fbpx

“ليلة مروعة” في صفاقس التونسيّة… عنصريّة وصدامات وتقصير رسميّ

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“في تلك الليلة كان من الصعب على الأهالي المتعاطفين مع المهاجرين التدخل ونجدتهم في ظل العنف والفوضى العارمة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“كانت ليلة مروعة بكل المقاييس في حي الأفران (مدينة صفاقس)، بعد مقتل أحد أبناء المدينة على خلفية مناوشات مع مهاجري جنوب الصحراء. بعض الأهالي قرروا طرد المهاجرين من منازلهم بالقوة، داهموا المنازل التي يسكنونها وضربوهم بوحشية، دون استثناء النساء. سرقوا هواتفهم وأموالهم وأحرقوا أمتعتهم. هناك من أصيب بكسور في ساقه ومن أصيب بجروح وكسور في أماكن مختلفة من جسده، وفرّ البعض هنا وهناك هرباً من بطش هؤلاء الهمجيين. لكن المشهد الصادم والذي لا أحسب أنني قادر على نسيانه هو مشهد السيدة التي أدركها المخاض في الشارع، وأظن أن المسكينة ولدت في غير موعدها بسبب الرعب. ظل الوضع هكذا حتى وصول قوات الأمن التي حاولت نقل المهاجرين بعيداً، برفقة بالحماية المدنية لنجدة المصابين”.

بهذه الكلمات وبكثير من الحزن والشفقة والاستياء من تصرفات المجموعات التي اعتدت على المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، تحدث منير، (أحد أهالي صفاقس)، الذي يقطن بالقرب من الحي الذي وقعت فيه عملية الطرد الوحشي للمهاجرين، راوياً لـ”درج” عن ليلة الرعب التي عاشها مهاجرون غير نظاميين في محافظة صفاقس (جنوب شرقي البلاد) وما تلاه من أيام عصيبة.

يتابع منير: “في تلك الليلة كان من الصعب على الأهالي المتعاطفين مع المهاجرين التدخل ونجدتهم في ظل العنف والفوضى العارمة، لكن بمجرد وصول عناصر الأمن الذين تأخروا بعض الشيء، تشجعنا وحاولنا المساعدة بتقديم المياه وتخفيف هلع البعض وأرشدنا الحماية المدنية إلى أماكن بعض المصابين لنجدتهم أو نقلهم إلى المستشفى. في اليومين التاليين عزمنا على حماية من تبقوا عندما حاول المجرمون تجديد الهجوم واتصلنا بقوات الأمن التي تدخلت ونقلتهم بعيداً من أيدي هؤلاء”.

يسود الآن هدوء نسبي، حسب وصف منير، في هذه الأحياء، خاصة بعد إلقاء القبض على المجموعات التي اعتدت على المهاجرين والمواطنين الذين أجّروا  منازلهم بطرق غير قانونية، لكن في المقابل ما زال المهاجرون يعانون وضعاً صعباً في ظل تواجدهم في العراء وسط درجات حرارة مرتفعة، خاصة أن بينهم أطفالاً، من دون أن تقوم الدولة إما بإعادتهم لمنازلهم التي استأجروها أو بنقلهم إلى مكان يأويهم في ظروف إنسانية.

اندلعت مواجهات عنيفة منذ مطلع يوليو الجاري بين عدد من مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء غير النظاميين وعدد من أهالي محافظة صفاقس ثاني أكبر المحافظات التونسية وأكثر المدن استقطابا للمهاجرين. أدت المواجهات لمقتل مواطن تونسي في عقده الرابع طعناً بسكين على يد بعض المهاجرين، وفق نتائج التحقيقات وشهادات الأهالي. 

أدت الحادثة إلى تفاقم الوضع المحتقن أساسا منذ فترة في مدينة صفاقس، إذ سادت حالة من الغضب في صفوف الأهالي، سرعان ما تحولت إلى حملة عنصرية ممنهجة ضد عموم المهاجرين من جنوب الصحراء، تراوحت بين العنف والطرد من المنازل وسلب أمتعتهم وهواتفهم والإهانة، لا سيما في الأحياء الشعبية في المدينة.

يواجه مهاجرو أفريقيا جنوب الصحراء وضعاً صعباً منذ هذه الحادثة بعدما أخرجوا من منازلهم، وأجبروا على البقاء في العراء أو التوجه لمحافظات أخرى بحثا عن الأمان.

أدانت مجموعة من المنظمات التونسية بشدة أعمال العنف المرتكبة بين تونسيين ومهاجرين غير نظاميين في صفاقس، وطالبت السلطات التونسية بإجراء تحقيقات نزيهة لكشف ملابسات كل ما يحدث.

كما أدانت، في بيان مشترك لها، انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها مهاجري جنوب الصحراء في تونس، داعية إلى “التدخل العاجل لوضع حد لعمليات الإعادة القسرية التعسفية وغير القانونية وضمان الرعاية اللازمة والكريمة لهؤلاء الأشخاص والسماح للمنظمات الإنسانية بالتدخل”.

دعت نجاة الزموري النائبة الأولى للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الدولة التونسية لتبني خطة واضحة في حل الأزمة الحالية طبق معياري حق سكان صفاقس في الأمن وحق مهاجري جنوب الصحراء في سلامتهم، مع واجب الدولة في مراقبة حدودها طبقا لمقتضيات القانون الدولي ومعاهدات حقوق الإنسان.

وقالت لـ”درج “يقتضي ذلك تجاوز الاقتصار على المقاربة الأمنية والقضائية في معالجة الأزمة والبحث عن حلول ناجعة للحد من الفوضى والتصدي للخطاب العنصري والتحريض على الكراهية مع وضع حد للممارسات التي تجعل من الأفراد يحلون محل الدولة في إنفاذ القوانين”.

أدانت مجموعة من المنظمات التونسية بشدة أعمال العنف المرتكبة بين تونسيين ومهاجرين غير نظاميين في صفاقس، وطالبت السلطات التونسية بإجراء تحقيقات نزيهة لكشف ملابسات كل ما يحدث.

أصل الإشكال

ما حصل في مدينة صفاقس كان منتظراً، فمنذ أكثر من سنة تحولت محافظة صفاقس إلى قبلة للمهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء، حتى أصبحوا يشكلون أغلبية في بعض الأحياء بخاصة الشعبية. وتعرف السلطة التونسية وأجهزتها الأمنية ذلك تماماً، فبحسب بعض الشهادات في مدينة صفاقس، فإن خفر السواحل في المدينة يسحب عشرات المهاجرين غير النظاميين من عرض البحر بشكل يومي أحياناً، ويطلق سراحهم بمجرد الوصول إلى اليابسة، من دون رقابة أو توجيه إلى مكان خاص لإيوائهم. في المقابل، ترسل المناطق الساحلية الأخرى على غرار محافظة المهدية، المهاجرين القادمين إليها أيضاً إلى محافظة صفاقس. 

لا يتوقف الأمر عند المهدية، إذ أصبح مشهد أفواج المهاجرين جنوب الصحراء المتوجهين سيراً على الأقدام أو في وسائل النقل المختلفة باتجاه محافظة صفاقس، مألوفاً لدى كل التونسيين ويتكرر يومياً. والغريب أن هذا الأمر كان يحصل من دون اعتراض من السلطات، وكأن هناك توجهاً من الدولة لتكديس المهاجرين في محافظة صفاقس.

وفي ظل التهافت المستمر لمهاجري أفريقيا جنوب الصحراء على مدينة صفاقس، ارتفعت أعدادهم وباتوا يسيطرون على بعض الساحات وسط المدينة مثل “باب الجبلي” حيث يقومون ببعض الأنشطة في الشارع كالحلاقة وغيرها. حينها بدأت أصوات الأهالي تتعالى رافضة تمركز المهاجرين غير الشرعيين، وطالب السكان الدولة بإيجاد حل لهذه المعضلة. وتم تنظيم وقفات احتجاجية لتمرير مطالبهم إلى السلطة، كان آخرها في 25 حزيران/ يونيو الماضي، ولكن من دون جدوى، إذ ظلت السلطات تتعمد إغماض عيونها متجاهلة نداءات أهالي المدينة.

بدأت في الأسابيع الأخيرة بعض المواجهات المسلحة بين المهاجرين، رصدها عدد من نشطاء المدينة، وأطلقوا نداء إلى السلطات للتدخل ولكن من دون جدوى. وهذا ما توضحه هالة (من سكان الأحياء القريبة من تمركز المهاجرين) لـ”درج”: “في الآونة الأخيرة بتنا نعيش على وقع معارك طاحنة بين مجموعات كبيرة من المهاجرين تستخدم فيها السكاكين وآلات حادة مختلفة أرعبت الأهالي وألزمتهم ديارهم. وقبل أيام قليلة أدت معركة بينهم استخدموا فيها العصي والحجارة، إلى غلق مدخل حينا تماماً. كان المشهد مخيفاً، وبعدها بأيام قليلة انطلقت معركة ليلية أخرى انتهت بمقتل طفلة ورميها في بئر. لقد أصبحنا نفتقد الإحساس بالأمان”.

تؤكد هالة أنه خلال المعارك لم تتدخل الدولة بأي شكل من الأشكال رغم تتالي النداءات وإبلاغ الأمن بما يجري وإعلامهم بحالة الهلع التي هم عليها، في المقابل فإن الأهالي من فرط خوفهم وبسبب غياب قوات الأمن لم يستطع إلا القليل منهم توثيق ما يجري بتصويره. 

في خضم هذا كله، بدأ أهالي محافظة صفاقس يشعرون بأن الدولة لا تكترث لأمنهم وبأن هناك نية لتحويل مدينهم إلى محطة لـ”تكديس” المهاجرين. وتفاقم هذا الشعور عندما قتل مواطن أربعيني على يد مجموعة من المهاجرين من الكاميرون إثر مناوشات بين الجانبين، وقرر حينها سكان المدينة أن يقوموا بدور الشرطة، وإخراج المهاجرين بالقوة من مدينتهم. في ليلة الجريمة، تجمع مئات السكان في أحياء من المدينة طوال الليل، مطالبين بمغادرة جميع المهاجرين غير القانونيين على الفور مرددين شعارات عنصرية. 

من يتحمل المسؤولية؟

حين بلغت الأمور هذا الحد من الفوضى، تدخلت الدولة وانتشرت قوات الأمن في الأحياء التي يسكنها المهاجرون ونقلتهم إلى وجهات مختلفة. بمعنى أن الدولة ظلت تراقب ما يحصل منذ البداية دون أن تحرك ساكناً. 

تتحمل الدولة المسؤولية أيضاً كونها لم تفتح مراكز إيواء خاصة بالمهاجرين كما هو معمول به دولياً مع مراعاة الجانب الإنساني، وعندما تواطأت أجهزتها مع تجار البشر وفتحوا المجال أمام الأعداد الكبيرة للمهاجرين القادمين برا وبحرا دون رقابة أو مسؤولية، وعندما تجاهلت عمدا كل النداءات التي أطلقها أبناء مدينة صفاقس وتحذيراتهم المتتالية من حدوث كارثة كبيرة، وعندما أطلق رئيس الدولة قيس سعيد خطاباً عنصرياً تجاه المهاجرين، معتبراً توافدهم يأتي في سياق “مؤامرة لتغيير التركيبة الديموغرافية للبلاد”. فبعد هذا الخطاب سادت موجة كراهية ضد المهاجرين الوافدين من أفريقيا جنوب الصحراء، ظهرت بخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي وها هي اليوم تخرج إلى الفعل المادي وتظهر في أبشع تمثلاتها.

على رغم سحب هذا الخطاب لاحقاً من موقع رئاسة الجمهورية على شبكة الإنترنت على خلفية الردود الداخلية الخارجية المستهجنة، وعلى خلفية أحداث أحداث العنف التي طالت عددا من المهاجرين، ورغم ذهاب الرئيس قيس سعيد إلى مكان تجمع المهاجرين في محافظة صفاقس واحتضان بعضهم، أثر ذلك الخطاب قد لم يتغير والنزعة العنصرية التي استفاقت لم تتراجع بل تزايدت وبدت جلية في الأحداث الأخيرة.  

وهذا ما يؤكده المتحدث الرسمي لـ”المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” المكلف بملف الهجرة رمضان بن عمر قائلاً : “إن المسؤولية ملقاة على عاتق السلطات التونسية بسبب سوء إدارة هذه الأزمة، أولاً، توقعنا منذ شهر شباط/ فبراير مع تصاعد الخطابات المعادية للمهاجرين وخطابات الكراهية، أن تنتقل هذه الخطابات من الفعل الافتراضي إلى الفعل الميداني وهو ما شاهدناه فعلاً. ثانياً غياب الدولة في جهة صفاقس فسح المجال لمجموعات منفلتة لبث خطاب الكراهية عبر صفحات ومجموعات عبر فيسبوك، وتساهلها مع خطاب الوصم والكراهية، إلى جانب تساهل وتطبيع بعض وسائل الإعلام مع هذا الخطاب وتصوير المهاجرين كتهديد أمني وصحي وعبء اقتصادي واجتماعي على مدينة صفاقس وعلى البلاد”.

يضيف بن عمر: “كل ما سبق أدى إلى انتقال هذه المجموعات إلى الفعل الميداني وتعويض الدولة عبر القيام بعمليات إخلاء بالقوة لمنازل المهاجرين. هذه الحالة استغلتها بعض الشبكات الإجرامية للقيام بعمليات سلب للبيوت لكل ما غلا ثمنه وخف وزنه. بمعنى أن مسؤولية تنفيذ القانون تحولت من يد الدولة والأجهزة الأمنية إلى يد مجموعات منفلتة ولهذا رأينا كل تلك الصور المأسوية”.

تتحمل الدول الأوروبية المسؤولية عما يجري للمهاجرين في تونس بسبب السياسات غير الانسانية التي قيدت حق التنقل والتي تركت المهاجرين عالقين في تونس باعتبار أن وجهتهم أساساً هي الضفة الشمالية للبحر المتوسط، وسعيها لأن تجعل من دول شمال أفريقيا بخاصة تونس مقراً لاستقرار المهاجرين ومنع وصولهم إلى حدودها رغم إدراكها عدم جاهزية هذه الدول لهذا الدور على جميع المستويات وبرغم رفضها لعب هذا الدور. من دون أن ننسى دور بلدان الجوار التي تساهلت وأغمضت عينيها على تدفقات المهاجرين إلى تونس وبخاصة الجهة الغربية عبر الجزائر.

لا نملك إحصاء رسمياً للعدد الحقيقي للمهاجرين غير النظاميين في تونس، فبحسب الأمم المتحدة، يقدر عددهم بقرابة 57 ألف مهاجر، في حين أجرى مركز الدراسات الإستراتيجية والدولیة الأميركي منذ فترة، رصداً تقريبياً للمهاجرين، تبين خلاله وصول عددهم إلى 60 ألف مهاجر لتونس، ويأتي معظمهم من دول مثل مالي، تشاد، الكاميرون، كوت ديفوار والسنغال.

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 16.05.2024

“مفاتيح دبي”: عن علاقة إلياس بو صعب ببرج نورة الإماراتي!

برز الياس بو صعب كشخصية محورية في لبنان في السنوات الأخيرة الماضية وضجّت مؤخرًا وسائل الاعلام بخبر فصله من التيار الوطني الحر. تكشف وثائق مشروع "مفاتيح دبي" بالتعاون مع مشروع "الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد" OCCRP، عن امتلاك بو صعب ستة عقارات في برج نورة الاماراتي. تبلغ القيمة التقريبية للعقارات نحو 6.5 مليون دولار أميركي.