fbpx

الحشاشون برواية إسماعيلي إيران (2): من هو حسن الصباح ؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أثار مسلسل “الحشاشين” إخراج بيتر ميمي، جدلاً واسعاً أثناء عرضه في شهر رمضان 2024، سواء حول الأحداث التي اقتبسها “من وحي التاريخ”، أو اتهامه بـ” بث رسائل الدولة”، وتوظيفه الحكاية التاريخيّة للتنكيل بأعداء الدولة. في سلسلة المقالات هذه، تناقش بادية فحص، تاريخ جماعة الحشاشين ومنشأها من وجهة نظر إسماعيلي إيران.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تروي مصادر إيرانية أن الصباح ولد في قم، لعائلة هاجرت من اليمن إلى الكوفة ثم إيران، وظل شيعيا اثني عشريا، حتى سن السابعة عشرة، حيث ترك قم إلى الري، ودخل مدرستها الدينية الذائعة الصيت، وكانت الري في ذلك الوقت مركز نشاط الإسماعيليين، فتأثر بهم وتعرف على التعاليم الإسماعيلية على يد الداعية أمير ضراب.

حصّل الصباح المزيد من التعليم من داعية آخر هو أبو نصر سراج، ثم اعتنق الإسماعيلية، وأدى قسم الولاء للإمام الإسماعيلي الخليفة الفاطمي المستنصر الله، وفي وقت لاحق، لفت الصباح انتباه زعيم الإسماعيلية في الأراضي السلجوقية عبد الملك بن عطاش، الذي جاء إلى الري، وقد لاحظ ابن عطاش موهبته وكفاءته، فمنحه منصبا في هرمية الدعوة الإسماعيلية، ليرافقه إلى أصفهان التي كانت المركز السري للدعوة الإسماعيلية في إيران.

وفي رواية أخرى ولد الصباح في قم، وعاش في الري، وبدأ تعليمه الابتدائي فيها، ثم قصد نيسابور في خراسان، للدراسة الدينية على يد الإمام موفق الدين النيسابوري، وهو رجل دين محدث ومشهور، كانت له علاقات عميقة مع أصحاب السلطة، لدرجة أن السلاجقة اعتبروه زعيمهم الروحي، وكان كل من يفضّله ويصبح تلميذاً له، يتسنى له التسلل بسهولة إلى الجهاز الملكي السلجوقي، ويصل إلى مناصب مهمة.

 ويقال إن الوزير السلجوقي الخواجة نظام الملك وشاعر الرباعيات عمر الخيام، كانا أيضا من تلاميذه، من هنا، ظهرت قصة “سه يار دبستاني”، أي “أصدقاء المدرسة الابتدائية الثلاثة”، التي كتبها إدوارد فيتزجيرالد في مقدمة الترجمة الإنجليزية لرباعيات الخيام، والتي تحكي عن صداقة جمعت الرجال الثلاثة، وعن العهد الذي قطعوه على أنفسهم، بأن من ينال منهم مكانا مرموقا يرسل في طلب الآخرين.

هذه الرواية نقلها ماركو بولو من دون الاستناد إلى مصدر موثوق، وانتشرت كالنار في الهشيم في كل المؤلفات العالمية التي تناولت تاريخ الإسماعيليين في إيران، ويشكك المؤرخون الإيرانيون في صحتها، ويؤكدون أنها مختلقة، من صنع خيال المستشرقين، ولا توجد وثائق وأدلة في التراث الإيراني، تحكي عن علاقة جمعت بين الثلاثة. 

كما لا توجد مصادر إيرانية تحكي عن علاقة جمعت بين الصباح والخيام، فالشاعر الإيراني الكبير الذي صادق الصباح، وكان مؤمنا بالنزارية، ومن أهم دعاتها هو ناصر خسرو وليس الخيام، الذي كان المركز الرئيسي لدعوته مدينة بلخ، ونتيجة نشاطه الدعوي في خراسان وبلخ ومازندران ونيشابور وسيستان، منحه الخليفة الفاطمي درجة الحجة، وسماه “صاحب جزيرة خراسان”. 

المشقات التي بذلها ناصر خسرو في نشر الدعوة، جعلت الصباح يدعوه إلى آلموت، وتحول هذا اللقاء الذي أدى فيما بعد إلى تضامن قوي بين هاتين الشخصيتين الدعويتين، من أبرز أحداث القرن، ومن أهم نقاط القوة في عصر الدعوة النزارية. 

أما الخيام، فكان في مكان آخر، ولد في نيشابور لعائلة زردشتية اعتنقت الإسلام لاحقا، وتعلم على الإمام موفق، وغادر إلى أصفهان بدعوة من جلال الدين ملكشاه السلجوقي ووزيره نظام الملك، ليؤسس ويرأس مرصد أصفهان لمدة 18 عاما، ويصمم التقويم الجلالي الذي يعد أكثر دقة من التقويم الغريغوري، ويبدع في الرياضيات والهندسة والجبر وعلوم الفلك والفلسفة، ويكتب الرباعيات التي طافت العالم. 

وفيما يتعلق بوجود علاقة بين الصباح والخواجة، فتشير المصادر، إلى أنه بعد الانتهاء من دراسته في نيشابور، والتقرب من الإمام موفق، نجح الصباح في اختراق البلاط السلجوقي، ومنذ بداية عمله نشأت عداوة شديدة بينه وبين الخواجة، وكان سببها هو اختلاف المذهب، الخواجة كان سنيا شافعيا، والصباح كان إسماعيليا، وكان الخواجة متوجسا من خطورة وجود الرافضة وأهل الباطن في البلاط، وكان يضرب الإسماعيليين بشدة، والصباح ينتظر الفرصة للإطاحة به، واستمر هذا التوتر حتى شك ملكشاه في وزيره، وليس في الصباح، وكانت هذه الشكوك سببا في مغادرة الصباح البلاط السلجوقي نحو البلاط الفاطمي في مصر.

سافر الصباح إلى القاهرة، بناءً على نصيحة ابن عطاش، لتلقي المزيد من التعليم، وحل في ضيافة أمير الجيوش الفاطمية بدر الدين الجمالي، وتلميذا على داعي الدعاة هبة الله المؤيد في الدين الشيرازي، لا تتوفر الكثير من المعلومات حول إقامة الصباح في مصر والأسباب الوجيهة لمغادرته، ويقال إنه عندما وصل إلى القاهرة، استقبله الخليفة بحرارة.

كان يتوقع أن يكون الخليفة الفاطمي إنساناً تقياً ورعاً، لكنه رأى رجلاً تافهاً، لا يفكر إلا في اللهو، ولا يستحق خلافة علي بن أبي طالب، فأصيب بخيبة أمل، وقرر مغادرة مصر، وفي مصادر أخرى قيل إنه أقام فيها ثلاث سنوات، أولا في القاهرة ثم في الإسكندرية، ولم ير المستنصر.

 يُرجح أن الصباح كان على خلاف مع الجمالي، لذلك ترك القاهرة نحو الإسكندرية التي كانت قاعدة لمعارضي الأخير، وكان صراع الصباح مع الجمالي على خلافة المستنصر، فقد أبدى الصباح تأييده لخلافة نزار، وقال إن المستنصر قبل وفاته قد أبلغه شخصياً أن خليفته سيكون نزار، لكن نفوذ الجمالي في الحكم، كان أعمق بكثير مما توقع، فحرم نزار ومنح المستعلي، ثم حصل قتل نزار، فعاد الصباح إلى بلاده فورا. 

وبعد عودته قطع علاقاته تماما مع الخلافة الفاطمية، والإدارة المركزية للدعوة الإسماعيلية في القاهرة، واتخذ طريقا مختلفا عنهم في السياسة والدين، فأسس الفرقة النزارية المستقلة، لكنه لم ينطق باسم نزار طوال حياته، ومع ذلك أصبح الإسماعيليون في إيران معروفين باسم النزاريين. 

وجاب الصباح إيران مبشرا بالنزارية لأكثر من تسع سنوات، وخطط خلالها لكيفية تشكيل حكومة مستقلة، وإنشاء منظمة فدائية قتالية، ودرس القوة العسكرية للسلاجقة في مختلف المناطق، فوقع اختياره على الولايات الساحلية في مازندران في شمال إيران، موطن جبال آلبرز العظيمة، وخاصة منطقة الديلم الجبلية، وكانت هذه المنطقة ملجأ للعلويين المهديين والزيدية والشيعة عموما، كونها بعيدة عن مراكز القوة السلجوقية في وسط وغرب إيران، ولذلك انتشرت فيها الدعوة الإسماعيلية بسهولة، ثم تابع الصباح تنفيذ مخططه، فبحث عن مكان مناسب لإقامة قاعدة عملياته، فاختار قلعة آلموت في منطقة رودبار بين قزوين وجيلان.

في الغضون، كانت الدعوة الإسماعيلية في إيران لا تزال تحت قيادة ابن عطاش، لكن الصباح، الذي أصبح داعي النزارية، اتبع سياسة مستقلة، وبدأ في نشر دعوته في مناطق الشمال وتحويل أهلها إلى مذهبه، وفي الوقت نفسه دعا مؤيديه من مناطق أخرى إلى الإقامة في رودبار. 

يصف الباحث والمؤرخ الإيراني فرهاد دفتري الصباح بأنه كان مهتماً بالعلوم المختلفة منذ الصغر، ومتعطشا للمعرفة، وكان لديه مجموعة من الدوافع الدينية والسياسية المركبة لثورته ضد السلاجقة، كونه شيعيًا إسماعيليا، كان يعارض بشكل أساسي سياسات السلاجقة الظالمة للشيعة، الذين أقسموا على الإطاحة بالحكومة الفاطمية الإسماعيلية، واشتكى من قسوة الأباطرة السلاجقة، والوزير ونظام الملك.

وتصفه مصادر إيرانية أخرى بأنه كان عالماً مهتماً بعلم الفلك والصيدلة والرياضيات، وكان لاهوتيا، ومنجما، وفيلسوفا، وباحثا، وخطيبا مفوها، وكان يتقن اللغتين اليونانية واللاتينية والعربية، وكان بارعا أيضا في الإدارة السياسية والعلوم الحربية، عاش زاهدا، وأصبح أسلوب حياته قدوة لأتباعه، وأقام في آلموت أكثر من ثلاثين سنة، ولم يخرج منها أبداً، وكان له مكتبة، يمضي معظم وقته فيها للدراسة والبحث والتأليف وكتابة تعاليم الدعوة النزارية، وكان صارما جدا في تطبيق أوامر الشريعة، وقد جذب إليه العديد من العلماء، على رأسهم الخواجة نصير الدين الطوسي.

وجعل من آلموت إحدى أهم المناطق لزراعة النباتات الطبية والمستحضرات الصيدلانية، واشتغل فلاحوها بزراعة النباتات الطبية وصناعة الأدوية التقليدية وبيعها، ولهذا أطلقوا عليهم اسم الحشاشين، والتي تعني بالفارسية صانعي الأدوية العشبية، أو بائعي الأعشاب الطبية، وليس متعاطي الحشيش، كما ورد في أغلب المصادر التاريخية، لهذا يطلق الإيرانيون على سوق العطارين سوق الحشاشين، وكان حشاشو آلموت يبيعون الأدوية بأقل الأسعار، وكان هدفهم خدمة الفقراء واستمالة المزيد من الأتباع، وتذكر المصادر الإيرانية، أن الصباح بنى مستشفى في آلموت، وكان معروفا في جميع أنحاء إيران، وكان المرضى الفقراء يتداوون فيه بدون مقابل. 

وفي نهاية حياته أصيب الصباح بمرض الكلى، ومات عن عمر يناهز 80 عاما، وبناء على وصيته تم دفن جثمانه في منطقة مجهولة، ولم تقم له مراسم عزاء، وفي اللحظات الأخيرة من حياته اختار كيابزرك أميد، الذي كان أحب رفاقه، خلفاً له، ثم واصل النزاريون نشاطهم العسكري والدعوي، حتى زمن الدمار المغولي.