fbpx

العنف ضدّهن يتضاعف… من يوقف قتل النساء في تونس؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

رغم العدد المفزع للنساء القتيلات في غضون 5 أشهر وما سبق خلال السنوات الماضية، إلا أن السلطات المعنية ما زالت تكتفي بالبيانات من دون التوجه لتوفير آليات حماية المرأة في تونس من العنف والقتل، حتى أنها لا تملك إحصاءات واضحة حول عدد الضحايا منذ سنوات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد مرور سنتين على الجريمة الشنيعة التي راحت ضحيتها رفقة الشارني، التي قُتلت على يد زوجها رجل الأمن في 2021، تم تعيين أولى جلسات محاكمة قاتلها في محافظة الكاف شمال غربي تونس في ـ24 أيار الماضي، وطلب محامي القتيلة التأجيل، بسبب امتناع الجاني عن الكلام وطلبه أن تتم محاكمته مكتبياً، أي في نطاق ضيق ومن دون حضور أحد عدا القضاة والمحامين. 

وفي الجلسة الثانية، قررت المحكمة إحالة ملف القضية على النيابة العمومية للنظر في خصوصية الدفع المتعلق بعدم اختصاص المحكمة العدلية للنظر في القضية، في ظل إمكان إحالة ملف القضية على المحكمة العسكرية، لا سيما أن المتهم يحمل رتبة شبه عسكرية “وكيل أول بالحرس الوطني”.

محاكمة قاتل رفقة تُعتبر أول محاكمة تتم على مبدأ القانون عدد 58 لسنة 2017، ولهذا يعوَّل كثيراً على مسار هذه القضية. 

قتلت رفقة الشارني وهي في الـ26 ربيعاً، بعدما حاولت كثيراً التحمّل والحفاظ على زواجها، رغم معارضة الأهل بعد ثلاث سنوات من الزواج تكررت خلالها حوادث العنف، ثم كانت النهاية خمس رصاصات اخترقت جسدها ووضعت حداً لحياتها في مقر سكنها في محافظة الكاف. 

وتأتي محاكمة قاتل رفقة الشارني فيما أصبح قتل النساء في تونس ظاهرة مخيفة، يُستخدم فيها الذبح والحرق والخنق وغيره، في ظل صمت الدولة وتراخي الجهات المعنية من مراكز شرطة وقضاء في التعامل مع قضايا العنف ضد النساء وتقاعسها عن تطبيق القوانين الكفيلة بحماية النساء في تونس من العنف. إذ تم تسجيل 17 حالة لقتل نساء بين شهري كانون الثاني/ يناير و26 أيار/ مايو الماضي، موزّعة بين 15 حالة ارتُكبت على يد الزوج أو الخطيب، وحالتين تندرجان في إطار الموت المستراب، بحسب إحصاءات “الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات”. وكان لشهري نيسان/ أبريل وأيار الماضيين نصيب الأسد في عدد النساء القتيلات بمعدل أربع نساء في كل شهر.

 تقول محامية عائلة رفقة الشارني لـ”درج”، “لم يُحدث مقتل رفقة الشارني بتلك الطريقة البشعة على يد زوجها، جدلاً كبيراً وتعاطفاً واسعاً معها ومع المرأة ولو لفترة فحسب، بل أحدث نقلة نوعية في تعامل مراكز الشرطة مع حالات العنف ضد النساء وعلى مستوى تعاطي القضاة مع القضايا ذاتها في محافظة الكاف. إذ أصبحنا نرى جدية أكبر في التعامل مع النساء اللاتي يتقدمن بشكاوي ضد أزواجهن أو أي رجل بسبب العنف، والأهم أنه تم منع الأمنيين من حمل السلاح إلى المنزل بعد الانتهاء من العمل”.    

قتل عمد وفي وضح النهار

قُتلت صابرين على يد زوجها في 8 أيار الماضي، ومثلها سعاد في 12 نيسان الماضي.

عانت صابرين، الثلاثينية والأم لأربعة أطفال، طويلاً من العنف الزوجي، وحاولت مراراً الانفصال، لكن عائلتها كانت تثنيها في كل مرة، حتى كانت النتيجة مقتلها خنقاً.

يقول شقيقها: “تعرضت صابرين لكل صنوف العنف من زوجها، وفي كل مرة كانت تلجأ إلينا كنا نحاول ثنيها باعتبار أنها أم لأربعة أطفال ولن يستقبلها أحد بهذا الوضع، لا سيما في ظل وفاة الوالدين. وقبل وفاتها بفترة قصيرة، وردني اتصال من شقيقتي الكبرى تخبرني أن صابرين قررت الطلاق من زوجها بمفردها في ظل معارضتنا، فاتجهت مباشرة إلى منزلها لأحاول مجدداً إقناعها بالإقلاع عن هذا القرار. أخبرتني أنها تعبت ولم تعد تحتمل المزيد من العنف من زوجها وعائلته. آلمني كلامها، لكنني مجدداً حاولت التأثير عليها بحجة أبنائها، وليتني لم أفعل”.

قُتلت صابرين وهي حامل في شهرها الخامس، بعد سنوات من التعذيب والعنف المفرط من زوجها.

أما سعاد، فقد اختارت الانتقال إلى مدينة نابل شمال شرقي البلاد، بعيداً من بيت الزوجية في مدينة القيروان غرب البلاد، للتخلص من عنف زوجها المستمر وبحثاً عن الاستقرار والأمان اللذين تفتقدهما بشدة. وقررت التعويل على نفسها لكسب قوتها وطفليها اللذين لم يتجاوزا العشر سنوات، فبدأت في صنع الخبز التقليدي وبيعه. ورغم التعب وضيق الحال، فقد ظنت سعاد أن حياة بلا عنف وبلا مشاكل قد بدأت، لكن توقعاتها سرعان ما خابت.

بحسب روايات أقارب الضحية، فإن الزوج استدرج سعاد وأقنعها بضرورة أن يلتقيا للتفاهم بشأن طفليهما بعدما أوهمها بأنه نادم على أفعاله. صدّقت سعاد، وذهبت للقائه في مدينة نصرالله بمحافظة القيروان وسط غرب تونس. وهناك، نشب خلاف بينهما يُعتقد بحسب المصدر ذاته أنه بسبب إصرار سعاد على الانفصال ورفض الزوج، فأقدم على خنقها حتى الموت ثم توجّه لتسليم نفسه إلى السلطات الأمنية. ويبدو أن الزوج كان قد خطط سلفاً لجريمته، لا سيما أنه كان واثقاً من أن الضحية قد حسمت أمرها سلفاً بشأن الانفصال عنه وأن اللقاء لن يغير شيئاً في قرارها.

وفي الثالث من أيار الماضي، بينما كانت إحدى المواطنات تعبر الطريق في أحد شوارع محافظة أريانة القريبة من العاصمة، اعترضتها سيارة أجرة جماعية. يبدو بحسب روايات الحاضرين، أنها قد انتقدت إفراطه في السرعة، وتدريجياً تطور النقاش بينهما إلى سجال حاد ظنت الضحية أنه كغيره من السجالات العادية. لكن ما حدث كان صادماً ومروعاً، إذ قام السائق بدهسها مرتين ليتركها جثة غارقة في دمائها ويلوذ بالفرار، ثم أخفى سيارته في أحد المستودعات وحاول الفرار من المدينة ليُلقى القبض عليه سريعاً في الطريق وهو في صدد الهروب. لقد نفّذ الجاني جريمته المروعة بدم بارد وسط الشارع أمام العشرات من دون خوف أو تردد، فقتل النساء بات فعلاً عادياً يحدث في وضح النهار. 

وكانت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، أعلنت أن العنف ضد المرأة في تونس في ارتفاع، وأن العنف الزوجي بات يمثل أعلى نسبة من أشكال العنف المسجلة من حالات العنف الذي تعاني منه النساء، إذ تلقى الخط الأخضر 1899 خلال الثلاثي الأول من عام 2023، 921 حالة عنف، منها 654 حالة القائم بالعنف فيها هو الزوج، أي بمعدل 71 في المئة، مع العلم وأنه في الثلاثي الأول من عام 2022 بلغت إشعارات العنف الزوجي 168، أي أن الظاهرة تضاعفت أكثر من ثلاث مرات.

وأظهرت دراسة استطلاعية أنجزها كل من “صندوق الأمم المتحدة للسكان بتونس” و”كلية العلوم القانونية والسياسية والإجتماعية بتونس”، أن جرائم قتل النساء في تونس هي نتيجة علاقات قوى اجتماعية وهيمنة ذكورية ولا يمكن إعادتها دائماً إلى أسباب مرضية أو حالات إدمان.

في المقابل، تؤكد منظمات نسوية أن العدد الحقيقي لحالات تعنيف النساء أعلى بكثير من الأعداد المعلن عنها بشكل رسمي.

تراخٍ في تطبيق القانون

يكفل دستور تونس لعام 2022 المساواة بين الرجل والمرأة أمام القانون، ويلزم القانون 58 الدولة باتخاذ إجراءات لحماية المرأة من العنف بمختلف أشكاله. لكن ما زالت المرأة تواجه صعوبات كثيرة من أجل تطبيق القوانين، ما يجعلها عرضة للعنف المتزايد.

ويعد القانون رقم 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، أحد أهم الأطر القانونية الهادفة إلى تحقيق القضاء على العنف الجسدي والمعنوي والجنسي والاقتصادي والسياسي ضد المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

إذ أدخل أحكاماً تقدمية للوقاية والحماية والمقاضاة، وضمن حصول الضحايا على الخدمات المناسبة. وأدخل أيضاً تدابير وأوامر حماية غير مسبوقة تهدف إلى إبعاد الجُناة من منزل الزوجية والضحايا. وأدرج جرائم جديدة تتعلق بالعنف الاقتصادي والنفسي، وألغى الأحكام التي كانت تسمح بإنهاء الإجراءات أو إلغاء الإدانات إذا سحبت الضحية شكواها، والأحكام التي كانت تسمح بالإفلات من العقاب أو العقوبة المخففة للمعتدين على غرار إعفاء المغتصب من العقاب إذا تزوّج الضحية.

ولكن رغم أهمية هذا القانون، إلا أن النساء ضحايا العنف في تونس، يعانين من تقاعس مختلف السلطات في تطبيق القانون، فتُجبر كثيرات على العيش مع شريك يمارس العنف الجسدي والمادي والمعنوي.

بعد دخول القانون حيز التنفيذ بأشهر قليلة، أنشأت وزارة الداخلية 128 وحدة متخصصة في أنحاء البلاد للقضاء على العنف ضد المرأة، مهمتها التحقيق في حالات العنف ضد المرأة. لكن هذه الوحدات المتخصصة تعمل أثناء ساعات العمل الإدارية فقط، عدا أنها ما زالت غير متاحة في كامل البلاد لا سيما مدن الجنوب. كما لا يتم إعلام النساء بوجود وحدة أمنية متخصصة لاستقبال الشكاوى المتعلقة بالعنف والتكفّل بها، ولهذا يتجهن غالباً إلى مركز الشرطة التابع لمحل السكن، والذي يكون غالباً الوجهة الخطأ لهن، إذ لا تتولى هذه المراكز شرح حقوق الضحايا وتحكمها الوساطات الأسرية وتعهدات الجناة بعدم العودة إلى الخطأ، والذي غالباً ما ينتهي بمزيد من العنف الذي تدفع ثمنه النساء.

كما لا تبدي الشرطة أي رغبة في تطبيق القانون ومساعدة النساء اللاتي يلجأن إليها بسبب العنف، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، تبالغ الشرطة في طلب إثبات حصول العنف على غرار المطالبة بشهادة طبية حديثة لا تتجاوز 48 ساعة لفتح تحقيق أو توفير إجراءات حماية، رغم أن القانون 58 لا ينص على ذلك. ويعد هذا الشرط مجحفاً بالنسبة الى النساء ضحايا العنف في تونس، لأنهن غالباً ما يحتجن إلى مساحة زمنية قد تطول لحسم قرارهن بشأن تتبّع الجاني. بمعنى أن المطالبة بشهادة جديدة تعكس مقدار استخفاف الشرطة بمسألة العنف ضد النساء وسعيها الى إيجاد مخارج للرجل الجاني ولو على حساب سلامة الضحية.

ولا تتوقف الصعوبات عند هذا الحد، فمنظومة العدالة بدورها منخرطة في مسار عدم تطبيق القانون، إذ تواجه النساء الوصم من أعوان الضابطة العدلية وسوء المعاملة وتحيّز بعض القضاة للرجال وغياب مكاتب للإرشاد القانوني أو خلايا لاستقبال وتوجيه النساء ضحايا العنف في المحاكم. كما لا تتمتع النساء بالحق في الإعانة العدلية بصفة آلية في ظل عدم وضوح إجراءاتها وبطئها وطول مدة التقاضي وغياب التخصص لدى القضاة في مجال العنف ضد النساء، هذا فضلا عن رفض غالبية القضاة تطبيق القانون عدد 58، رغم دخوله حيز التنفيذ منذ عام 2017.

وتعتبر المنظمات المهتمة بقضايا المرأة في تونس أو ما يسمى بـ”الديناميكية النسوية”، أن ارتفاع منسوب العنف وجرائم قتل النساء سببه استمرار تبرير العنف من منطلقات سوسيو- ثقافية تتغذى من الفكر الأبوي والذكوري، ومن وجود قوانين جائرة وتمييزية وقضاء يرفض تطبيق القوانين التي تحمي النساء، لا سيما القانون عدد 58 سالف الذكر، ومن الصمت السلبي للدولة التونسية المتقاعسة عن القيام بواجباتها تجاه مواطناتها وحمايتهن.

وقالت الناشطة الحقوقية وعضو جمعية “النساء الديموقراطيات” أحلام بوسروال، لـ”درج”، إن “الدولة تقف صامتة وتنظر الى العنف ضد النساء كظاهرة، في حين بات واقعاً. كما أن التطبيع مع العنف ضد المرأة أعطى المجال لسقوط المزيد من الضحايا، وبتنا نعاين جرائم قتل ممنهجة في ظل عدم تطبيق القانون 58 وفصل ضحية العنف عن المعتدي لتفادي القتل”.

كما اعتبرت أن سياسة الإفلات من العقاب التي تؤكدها قضية رفقة الشارني والتي انتظرت سنتين كاملتين قبل تعيين جلسة أولى لمحاكمة القاتل، إلى جانب بطء الفصل في القضايا والرشوة والمحسوبية والتشبيك في العلاقات، كلها عوامل من شأنها تعميق ظاهرة العنف ضد النساء.

ورغم العدد المفزع للنساء القتيلات في غضون 5 أشهر وما سبق خلال السنوات الماضية، إلا أن السلطات المعنية ما زالت تكتفي بالبيانات من دون التوجه لتوفير آليات حماية المرأة في تونس من العنف والقتل، حتى أنها لا تملك إحصاءات واضحة حول عدد الضحايا منذ سنوات.

قائمة النساء الضحايا لهذا العام 

2 كانون الثاني/ يناير 2023، قتل امرأة في بوحجلة محافظة القيروان، على يد زوجها طعناً بسكين. 

27 كانون الثاني 2023 بسيدي حسين ابن يقتل والدته ويقطع جثتها ويلقيها ببرميل ويسكب عليه السيمان.

3 شباط/ فبراير 2023 محافظة زغوان قتل نادين الزديني 15 سنة على يد شخص ليس من العائلة بعد ضربها حتى كسر جمجمتها. 

7 شباط 2023 تونس الكبرى، قتل امرأة مهاجرة من قبل مجموعة من جنوب الصحراء.

9 آذار/ مارس 2023 المروج محافظة بن عروس قتل امرأة على يد زوجها بعدما أبرحها ضرباً.

12 آذار 2023 محافظة ڤابس قتل رحاب الثابتي (20 سنة) والعثور على جثتها محترقة.

15 آذار 2023، منزل شاكر محافظة صفاقس، زوج يقتل زوجته التي ألقى بها في بئر عمقها 100 متر. 

1 نيسان/ أبريل 2023، دوار هيشر محافظة منوبة، مقتل امرأة على يد زوجها طعناً بسكين.

12 نيسان 2023، معتمدية نصرالله، محافظة القيروان، رجل يقتل زوجته خنقاً.

15 نيسان 2023 المنزه السادس محافظة أريانة، قتل امرأة على يد زوجها بسكين وإصابة صديقتها بجروح.

27 نيسان 2023، الوردانين محافظة المنستير، مقتل امرأة على يد زوجها خنقاً.

3 أيار 2023، محافظة أريانة، قتل امرأة دهساً على يد سائق سيارة تاكسي جماعي.

8 أيار 2023، معتمدية كندار محافظة سوسة، رجل يقتل زوجته الحامل خنقاً. 

12 أيار 2023، تونس الكبرى، أب يقتل طفلته الرضيعة.  

13 أيار 2023، معتمدية بوحجلة محافظة القيروان، زوج يقتل زوجته حرقاً ويصيب ابنته بحروق بالغة.