fbpx

هل تستغلّ أوروبا أزمة تونس الاقتصادية لتحويلها إلى حارس لحدودها؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تشترط أوروبا ترحيل اللاجئين من جنوب الصحراء الموجودين على أراضيها لتوطينهم بـ”محتشدات” على أرض تونس، وإرجاع التونسيين الذين دخلوا أوروبا عن طريق الهجرة غير النظامية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تحوّلت تونس في الأسابيع الأخيرة، إلى قبلة مسؤولين من الاتحاد الأوروبي بهدف التوصل الى اتفاق كفيل بالحدّ من أعداد المهاجرين غير النظاميين المنطلقين من الأراضي التونسية باتجاه سواحلها. لقاءات متتالية عقدها وزراء داخلية أربع دول أوروبية مع الرئاسة التونسية، عرضوا خلالها مساعدات مالية لاقتصاد البلاد المنهار بدت في ظاهرها بمثابة الحرص الأوروبي على انتشال تونس والحيلولة دون انهيارها، في حين أن مجرد التمعن في الشروط المطروحة يبدو جلياً أن الاتحاد الأوروبي يحاول استثمار حالة الضعف الكبير التي تمر بها تونس لتحويلها إلى حارس لحدوده تحت مسميات براقة. ورغم إصرار الرئيس التونسي قيس سعيد في أكثر من مناسبة، على أن بلاده لن تكون حارساً إلا لحدودها، فإن المؤشرات الأولية لمخرجات زيارات المسؤولين الأوروبيين لتونس تقول غير ذلك.  

ووصل وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، ونظيرته الألمانية نانسي فيزر، إلى تونس في 18 حزيران/ يونيو الحالي، في زيارة استمرت حتى الـ25 منه وسط غموض حول الوعود الجديدة التي أعلنا عنها باستثناء الإعلان عن عزم فرنسا تقديم 25.8 مليون يورو إلى تونس كمساعدة لوقف قوارب المهاجرين عبر المتوسط.

وجاءت زيارة وزيري الداخلية الألماني والفرنسي بعد نحو أسبوع من وصول ثلاثة مسؤولين أوروبيين دفعة واحدة، وهم كل من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس الوزراء الهولندي مارك روت ونظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني إلى تونس العاصمة في 11 حزيران، بعد أيام قليلة من الاتفاق الذي تم بين دول الاتحاد الأوروبي بشأن المهاجرين. وخلال زيارة العمل القصيرة هذه، عرض الثلاثي الأوروبي على الرئيس التونسي قيس سعيد تعاوناً أوثق في مجال الهجرة والاقتصاد في المستقبل.

المثير بالنسبة الى الزيارات المتتالية للمسؤولين الأوروبيين، هو أن أوروبا تناست فجأة التصريحات المعادية للاجئين الأفارقة المثيرة للجدل الصادرة عن الرئيس قيس سعيد قبل أشهر قليلة، والتي أسفرت عن حملة استهداف للمهاجرين الموجودين في تونس، وباتت تعتبر أن تونس بلد آمن للمهاجرين وتسعى الى إرجاعهم إليه، وتنسّق مع سعيد شخصياً حول ذلك. 

ففي 21 شباط/ فبراير الماضي، وصف سعيد تدفّق المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس، بأنه “ترتيب إجرامي أُعدَّ منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس، وتوطين المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء” في البلاد. وأدت هذه التصريحات العنصرية الى اندلاع اعتداءات مادية رافقتها في كثير من الأحيان سرقات، وطرد من المنازل وفصل من العمل. هذا إلى جانب تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية ضد المهاجرين/ات من جنوب الصحراء في تونس على الشبكات الاجتماعية وفي بعض وسائل الإعلام. 

كما شنّت الشرطة التونسية حملة اعتقالات عشوائية استهدفت المهاجرين الأفارقة السود على أساس مظهرهم أو الأحياء التي يقطنون فيها. إذ أوقف تعسفياً بين 7 شباط حتى منصف آذار/ مارس 2023، حوالى 850 شخصاً في إطار حملة تستهدف المهاجرين والمهاجرات غير النظاميين/ـات في تونس.

ورغم هذا الوضع الذي يثير قلق المنظمات الحقوقية في تونس وخارجها، إلا أن أوروبا لا تجد حرجاً في التفاوض مع الرئيس التونسي من أجل أن تكون بلاده مكاناً لتجميع المهاجرين غير النظاميين المطرودين إليها من أوروبا. ما يعني أن أوروبا بدورها، لا تكترث كثيراً لأوضاع المهاجرين بعد إخراجهم من أراضيها بقدر اهتمامها بمغادرتهم والتخلص من عبء تراه ثقيلاً جداً وتسعى الى التخلص منه.

ويبلغ عدد المهاجرين من جنوب الصحراء في تونس 21 ألفاً و466 مهاجراً، بمن فيهم الطلاب، حسب بيانات رسمية صادرة عن معهد الإحصاء الحكومي سنة 2021. لكن الأرقام على أرض الواقع تتجاوز ذلك بكثير وفقاً للجهات المعنية بشؤون المهاجرين. 

وهذا ما يثير قلق المجتمع المدني في تونس، لا سيما المنظمات التي تهتم بالهجرة على غرار المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إذ اعتبر الناطق الرسمي باسمه والمكلف بملف الهجرة رمضان بن عمر، أن الجانب الأوروبي قد انتهز وضعية الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتونس لتمرير مقترحات ستكون حلاً لأزمة الهجرة في أوروبا ولن تكون حلاً للأزمة الاقتصادية التونسية، بل وستحوّل تونس لا فقط إلى حارس بل سجان أيضاً على حد تعبيره. 

وقال بن عمر لـ”درج”، “إن تونس لم تطرح مسألة حرية التنقل للتونسيين، وهي مسألة جوهرية في العلاقات بين الدول، وعدم التطرق الى هذه المسألة دلالة على أن الجانب التونسي كان ينتظر مكاسب اقتصادية ومادية مقابل لعب هذا الدور، أي حارس للحدود في ملف الهجرة غير النظامية. كما أن الاتفاق مع الجانب الأوروبي ركز على مفهوم أن تونس نقطة حدودية أوروبية متقدمة، وعلى مسألة دور الحارس الذي تلعبه منذ سنوات وستحوّلها إلى سجان لكل المهاجرين غير النظاميين الذين انطلقوا من تونس ويتم إعادة قبولهم على أراضيها. واتفاقية إعادة القبول تكريس لانتهاك حقوق المهاجرين غير النظاميين التونسيين وكرامتهم، وهي لا تشكل تهديداً للواصلين إلى الضفة الشمالية من المتوسط حالياً، وإنما تشكل تهديداً لكل التونسيين الموجودين في أوروبا، وبالإمكان أن تتحول وضعياتهم إلى وضعية غير نظامية نتيجة تعقيدات عدة”.

24383 شخصاً وصلوا إلى السواحل الإيطالية قادمين من تونس، منذ مطلع العام حتى 2 أيار/ مايو الماضي، بمعدل 200 شخص يومياً، وبزيادة تفوق نسبة 1000 في المئة مقارنة بـ2201 مهاجر غير نظامي، في الفترة نفسها من العام الماضي.

مساعدة مالية مقابل استقبال اللاجئين

تعهد الثلاثي الأوروبي (رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيس الوزراء الهولندي ورئيسة الوزراء الإيطالية) خلال اللقاء مع سعيد، بتقديم 900 مليون يورو لدعم الاقتصاد التونسي بشرط الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، و150 مليون يورو لدعم الميزانية بمجرد التوصل إلى مذكرة تفاهم بين تونس والاتحاد الأوروبي، والتي من المقرر أن يتم التوصل إليها في نهاية الشهر الجاري، و100 مليون يورو لمساعدة تونس في إدارة الحدود وعمليات البحث والإنقاذ وإجراءات مكافحة التهريب والعودة لمعالجة قضية الهجرة. هذا إلى جانب زيادة الاستثمار في تونس، بما فيها قطاعات الطاقات المتجددة وتوسيع برنامج تبادل الطلاب “إيراسموس”، والقطاع الرقمي، ومكافحة “الأعمال المشينة” للهجرة غير الشرعية.

في المقابل، تشترط أوروبا ترحيل اللاجئين من جنوب الصحراء الموجودين على أراضيها لتوطينهم بـ”محتشدات” على أرض تونس، وإرجاع التونسيين الذين دخلوا أوروبا عن طريق الهجرة غير النظامية.

ويبدو أن أوروبا قد حسمت أمرها لتحويل تونس إلى حارس لحدودها ومكان لتوطين واستقبال اللاجئين الذين لا ترغب في بقائهم على أراضيها، بمن فيهم غير الحاملين الجنسية التونسية، ولهذا حاولت تقديم جملة من المقترحات المالية والاقتصادية المغرية لتونس، التي تعيش أزمة اقتصادية خانقة وتحتاج الى دخول الأموال إلى خزينتها في أقرب وقت. وقد حاولت طرح تصوّر تبدو فيه ظاهرياً ترتدي ثوب الجهة المحترمة لحقوق الإنسان والمهاجرين، ولهذا أوجدت فكرة البلد الثالث الآمن المتمثل في تونس، التي ستعيد إليها المهاجرين قسراً من دون أن تعتبر ذلك انتهاكاً للاتفاقيات الدولية التي تمنع ذلك. في الأثناء، ستجبر البلد الثالث “الآمن” على احترام حق اللجوء ومبدأ عدم الإعادة القسرية عملاً باتفاقية جنيف لعام 1951. وبذلك تكون قد أخفت انتهاكاتها الحقوقية إزاء المهاجرين ودفعت بهم إلى البلد الآمن الذي سيستقبلهم، ونعني تونس، رغم وعيها بأن هذا البلد لم يعد آمناً للمهاجرين، وليس مهيأ اقتصادياً لتوطينهم. 

وكان البرلمان الأوروبي قد صادق على “إحداث بلد جنوب المتوسط واعتباره آمناً لتوطين المهاجرين غير النظاميين”، تلته مباشرة زيارات متواترة لوفود من الاتحاد الأوروبي لتونس وإعلانهم عن استعدادها لإبرام اتفاق محتمل في نهاية حزيران 2023 مع السلطة التونسية، ما يعني أن البلد الثالث الآمن قد تم الاتفاق بشأنه وتحديده، وهو تونس، البلد الذي يمر بأزمة اقتصادية خانقة جداً تجعل التفاوض معه أسهل حسب تقديراتهم.

الخبير الاقتصادي رضا شكندالي، اعتبر أن الخطة المقترحة من طرف الاتحاد الأوروبي في مجملها خطة قابلة للتنفيذ على المدى الطويل، وقد تفيد الاقتصاد التونسي وتساهم في تحسين معدلات النمو الاقتصادي وخلق موارد الرزق في السنوات المقبلة، لكن الاحتياجات المالية لتونس ملحّة وعلى المدى القريب جداً.

وقال شكندالي لـ”درج”، إن “الاتحاد الأوروبي يقترح مبلغاً ضئيلاً (150 مليون يورو) لدعم ميزانية الدولة، أي ما يعادل أربعة في المئة فقط من احتياجات تونس لهذا العام (3.5 مليار دولار حسب وكالة فيتش)، كما أنها مشروطة بالتوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. كذلك، لا تتضمن الخطة المقترحة أهم نقطة تهم الجانب التونسي، وهي كيفية التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قصد الخروج من الأزمة المالية الخانقة، بما فيها مناقشة تأجيل رفع الدعم”.

وأضاف، “من جهة أخرى، فإن الخطة لا توضح ما إذا كانت تونس مطالبة فعلاً بتطبيق الاتفاق الأخير للاتحاد الأوروبي حول إرجاع المهاجرين الى بلد العبور عوضاً عن البلد الأم أم لا، لكنها تشير الى أهمية المسألة الأمنية في الحد من الهجرة غير النظامية، وقد يُطلب من تونس لعب دور الشرطي في المنطقة، وهو أمر قد لا تقبل تونس بأن تقوم به. في تقديري، لا بد من تعديل هذه الخطة المقترحة، وذلك بالمطالبة بالترفيع في المبلغ المقترح لدعم الميزانية (150مليون يورو) الى مبلغ القسط الأول نفسه من القرض المنتظر من صندوق النقد الدولي، أي 475 مليون يورو، من دون طلب ضمانات من طرف الاتحاد الأوروبي لقرض صندوق النقد الدولي كما حدث مع القرض الذي أسند الى أوكرانيا بضمانات أوروبية وأميركية، وبمبلغ يفوق 7 مرات القرض المقترح على تونس، مع أن اقتصادها في حالة حرب، وفيه مخاطر عالية تهدد استرداد هذا القرض وتتعدى بكثير المخاطر التي يمثلها الاقتصاد التونسي”. 

وتقع تونس على بعد أقل من 150 كيلومتراً من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، التي تشكل منذ فترة طويلة، نقطة انطلاق للمهاجرين، ومعظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء، بحثاً عن حياة أفضل في أوروبا.

وتشير الإحصاءات الرسمية، إلى أن 24383 شخصاً وصلوا إلى السواحل الإيطالية قادمين من تونس، منذ مطلع العام حتى 2 أيار/ مايو الماضي، بمعدل 200 شخص يومياً، وبزيادة تفوق نسبة 1000 في المئة مقارنة بـ2201 مهاجر غير نظامي، في الفترة نفسها من العام الماضي.

واعترضت السلطات التونسية منذ بداية سنة 2023، أكثر من 14082 مهاجراً غير نظامي ومنعتهم من الوصول إلى السواحل الإيطالية، وهو رقم يعادل ضعف أربع مرات عدد الذين مُنعوا في الفترة ذاتها من السنة الماضية. فيما وصل 1771 مهاجراً تونسياً غير نظامي إلى السواحل الإيطالية منذ بداية هذه السنة، وهو ضعف عدد الواصلين السنة الماضية في الفترة نفسها حسب إحصاءات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وتؤكد هذه الأرقام أن تدفقات المهاجرين هذه السنة ستكون أكبر بكثير مقارنة السنوات الماضية.

ويستعد البرلمان الأوروبي لمناقشة إصلاح نظام الهجرة واللجوء نهاية الشهر الجاري، والذي تضمن إشارات إلى إمكان ترحيل من رُفضت طلبات لجوئهم إلى بلد ثالث “آمن”، تنطبق حتى الآن على تونس، لا سيما بعد الزيارات المتتالية لمسؤولين أوروبيين.

محمد أبو شحمة- صحفي فلسطيني | 17.05.2024

مدارس “الأونروا” المدمرة مأوى نازحين في خان يونس

على رغم خطورة المكان على حياة أفراد العائلة، بسبب احتمال سقوط بعض الجدارن أو الأسقف على رؤوسهم، قررت العائلة الإقامة في أحد الصفوف الدراسية، وبدأت بتنظيفه وإزالة الحجارة والركام من المساحة المحيطة به، وإصلاح ما يمكن إصلاحه.