلة انتهاكات تعرّض لها الأطفال ضحية عصابة الـ”تيك توك”.

فمن تسريب المعلومات عن الشبكة وأفرادها، إلى فضح هوية الأطفال، ضحايا كانوا أم استُغلّوا لاستقطاب أقرانهم والإيقاع بهم، وصولاً إلى الأخبار المتداولة عن ضغوطات مارستها مندوبة الأحداث على القصّر خلال التحقيقات، كلها دلائل تؤكد التخبط غير المسموح في الاستجابة لاحتياجات الضحايا من الأطفال.

سلسلة من الانتهاكات يجب أن نعرف مَن المسؤول عنها. فالسردية الأولى تحدثت عن قيام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بتحقيقات بعد الكشف عن الجريمة، وأن تنسيقاً قائماً مع حماية الأحداث، لنكتشف لاحقاًَ أن التحقيقات مع الأطفال تُجرى بغياب محامين، وأن هناك معلومات بدأت تظهر الى العلن عن تعرض الأطفال للترهيب خلال التحقيق. كما سُرِّبت أخبار عن مواجهة الضحايا بالمعتدين. أي تخبط هذا وأي عنف؟!

ومنذ لحظة الإعلان عن هذه الجريمة الكارثية، تضافرت جهود التافهين والمتسلّقين للتداول بنكات سمجة وصلت إلى حدّ استغلال أطفال في لعبة أدوار قذرة. ولم تقتصر السماجة على التافهين، فها هم أيضاً عاملون وعاملات في الصحافة يستمزجون السخرية في قضية على هذا القدر من الخطورة والحساسية. وإن أشرنا الى أن هذه السخرية هي أذى إضافي، نراهم يزيدون من تهكّمهم.

فماذا لو كان الطفل الضحية ابنك، أو أخاك أو قريباً لك أو رفيق ابنك! 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى تداول ممن يُعرفون بناشطين وناشطات أخباراً غير موثوقة إما احتفاءً بجهة ما أو قدحاً وذماً بجهة أخرى. هذا مستنقع نرى الكثيرين والكثيرات ينزلقون إليه من دون إيلاء مصلحة الأطفال الضحايا الأهمية القصوى.

أما الإعلام، فبعدما كان شريكاً في الترويج لشخصيات رثّة وتكريس نجوميتها ليتّضح دورها لاحقاً في استدراج الأطفال، ها هو نفسه يتنطّح ليحجز له موعداً مع “الحقيقة الكاملة”.

إنه تخبّط كبير لا يحترم آلام الأطفال الضحايا وحاجتهم الى تدخل متخصص يقيهم شر ّالتحقيقات والمصالح السياسية والمكاسب المرتبطة بها. يحدث هذا كله والأجهزة الرسمية المعنية بحماية الأطفال إما غائبة عن السمع أو تتفاعل مع الحدث بعد تأزّمه، في حين أن غايتها يجب أن تكون استباق الإساءة.