fbpx

عامان على “انقلاب” قيس سعيّد في تونس: العودة إلى الدكتاتورية 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تبدو حصيلة عامين من حكم قيس سعيد ما بعد الإجراءات الاستثنائية لـ25 تموز 2021 مشرقة، بل أنها كرّست العودة إلى الدكتاتورية وسلطة الفرد المطلقة وانتهاك حقوق الإنسان، من دون أن تحقق أي رخاء للشعب التونسي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مرّ عامان على انقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد على المنظومة السياسية السابقة وإعلان الإجراءات الاستثنائية التي مازالت سارية إلى حد اليوم. ماهي حصيلة الحقبة الجديدة التي قام بارسائها بعد حل البرلمان وتركيز برلمان ودستور جديدين. هل تحقق الرخاء المنشود؟ وهل أوفت “الثورة المضادة” على قيم الديمقراطية وحرية التعبير، بوعودها بتحقيق السلم الأهلي والرفاه الاقتصادي والتوازن الاجتماعي؟ لا شيء من ذلك تحقق. على العكس تماماً، أصبح البلد ممزقاً سياسياً، يعيش على وقع الأزمات الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية في مناخ يسوده الخوف مع عودة القمع والدكتاتورية.

في 25 تموز/ يوليو 2021، انتشرت الحركات الاحتجاجية في عدد من مناطق الجمهورية ضد المنظومة السياسية القائمة وقتها بقيادة “حركة النهضة الاسلامية”. كانت الأزمة الصحية تعصف بالبلاد بسبب عدم وصول اللقاحات ضد وباء “كورونا” وارتفاع أعداد المصابين والوفيات، مما أدى إلى غضب شعبي من سوء إدارة الازمة من طرف حكومة هشام المشيشي. 

يضاف إلى ذلك تواصل الصراعات داخل البرلمان بقيادة راشد الغنوشي، الذي أثبت عدم قدرته على السيطرة عليها ومطالبة أنصار حركة النهضة بالتعويضات في الوقت الذي كانت البلاد ترزح فيه تحت ظل أزمة اقتصادية خانقة.

في ظل هذه الظروف، تحولت ذكرى 25 تموز من ذكرى الاحتفال بعيد الجمهورية (25 تموز 1957) إلى مجال للتعبير عن الاستياء من المنظومة السياسية القائمة التي أثبتت فشلها في إيجاد حلول للأزمات المتراكمة.

اغتنم الرئيس قيس سعيد الفرصة ليُعلن في مساء اليوم ذاته عن الإجراءات الاستثنائية وعن تجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، بالاستناد إلى الفصل 80 من دستور 2014. لم يكن الفصل يخوله القيام بذلك بما أن إقرار “الحالة الاستثنائية” يفترض وجود “خطر داهم” وهو غير متوفر في وضعية الحال، كما أن الفصل 80 يفرض أن يبقى مجلس نواب الشعب في “حالة انعقاد دائم” طيلة الفترة الاستثنائية. على رغم ذلك، فقد فرض رئيس الدولة قراءته الشخصية لهذا الفصل والتي لم يكن من الممكن الطعن فيها في غياب محكمة دستورية. 

أعلن قيس سعيد أن الإجراءات الاستثنائية ستستمر لمدة شهر واحد. ولكنها لاتزال متواصلة إلى حد الآن. استبشر وقتها قسم كبير من التونسيين بهذا التغيير في المنظومة السياسية ورأوا في رئيس الجمهورية المنقذ من منظومة الإسلام السياسي التي اعتبروها “فاسدة” ولقّبوها بـ”منظومة الخراب” التي حكمت 10 سنوات.

ولكن مشروع سعيّد لم يكن إنقاذ البلاد من منظومة الإسلام السياسي، وإنما التأسيس لثورة مضادة على جميع القيم التي أتت بها ثورة يناير 2011 من ديمقراطية وحرية تعبير وتعددية سياسية واحترام لمنظومة حقوق الإنسان. 

أعلن قيس سعيد أن الإجراءات الاستثنائية ستستمر لمدة شهر واحد. ولكنها لاتزال متواصلة إلى حد الآن.

التأسيس لثورة مضادة

بدأت ملامح هذا المشروع تظهر في اليوم التالي لـ25 تموز 2021 مع إغلاق مكتب قناة “الجزيرة” في تونس ومنع صحافييها من العمل. في اليوم ذاته، تمت محاولة منع ممثلين عن المجتمع المدني من نقابة الصحافيين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان من الحضور في برنامج تلفزي في التلفزة الوطنية التونسية، التي تحولت شيئا فشيئا إلى بوق للدعاية للقصر الرئاسي واختفت منها كل الأصوات المعارضة لمشروع قيس سعيد.  

بدأت سريعاً المحاكمات العسكرية للمدنيين والصحفيين ممن تجرؤوا على نقد “الانقلاب” ليجدوا أنفسهم وراء القضبان، ومنهم الصحفي عامر عياد من قناة “الزيتونة” (ذات التوجه الإسلامي) والذي حوكم  وسُجن بسبب قراءته لقصيدة للشاعر العراقي أحمد مطر ينتقد فيها الحكام العرب المستبدين، في إشارة إلى قيس سعيد. 

قام الرئيس بإلغاء جزء كبير من دستور 2014 بمقتضى الأمر الرئاسي 117 الذي نشر في أيلول/ سبتمبر 2021 قبل أن يقوم بإلغائه ووضع دستور جديد استفرد بكتابته ونظم استفتاء شعبياً في 25 تموز 2022 لتمريره. دستور كرّس بمقتضاه كل السلطات بيده.

في هذه  الأثناء، أجهز على السلطة القضائية بحل المجلس الأعلى للقضاء ووضع مجلسا مؤقتا قام بتعيين معظم أعضائه. وقام بعزل 57 قاضيا متهما إياهم “بالفساد والتستر على الإرهاب” في محاولة لترهيب المؤسسة القضائية التي اعتبرها موالية للمنظومة القديمة. وهو ما مهّد لاحقاً لتطويعها لتصفية الخصوم السياسيين. ورغم حكم المحكمة الادارية بعدم قانونية قرار سعيد، إلا أن وزيرة العدل رفضت تنفيذ قرار المحكمة بإعادة القضاة المعزولين إلى أماكن عملهم.

دائما في إطار إرساء منظومة حكم جديدة، قام الرئيس سعيد بتغيير تركيبة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتعيين أعضاء موالين لمشروعه. هيئة غضّت الطرف على الكثير من التجاوزات خلال الحملة الانتخابية أثناء الإعداد للاستفتاء أو للانتخابات التشريعية. ولكن ما لم يكن في الحسبان، هو نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات البرلمانية التي لم تتجاوز 11 في المئة.

 اغتنم مُعارضو الرئيس الفرصة للتنديد بانحسار شعبية هذا الأخير ومطالبته بالتخلي عن الحكم وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة. وبدأت المُعارضة المشتتة تسترجع قواها وتتجمع من جديد على أمل الإطاحة بمنظومة قيس سعيد. إلا أن الرئيس وبمجرد الانتهاء من الاستحقاق الانتخابي، وخوفاً من تعطيل تنصيب البرلمان الجديد، قرر التخلص من خصومه السياسيين بسجنهم بتهم خطيرة من قبيل “التآمر على أمن الدولة”.

 هكذا ومنذ شباط/ فبراير من هذه السنة، يقبع عشرات السياسيين ومنهم رؤساء أحزاب وناشطين ووزراء سابقون في السجن دون أن تتم إلى حد اليوم محاكمتهم. شملت حملة الاعتقالات وجوها من الصف الأوّل من حركة النهضة مثل راشد الغنوشي ونور الدين البحيري وعلي العريض، ولكنها لم تقتصر عليهم وإنما توسعت لتضُمّ سياسيين آخرين معارضين وحتى محاميهم الذين يترافعون عنهم. ولضمان تنفيذ قراراته فيما يخص اعتقال المعارضين، ذهب قيس سعيد إلى حد تهديد القضاة الذين يشرفون على هذه القضايا بأنهم سيلحقون بهم إذا لم يطبقوا القانون في حقهم.

بالتوازي مع حملة الاعتقالات التي شملت السياسيين، انطلقت حملة من الاستدعاءات لمجموعة من الصحافيين للمثول أمام القضاء على خلفية شكايات تقدم بها ضدهم وزراء من الحكومة أو أعوان أمن. 

حالياً، يواجه 17 صحافياً قضايا مختلفة منها ما يتعلق بقانون مكافحة الارهاب وغسيل الاموال ومنها ما هو متعلق بمخالفة المرسوم 54 الخاص بمكافحة الجرائم الإلكترونية، كما جاء في التقرير السنوي لواقع الحريات الصحفية في تونس الذي أصدرته النقابة الوطنية للصحافيين في 3 أيار/ مايو الماضي. وهنا لابد من الاشارة إلى الاستعمال المجحف لهذا المرسوم الذي صدر في أيلول/ سبتمبر 2022 من أجل مقاومة نشر الأخبار الزائفة ليتحول إلى سيف “ديموقليس” المسلط على رقاب الصحافيين والنشطاء والمعارضين، بما أنه يُعاقب كل من ينشر رأياً أو وجهة نظر منتقدة للنظام بعقوبة تصل إلى  5 سنوات سجن وتتضاعف العقوبة إذا تعلق الأمر بنشر معلومات تخص موظفاً عمومياً. 

نتج عن كل هذه التضييقات على الآراء المخالفة، تراجع تونس في الترتيب السنوي لحرية الصحافة الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود” لتحتل المرتبة 121 على مجموع 180 دولة بعدما كانت في المرتبة 94 عام 2022.

أزمة اقتصاديّة خانقة

تُعاضد هذه الأزمة السياسية الخانقة، أزمة اقتصادية حادة لا تنفك تتفاقم من دون أن تستطيع السلطة إيجاد حلول لها، فالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بـ1.9 مليار دولار لم تراوح مكانها، في حين تشكو البلاد من نقص حاد في المواد الأساسية والأدوية. 

انعكس ذلك على تدهور القدرة الشرائية للتونسيين وارتفاع نسبة التضخم لتصل إلى 10 في المئة في حين لم تتجاوز نسبة النمو الاقتصادي الـ2 في المئة. وفي غياب أية تحفيزات للاستثمار، أو خلق للثروة، تجد البلاد نفسها غارقة في الديون وتضطر لتقترض أكثر لسداد ديون سابقة. وحتى الحلول التي اقترحها الرئيس قيس سعيد بخلق شركات أهلية في الجهات يديرها الشباب المعطلون عن العمل ويتم تمويلها من أموال الصلح الجزائي التي يفترض أن يدفعها “الفاسدون” أو من استفادوا من المنظومات السياسية السابقة، فإنها لم تثبت جدواها في تحقيق الرخاء الاقتصادي الموعود للشعب التونسي.

أمام تعمق الأزمتين السياسية والاقتصادية لم يجد رئيس الدولة من حل سوى تحويل أنظار التونسيين عن أوضاعهم الصعبة وذلك من خلال تحديد مسؤولين وهميين عنها وتغذية نظرية المؤامرة فيما يخص المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء. فجاء خطابه الشهير في شباط الماضي للمطالبة برحيل هؤلاء المهاجرين معتبرا إياهم جزءا من نظرية “الاستبدال الكبير” الهادفة لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس، ليغذي بذلك الحقد ضدهم من طرف التونسيين. حقد تُرجم من خلال سلسلة من أعمال العنف والانتهاكات في حقهم من قبل السكان وأعوان الامن تراوحت بين طردهم من منازلهم ومن مواطن شغلهم وضربهم وتشريدهم. ووصل الأمر إلى حد الرمي بهم في الصحراء على الحدود الليبية- التونسية في مشاهد لا إنسانية لم يسبق أن عاشتها تونس.

يأتي “خطاب الكراهية” هذا ضد المهاجرين غير النظاميين، فيما كانت السلطة التونسية تتفاوض مع الاتحاد الأوروبي برعاية إيطالية لتوقيع اتفاق شامل للحد من الهجرة غير النظامية والتي تفاقمت مع ازدياد العنف ضد المهاجرين الفارين من تونس إلى السواحل الأوروبية. 

انتهت المفاوضات بتوقيع اتفاق تحصل بمقتضاه تونس على دعم فوري بـ150 مليون يورو لإجراءات الحد من الهجرة غير النظامية وقرض مالي طويل الأمد بنحو 900 مليون يورو. ولكن الاتفاق وجد ولا يزال معارضة قوية من طرف المجتمع المدني، ومختلف القوى الحية في البلاد الذي رأت فيه صفقة تلعب بموجبها تونس دور “حارس المتوسط” باستقبال المهاجرين غير النظاميين على أراضيها وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية.

لا تبدو حصيلة عامين من حكم قيس سعيد ما بعد الإجراءات الاستثنائية لـ25 تموز 2021 مشرقة، بل أنها كرّست العودة إلى الدكتاتورية وسلطة الفرد المطلقة وانتهاك حقوق الإنسان، من دون أن تحقق أي رخاء للشعب التونسي. واستُعمل فيها خطاب الكراهية ونظرية المؤامرة للتغطية على الفشل السياسي والاقتصادي. ولا يبدو أن هذه المنظومة ستنتهي قريباً بعد الزج بأهم رموز المعارضة في السجن والاستعداد للانتخابات الرئاسية السنة المقبلة التي ستُؤبّد حكم قيس سعيد.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.