fbpx

الحشاشون في رواية إسماعيليي إيران (3): قلعة آلموت 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أثار مسلسل “الحشاشين”، إخراج بيتر ميمي، جدلاً واسعاً أثناء عرضه في شهر رمضان 2024، سواء حول الأحداث التي اقتبسها “من وحي التاريخ، أو اتهامه بـ”بث رسائل الدولة”، وتوظيفه الحكاية التاريخيّة للتنكيل بأعداء الدولة. في سلسلة المقالات هذه، تناقش بادية فحص تاريخ جماعة الحشاشين ومنشأها من وجهة نظر إسماعيلي إيران.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تُعرف قلعة آلموت بقلعة حسن الصباح، ويُعرف هو باسم “إله آلموت”.

في الفارسية يشتق القسم الأول من آلموت من جذر “آله” أو “آلوه” الذي يعني النسر، والقسم الثاني من “آموت” أو “آموختن” الذي  يعني التعلم، وهي تعني تعليم النسر، ويُقال إن نسراً كان يحلق فوق الموقع، فألهم أحد ملوك الديلم بأن يبني قلعة فيه، وهناك من يترجمها “عش النسر”.

تحتلّ آلموت إحدى قمم جبال ألبرز الصخرية، على ارتفاع 2163 متراً عن سطح البحر، تغطيها الثلوج في غالبية أوقات السنة، ولا تختفي برودتها حتى في الصيف، وتقع جغرافياً في منطقة رودبار التي تشكل الحدود الطبيعية بين مقاطعتي قزوين ومازندران في شمال إيران، ويحيط بها سهل غازرخان الجميل والواسع، ويقع أسفلها نهر أندج ووادي آلموت العميق.

وتضم طبقة سفلية وعليا، بُنيت جدرانها وفقاً لشكل الصخور حولها، كانت تحتوي على أربعة أبراج، سقط البرج الغربي بفعل الحروب، وبجانب البرج الشرقي يوجد نفق بطول ستة أمتار، وإلى جانب النفق يرتفع البرج الجنوبي حيث توجد غرفة الحراسة، وفي الجزء الشمالي الغربي توجد غرفتان في إحدَيهما بئر ماء صغير، ويضم الجزء الشرقي مقر إقامة الحراس وعائلاتهم، إضافة إلى زرائب الحيوانات ومخازن الحبوب، كما توجد بركة ونفق داخل القلعة لتخزين المياه، وأشجار كرمة يقال إن الصباح هو من زرعها، ومقبرة قديمة لجهة الغرب، ولها مدخل واحد فقط يقع أسفل البرج الشرقي.

دخل الصباح آلموت سراً في رجب 483هـ، وأخفى هويته لفترة، واشتغل في تعليم أطفال حرس القلعة كمدرس اسمه دهخدا، ثم بدأ حرس القلعة يسقطون في دعوته واحداً تلو الآخر، وحين وصل أتباعه داخل القلعة وخارجها إلى العدد المطلوب لإعلان السيطرة، سقطت القلعة في يديه بسهولة في أواخر العام نفسه.

بدخول آلموت، يبدأ تاريخ النزاريين في إيران فعلياً، وتتبلور فكرة تأسيس الحكومة النزارية المستقلّة، وتولد فرقة الحشاشين، وتنطلق الانتفاضة المسلحة ضد السلاجقة، ويبزغ نجم الصباح، الذي كان مصمماً على إنجاز مهمتين: دعوة الناس إلى النزارية وفتح المزيد من القلاع، لتحقيق هدفه الرئيسي وهو إقامة الدولة النزارية الإيرانية العادلة، لذلك كان إيقاع نشاط فرقته في تلك الفترة، سريعاً ومكثفاً، الى درجة أنهم استولوا في فترة قصيرة على عدد غير قليل من القلاع والحصون والمدن الجبلية المسورة. 

رمّم الصباح الأسوار والأبراج والمخازن في آلموت وأهّلها، إذ جعلها حصناً منيعاً يمكنه الصمود في وجه الحصار الطويل، ثم وسع نفوذه حتى لامس أطراف نهر اندج ووادي آلموت والمزارع والقرى المحيطة. ولم يمض وقت طويل حتى هاجمها السلاجقة بقيادة قائد المنطقة الأمير يورنتاش السلجوقي، ومنذ ذلك الحين دخل النزاريون في صراع عسكري طويل الأمد، مع السلاجقة.

فأرسل الصباح إلى قهستان جنوب شرقي خراسان، داعية اسمه حسن قائني لطلب المساعدة. بدأ شعب قهستان على الفور بانتفاضة عامة ضد السلاجقة لتخفيف الضغط على آلموت، فاستولوا على الكثير من المدن الكبرى، مثل: قائن وطبس وتون وزوزن، وتمكنوا من تحقيق استقلالهم مثل إخوانهم في رودبار، وأصبحت قهستان ثاني أكبر إقليم للنزاريين، وكان يحكمها زعيم يعيَّن من آلموت يسمى محتشم. 

أرسل ملكشاه جيشاً لمحاربة النزاريين في رودبار وقهستان، لكنه أخفق، بسبب اغتيال الحشاشين نظام الملك وموت ملكشاه نفسه بعد وقت قليل. بعدها برز تنافس بين أبناء ملكشاه على الخلافة، فوجد الصباح الفرصة مؤاتية لتوسيع نفوذه، فاستولى على قلعة گردکوه وحصون أخرى حول دامغان والأجزاء الشرقية من جبال آلبرز في منطقة قومس، وبعض الحصون في منطقة أرّجان، المنطقة الحدودية بين ولايتي خوزستان وفارس، وأهمها قلعة لمسر في أعالي منطقة شاهرود غربي آلموت. 

أدرك الصباح أنه بعد ملكشاه لن يكون هناك سلطان قوي آخر تحتاج هزيمته إلى جيش جرار، وكانت القوة السياسية والعسكرية للسلاجقة موزعة بين الأمراء، وكانت لكل منهم منطقته، فاستطاع دحرهم بالتدرج منطقة إثر منطقة، بعد  الاستيلاء على الحصون المنيعة والقلاع القريبة من مناطقهم واستخدامها نقاطاً للغزو وشنّ الهجمات.

وكانت الجماعات النزارية، أينما وجدت، مستقلة إلى حد كبير، وتعمل وفق مبدأ المبادرة، وكانت القلاع التي هي في الواقع قواعد عسكرية ومراكز دينية وسياسية ومجتمعات، تدار بموجب نظام سياسي خاص، تحت إشراف الصباح ودعاته، وكانت تطيع أوامر آلموت عاصمة القلاع، وكان حكامها يطبقون القوانين في ظل نظام داخلي خاص واستقلال محلي نسبي، على طريقة الحكومات الفيدرالية، وتبقى الشؤون الخارجية والعسكرية في يد القائد الأعلى. 

ولأنه لم يكن يملك قوة قتالية كافية لمواجهتم، بالعديد والعدة، اعتمد أسلوب القتال الفردي، وأصدر الأوامر باغتيال كبارهم، وتنفيذاً لأوامره، تنكر “الفدائيون” أو “الحشاشون” في هيئات تجار ومتسولين وخدم ودراويش، وتوغلوا في كل مكان، في قصور الأمراء والوزراء، ومقار القادة العسكريين، والمساجد، وأسواق المدن، يغرسون الخناجر في قلوب ضحاياهم ويستسلمون، كانوا يعدون لهذه العمليات سراً وينفذونها علناً. فاعترف أعداؤهم بقوتهم الخفية الهائلة، وعاشوا في خوف منهم ورهبة، وكانوا عبارة عن جيش مكون من رجل واحد، يقضي على العدو في معركة واحدة، ثم توسعت معاركهم باتجاه بغداد، ثم الساحل السوري، حيث نشأ الفرع العربي من النزارية.

أول عملية اغتيال قام بها الحشاشون كانت قتل والي إصفهان مؤذن ساوجي، انتقاماً لإصداره أمراً بتعقب النزاريين في إصفهان وقتلهم، نفذها شخص يدعى طاهر نجار، الذي أعدمه نظام الملك في العلن، ليكون عبرة لغيره، لكن النزاريين كرموه بإعلانه شهيداً.   

الخواجة نظام الملك هو أول حاكم سياسي رفيع المستوى، قُتل على يد  الحشاشين، كان ملكشاه والخواجة في طريقهما إلى بغداد، عندما اقترب منه أحد الحشاشين بحجة تسليمه رسالة، فقطع شريانه بالخنجر.

تصف كتب التاريخ في إيران الخواجة بـ”الحاكم الفاسد الذي جمع من الأملاك والثروات أكثر مما جمع السلطان السلجوقي نفسه، وكان عدد حراسه أكثر من عدد حراس السلطان”.

حتى أن ملكشاه عزله بعدما استاء من تزايد نفوذه في دوائر الحكم، لكنه ظل مسيطراً على مفاصل الدولة. ويُقال إنه “استخدم كل ما أوتي من قوة وإمكانات للقضاء على النزارية، وقمع العرق الفارسي، ومنح التفوق للشعوب غير الإيرانية على أرض إيران”.

بعد ذلك، قُتل الكثير من السلاطين والخلفاء والأمراء والولاة والزعماء وعلماء الدين الذين عارضوا النزارية،  بخناجر الحشاشین، ورد فقهاء الشافعية وأفتوا بالجهاد ضدهم.

إضافة إلى اغتيال أعدائهم، عمد الحشاشون إلى ترهيبهم أيضاً، على سبيل المثال، كان الإمام الفخر الرازي، أحد كبار متكلمي الإسلام آنذاك، من أشد معارضي النزارية، فأراد الصباح ترهيبه لا اغتياله، فأرسل أحد أتباعه لتنفيذ المهمة، فدخل ضمن دروسه لمدة سبعة أشهر، وحين آتته الفرصة، سحب خنجره ووضعه على فم الإمام، كي يكف عن التحريض، وهكذا كان.

تصف المصادر الإيرانية النزارية بأنها “طائفة ذات تطلعات وآمال دينية وسياسية محقة، استخدمت المقاومة  المسلحة لتحقيق أهدافها، وارتكبت الاغتيالات كردة فعل على الاضطهاد الديني”. وتتهم المستشرقين وكتبة السلطة بالافتراء عليها، وتلبيسها تهمة الإرهاب. ويؤكد النزاريون أن “الحشاشين لم يقتلوا سوى خمسة قادة صليبيين، أما ضحاياهم من المسلمين فبلغوا بضع عشرات، خلال ما يقرب من مائتي عام، لكن التاريخ نشر إشاعات كثيرة وكاذبة عنهم، ونسب إليهم الكثير من الفظائع والجرائم زوراً”.

يتبع